نعمان ماهر الكنعاني
هو نعمان بن ماهر بن حمادي بن حسن بن خليل بن علي الكنعاني شيخ فخذ البو كنعان من عشيرة البو عباس السامرائية العربية وينتهي نسبه بالامام السبط الحسن بن علي رضي الله عنهما ابن ابي طالب الهاشمي القرشي .
ولد سنة \1919 بمدينة (سامراء ) بمحافظة (صلاح الدين ) بالعراق..اكمل دراسته الابتدائية في ( سامراء) .
ثم انتقل الى بغداد فاكمل دراسته الثانوية ثم التحق بالكلية العسكرية و تخرج منها عام \ 1939،
كان في طفولته وصباه يحب ركوب الخيل وقراءة الشعر بالدرجة الاولى وكان يحب الغناء مستمعا لا مغنيا.
اول من شجعه على قراءة الشعر هو الشيخ عبد الوهاب البدري، كان يقرأ الشعر القومي والوطني ويترنم به ترنما جميلا فأصغي اليه بأعجاب، عندما كان تلميذا في الخامس او السادس الابتدائي، وكان يحكي ذلك لوالد ه خريج (المدرسة الرشيدية) في العهد التركي، وكان والده احيانا يشير الى بعض الكتب التي لديه فيقرأها نعمان فيفرح بذلك فرحا كبيرا.
ويقول عن نفسه :
(منذ الصغر وانا اشعر ان طبيعتي طبيعة شاعر، فقد كنت افرق بين الموزون وغير الموزون، وأذكر انه جاء في احد امتحانات البكالوريا للصف السادس عام1932 بيت خطأ، هو للرصافي يقول فيه :
(وانا لقوم مستقلون فطرة
اذا انكر استقلالنا منكر ثرنا)
في حين جاء في الاسئلة (ثرانا)، فقلت هذا البيت خطأ، وحدثت مشكلة بيني وبين الرقيب الذي جاء من بغداد واسمه (ابراهيم عنتر)، فتدخل مدير المدرسة المرحوم ريد رؤوف الاعظمي، وبعد استشارة الاستاذ البدري، ابرقوا الى بغداد فجاء الجواب بتصحيحه !.)
(ومستوانا المعاشي جيدا قياسا الى المحيطين بنا، كنا من الطبقة الاولى معاشيا، كان والدي شيخا للعشيرة وملاكا يمتلك ارضا زراعية واسعة ومضخات للسقي ولدينا عدد ليس قليلا من الفلاحين الذين هم من عشيرتنا (البو كنعان).
( اول قصيدة نظمتها هي ابيات كتبتها وليست قصيدة وهي ابيات في الطبيعة اثناء العطلة الصيفية بعد الصف الاول المتوسط حيث كنت ادرس في المدرسة الشرقية في منطقة (السنك) وكنت في الابتدائية العب كرة السلة وفي المتوسطة والثانوية انقطعت عن الرياضة واستأنفتها في الكلية العسكرية عام 1938، وحين اكملت دراسة الاختصاص في مدرسة الخيالة صرت العب البولو (الكرة والصولجان) دون انقطاع حتى ان نادي الكرة والصولجان .
وكان سبب انتمائي للكلية العسكرية هو المد القومي الذي كان سائدا آنئذ بحيث صار ينظر الى التلميذ الذي يخدم في العسكرية نظرة تقدير، هذا الشعور القومي الوطني كان الدافع الاكبر لي للانتماء للكلية العسكرية.)
(وعملت ضابطا خيالا في الحرس الملكي قرابة اربع سنوات (1941 – 1944)، ثم ضابط استخبارات القوة الالية في جلولاء ومنصورية الجبل حوالي عامين، ثم مساعد مدرسة الدروع في ابي غريب قرابة عام، ثم في مديرية الاستخبارات العامة بمقر وزارة الدفاع 1947، ثم في حرب فلسطين حين شغلت بعض المناصب في القطعات العراقية العامة (1948 – 1949)، ثم عدت الى مديرية الاستخبارات 1951 ومن ثم اعتقلت عام 1957 وأحلت الى التقاعد بتهمة التآمر على العهد الملكي وكنت برتبة مقدم، ثم اعدت الى الجيش وبرتبة عقيد صباح يوم 14 تموز / يوليو عام 1958، ثم صدر امر القبض علي في نيسان 1959، أي بعد ثورة الشواف في الموصل حيث حكم عليّ بالاعدام غيابيا ومصادرة اموالي المنقولة وغير المنقولة، وكنت قد لجأت الى الجمهورية العربية المتحدة (دمشق)، وبموافقة العربية المتحدة اسست المكتب العسكري العراقي في دمشق عام (1960 – 1961)، وبعد ثورة 8 شباط / فبراير 1963 عدت الى العراق واسقطت عني جميع الاحكام، ثم عينت مديرا عاما لديوان وزارة الثقافة والارشاد عام 1964 ثم وكيلا للوزارة عام 1967 ثم طلبت الاحالة على التقاعد عام 1968 وانصرفت الى الشؤون الزراعية في سامراء، كما عملت مع اتحاد المؤلفين والكتاب في العراق وشغلت منصب رئيس هذا الاتحاد عامي 1971 – 1972 الى جانب عملي الزراعي .
( وكانت حركة الضباط الاحرار قد قطعت شوطا بعيدا في العمل السري وكنت منتميا اليها، ونتيجة للوشايات وصلت الى علم الجهات الرسمية اسماء بعض الضباط العاملين في هذه الحركة، اعتقلت ذات ليلة واعتقل معي المرحوم المقدم انذاك (اللواء فيما بعد) السيد شكيب الفضلي وكان اعتقالنا في مديرية الاستخبارات العامة، وبعد تحقيق وتدقيق طويلين لم يحصلوا على شيء من المعلومات من جانبنا، فأكتفوا بالاحالة على التقاعد ونقل الفضلي من منصبه في صنف الدروع الى ضابط تجنيد في قرية نائية في الشمال.
حينها لم تنقطع صلتي بهم، بل ازدادت نشاطا، حيث كنت اكثر حرية للعمل، وهذا الامر حدث ايضا للمرحوم الشهيد رفعت الحاج سري والمرحوم شكيب الفضلي بحيث ازداد نشاطنا، اذ ان رفعت وشكيب احيلا على التقاعد فيما بعد، وكنت مع الضباط الاحرار الذين قاموا بالثورة ولكن ليس من المنفذين، حيث لم اكن اشغل امرية قطعات فعالة. وقد عملت مستشارا للزعيم عبد الكريم قاسم للشؤون الصحفية، وكانت تربطني به رابطة تلمذة منذ الكلية العسكرية ومودة، الا انني وبعد انحرافه عن الخط القومي واتجاهه نحو اليساريين وتنكيله بالضباط القوميين انقلبت عليه شأن عدد كبير من الضباط .
وفي عام 1958 وبداية 1959 رتبنا لثورة الموصل بالاتفاق مع العقيد الشواف امر اللواء الخامس في الموصل والعميد ناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية في كركوك التي كان اللواء الذي بأمرة الشواف أحد ألوية هذه الفرقة، فأتفقنا على القيام بحركة عسكرية واسقاط عبد الكريم قاسم، حيث كلمني لاول مرة فيها العقيد رفعت الحاج سري وكلمت بدوري العميد ناظم الطبقجلي.
( بيئة سامراء طبعتني بطابع الشخص الريفي العشائري مضافا الى الشعور ببقايا الحضارة العباسية التي تمتلك سامراء الكثير من آثارها، فهي الاخرى تركت اثرا عميقا في نفسي الى جانب الحياة الزراعية التي كنت ارى ممارستها من قبل عائلتي او عشيرتنا، وان بعض الصور الشعرية الريفية ما زالت تظهر احيانا في شعري على الرغم من انني جئت الى بغداد مبكرا منذ عام 1933 وكان عمري يومها 14 سنة..
زرت كل البلاد العربية ما عدا موريتانيا وجيبوتي والصومال والامارات، وكذلك زرت اليونان وايطاليا والمانيا واسبانيا وفرنسا وسويسرا وانكلترا وتركيا وباكستان، ومن بينها شعرت بشعور فني خفي في روما ولا ادري له سببا. وعن جمال عبد الناصر قال حين قررت العودة الى بغداد بعد ثورة 8 شباط عام 1963، ذهبت لشكر الرئيس عبد الناصر حين كنت في القاهرة كلاجيء سياسي ويعطينا نفس رواتبنا في العراق، وكانت معاملته جيدة جدا جدا، فذهبت ووجدت بعضا من اللاجئين ينتظرون للسلام عليه، فسلمنا مجتمعين ثم التقطت صورا منفردة مع بعض من اراد هو التصوير معه، فكانت هذه الصورة، وقد ارسلت لي بعد عودتي الى بغداد حيث وصلتنا في\ 17 شباط 1963 في اول طائرة طارت نحو بغداد ).
شغل عدة مناصب عسكرية وشارك في حرب فلسطين عام \ 1948. ومن شعرهه العسكرية هذه الابيات من قصيدته ( صقور وفرسان ) يقول فيها :
أعود للشعر, مَنْ بالشعر أغْراني
وكنت قلت سأنساه وينساني
أزمعت هجرا وهل يكفي الهوى
ألم ينأى به عن فؤاد خافق حاني
لو كان كل محب شاء فرقة من
أحب مارسها.. ما رفَّ قلبان
سحر دعوه الهوى, هل في تمائمكم
ما يطرد السحر عن قلبي ووجداني?
كم قلت كف فؤادي فاستجاب على
تقيّة زيّنت لي كل عصياني
كواكب الوطن الزهر التي ملأت
سماءه لهبا إبداعَ فنان
أحلى الترانيم كانت حين تطلقها
أسرابكم والدجى في جفن سهران
نصغي إليها بقلب جاشَ مضطرما
بين الجوانح عن مكنون إيمان
حرستمُ كل أفق راب طائره
كيْد لذي رحم أو كيد جيران
فبات كل طريق في الحمى ألقا
وعاد كل غراس عاطرا غاني
وطارداتُ الردى والجوّ يسألها
ريثا تماوج عن هدَّار بركان
قالوا (صقور) وهل تدنو الصقور
وقد سلبتم الجو منها باللظى القاني
هيهات, قد كان للصقر الفضاء
ومذ طلعتم سقطت منه الجناحان
وشغل العديد من الوظائف المدنية آخرها وكيل وزارة الثقافة والإرشاد\ 1964-1968 وفي بغداد يقول:
أقبل الضادُ بآمال اللقاءْ فالبسي بغدادُ ثوبَ ا لخُيَلاءْ
وارفعي الفجرَ خياماً فلقد جاءكِ الركبُ بمرفوع اللواء
واسمعي العلياءَ في موكبها تحمل الشوقَ على راح الحُداء
سعتِ الريحُ به مزهوّةً تنظر البيدَ بعين الغُلَواء
لم يعد للبيد عيسٌ ومَدىً يسألان الشِّعْرَ عن ظلٍّ وماء
غلب الجوُّ على أطلاحها بنسورٍ أدركتْ سرَّ الفضاء
لا الوجى يقرب من أخفافها لا ولا تعرف ما كدُّ الحَفاء
وإذا النوءُ دهاها صَرْصَراً خفقتْه بجناحٍ من دهاء
إيهِ بغدادُ وقد هزَّ اللقا ألفَ سرٍّ ضاق دهراً بالخِباء
ها همُ فيكِ كما شئتِ وما حَلُم المجدُ بأيامٍ وِضاء
ها هُمُ في حلبة الشوقِ وفي كلِّ صدرٍ نشوةٌ من كبرياء
أحيل إلى التقاعد حسب طلبه عام \ 1968، وانتخب رئيساً لاتحاد المؤلفين والكتاب في العراق، ثم رئيسا لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق .
توفي الشاعر نعمان ماهر الكنعاني في (عمان )الأردن في التاسع عشر من آب ( اغسطس) 2010م
اثرى المكتبة العربية بدواوينه الشعرية ومؤلفاته ومنها:
- في يقظة الوجدان - شعر
- المعازف - شعر
- لهب في دجلة – شعر
- من شعري – شعر
- أوراق الليل- شعر
- المزاهر- شعر
- المجامر – شعر
- المشاعل - شعر
ومؤلفاته :
- شعراء الواحدة
- شاعرية أبي فراس
- مختارات الكنعاني
- مدخل في الإعلام
- ضوء على شمال العراق
- شعراء الصوفية
- من القصص الإنجليزي (ترجمة)
- الشعر في ركاب الحرب
- الرصافي في أعوامه الأخيرة (بالاشتراك)
- الشعر العربي بين الأصالة والتجديد
- ليل الصب.
يتسم شعر نعمان ماهرالكنعاني بسلاسته وسطحيته وبساطة لغته قال الشعرفي اغلب الفنون الشعرية وخاصة في الفخر والامور العسكرية التي فرضته عليه هيئته العسكرية فهو شاعر مجيد له دواوين كثيرة و مطولات عديدة من الشعر العمودي و كان أول من أطلق عليه لقب ( شاعر القوات المسلحة ) , و اشترك في مهرجا ن المربد الشعري في بغداد والمحافظات العراقية و مؤتمرات شعرية و أدبية عراقية و عربية عديدة ممثلا للعراق أو بدعوة شخصية. وقد التقيت به و تعرفت عليه من خلال مهرجان المربد الشعري عام \1986 ومن خلال وجوده رئيسا لاتحاد الادباء والكتاب في العراق .
واختم بحثي بهذه الابيات من قصيدته الطويلة ( مع الدرويش) ونهجها الصوفي :
صَدَّ عنه النجمُ وابتعدا فشكا للّيل ما وَجَدا
ضاق بالآمال عاثرة فطواها يكتم الحَرَدا
أيعيد القول مشتكيا غِيَرَ الأيام واللددا
تلك حال قد مضت ومضى من يريد الحظّ مرتفدا
إنها أيد لها أيد وشباكٌ تصنع الأَيَدا
فالذي تختار خفّته يرتقي أوعاره صعدا
والذي تأبى مناعته يكتسي خِذلانه بُرُدا
قلت للدرويش يا سندي أنا أرضى فأْلكم سندا
ضحك الدرويش من خَطلي وتمنى أن أرى الرَّشدا
قال قد فات الأوان وقد صرت من جيل مضى بددا
نحن لا نرمي الرُّقَى عرضاً نحن نعطي (فألنا) رصدا
من نراه قانصا دَرِباً يحسن التهديف والطرَدا
فله شتى تمائمنا تطرد الحسّاد والحسدا
والذي يعتاده جنَفٌ إن رأى مزورَّة نقدا
ما له من (علمنا) مدد إن أتانا يسأل المددا
يا لها أيد لها سنن وفنون تفتن الفندا
فالسقيم النضو تُلبسه طيلسانا يمسح الكمدا
والعيون النافذات إذا عمَّقت ألْقت لها الرمدا
وغباء أن يقول لها صادف, إني أخاف غدا
أيخاف الحادثاتِ فتى وهبته الساق والعضُدا
وسَمَتْه فانبرى جذِلا يحمل الطغراء والصَّفَدا
هو بين الناس أرفعهم وهو إن صاحوا به سجدا
صد عنه النجم حين رأى منه عيناً تحمل السهدا
وتطيل الفكر منشغلا بهموم تأكل الجسدا
لم لا يرضى الرضوخ وقد طاب فيه الظل وابتردا
أسهرته حدة جعلت منه درء الزيف ما نَهَدا
حين طاب الزيف واحتلبت ضرعه الأقزام فانعقدا
لم لا يرضى بطاقية ألف لون تحتها وعدا?
بطلاءات يحار بها كاشف الألوان مجتهدا
وتهاويل تترجمها لغة التهريج معتقدا
بسمة صفراء كافية وانحناء يحكم المسدا
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
*****************************