ابن حجة الحموي
بقلم د فالح الكيلاني
هو أبو المحاسن تقي الدين أبو بكر بن علي بن عبد الله بن حجة الحموي الحنفي الازراري اسمياه والداه ( ابا بكر ) واختار هو لنفسه لقب (تقي الدين) وقيل ان (حجة) اسم أمه وأما هو فقد صرح غير مرة ان هذا الاسم تسمى به نتيجة لادائه فريضة الحج مرة واحدة وهو عزيز على قلبه فقال :
وبأبن حجة لما حج واحدة
لبيته صار يدعى وهو مشكور
ولقبه الازراري جاء نتيجة لعمله الحرفي اذ عمل في اقمشة الحرير فكان يعقد الازرار وقيل له الحموي لانه اصلا من مدينة (حماة ) السورية وقيل له الحنفي لانه اعتقد المذهب الحنفي .
ولد بحي ( باب الجسر) من مدينة ( حماة ) الشامية في ذي الحجة من سنة\ 767هجرية – 1366 ميلادية من عائلة مغمورة غير معروفة الا ان محلة الجسر كانت رائعة حيث الطبيعة الجميلة والمياه المتدفقة والمزايا الانسانية الخلاقة فكان لهذه الامور اثرها في نشأة الطفل وتاثرها في نفسيته فتحفقت مدارج العلم والمعرفة فيه وقد ارسله ابوه للكتاب فحفظ القرآن الكريم وبعض معارف اللغة العربية وآدابها وكان يغشى مسجد (الدهيشة ) ويسمة (جامع أبي الفداء ) فيحضر دروس العلماء التي تلقى في رحابه ، وتزود في هذه الفترة بمعرفة غزيرة من أجمل الصور البلاغية المتمثلة في اعجاز القرآن الكريم فتعلم القران الكريم وحفظه ثم تتلمذ على ايدي شيوخ اجلاء في( حماة) ، وفي مقدمتهم شمس الدين الهيتي وعز الدين الموصلي والعلاء القضامي فاستقى منهم ولما اكتمل علمه اتصل بشيوخ وعلماء من خارج مدينته قرأ عليهم وراسلهم وطارحهم وجالسهم ومنهم : زين الدين بن العجمي ،وشهاب الدين بن حجر وعلاء الدين بن ابيك وبدر الدين البشتكي ، والصاحب فخر الدين بن مكانس ، شهاب الدين بن حجر العسقلاني ، بدر الدين الدماميني ، عبد الرحمن بن خلدون فاشتد ساعده واستوى عوده واصبح عالما من العلماء وتمكن من اللغة العربية وفنونها وأقبل على نظم الشعر ومدح أعيان مدينته وقضاتها ونوابها وكتابها فنال بذلك شهرة واسعة ومالا وفيرا :
عزم على السفر إلى دمشق قاصدا العالم والقاضي العادل فيها (برهان الدين بن جماعة) فمدحه بقصيدة رقيقة استهلها بالغزل :
طربت عند سماعي وصف معناك
فكيف لو كان هذا عند مفناك
ياظبية نفرت عن مرتعي ورعت
حشاشة القلب عين الله ترعاك
وقد لاقت قصيدته هذه استحسان الادباء والشعراء فتلقفتها الاسماع وانبرى الشعراء والادباء والقضاة والفقهاء يقرضونها نثراً وشعراً في الشام حتى وصلت شهرتها إلى مسامع شعراء و ادباء مصر وفضلائها فقرضوها.
وكان منهم الشاعرعلاء الدين ايبك فقال :
نال ابن حجة وتبة بمقامه
ما لابن حجاج إليها مرتقى
هذا هو النظم الذي من حسنه
أضحى على جيد الزمان مطوقا
وقد اعطت ابن حجة شهادة رائعة خاصة وتعتبر انها اول قصيدة رائعة ناضجة له فشجعه ذلك على زيارة (القاهرة ) في عام 791هجرية- 1388 ميلادية فلقي بفضلها حفاوة عالية وتكريما رائعا له ولشعره في مصر ،وكسب صداقة ومعرفة اغلب الادباء والشعراء وأصبحوا أصدقاء له سواء كانوا في مصر أم في سورية ،
رجع الى سورية بعد اقامته القصيرة في القاهرة ، وعرج في طريقه على مدينة ( دمشق ) ليرى ما حل بها بعد الكارثة التي انزلها بها الملك الظاهر ( برقوق ) اذ انتقم من أهلها بسبب موالاتهم السلطان الملك ( المنصور) وأمر باحراقها ، وكان في مروره عليها وهو في طريقة إلى ( حماة ) في شهر شوال من عام \791هجرية- تشربن الاول من عام1388 ميلادية.
وتذكر حماة وهو في مصر فاشتد شوقه اليها فكتب قصيدته فيها ومنها هذه الابيات :
هواي بسفح القاسمية والجسر
اذا هب ذاك الريح فهو الهوى العذري
يروق امتداد الجسر والقصر فوقه
فيحلو طباق العيش بالمد والقصر
وقد أصبحت تلك الجزيرة جنة
الم نتظر الآنهار من تحتها تجري
وأن جزت في الرمضاء بين غصونها
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وتذكرني بقصيدة صريع الغواني في (رصافة بغداد) وهويقول:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث ادري ولا ادري
الا انه بعد ان استقر في ( حماة ) اخذ يقوم بزيارات الى حمص وحلب ودمشق ويتردد على الادباء والشعراء الفضلاء
ثم شد رحاله الى مصر مرة اخرى فوصلها في المرة الثانية سنة \801هجرية – 1399 ميلادية فبقي فيها شهورا ثم برحها الى طرابس الشام ومكث فيها اشهر فاشتاق الى الاهل والاحبة فكتب يقول :
وان كان قدري في طرابلس علا
وقد لقيتني وهي باسمة الثغر
فإن الفراق الالف والحل والهوى
وفقد الحمى والاهل صعب على الحر
وهو في طرابلس الشام حصلت الفتنة بين السلطان الناصر (فرج بن برقوق ) ونواب من( دمشق) و(حلب ) و(صفد ) ومن نا صرهم من الشعب فاستغل الموقف صاحب الجند فاعلن الحرب ودخل طرابلس فانزم ابن حجة الحموي وجماعة اخرين الى مصر ودخلوها سنة 802 هجرية - 1400 ميلادية واعلنوا لجوئهم لدى السلطان في القاهرة وكان فيها الملك المؤيد فلزمه وانعم عليه فمدحه بعدة قصائد منهاهذه التي يقول فيها:
هو كامل في فضله وعلومه
والله اعطاه كمال الدين
حسنت لياليه وأيام له
فهدى الزمان بطرة وجبين
ياصاحب البيت الذي عن وصفه
قد أحجمت شعراء هذا الحين
إن جاء نظمي قاصراً عن وصفه
عذراً فهذه نشطة الخمسين
ونعم كبرت وبان عزي إنما
كانت مسرات اللقا تصبين
. ولما طالت غيبته كتب الى حماة واحبته فيها قصائد ضمنها اشواقه وحبه اليهم قال:
ياطيب الأخبار ياريح الصبا
يامن إليه كل صب قد صبا
عرج على وادي حماة بسحرة
متيمما منه صعيدا طيبا
وأحمل لنا في طي بردك نشره
فبغير ذاك الطيب لن نتطيبا
واسرع إلي وداو في مصر به
قلبا على نار البعاد مقلبا
لله ذاك السفح والوادي الذي
مازال روض الانس فيه مخصبا
ياساكني مغنى حماة وحقكم
من بعدكم ماذقت عيشا طيبا
وانعم بمصر نسبة ، لكن أرى
وادي حماة ولطفه لي أنسباً
وفي عام 818هجرية-1415ميلادية سافر صديقه محمد بن البارزي من القاهرة إلى (حماة) في مهمة رسمية فأرسل ابن حجة معه قصيدته النونية إلى بلده وأصدقائه وفيها يظهر آلامه وأحر اشواقه ومحبته ويشكو البعد على الرغم مما هو فيه من عيش رغيد و سعادة وهناء فيقول:
خل التعلل في حمى يبرين
فهوى حماة هو الذي ببريني
وأطع ولاتذكر مع العاصي حمى
مافي وراء النهر مايصبيني
والله ما انا أيس من قربها
بالله صدقني وخذ بيميني
قالو اتسلو عن ثمار شطوطها
فأجبت لا والتين والزيتون
فالعين قد اجريها برجع حنيني
فأحذر ملامي عند فيض مدامعي
فالدمع دمعي والعيون عيوني
ويقول ايضا:
لكن حماة الشام اذكر دوحها
وبهذه الذكرى تهيج بلابلي
لم لا وتلك الارض مبيت مغرسي
ومنازهي ومواطني ومغازلي
فاشفع بحقك لي بخمسة أشهر
أقضي بها أربي بعود عاجل
فالشوق صير مهجتي لسهامه
غرضا ، فياخزني لشوق قاتل
ولما توفى صاحبه البارزي سنة 823هجرية - 1420ميلادية كانت وفاته كارثة عليه رثاه قائلا :
لفقدك يابن البارزي تهدمت
بيوت المعالي ما لها من مشيد
وما خلب الأكباد حزن مبرح
كحزن ابي بكر لفقد محمد
وفي شوقه لمدينته حماة له لكثير من الشعر غيرما ذكرناه قال :
لكن حماة الشام اذكر دوحها
وبهذه الذكرى تهيج بلابلي
لم لا وتلك الارض مبيت مغرسي
ومنازهي ومواطني ومغازلي
فاشفع بحقك لي بخمسة أشهر
أقضي بها أربي بعود عاجل
فالشوق صير مهجتي لسهامه
غرضا ، فياخزني لشوق قاتل
اختار ( الملك المؤيد ) كمال الدين البارزي أبن ناصر الدين محمد البارزي لمنصب كاتم السر ورئاسة ديوان الانشاء لذا ابقي ابن حجة على منزلته وكان الشاعر ابن حجة قدمدح الملك المؤيد بعدة قصائد خلال بقائه عنده اذكر بعض ابيات من احدى قصائده :
كأس المسرة في البرية دائر ... والكون بالملك المؤيد زاهر
ملك من الأنصار قد أمسى لد ... ين محمد وله الأنام تهاجر
يا حامي الحرمين والأقصى ومن ... لولاه لم يسمر بمكة سامر
والله إن الله نحوك ناظر ... هذا وما في العالمين مناظر
فرج على اللجون نظم عسكراً ... وأطاعه في النظم بحر وافر
فانبث منه زحاقة في وقفة ... يا من بأحوال الوقائع شاعر
وجميع هاتيك الطغاة بأسرهم ... دارت عليهم من علاك دوائر
الا أن الوشاة والاعداء استطاعوا ان يؤثروا عليه فاضطر ابن حجة ترك ديوان الانشاء الذي طالما حظي به عند أبيه ثم مات ( الملك المؤيد بها عند أبيه ثم مات ( الملك المؤيد) فكان موته نكبة على ابن حجة فاضطر ابن حجة ان يهجر مصر التي عاش فيها اكثر من خمسة عشر عاما ويعود مضطرا الى حماة
وفي حماة وانقطع أبن حجة الى العلم ونشر الكتب والتدريس في جامع (أبي الفداء) في محله (باب الجسر )الذي كان يسمى( جامع الدهيشة ).
اصيب ابن حجة بمرض البرداء – الملاريا فانهكه . فوفاه الاجل صباح الثلاثاءالخامس والعشرين من شهر شعبان 837هجرية - الموافق للسادس من شهر نيسان عام 1434ميلاديةعن عمر يقارب السبعين عاما ودفن في مثواه الاخير في مقبرة (باب الجسر ) مدينته التي احبها كثيرا وتغني بجمالها .
أوصى أن يكتبوا على قبره هذين البيتين من شعره وهما اخر ما نظم من شعر فقال :
ياغافر الزلات ، يامن عفوه
ينهل بالرحمة من فوق السحب
بيتك قد جاورته بحفرتي
وانت قد أوصيت بالجار الجنب
دفن ابن حجة في تربة (باب الجسر ) وبني على قبره قبة بقيت قائمة إلى نهاية القرن الثالث عشر الهجري – التاسع عشر الميلادي فتهدمت فأقام بعض القوم حجارة على قبره وحفر على الحجارة ان هذالقبر ( قبر الامام الغزالي واخذ عامة الناس يزورونه معتقدين انه (الامام الغزالي) ويجهلون أنه ابن حجة الحموي اما الغزالي فقد دفن في مدينة (طوس) وليس له وجود في مدينة حماة ..
. ولما طالت غيبته كتب الى حماة واحبته فيها قصائد ضمنها اشواقه وحبه اليهم قال:
ابن حجة الحموي شاعر وكاتب غلبت علومه وادبه في كتبه في النثر على شعره. شاعر جيد الإنشاء. حسن الأخلاق والمروءة، فيه شيء من الزهو والإعجاب وله في النقد آراء ونظريات، وفي البلاغة مصنفات واراء وقد نظم الشعر في اغلب الفنون الشعرية وخاصة المدح والوصف وغلبت على شعره محبته وشوقه ل(حماة) التي ولد فيها ووري الثرى فيها .
يتميز شعره بالسلاسة وكثرة المحسنات اللغوية واللفظية المنتشرة في ذلك العصرفهو شاعر وكاتب مهتبر معروف كما ذكرت انفا
ترك لنا العديد من الاثار والمؤلفات منها :
-خزانة الأدب وغاية الأرب
-ثمرات الأوراق
-كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام
-ازهار الانوار
-مجرى السوابق
-تأهيل الغريب النثري
-رسائل ابن حجة
-قهوة الانشاء
-جنى الجنتين
-تغريد الصادح
-تحرير القيراطي-قبول البينات
-تأهيل الغريب الشعري
-بلوغ الامل
-بيوت العشرة
• بلوغ الأمل في فن الزجل.
• شرح لامية العجم.
• بلوغ المرام من سيرة ابن هشام.
• بلوغ المراد من الحيوان والنبات والجماد.
• الكلب الأمين
. حذاء الطنبوري
-زاوية شيخ الشيوخ ( وهو رسالة وروائع فن البديع في عصره وهو عبد العزيز الانصاري شيخ شيوخ حماة وقد ضمن هذه الرسالة كتابه – كشف اللثام – ويبدو انه افردها في رسالة خاصة )
اما كتبه المفقودة :
ولابن حجة عدة كتب مفقودة ذكرها المؤرخون او ورد ذكرها في كتبه الأخرى الاانها لم يتم العثور عليها لحد الان ولعل البحث والأيام والجهد تعين على العثور عليها وهي:
- ملتقطات ابن حجة
- لزقة البيطار
- بروق الغيث
- حديقة زهير
- بياض النبات
- قطر النباتين
- ناضج قلاقس
- لطائف التلطيف
واختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :