ضريحي بيت الله
ظرت بعين الفكر في حان حضرتي
حبيبا جلى للقلوب فجنتي
عين الفكر\ ثباته وقوته ويقينه وفي هذه القصيدة تتاالق روح الشاعر وفكره نحو الاعلى ناظرا الى ربه تعالى عسى ن يبدره بالكشف وانوار اليقين وبرفع عن قلبه الحجب فاستنار بنوره تعالى بانورالمشاهدة وانشراح القلب وهو المقام الاكمل في المشيخة وفيها تتجافى القلوب عن دار الغرور يعيش في دار الخلود ويرتوي من بحر الجمال ويتخلص من الاغلال والاعلال ثم يفيض فيه باطنه على ظاهره وتجري يه صور روح المجاهدة والتعامل من غير مكابدة ولا عناء بل بكل لذة وهناء حتى يصير قا لبه بصفة قلبه فيزيده الله تعالى ارادة خاصة فياضة ويرزقه محبة خالصة للمحيوبين والمريدين يقطع بتواصل ويعرص عنه فيراسل ويهب عنه جمود النفس ويصطلي بشوق حرار النفس وتنكمش عن قلبه عروق النفس منبعثا من قوله تعالى(الله انزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرؤ منه جلود لذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله) سورة الزمر الاية
حيث اخبر الحق تعالى ان الجلود تلين كما تلين القلوب ولايكون هذا الا حال المحبوب المراد والمحبوب المراد هو الذي اهل للمراتب الشريفة فيكون قد سلم قلبه وانشرح صدره ولان جلده وحسنت سريرته فصار قلبه كأنه روح ونفسه مطبوعة بطبع الروح وروحه بطبع القلب لانت نفسه بعد ان كانت امارة بالسوء مستعصية ولان جلده للين نفسه ورد الى صورة الاعمال الحسنة الطيبة بهد وجدان الحال ولا تزال روحه تنجذب الى الحضرة الالهية فيستتيع الروح القلب ويستتبع النفس القلب وتمتزج الامور والاعمال القلبية والقالبية بالنفسية وينخرق عند ئذ الباطن الى الظاهر والظاهرينخرق الى الباطن والقدرةلى الحكمة والحكمة الى القدرة والدنيا الى الاخرة وهنا المقام المطلق يطلق من وثاق الحال فيكون مسيطرا على حاله ويصير حرا في كل وجه متجردا عن نفسه وقلبه واحسه الى الله تعالى
سقا ني بكأس من مدامة حبه
فكان من الساقي خماري وسكرتي
المدامة \ الخمرة والسكر في المحبوب حالة فريدة انفرد بها الصوفيون ليعبروا عن وجدهم نحو الله تعالى محبوبهم فالسكر عند الصوفية حالة سر في الحب الالهي وباب لمشاهدة جمال الحبيب لان روحانية الايمالن التي هي جوهر العقل قد انجذبت الى حالة جمال المحبوب ممتزجة بجمال شعاع العقل والحسن الباطن فهي حالة من الفرح الغا مروالنشاط الجاد في هزة وانبساط وهي ماتسمى حالة السكراو الغيبة وهذه الحالة لايشعر بها ولا يعرف حقيقتها الا السالك لطريق الحق عبر الطريق الصوفية
يناد مني في كل يوم وليلة
ولا يزال يرعاني بعين الرعاية
ينالدمني في كل يوم وليلة \ دوام الاتصال الروحي بينه وبين الحق تعالى في الليل والنهار او اثناء ذكره الله اناء الليل واطراف النهار
ضريحي بيت الله من جاء زاره
بهرولة يحظى بعز ورفعة
وهذا فيه خلاصة التمني والفناء في الحضرة الالهية حيث يكون لا ضريح له ولا قبر ا لا بيت الله الحرام ليكون قريبا من الله تعالى ضيفا عليه في بيت الحق يزوره في منسك العمرة وفيعتمر ويحج اثاء الحج فيطوف بالبيت العتيق ويهرول بين الصفا والمروة لكي يحظى بعزة منه تعالى ورفعة والله تعالى اعلم بالسرائر
وامري بامرالله ان قلت كن يكن
وكلي بحكم الله حكمي وقدرتي
هنا الامتثال لامرالله تعالى في طاعته ونواهيه
والحكم والقدرة \ العلم المتمكن في امورعلمه في طريقته وامكانيته واستطاعته على تسييرالامور بفضل منه تعالى وعلى مايحب ويرضى
فاصبحت بالوادي المقدس جالسا
على طور سيناء قد سرت بخلوتي
الوادي المقدس \ الوادي الذي التقى به موسى عليه الصلاةوالسلام بربه تعالى ( انك بالوادي المقدس طوى ) في طورسيناء
الخلوة \ العزلة وهي منزلة من منازل الصوفية يها يتفرغ العبد الى ربه ويخلو بنفسه منقطعا للتفكروالتدبر والعبادة متجردا من كل امورالدنيا متوجها بكليته الى الله تعالى
وطافت بي الاكون من كل جانب
فصرت لها بتحقيق نسبتي
دارت \التفت واستدارة حول الشيء
الاكوان - جمع كون هو الفضاء الكبير ما بين السماءوالارض اذ امتزج معها وصارجزءا منها اثناء خلوته اذ يتجرد المرء خلال الخلوة من كل شيء حتى من جسده الا من روحه وقلبه فيمتزجان بالحب الارلهي الخالص
ولي علم في ذروة المجد قائم
رفيع البناء تأ وي اليه كل امة
العلم \ هنا علم الشريعة والحقيقة
ذروة المجد \ اعاليه وقمته عاليا متساميا ينشده كل انسان متعبد سائر الى ربه تعالى
فلا علم الا من بحار وردتها
ولا نقل الا من صحيح روايتي
فلاعلم الامن بحار وردتها \ هي بحارعلم الله تعالى التي منحها المؤمنين وجعل التفاوت بينهم في المنزلة العلمية (وفوق كل ذي علم عليم) سورة يوسف الاية
على الدرة البيضاء كان اجتماعنا
وفي قاب قوسين اجتماع الاحبة
وفي هذا البيت تصريح وتذكير بالاسراء والمعراج يقول بن الحنبلي في شذرات الذهب ( وجاء عن قطب الاقطاب الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني – لما عرج بجدي رسول الله ليلة لمعراج الىالسماء وبلغ سدرة المنتهى بقى جبريل متخلفا وقال يامحمد انا لودنوت انملة لاحترقت فارسل الله روحي اليه في ذلك المقام وكانت هي البراق الذي ركبه رسول الله وعنانه بيده حتى وصل قاب قوسين اوادنى وقال لي ياولدي هذه قدمي على رقبتك وقدماك على رقاب كل اولياء الله )
وعاينت اسرافيل واللوح والرضا
شاهدت انوار الجلال بنظرتي
عاينت \ شاهدت
عين الروح \ كشف ياتي على السالك فيغمره بحيث يرى بعين بصيرته مالا يراه في عيه المجردة ونطلق عليها الغيبة الروحية وهي قمة ما توصل اليه الصوفي وما يشعربه ويحسه
انوارالجلال \ انوار جلال الله تعالى
وكل بلاد الله ملكي حقيقة
واقطابها من تحت حكميس وطاعتي
اقطابها \ جمع قطب واقطاب بلاد الله تسمو ا بذلك لثبوتهم ولان هذا اللمقام( اعني الصوفية) يدور عليهم ولم ارد بقطبيتهم ان لهم مريدين تحت حكمهم اوامرهم ويكونون بمثابة رؤسائهم واقطابهم - راجع ادا بالمريد مع شيخه في هذا الكتاب
والاقطاب اجل واعللا منزلة من ذلك فلا رئاسة لهم اصلا في نفوسهم المتوضعة لتحقيق عبوديتها وامرهخم الهي بالنقدم عليهم فتلزمهم طاعتهم لما هم علبيه من التحقيق ايضا بالعبودية فيكونون قائمين به في مقام العبودية وامتثال امرسيدهم او شيخهم واما مع التخيير والعرض او طلب تحصيل المقام فانه لايظهر به الامن لم ينحقق بالعبودية التي خلقها الله تعالى فيه والشيخ اليجلاني قدس سره فالظاهر من حاله انه كان كمامورا بالتصرف لهذا ظهر عليه هذا هو الظن بامثاله- لاحظ الفتوحات المكية لابنم عربي المجلد الثالث صفحة 257 و258
وجودي سري في سر سر الحقيقة
ومرتبتي فاقت على كل رتبة
السر \ هنا السر الالهي في الانسان فاذا تحلل انسن فيس معراجه الى ربه واخذ كل كون منه في طريقه ما يناسبه ولم يبق منه الا هذا السر الذي عنده من الله تعالى- وهو الذي كرره الشيخ في بيته – فلا يراه الا به فانه تعالى ويتقدس ان يدرك الا به وقد تكررت كلمة السر ثلاث مرات في هذا البيت وهذا ما يدلل على جسامة الامر وخطورته لان تكرار الشيء يعني التاكيد عليه والحفاظ على نوعيته - لاحظ عبد القادرالجيلاني اديبا للسي دة ايمان المهداوي صفحة 40
وذكرى جلا الابصار بعد غشائها
واحيا فؤادالصب بعد القطيعة
جلاء الابصا ر\ تفتحها بعد الاغماض
الصب \ المحب الغارق في بحور التوله والعشق
حفظت جميع العلم صرت طرازه
على خلعة التشريف في حسن خلوتي
قطعت جميع الحجب للحب صاعدا
ولا زلت ارقى سائرا بمحبتي
تجلى لي الساقي وقال الي قم
فهذا شراب الحب في حان حضرتي
حفظت جميع العلم \ اطلعت عليه وفهمته وهو علم الشريعة والحقيقة اضافة الى العلوم الانسانية والعلمية اي خاض غماربحار العلوم حتى اتقنها
صرت طرازه \ اصبحت علما فيه
قطعت جميع الحجب للحب صاعدا \ الحجب هنا الاستار المانعة وهي الجهل في علوم الدين والشريعة
قطعتها \ رميتها او خلعتها بدراستها وتفهمها بحب الله تعالىوالاستمرار التام في التد ارس والتعليم الى ما لانهاية تيمنا بقوله تعالى( وقل ربي زدني علما )
تجلى لي الساقي \ ظهر وبان والساقي هنا هو رب العالمين و في التجلي يفتح الله تعالى على عبده بعد الستر يتجلى عليه بنعمه فيكشف له عن بعض المغيبات ويظهر له انوارالمشاهدة فيصبح في غاية ما يتمناه في التحقق والذهاب والفناء ويجزل له العطاء بمقدار شوقه ومناه
تقد م ولا تخش كشفنا و حجابنا
تجلى بحاني والشراب ورؤيتي
كشفنا وحجابنا \ انارة الطريق والحجب وهو امرالله تعالى اليه بعد كشفه الحجب له بعين البصيرة
شطحت بها شرقا وغربا وقبلة
وبرا وبحرا من نفائس خمرتي
الشطح \ من امور الصوفية ومصطلح من مصطلحاتهم وهو عبارة عن كلمات تصدرمنهم في حالة الغيبوبة وغلبة شهود الحق تعالى عليهم بحيث لايشعرون حينئذ بغيرالحق كقول بعضهم- انا الحق- ليس في الجبة غيرالله - لاحظ تاج العروس للزبيدي الجزء السادس صفحة 507
وفي هذا البيت اعلان بالشطح الصوفي وارتقاء السالك بما لايستطيع غيره الوصول اليه ومشاهدته ما لايشاهده الانسان السوي والابيات التالية تؤكد ذلك
فلاحت لى الاسرار من كل جانب
وبانت لى الانوار من كل جانب
الاسرار \ اسرار الحقيقة المتمثلة في الطرق الصوفية
الانوار \ الانوارالالهية وقد سبق شرحها
وشاهدت معنى لو بدى كشف سره
لصم الجبال الراسيات لدكت
كشف سره \ اظهره
صم الجبال الراسيات \ الجبال الصلدة القوية الثابتة واللام في لصم توكيدية كما في لدكت
ودكت \ تهشمت وتكسرت وقال الله تعالى ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا *) وكذلك ( وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة ) الفجر اية
ومطلع شمس الافق ثم مغيبها
واقطع ارض الله في حال خطوتي
مطلع شمس الافق ومغيبها \ طلوع الشمس في الصباح ومغيبها في المساء وحركاتها ودورانها بما يتكون الليل والنهاروالفصول الاربعة وتغيرات الجو ومواقع الارض منها بالقرب والبعد ايات عجيبة خلقها الله تعالى للانسان لعله يتذكر ويتفكر فيخشى وحركة الانسان على الارض
اقلبها في راحتي ككورة
اطوف بها جمعا كأ سرع لمحة
اقلبها في راحتي \ اتصرف بها كيفما اشاء واريد
انا قطب اقطاب الوجود حقيقة
عل سائر الاقطاب قولي وحرمتي
القطب عند الصوفية شيخ المشايخ والمرجع الاعلى والسلم الهرمي للصوفية يبدا بالمريد ثم الاخيار ثم الابدال ثم الابرار ثم الاوتاد وهم اربعة في العالم يطوفونه بجملته كل ليلة ثم النقباء وهو ثلاثة ثم القطب او الغوث وهوقمة الهرم الصوفي والقول بالقطب من اهم تعاليم الصوفية فالقطب اكمل انسان في مقام الفردية او مقام الواحدالذي هو موضع نظر الله تعالى في كل زمان وهو اكمل اهل زمانه وهو رحمة من الله تعالى في الارض غياث الامة ومرجعها – لا حظ كتاب التقاط الدرر لمحمد ابن الطيب القادري المغربي صفحة 33 و34 ويعتبر الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره قطب الاولياء لجميع الطرق الصوفية الرئيسة الاخذ بحقيقة الوجود بالقول الحرمة والمكانة والمنزلة الرفيعة وهي الطريقة ا لقادرية مؤسسها الشيخ عبد القادر والرفاعية مؤسسها الشيخ احمد الرفاعي والطريقة والبدوية ومؤسسها الشيخ احمد البدويوالسهروردية ومؤسسها الشيخ ضياء الدين عبد القاهر السهروردي وبقية الطرق عيال عليها واخذت منها
توسل بنا في كل هول وشدة
اغيثك في الاشياء طرا بهمة
توسل بنا \ اجعل لنا وسيلة في الدعاء من الله تعالى لرفع النوائب والمصائب والاهوال ايها المريد اذا اصابك منها مكروه او الم بك حالة لاتنفرج فان الله تعالى يفرج الكروب
انا لمريدي حافظ ما يخافه
واحرسه من كل شر وفتنة
ما يخافه \ الذي يخشاه ويتخوف منه ومن شره
احرسه \ اسهر على راحته وحياته من كل شر اوفتنة قد تحيق به اوتلم بما يحب بدعائه عند ربه لذا يوصي الشيخ اتباعه من مريد طريقته ان يكثروا من الدعاء والتوسل برب العالمين وهذا مايشدد العلاقة بين الشيخ والسالك لطريقته بان يجعله السالك قدوة يقتدي به في كل الامور والاحوال حتى بعد وفاته فالالتزام بتعاليم الطريقة هو الوفاء له قدس سره
مريدي اذا كان ما كان شرقا ومغربا
اغثه اذا ما سار في اي بلدة
فيا ناشدا للنظم قله ولا تخف
فانك محروس بعين العناية
فاينما كا ن المريد وفي اي موقع او مكان ريب او بعيد فانه تحت جناحه ويستظل به
واذا ما اراد السالك ان ينظم مدائحه او اشواقه ومايخالج نفسه في حب الله تعالى فليقل ذلك فانه محروس بعين رعاية الرحمن
وقد يدخل في نظم الصوفية كلمات ومعان ورموز خاصة بهم
كن قادري الوقت لله مخلصا
تعيش سعيدا صادقا بمحبتي
قادري الوقت \ الوقت ما انت فيه من دنيا او عقبى او سرور او حزن ويقولون ان الصوفي ابن وقته ويردون من الوقت ما يصادفهم من تصريف الحق لهم دون اختيار منهم ومنهم مستسلمون لما يبدو قائمون بما يجب من اداب العبودية و واداء فروض الربوبية والكيس من كان بحكم وقته فان كان وقته الصحو قام بحق الشرع وان كان وقته المحو فغالبه احكام الحقيقة ومثلوه باللسيف قاطع بحده جذور الماضي والمستقبل يردون بذلك انه منشغل بما هو اولى به من العبادات قائم به في الحين تخلص من ماض وقته ولا ينظرفي مستقبله ومتوكل على الله ناس مافات لايفكر فيما هو ات مشغول بما نزل قائم بما لزم وربما يريدون من الوقت ما يصادفهم من تصريف من اداب العبودية واداء فروض الربوبية فمن والاه سلم ومن خاشنه اصطلم كذلك الوقت من استسلم لحكم الله تعالى فيه لما ورد نجا ومن عارضه انتكسوتردى ا واذا قيل ان فلانا حاكمن على وقته وهوبحكم الحق يريدون انه مستسلم لما ورد قائم بما يجب وقيل ان وقت العبد لايخلو من اربعة فاما ان يكون في نعمة فواجبه الشكر او في طاعة فواجبه القيام بها للتبري من النسبة والحول والطول او في معصية فواجبه الاستغفار والتوبة والانابه وانها قدر الله فيه او في مصيبة فواجبه الصبر والاستسلام لحكم الله تعالى عليه بذا يكون العبد ابن وقته ونجا من قطعه وسلم من حده – لاحظ المنار الهادي
للدكتور عبد الحليم محمود صفحة 72 و73
صادق المحبة \ صادق العاطفة واللحس المرهف بالمحبة الخالصة لله تعالى فيتنعم برضاه ومن رضي الله تعالى عليه كان سعيدا في الدنيا والاخرة
ونثني صلاة الله ثم سلامه
على خير خلق الله جدي ونسبتي
خير خلق الله \ هو سيدنا وحبيبنا وملاذنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو جد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره ابا واما كما اوضحناه في نسبه الشريف في الباب الاول من هذا الكتاب
-------------------------------------------------------
ظرت بعين الفكر في حان حضرتي
حبيبا جلى للقلوب فجنتي
عين الفكر\ ثباته وقوته ويقينه وفي هذه القصيدة تتاالق روح الشاعر وفكره نحو الاعلى ناظرا الى ربه تعالى عسى ن يبدره بالكشف وانوار اليقين وبرفع عن قلبه الحجب فاستنار بنوره تعالى بانورالمشاهدة وانشراح القلب وهو المقام الاكمل في المشيخة وفيها تتجافى القلوب عن دار الغرور يعيش في دار الخلود ويرتوي من بحر الجمال ويتخلص من الاغلال والاعلال ثم يفيض فيه باطنه على ظاهره وتجري يه صور روح المجاهدة والتعامل من غير مكابدة ولا عناء بل بكل لذة وهناء حتى يصير قا لبه بصفة قلبه فيزيده الله تعالى ارادة خاصة فياضة ويرزقه محبة خالصة للمحيوبين والمريدين يقطع بتواصل ويعرص عنه فيراسل ويهب عنه جمود النفس ويصطلي بشوق حرار النفس وتنكمش عن قلبه عروق النفس منبعثا من قوله تعالى(الله انزل احسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعرؤ منه جلود لذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله) سورة الزمر الاية
حيث اخبر الحق تعالى ان الجلود تلين كما تلين القلوب ولايكون هذا الا حال المحبوب المراد والمحبوب المراد هو الذي اهل للمراتب الشريفة فيكون قد سلم قلبه وانشرح صدره ولان جلده وحسنت سريرته فصار قلبه كأنه روح ونفسه مطبوعة بطبع الروح وروحه بطبع القلب لانت نفسه بعد ان كانت امارة بالسوء مستعصية ولان جلده للين نفسه ورد الى صورة الاعمال الحسنة الطيبة بهد وجدان الحال ولا تزال روحه تنجذب الى الحضرة الالهية فيستتيع الروح القلب ويستتبع النفس القلب وتمتزج الامور والاعمال القلبية والقالبية بالنفسية وينخرق عند ئذ الباطن الى الظاهر والظاهرينخرق الى الباطن والقدرةلى الحكمة والحكمة الى القدرة والدنيا الى الاخرة وهنا المقام المطلق يطلق من وثاق الحال فيكون مسيطرا على حاله ويصير حرا في كل وجه متجردا عن نفسه وقلبه واحسه الى الله تعالى
سقا ني بكأس من مدامة حبه
فكان من الساقي خماري وسكرتي
المدامة \ الخمرة والسكر في المحبوب حالة فريدة انفرد بها الصوفيون ليعبروا عن وجدهم نحو الله تعالى محبوبهم فالسكر عند الصوفية حالة سر في الحب الالهي وباب لمشاهدة جمال الحبيب لان روحانية الايمالن التي هي جوهر العقل قد انجذبت الى حالة جمال المحبوب ممتزجة بجمال شعاع العقل والحسن الباطن فهي حالة من الفرح الغا مروالنشاط الجاد في هزة وانبساط وهي ماتسمى حالة السكراو الغيبة وهذه الحالة لايشعر بها ولا يعرف حقيقتها الا السالك لطريق الحق عبر الطريق الصوفية
يناد مني في كل يوم وليلة
ولا يزال يرعاني بعين الرعاية
ينالدمني في كل يوم وليلة \ دوام الاتصال الروحي بينه وبين الحق تعالى في الليل والنهار او اثناء ذكره الله اناء الليل واطراف النهار
ضريحي بيت الله من جاء زاره
بهرولة يحظى بعز ورفعة
وهذا فيه خلاصة التمني والفناء في الحضرة الالهية حيث يكون لا ضريح له ولا قبر ا لا بيت الله الحرام ليكون قريبا من الله تعالى ضيفا عليه في بيت الحق يزوره في منسك العمرة وفيعتمر ويحج اثاء الحج فيطوف بالبيت العتيق ويهرول بين الصفا والمروة لكي يحظى بعزة منه تعالى ورفعة والله تعالى اعلم بالسرائر
وامري بامرالله ان قلت كن يكن
وكلي بحكم الله حكمي وقدرتي
هنا الامتثال لامرالله تعالى في طاعته ونواهيه
والحكم والقدرة \ العلم المتمكن في امورعلمه في طريقته وامكانيته واستطاعته على تسييرالامور بفضل منه تعالى وعلى مايحب ويرضى
فاصبحت بالوادي المقدس جالسا
على طور سيناء قد سرت بخلوتي
الوادي المقدس \ الوادي الذي التقى به موسى عليه الصلاةوالسلام بربه تعالى ( انك بالوادي المقدس طوى ) في طورسيناء
الخلوة \ العزلة وهي منزلة من منازل الصوفية يها يتفرغ العبد الى ربه ويخلو بنفسه منقطعا للتفكروالتدبر والعبادة متجردا من كل امورالدنيا متوجها بكليته الى الله تعالى
وطافت بي الاكون من كل جانب
فصرت لها بتحقيق نسبتي
دارت \التفت واستدارة حول الشيء
الاكوان - جمع كون هو الفضاء الكبير ما بين السماءوالارض اذ امتزج معها وصارجزءا منها اثناء خلوته اذ يتجرد المرء خلال الخلوة من كل شيء حتى من جسده الا من روحه وقلبه فيمتزجان بالحب الارلهي الخالص
ولي علم في ذروة المجد قائم
رفيع البناء تأ وي اليه كل امة
العلم \ هنا علم الشريعة والحقيقة
ذروة المجد \ اعاليه وقمته عاليا متساميا ينشده كل انسان متعبد سائر الى ربه تعالى
فلا علم الا من بحار وردتها
ولا نقل الا من صحيح روايتي
فلاعلم الامن بحار وردتها \ هي بحارعلم الله تعالى التي منحها المؤمنين وجعل التفاوت بينهم في المنزلة العلمية (وفوق كل ذي علم عليم) سورة يوسف الاية
على الدرة البيضاء كان اجتماعنا
وفي قاب قوسين اجتماع الاحبة
وفي هذا البيت تصريح وتذكير بالاسراء والمعراج يقول بن الحنبلي في شذرات الذهب ( وجاء عن قطب الاقطاب الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني – لما عرج بجدي رسول الله ليلة لمعراج الىالسماء وبلغ سدرة المنتهى بقى جبريل متخلفا وقال يامحمد انا لودنوت انملة لاحترقت فارسل الله روحي اليه في ذلك المقام وكانت هي البراق الذي ركبه رسول الله وعنانه بيده حتى وصل قاب قوسين اوادنى وقال لي ياولدي هذه قدمي على رقبتك وقدماك على رقاب كل اولياء الله )
وعاينت اسرافيل واللوح والرضا
شاهدت انوار الجلال بنظرتي
عاينت \ شاهدت
عين الروح \ كشف ياتي على السالك فيغمره بحيث يرى بعين بصيرته مالا يراه في عيه المجردة ونطلق عليها الغيبة الروحية وهي قمة ما توصل اليه الصوفي وما يشعربه ويحسه
انوارالجلال \ انوار جلال الله تعالى
وكل بلاد الله ملكي حقيقة
واقطابها من تحت حكميس وطاعتي
اقطابها \ جمع قطب واقطاب بلاد الله تسمو ا بذلك لثبوتهم ولان هذا اللمقام( اعني الصوفية) يدور عليهم ولم ارد بقطبيتهم ان لهم مريدين تحت حكمهم اوامرهم ويكونون بمثابة رؤسائهم واقطابهم - راجع ادا بالمريد مع شيخه في هذا الكتاب
والاقطاب اجل واعللا منزلة من ذلك فلا رئاسة لهم اصلا في نفوسهم المتوضعة لتحقيق عبوديتها وامرهخم الهي بالنقدم عليهم فتلزمهم طاعتهم لما هم علبيه من التحقيق ايضا بالعبودية فيكونون قائمين به في مقام العبودية وامتثال امرسيدهم او شيخهم واما مع التخيير والعرض او طلب تحصيل المقام فانه لايظهر به الامن لم ينحقق بالعبودية التي خلقها الله تعالى فيه والشيخ اليجلاني قدس سره فالظاهر من حاله انه كان كمامورا بالتصرف لهذا ظهر عليه هذا هو الظن بامثاله- لاحظ الفتوحات المكية لابنم عربي المجلد الثالث صفحة 257 و258
وجودي سري في سر سر الحقيقة
ومرتبتي فاقت على كل رتبة
السر \ هنا السر الالهي في الانسان فاذا تحلل انسن فيس معراجه الى ربه واخذ كل كون منه في طريقه ما يناسبه ولم يبق منه الا هذا السر الذي عنده من الله تعالى- وهو الذي كرره الشيخ في بيته – فلا يراه الا به فانه تعالى ويتقدس ان يدرك الا به وقد تكررت كلمة السر ثلاث مرات في هذا البيت وهذا ما يدلل على جسامة الامر وخطورته لان تكرار الشيء يعني التاكيد عليه والحفاظ على نوعيته - لاحظ عبد القادرالجيلاني اديبا للسي دة ايمان المهداوي صفحة 40
وذكرى جلا الابصار بعد غشائها
واحيا فؤادالصب بعد القطيعة
جلاء الابصا ر\ تفتحها بعد الاغماض
الصب \ المحب الغارق في بحور التوله والعشق
حفظت جميع العلم صرت طرازه
على خلعة التشريف في حسن خلوتي
قطعت جميع الحجب للحب صاعدا
ولا زلت ارقى سائرا بمحبتي
تجلى لي الساقي وقال الي قم
فهذا شراب الحب في حان حضرتي
حفظت جميع العلم \ اطلعت عليه وفهمته وهو علم الشريعة والحقيقة اضافة الى العلوم الانسانية والعلمية اي خاض غماربحار العلوم حتى اتقنها
صرت طرازه \ اصبحت علما فيه
قطعت جميع الحجب للحب صاعدا \ الحجب هنا الاستار المانعة وهي الجهل في علوم الدين والشريعة
قطعتها \ رميتها او خلعتها بدراستها وتفهمها بحب الله تعالىوالاستمرار التام في التد ارس والتعليم الى ما لانهاية تيمنا بقوله تعالى( وقل ربي زدني علما )
تجلى لي الساقي \ ظهر وبان والساقي هنا هو رب العالمين و في التجلي يفتح الله تعالى على عبده بعد الستر يتجلى عليه بنعمه فيكشف له عن بعض المغيبات ويظهر له انوارالمشاهدة فيصبح في غاية ما يتمناه في التحقق والذهاب والفناء ويجزل له العطاء بمقدار شوقه ومناه
تقد م ولا تخش كشفنا و حجابنا
تجلى بحاني والشراب ورؤيتي
كشفنا وحجابنا \ انارة الطريق والحجب وهو امرالله تعالى اليه بعد كشفه الحجب له بعين البصيرة
شطحت بها شرقا وغربا وقبلة
وبرا وبحرا من نفائس خمرتي
الشطح \ من امور الصوفية ومصطلح من مصطلحاتهم وهو عبارة عن كلمات تصدرمنهم في حالة الغيبوبة وغلبة شهود الحق تعالى عليهم بحيث لايشعرون حينئذ بغيرالحق كقول بعضهم- انا الحق- ليس في الجبة غيرالله - لاحظ تاج العروس للزبيدي الجزء السادس صفحة 507
وفي هذا البيت اعلان بالشطح الصوفي وارتقاء السالك بما لايستطيع غيره الوصول اليه ومشاهدته ما لايشاهده الانسان السوي والابيات التالية تؤكد ذلك
فلاحت لى الاسرار من كل جانب
وبانت لى الانوار من كل جانب
الاسرار \ اسرار الحقيقة المتمثلة في الطرق الصوفية
الانوار \ الانوارالالهية وقد سبق شرحها
وشاهدت معنى لو بدى كشف سره
لصم الجبال الراسيات لدكت
كشف سره \ اظهره
صم الجبال الراسيات \ الجبال الصلدة القوية الثابتة واللام في لصم توكيدية كما في لدكت
ودكت \ تهشمت وتكسرت وقال الله تعالى ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا *) وكذلك ( وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة ) الفجر اية
ومطلع شمس الافق ثم مغيبها
واقطع ارض الله في حال خطوتي
مطلع شمس الافق ومغيبها \ طلوع الشمس في الصباح ومغيبها في المساء وحركاتها ودورانها بما يتكون الليل والنهاروالفصول الاربعة وتغيرات الجو ومواقع الارض منها بالقرب والبعد ايات عجيبة خلقها الله تعالى للانسان لعله يتذكر ويتفكر فيخشى وحركة الانسان على الارض
اقلبها في راحتي ككورة
اطوف بها جمعا كأ سرع لمحة
اقلبها في راحتي \ اتصرف بها كيفما اشاء واريد
انا قطب اقطاب الوجود حقيقة
عل سائر الاقطاب قولي وحرمتي
القطب عند الصوفية شيخ المشايخ والمرجع الاعلى والسلم الهرمي للصوفية يبدا بالمريد ثم الاخيار ثم الابدال ثم الابرار ثم الاوتاد وهم اربعة في العالم يطوفونه بجملته كل ليلة ثم النقباء وهو ثلاثة ثم القطب او الغوث وهوقمة الهرم الصوفي والقول بالقطب من اهم تعاليم الصوفية فالقطب اكمل انسان في مقام الفردية او مقام الواحدالذي هو موضع نظر الله تعالى في كل زمان وهو اكمل اهل زمانه وهو رحمة من الله تعالى في الارض غياث الامة ومرجعها – لا حظ كتاب التقاط الدرر لمحمد ابن الطيب القادري المغربي صفحة 33 و34 ويعتبر الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره قطب الاولياء لجميع الطرق الصوفية الرئيسة الاخذ بحقيقة الوجود بالقول الحرمة والمكانة والمنزلة الرفيعة وهي الطريقة ا لقادرية مؤسسها الشيخ عبد القادر والرفاعية مؤسسها الشيخ احمد الرفاعي والطريقة والبدوية ومؤسسها الشيخ احمد البدويوالسهروردية ومؤسسها الشيخ ضياء الدين عبد القاهر السهروردي وبقية الطرق عيال عليها واخذت منها
توسل بنا في كل هول وشدة
اغيثك في الاشياء طرا بهمة
توسل بنا \ اجعل لنا وسيلة في الدعاء من الله تعالى لرفع النوائب والمصائب والاهوال ايها المريد اذا اصابك منها مكروه او الم بك حالة لاتنفرج فان الله تعالى يفرج الكروب
انا لمريدي حافظ ما يخافه
واحرسه من كل شر وفتنة
ما يخافه \ الذي يخشاه ويتخوف منه ومن شره
احرسه \ اسهر على راحته وحياته من كل شر اوفتنة قد تحيق به اوتلم بما يحب بدعائه عند ربه لذا يوصي الشيخ اتباعه من مريد طريقته ان يكثروا من الدعاء والتوسل برب العالمين وهذا مايشدد العلاقة بين الشيخ والسالك لطريقته بان يجعله السالك قدوة يقتدي به في كل الامور والاحوال حتى بعد وفاته فالالتزام بتعاليم الطريقة هو الوفاء له قدس سره
مريدي اذا كان ما كان شرقا ومغربا
اغثه اذا ما سار في اي بلدة
فيا ناشدا للنظم قله ولا تخف
فانك محروس بعين العناية
فاينما كا ن المريد وفي اي موقع او مكان ريب او بعيد فانه تحت جناحه ويستظل به
واذا ما اراد السالك ان ينظم مدائحه او اشواقه ومايخالج نفسه في حب الله تعالى فليقل ذلك فانه محروس بعين رعاية الرحمن
وقد يدخل في نظم الصوفية كلمات ومعان ورموز خاصة بهم
كن قادري الوقت لله مخلصا
تعيش سعيدا صادقا بمحبتي
قادري الوقت \ الوقت ما انت فيه من دنيا او عقبى او سرور او حزن ويقولون ان الصوفي ابن وقته ويردون من الوقت ما يصادفهم من تصريف الحق لهم دون اختيار منهم ومنهم مستسلمون لما يبدو قائمون بما يجب من اداب العبودية و واداء فروض الربوبية والكيس من كان بحكم وقته فان كان وقته الصحو قام بحق الشرع وان كان وقته المحو فغالبه احكام الحقيقة ومثلوه باللسيف قاطع بحده جذور الماضي والمستقبل يردون بذلك انه منشغل بما هو اولى به من العبادات قائم به في الحين تخلص من ماض وقته ولا ينظرفي مستقبله ومتوكل على الله ناس مافات لايفكر فيما هو ات مشغول بما نزل قائم بما لزم وربما يريدون من الوقت ما يصادفهم من تصريف من اداب العبودية واداء فروض الربوبية فمن والاه سلم ومن خاشنه اصطلم كذلك الوقت من استسلم لحكم الله تعالى فيه لما ورد نجا ومن عارضه انتكسوتردى ا واذا قيل ان فلانا حاكمن على وقته وهوبحكم الحق يريدون انه مستسلم لما ورد قائم بما يجب وقيل ان وقت العبد لايخلو من اربعة فاما ان يكون في نعمة فواجبه الشكر او في طاعة فواجبه القيام بها للتبري من النسبة والحول والطول او في معصية فواجبه الاستغفار والتوبة والانابه وانها قدر الله فيه او في مصيبة فواجبه الصبر والاستسلام لحكم الله تعالى عليه بذا يكون العبد ابن وقته ونجا من قطعه وسلم من حده – لاحظ المنار الهادي
للدكتور عبد الحليم محمود صفحة 72 و73
صادق المحبة \ صادق العاطفة واللحس المرهف بالمحبة الخالصة لله تعالى فيتنعم برضاه ومن رضي الله تعالى عليه كان سعيدا في الدنيا والاخرة
ونثني صلاة الله ثم سلامه
على خير خلق الله جدي ونسبتي
خير خلق الله \ هو سيدنا وحبيبنا وملاذنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو جد الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس سره ابا واما كما اوضحناه في نسبه الشريف في الباب الاول من هذا الكتاب
-------------------------------------------------------