الشاعر سعيد عقل
بقلم د فالح الكيلاني
ولد سعيدعقل في مدينة( زحلة) بشرقي لبنان سنة\1912،
وتلقى تعليمه فيها وكان متفوقا دراسيا وله رغبة جامحة في دراسة الهندسة الا انه توفي ابوه وهو الخامسة عشرة من عمره فخسر خسارة كبيرة معنوية ومادية افضطر الى تغيير مدار دراسته ويتحمل نفقاته الدراسية ونفقات بيت عريق معروف في ( زحلة) واضطر للممارسة الصحافة والتعليم فانتقل الى ( بيروت ) واستقر بها في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين وكتب بكل جرأة وصراحة في صحيفة ( البرق ) وصحيفة ( لسان الحال) وصحيفة ( المعرض )و صحيفة ( الجريدة ) ومجلة ( الصياد)
مارس سعيد عقل التدريس في مدرسة الآداب العليا، وفي مدرسة الآداب التابعة للأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، ودار المعلمين والجامعة اللبنانية. كما درس تاريخ الفكر اللبناني في جامعة الروح القدس وألقى دروساً دينية لاهوتية في معهد اللاهوت في ( مار أنطونيوس الأشرفية).
وكان من أكبر دعاة القومية والوطنية في لبنان ، وأسهم بشكل كبير في تأطير فكرها الإيديولوجي من خلال التركيز على (الخاصية اللبنانية). كما أنه دعا إلى استعمال اللهجة العامية اللبنانية، متصورا أن المستقبل هو لهذه اللهجة كلغة للبلاد ، وقد أثارت مواقفه جدلاً كبيراً.
وقد أثارت مواقفه اعلاه جدلاً واسعا ومنها ترحيبه باجتياح إسرائيل للبنان في عام 1982، ودعوته لها القضاء على الفلسطينيين، واعتباره لبنان بلدا ( فينيقيا )لا ينتمي إلى المحيط العربي، ودعوته للتخلي عن اللغة العربية الفصحى واعتماد اللهجة العامية كلغة قومية لبنانية ابجدية لبنانية ) أي لبنانية عامية وبحروف )التي تكتب بحروف ( لاتينية ) لكن دعوته هذه لم يطبقها حتى على نفسه فنظم الشعر باللغة العربية الفصحى وكذلك مسرحياته ونثرياته
يعد سعيد عقل شاهداً على التاريخ اللبناني المعاصر ابتداء من سقوط الدولة العثمانية وخضوع لبنان للانتداب الفرنسي واستقلاله، إضافة إلى المراحل العصيبة التي عصفت بلبنان، سيما الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، الذي كان له موقف خاص إزاءه. وكثيرون من عشّاق شعر سعيد عقل يتمنّون لو أنه لم يخضْ غمارَ السياسة ولم يغرقْ في وحولها. شاعرٌ لبنانيّ ارتقى باللغة والشعر إلى أرقى مصافِ الجمال والرفعة هو أكبر من أن ينزل من عليائه إلى متاهة السياسة اللبنانية.
توفي سعيد عقل في الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني ( نوفمبر) عام 2014 في لبنان بعد ان عمر (102) سنة تقريبا
إما اعماله الادبية فكثيرة نذكر منها الاتي :
• سائليني (قصيدة)
• نشيد جمعية العروة الوثقى - للنسور ولنا الملعب
• بنت يفتاح (مسرحيّة)
• المجدليّة (ملحمة)
• قدموس (مسرحيّة)
• ردنلى -
• مشكلة النخبة
• أجمل منك... لا!
• لبنان إن حكى (تاريخ وأساطير)
• كأس الخمر
• يارا (بالحرف المحلي اللبناني
• أجراس الياسمين
• كتاب الورد
• قصائد من دفترها
• دُلْزى
• كما الأعمدة
• خماسيّات (بالحرف المحلي اللبناني)
• الذهب قصائد (بالفرنسيّة)-
سعيد عقل هو شاعر كلاسيكي مجدّد لم يتخيّل القصيدة يوماً، خالية من عروض الشعر العربي ومن جماليات البيان والبديع التي حفل بها تراث الشعراء القداما.فهو شاعر كبير، - بلا شك – وبما كان آخر الشعراء الكلاسيكيين الكبار بعد رحيل روّاد النهضة العربية في الشعر امثال البارودي وشوقي القروي وغيرهم ،فقد أحدث ثورة في شكل القصيدة العمودية وفي اللغة الشعرية العربية التي أدرك أسرارها باكراً وتمرّس فيها حتى أخضعها لقلمه الثر صوغاً وسبكاً، فغدت بين يديه كالذهب الخالص بين يدي صائغ متمكن وفيقصيدة يخاطب بها بردى نهر الشام
الجميل يقول:
مرّ بي يا واعداً وعداً
مثلما النسمة من بردى
تحمل العمر تبدده
آه ما أطيبه بددا
رب أرض من شذا و ندى
وجراحات بقلب عدى
سكتت يوماً فهل سكتت؟
أجمل التاريخ كان غدا
واعدي لا كنت من غضب
أعرف الحب سنى و هدى
الهوى لحظ شامية
رق حتى قلته نفذا
هكذا السيف ألا انغمدت
ضربة و السيف ما انعمدا
واعدي الشمس لنا كرة
إن يد تتعب فناد يدا
أنا حبي دمعة هجرت
إن تعد لي أشعلت بردى
عاش سعيد عقل في قلب القرن العشرين وخارجه في آن، لم تؤثر فيه الثورات الثقافية والشعرية التي شهدها هذا القرن ولا الحروب ولا المآسي. التي وقعت فيه حتى الحداثة الثقافية لم يعرها اهتماما كثيرا وكان يصرّ على عدم اعتبار قصيدة النثر. قصيدة شعرية فمن قصيدة بحق دمشق يقول:
أحب دمشق هوايا الأرقا
أحب جوار بلادي ثرى من صبا
ووداد رعته العيون جميلة و قامة كحيلة
أحب أحب دمشق
دمشق بغوطتك الوادعة حنين إلى الحب
لا ينتهي كأنك حلمي الذي أشتهي
هوى ملء قصتك الدامعة تمايل سكرى به
دمشق كشمس الضحي الطالعة
هنا و البطولات لا تنضب
تطلع شعب حبيب العلي إلى المجد بالمشتهى كلل
دمشق و أنت الثرى الطيب غضبت و ما أجمل
فكنت السلام إذا يغضب
كان شاعراً كبيراً مكتفياً بذاته،و بذائقته الأصيلة التي طالما تغذّت من منابت الشعر العباسيّ والقرآن الكريم وعيون المصنّفات الأدبية التراثيّة، وان اطلاعه على الشعر الكلاسيكي الفرنسي،وشغفه دفعته حماسته لهذا الشعر أن يكتب قصائد بالفرنسية الا انها موزونة ومقفّاة.
كان سعيد عقل شاعرَ المجد والعظمة، شاعر الحبور والفرح، شاعر الطمأنينة والخلاص، شاعر الغزل العذريّ والحب الصافي الذي لا تشوبه شائبة ولا خطيئة. كتب عن المرأة حبيبةً وأختاً وأمّاً ولم يقربِ البتّة من إباحية الإباحيين. ولعل هنا تكمن فرادته وخصال شعره الغزلي ففي قصيدته (زهرة الزهور) يقول :
كُن أنتَ للبِيضِ، وكُنّ للسُّمْرْ
ما هَمَّني؟ حُبِّي أنا يَبقى
سَعيدةٌ به، وإن أشْقا
تُحبُّني، أو لا تُحِب، أنتَ أنتَ العُمرْ!
أما كَفَى أَنّي على يَدَيْكْ
أَشْتاتُ أُلهِيْهْ..بي نِيَهْ
يا حلوُ، أن أغرقَ في عينيكْ؟
تُميتُني، تُبقى عَلَيّْ
إشفاقةً أو ترضِيَهْ،؟
ما هَمَّ، أنتَ الضَّوءُ في عينيّْ
وأنتَ في ثَغْريَ أُغنيةْ!
تذكُرُه بَوحَكَ لي؟ تذكُرُها تلك العُهودْ
فَمٌّ، ولا وَهْمُ الزَّهَر،
لَونٌ، ولا حُلمُ القَمَرْ،
عينانِ غَرِّب يا وُجودْ!
وكانت اليَدانْ بمِعصَميَّ تَلعبانْ
غدٌ أنا وأَمسْ
شَعري شُعاع الشَّمسْ
في ظِلَّه مختبىءٌ نَيسانْ
وكان في قلبك جَمْرْ
وخلف ثوبي لؤلؤٌ وماسْ
تقول: «أنتِ خَمْرْ
متى أصِيرُ كاسْ؟»
أوّاه كم لي هَهنا
من ذكرياتٍ، من مُنى
لا تَنْسَني، لا تَنْسَنا
لي أنتَ أم لا؟ أنا لَكْ
نَبْقَى على كَرِّ العصورْ
أنا الفَلَك أنت تدورْ
يخونها ولا تخون العطر زهرة الزهورْ!
وشعر سعيد عقل كان سهلا سلسا قريبا من اذن الامع اليه اذا اهتم المغنون بغنائه فتغنى به المطرب محمد عبد ه والموسيقار محمد عبد الوهاب والاخوان رحباني وسنديانة لبنان فيروز فغنت له قصائد في الغزل واناشيد وطنية تهز النفس هزا منها :
سيفٌ فَلْيُشْهَرْ في الدنيا ولتصدعْ أبواقٌ تَصْدَعْ
الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلْتُقْرَعْ
أنا لا أنساكِ فلسطينُ ويشدّ يشدّ بِيَ البعدُ
أنا في أفيائك نسرينُ أنا زهر الشوك أنا الوردُ
سندكُّ ندكُّ الأسوارَ نستلهم ذاك الغارْ
ونعيدُ الى الدارِ الدارَ نمحو بالنارِ النارْ
فلتصدعْ فلتصدعْ..
أبواقٌ أجراسٌ تُقْرَعْ.. قد جُنَّ دمُ الأحرارْ
واختم بحثي بهذه القصيدة بعنوان ( مكة واهلها الصيد )
غنيت مكة أهلها الصيد
و العيد يملؤ أضلعي عيدا
فرحوا فلألأ تحت كل سما
بيت على بيت الهدى زيدا
و على أسم رب العالمين
على بنيانهم كالشهب ممدودا
يا قارئ القرآن صلي لهم
أهلي هناك و طيب البيدا
من راكع و يداه أنساتاه
أليس يبقى الباب موصودا
أنا أينما صلى الأنام رأت
عيني السماء تفتحت جودا
لو رملة هتفت بمبدعها
شجوا لكنت لشجوها عودا
ضج الحجيج هناك فاشتبكي
بفمي هنا يغر تغريدا
و أعز رب الناس كلهم
بيضا فلا فرقت أو سودا
لا قفرة إلا و تخصبها إلا
و يعطي العطر لا عودا
الأرض ربي وردة وعدت بك
أنت تقطف فإروي موعودا
و جمال وجهك لا يزال رجا
ليرجى و كل سواه مردودا
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************