الشاعر حسين عبد الله الساعدي
بقلم د فالح الكيلاني
ولد الشاعر حسين عبدا لله الساعدي في بيت بسيط وسط بستان نخيل في منطقة الصالحيّة ببغداد سنة \1945 وكان ابواه يعملون بالزراعة والبستنة.
نشأ في بغداد وتعلم واكمل دراسته وكانت بغداد مركز اشعاع حضاري وثقافي فعاش بين الثقافة و صفاء الطبيعة وجمال خضرة البساتين وعبق ورودها وبين نخيلها السامقة التي ادرك طفولته وعاشها بين هذه الامور كلها .
ولقد كانت كل هذه الرؤى جزءا لا يتجزأ من بناء شخصية هذا الرجل
فكأنه قد حمل صفات الطبيعة في رقتها وكبريائها وأفراحها وأحزانها
في قلبه نبضا وفي نفسه فرحا وحزنا وفي فكره وخاطره شعرا جميلا .
اتضحت ملامحه الأدبيّة وميوله في بداية حياته وصباه فاخذ يميل الى حب الموسيقى وكان ما يشجعه حافزا كبيرا لأن يكون جزءا منها اما بداياته الادبية فقد ظهرت معالمها عليه حين اخذ يكتب الشعر في سن مبكرة ويحفظ الكثير من شعرالشعراء وقصائدهم . فكتب في صباه متغزلا :
خرجت من باب حديقتها
من باب الزنبق والزهر
والشمس تغازل مفرقها
وتذوب النسمة بالعطر
ودنوت إليها أنبئها
بهياب الشاعر بالبدر
قالت والحسن بها يغري
دعني يا شاعر في أمري
ويتغزل بامراة أخرى لكنها تبعده بدلال بتمنع الأنثى فيقول :-
خرجت من باب حديقتها
من باب الزنبق والزهر
والشمس تغازل مفرقها
وتذوب النسمة بالعطر
ودنوت إليها أنبئها
بهياب الشاعر بالبدر
قالت والحسن بها يغري
دعني يا شاعر في أمري
دعا الى التقارب بين الأديان وكان يردد دائما بأنّ جميع الأديان تنبثق من مشكاة نور واحدة هو نور الله تعالى . واثبت محبته للسلام ومحبته لجميع الأديان والطوائف فكان يشارك الجميع في مواسم الأعياد والأفراح والأحزان ومن شعره بمدح السيد المسيح (عليه السلام ) في أعياد الميلاد ويقول في احدي قصائده:
أنا في نومي شاهدت يسوع
لامس الجرح فخانتني الدموع
قد تشوقت كثيرا للقاه
وأراه اليوم في نومي أراه
حاملا كل هموم البشرية
حاضرا بالحب في كل قضية
اما في محبته لوطنه فقد نبذ الإحتلال الاسود الذي احتل بلاده وما غرسه فيها من طائفية وأفكار سوداوية لزرع الفتنة في البلاد وظلّ يدعو الى وحدة العراق ويلعن من يسعى لتقسيمه تحت أي ذريعة وأي تسمية .
اما في بغداد وهو ابنها البار فقد تغنى غزلا بعشيقته التي احبها واحتلت مكانا واسعا من قلبه وخياله وكان لها مكان الصدارة في شعره فيقول :
بغداد يا حبيبتي كم شاعر مغوار
ترسم منك لوحة وتكثر الأشعار
رديه يا حبيبتي فغيرتي من نار
قولي لهم بأنني فارسك المغوار
وانك لن تسمعي من غيري الأشعار
ويقول في عشقه لبغداد :
وعشت في شوقي إلى بغداد
أخال كل امرأة بغداد
فأنثر الأشعار في طريقها
وأنثر الأوراد .........
ويصفها بالعروسة فيقول :
بغداد في وقت السحر كأنها عروسةٌ نائمةٌ يلفها القمر
في الحكمة يقول :
كانت الدنيا كتابا فانمحت منه السطور
فإذا بالأمس ذكرى وقبور بنيت فوق القبور
ويقول ايضا :
لا تكن جسماً وكُن روحاً فقط
أيُّ جسمٍ ما تهاوى وسقط ؟
* * *
أنما الأرواحُ تبقى من دهورٍ لدهور
بينما الأجسادُ تفنى ... تحت هاتيك القبور
وفي السنوات الاخيرة اصيب بمرض عضال انهك جسده وظل يعالجه لكن دون جدوى فيقول :
ها هي الأيام تمضي ما بها شيء جديد
إن يومي مثل أمس مثل تاريخي البعيد
أنا لا اذكر يومــــــــــا كان لي يوما سعيد
أنا لا اعــــــرف عيدا كان في الأيام عيد
كنت بالأمس حزينا وأنا اليوم شهيد
وبدأ الزمن الجميل يتلاشى بين اغبرة الزمن الردئ.فاضطر أن يتخذ من وحدته بركنه الركين و في غرفة من ببيته الكبير عالما له ليعيش فيه بقية ايامه مع ذكرياته في حياته واحلامه الجميلة .فتقاسمه المرض والحسرة على ما فقد من زمانه حتى تردّت صحته .
ولما اشتد به المرض أخذ يسترجع ما قدمه لحياة الآخرة والايام تجري مسرعة لا يتوقف الزمن فيستل أوجاعه وبرغم وضعه الصحي الذي لا يساعده حتى على الوقوف فيقول :
ودنوتُ من بابِ الخروج فما عسا
نـيَّ في رحيلي فـــــــــــــاعِلُ
عمري سؤالٌ كُلُّهُ حتى الختـــــــا
مَ ولم أزل عن سِــرِّهِ أتساءلُ
كُلُّ العلومِ قرأتُها وحفظتُها
وَعَلِمتُ بعد العلمِ (إنّي جاهلُ)
ماذا أقول وكُلَّ ما قد قيل يو
ماً في الحقيقةِ لا أسِرُكَ باطِلُ
كُلُّ الحياة جهالةٌ وتفاهة
إلا الحمـام فَيومُ موتِك عاقِلُ
أنا قاصرٌ ما عشتُ حتى إن أتى
يومُ الرحيلِ فأن شخصيَّ كاملُ
وقبل ان يتوفاه الاجل يكتب قصيدته ( الوصية ) يوصي اهله ابناءه وذويه الالتزام بوصيته فيقول:
عند موتي لا تقيموا الفاتحة
لا بكاء لا صراخا لا دموعا جارحة
إن يوم الموت يوم الأنعتاق
وخروج الروح منه الانطلاق
فرحة الأعراس للطير المسافر
نحن لا نقبر في ترب المقابر
فافرحوا لي واخلعوا ثوب السواد
لا تكونوا يوم عرسي في حداد
والبسوا أحلى الثياب الزاهية
أنا لا أرضى بعينٍ باكية
نلتقي الخالق في يوم الرحيل
ولقاء الرب حلو وجميل
توفي الشاعر حسين عبد الله الساعدي في التاسع عشر من ابريل ( نيسان ) 2011 في مستشفى الكاظمية ببغداد ودفن في مقبرة النجف الاشرف .
واختم بحثي بهذه الابيات من قصيدته (السر ) فيقول :
لوعة ُ الشاعرِ إن يحبسَ فِكرَه
جمرةٌ في القلبِ لكن أيَّ جمره ؟
رُبما الإنسان لا يألفُ ناسه
كم من الناسِ إلى الناسِ تعاسة
كيف هذا الجهل نجتثُ أساسه ؟
ويعيشُ الخير من غيرِ حراسه
نبتَ الشكُ بقلبي وتفرع
وإلى عقليَّ كالومضةِ أسرع
هذه الدُنيا لزيفٍ تتجمع
وعلى عرشٍ سخيفٍ تتربع
نحنُ للباطلِ ما قُلنا نعم
وتحملنا من الناسِ التُهم
نحنُ غنينا على رُغمِ الألم
ما أفادَ النايُ في أُذنِ الغنم ؟
لا تكن جسماً فتبقى في عذاب
وعذابُ الروحِ في سجنِ التُراب
لا تكن جسماً فإن الحُبَّ روحُ
وأحاسيسٌ وحُلمٌ ودواءٌ وجروحُ
هذهِ الدُنيا على الدُنيا تَنوحُ
طفقت روحيَ بالسرّ ِ تبوحُ
فإذا روحيَ شوقٌ ودموعٌ وجروحُ
وإذا بالجُرحِ أقواسُ قُزح
ودموعُ الروحِ عرسٌ وأهازيج فـــرح
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
************************