الفصل الثالث
الفنون الشعرية في الفترة المظلمة
ان الشعر في القرن الاول لفترة حكم المغول كان جيدا قوي الاسلوب والسبك ويتميز باخيلة جيدة ففي هذه الفترة نضج الفكر العربي في الاداب والفنون وفي كل امور الثقافة الاان اغلب الشعراء قتلوا او تشردوا خوف القتل فاقفرت الحالة وانتكست الامور بخراب البلاد
وقد كتب الشعراء في هذا العصر في معظم أغراض الشعر العربي وأضافوا ما استجد في عصرهم من قضايا أخرى، وأهم هذه الأغراض:
1- الممارسة والنضال:
وهو غرض كان له المنزلة العظيمة بسبب صراع العرب المسلمين مع الفرنجة والتتار إذ أن الشعراء حملوا على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد والنضال، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والتصفح لشعر الجهاد والنضال في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها من ذلك قول تقي الدين اسماعيل التنوخي:
لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
تاج الخلافة والربع الذي سرُفت
به المعالم قد عفّاه إقفارُ
ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم ما راقه نظر إلى إنسان
وإذا كان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبء الصراع مع الفرنجة ، فإن المماليك قد تولوا عبء الدفاع ومنازلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي قطز أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد أن احتلوا حلب وحماة ودمشق ، وقد قام قطز بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت عين جالوت المعركة الحاسمة إذا اعتبرت من أهم معارك المسلمين ، ومثلها مثل معركة اليرموك و القادسية والزلاقة، ومن الشعراء الذين ا رخوا تلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:
جرّدت يوم الأربعاء عزيمة خفيت عواقبها عن الإدراك
وأقمت في يوم الخميس مبالغاً في الجمع بين طوائف الأتراك
قعّدت أبطال التتار بصولةٍ تركهم كالصّيد في الأشراك
وهذا ايضاً على الفرنجة و المغول، وقد قضى في إحدى المعارك على ثلاثة آلاف منهم وذلك في الجزيرة (671هـ) :
سر حيث شئت لم المهيمن جار واحكم فطوع مرادك الأقدار
حملتك أمواج الفرات ومن رأى بحراً سواك تقله الأنهار
وقد فتح المماليك بعد الظاهر بيبرس بزعامة المنصور قلاوون طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت عكة من قبل الأشرف خليل ابن منصور قلاوون.
ولمّا هاجم الفرنجة الاسكندرية عام (767هـ) وأسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى شهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:
أتاها من الإفرنج ستون مركباً وضاقت بها العربان في البرّ والبحر
أتوا نحوها هجماً على حين غفلة وباعهم في الحرب يصر عن فتر
وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة عن أوطانهم الا أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجليلة الجسام
2- المديح:
ويتضمن هذا الغرض أنواع عدة:
آ- المدائح النبوية: وهي قصائد قيلت في مدح الرسول محمد عليه السلام وآل بيته، وقد ساعد على ظهورها العوامل التالية: سوء الاحوال السياسية والاجتماعية وقلة موار د البلاد وتكالب الطامعين من الحكام والامراء والاخرين والاستحواذ بخيرات البلاد
وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول لتفريج الكرب، وقد غذّي المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.
وقد ذكر الشعراء معاني لهذه المدائح منها: أخبار الرسول – صفاته ومعجزاته- الحديث عن المدينة المنورة- ذكر آل البيت – ذكر الخلفاء الراشدين . من ذلك ما قاله البوصيري:
أمن تذكر جيران بذي سلم فرجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماء ومن إضم
وقد حذّر الشاعر في نهج بردته من هوى النفس وقال:
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم
ب- مدح الحكام والعظماء:
وقد سار هذا المدح على طريقة الأقدمين طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوا ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف الطبيعة.
يقول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كبار الإنشاء وكاتب السر للملك :
إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به الدّهر قال الدهر لست هناكا
علوت فأدركت النجوم فصفتها كلاماً ففقت القائلين بذاكا
ج- مدح الأصدقاء والأقرباء:
وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة البديعية، من ذلك ما مدح به ابن نباته صفي الدين الجلّي:
3- الرثاء:
نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد واصل شعراء هذا الغرض فن الرثاء، فقد برز في هذا الغرض ثلاثة أنواع:
1- المراثي الخاصة: التي قيلت في أناس أعزاء على قلب الشاعر كما في رثاء يحيى شرف الدين لزوجه فاطمة بنت عبد الله الموصوفة بالفضل والكرم .فيقول:
وما فاطمٌ إلاّ الحور أخرجت
لنعرف قدر الحور قمّت ردّت
وكما في رثاء صفي الدين الحلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى صار كاتباً فطناً:
هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي إذ نبذناه بالعراء سقيماً
ونأى يوسفي فقد هذبت عبد منا ي من حزنه وكنت كظيماً
2- المراثي العامة: وهي كثيرة تقوم على الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه
من خلال المبالغة والصنعة من ذلك قول ابن نباته في رثاء الملك المؤيّد:
ليت الحمام حبا الأيام موهبة ف فكان يفني بني الدنيا ويبقيه
لهفي على الخيل قد وقت صواهلها ح حقَّ العزا فهو يشبجيها وتشجيه
3- رثاء الممالك والمدن: كما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم فما راقه نظرٌ إلى إنسان
ومن ذلك أيضاً قول تقي الدين:
ناديت والسبي مهنوك يجرههم إلى السّفّاح من الأعداء وعّار
يا للرجال لأحداث تحدثونها بما غدا فيه إعذارٌ وإنذارٌ
وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:
لهفي على تلك البروج وحسنها حفّت بهن طوارق الحدثاني
كانت معاصم نهرها فضية والآن صرن كذائب العقيان
4- الغزل:
وهو غرض أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي فأفردوه حيناً بقصائد مستقلة وجعلوه أحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان هذا الغزل يطل برأسه من خلال العتاب والرضى والافتتان والشكوى تعبيراً عن المشاعر يحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية غالباً وتحدث الغزل عندهم عن:
آ- وصف محاسن الحبيب: حيث شبّهوا وجهه بالبدر والشمس وشعره بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّه بالرماح وصدغه بالعقربة. ومن ذلك ما قاله التلعفري:
لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة م ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها
هبني أماثلها نوراً وفرط سناً م من أين أملك معنى من معانيها
ب- وصف أموال المحبين: حيث جعلوا المحبّ يحزن وشوق وصبابة، وجعلو المحبوبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا .
ج- الحديث عن الوشاة والرقباء: ومتاعب وعثرات الحب حيث اتهموا العذال بالبلادة، وجعلوا أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة وحاسدة، وذلك لينتهزوا الفرص و لينهلوا مما يطيب لهم.
د- الحديث التركي والمغولي والهندي والفارسي والإفرنجي والكردي والزنجي: وتغيرت معايير الجمال من العيون النجلاء الحوراء إلى العيون الضيقة.
يقول ابن نباتة:
وحبيب إليّ يفعل فعال الأعداء بالأجداء
ضيق العين إن رنا واستمعنا وعناء تسمّع النجلاء
وأيضاً :
بهت العذول وقدر رأي ألحاظها تركية تدع الحليم سفيهاً
فثنى الملام وقال دونك والأسى
هذي مضايق لست أدخل فيها
وكذلك وصفوا العيون الزرقاء كما في قول ابن نباته:
وأزرق العين يمضي حدّ مقلته مثل السنان بقلب العاشق الحذر
قالت صبابة مشغوف بزرقتها دعها سماويّة تمضي على قدر
هـ- الإعراض عن ذكر الأسماء كزينب ورباب وسعدى وهند وأسماء إلى أسماء جديدة هي واقع الحال يقول ابن نباته:
على ضيّق العينين تسفح مقلتي ويطربني لا زينب ورباب
فيارشأ الأتراك لاسرب عامر فؤادي من سكني السكون خراب
و- الحديث عن زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة وفي ذلك يقول الحلّي:
ما بين طيفك والجفون تواعد
فيفي إذا خُيّرت أني راقد
إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
شرده يصار به الغزال الشاردُ
الفنون الشعرية في الفترة المظلمة
ان الشعر في القرن الاول لفترة حكم المغول كان جيدا قوي الاسلوب والسبك ويتميز باخيلة جيدة ففي هذه الفترة نضج الفكر العربي في الاداب والفنون وفي كل امور الثقافة الاان اغلب الشعراء قتلوا او تشردوا خوف القتل فاقفرت الحالة وانتكست الامور بخراب البلاد
وقد كتب الشعراء في هذا العصر في معظم أغراض الشعر العربي وأضافوا ما استجد في عصرهم من قضايا أخرى، وأهم هذه الأغراض:
1- الممارسة والنضال:
وهو غرض كان له المنزلة العظيمة بسبب صراع العرب المسلمين مع الفرنجة والتتار إذ أن الشعراء حملوا على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد والنضال، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والتصفح لشعر الجهاد والنضال في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها من ذلك قول تقي الدين اسماعيل التنوخي:
لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
تاج الخلافة والربع الذي سرُفت
به المعالم قد عفّاه إقفارُ
ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم ما راقه نظر إلى إنسان
وإذا كان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبء الصراع مع الفرنجة ، فإن المماليك قد تولوا عبء الدفاع ومنازلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي قطز أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد أن احتلوا حلب وحماة ودمشق ، وقد قام قطز بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت عين جالوت المعركة الحاسمة إذا اعتبرت من أهم معارك المسلمين ، ومثلها مثل معركة اليرموك و القادسية والزلاقة، ومن الشعراء الذين ا رخوا تلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:
جرّدت يوم الأربعاء عزيمة خفيت عواقبها عن الإدراك
وأقمت في يوم الخميس مبالغاً في الجمع بين طوائف الأتراك
قعّدت أبطال التتار بصولةٍ تركهم كالصّيد في الأشراك
وهذا ايضاً على الفرنجة و المغول، وقد قضى في إحدى المعارك على ثلاثة آلاف منهم وذلك في الجزيرة (671هـ) :
سر حيث شئت لم المهيمن جار واحكم فطوع مرادك الأقدار
حملتك أمواج الفرات ومن رأى بحراً سواك تقله الأنهار
وقد فتح المماليك بعد الظاهر بيبرس بزعامة المنصور قلاوون طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت عكة من قبل الأشرف خليل ابن منصور قلاوون.
ولمّا هاجم الفرنجة الاسكندرية عام (767هـ) وأسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى شهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:
أتاها من الإفرنج ستون مركباً وضاقت بها العربان في البرّ والبحر
أتوا نحوها هجماً على حين غفلة وباعهم في الحرب يصر عن فتر
وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة عن أوطانهم الا أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجليلة الجسام
2- المديح:
ويتضمن هذا الغرض أنواع عدة:
آ- المدائح النبوية: وهي قصائد قيلت في مدح الرسول محمد عليه السلام وآل بيته، وقد ساعد على ظهورها العوامل التالية: سوء الاحوال السياسية والاجتماعية وقلة موار د البلاد وتكالب الطامعين من الحكام والامراء والاخرين والاستحواذ بخيرات البلاد
وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول لتفريج الكرب، وقد غذّي المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.
وقد ذكر الشعراء معاني لهذه المدائح منها: أخبار الرسول – صفاته ومعجزاته- الحديث عن المدينة المنورة- ذكر آل البيت – ذكر الخلفاء الراشدين . من ذلك ما قاله البوصيري:
أمن تذكر جيران بذي سلم فرجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ وأومض البرق في الظلماء ومن إضم
وقد حذّر الشاعر في نهج بردته من هوى النفس وقال:
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم
ب- مدح الحكام والعظماء:
وقد سار هذا المدح على طريقة الأقدمين طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوا ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف الطبيعة.
يقول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كبار الإنشاء وكاتب السر للملك :
إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به الدّهر قال الدهر لست هناكا
علوت فأدركت النجوم فصفتها كلاماً ففقت القائلين بذاكا
ج- مدح الأصدقاء والأقرباء:
وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة البديعية، من ذلك ما مدح به ابن نباته صفي الدين الجلّي:
3- الرثاء:
نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد واصل شعراء هذا الغرض فن الرثاء، فقد برز في هذا الغرض ثلاثة أنواع:
1- المراثي الخاصة: التي قيلت في أناس أعزاء على قلب الشاعر كما في رثاء يحيى شرف الدين لزوجه فاطمة بنت عبد الله الموصوفة بالفضل والكرم .فيقول:
وما فاطمٌ إلاّ الحور أخرجت
لنعرف قدر الحور قمّت ردّت
وكما في رثاء صفي الدين الحلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى صار كاتباً فطناً:
هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي إذ نبذناه بالعراء سقيماً
ونأى يوسفي فقد هذبت عبد منا ي من حزنه وكنت كظيماً
2- المراثي العامة: وهي كثيرة تقوم على الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه
من خلال المبالغة والصنعة من ذلك قول ابن نباته في رثاء الملك المؤيّد:
ليت الحمام حبا الأيام موهبة ف فكان يفني بني الدنيا ويبقيه
لهفي على الخيل قد وقت صواهلها ح حقَّ العزا فهو يشبجيها وتشجيه
3- رثاء الممالك والمدن: كما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم فما راقه نظرٌ إلى إنسان
ومن ذلك أيضاً قول تقي الدين:
ناديت والسبي مهنوك يجرههم إلى السّفّاح من الأعداء وعّار
يا للرجال لأحداث تحدثونها بما غدا فيه إعذارٌ وإنذارٌ
وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:
لهفي على تلك البروج وحسنها حفّت بهن طوارق الحدثاني
كانت معاصم نهرها فضية والآن صرن كذائب العقيان
4- الغزل:
وهو غرض أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي فأفردوه حيناً بقصائد مستقلة وجعلوه أحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان هذا الغزل يطل برأسه من خلال العتاب والرضى والافتتان والشكوى تعبيراً عن المشاعر يحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية غالباً وتحدث الغزل عندهم عن:
آ- وصف محاسن الحبيب: حيث شبّهوا وجهه بالبدر والشمس وشعره بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّه بالرماح وصدغه بالعقربة. ومن ذلك ما قاله التلعفري:
لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة م ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها
هبني أماثلها نوراً وفرط سناً م من أين أملك معنى من معانيها
ب- وصف أموال المحبين: حيث جعلوا المحبّ يحزن وشوق وصبابة، وجعلو المحبوبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا .
ج- الحديث عن الوشاة والرقباء: ومتاعب وعثرات الحب حيث اتهموا العذال بالبلادة، وجعلوا أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة وحاسدة، وذلك لينتهزوا الفرص و لينهلوا مما يطيب لهم.
د- الحديث التركي والمغولي والهندي والفارسي والإفرنجي والكردي والزنجي: وتغيرت معايير الجمال من العيون النجلاء الحوراء إلى العيون الضيقة.
يقول ابن نباتة:
وحبيب إليّ يفعل فعال الأعداء بالأجداء
ضيق العين إن رنا واستمعنا وعناء تسمّع النجلاء
وأيضاً :
بهت العذول وقدر رأي ألحاظها تركية تدع الحليم سفيهاً
فثنى الملام وقال دونك والأسى
هذي مضايق لست أدخل فيها
وكذلك وصفوا العيون الزرقاء كما في قول ابن نباته:
وأزرق العين يمضي حدّ مقلته مثل السنان بقلب العاشق الحذر
قالت صبابة مشغوف بزرقتها دعها سماويّة تمضي على قدر
هـ- الإعراض عن ذكر الأسماء كزينب ورباب وسعدى وهند وأسماء إلى أسماء جديدة هي واقع الحال يقول ابن نباته:
على ضيّق العينين تسفح مقلتي ويطربني لا زينب ورباب
فيارشأ الأتراك لاسرب عامر فؤادي من سكني السكون خراب
و- الحديث عن زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة وفي ذلك يقول الحلّي:
ما بين طيفك والجفون تواعد
فيفي إذا خُيّرت أني راقد
إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
شرده يصار به الغزال الشاردُ