( الفنـــــــــون الشــــــعريـــة )
في بناء القصيدة
من المعلوم ان الشعر يعد الحجر الاساس في النتاج الادبي في اللغة العربية اذ لو تتبعنا تاريخ الادب العربي لوجدناه يبدأ بالشعر ظهورا واهتماما ثم من بعده النثر بجميع مضامينه واشكا له وبهذا اختلفت الامة العربية عن غيرها من الامم مثل اليونانية والرمانية والفارسية والهندية والصينية وغيرها من الامم في وجودية الادب حيث انصب اهتمام العرب على الشعر ومن بعد ه كان الاهتمام بالنثر خلاف الامم اعلاه لان العرب عاطفيون اكثر من غيرهم ولا يزالون والشهر ينبعث عن عاطفة جياشة موقعها القلب ثم تفيض عند بعضهم وهم الشعراء فتسيل او تجري شعرا . فالشعر اذن الهام ينبع من القلب ويغذيه الاحساس ويصقله الفكر في فيما يصدره من شعور او من خلال التعلم ولا يستوي – عندي – الشاعر بالالهام عن الشاعر بالتعلم فالشاعر بالالهام يفيض فيض شعره فيضا والشاعربالتعلم ينحت في الحجر لينتج شعرا .
الشاعر على العموم يقف بالنسبة للحياة موقفا واحدا ونظرة واحدة فهو اما ان يكون منطلقا في رحابها كاشعة الشمس لاحدود لانطلاقته او يكون منطو على نفسه وحسبما تمليه عليه ظروف هذه الحياة ,فهو اما متفائل فرح يملأ قلبه السرور والانشراح كانه الربيــــــــع بازاهيره واخضراره وحبوره او متشائم مكتئب مفعم قلبه بالا لم والحسرة والحزن كالليل المدلهم او كالسمـــــــــــــاء الملبدة بالغيوم. فشخصية الشاعر تظهرفي شعره ويمكن التعرف عليه فشعره مرآة لشخصيته وربما يكون حكيما وقد يكون عاطفيــــــــــــــا يغلــــــب عليـــــــه الاحساس والشعورالمرهف فالاول يحكم العقل فيما ينظم وله القدرة على التماس مواطن الجمال بالبصيرة القوية والذوق السليـــــم فينفذ الى ذات الشيء ويزيل الستار عنه فيبدو كما هو .اما الشاعر العاطفي فهوالشاعر الفنان يتجاذب مع الحياة باحساسه وشعوره المرهف ويصــــوغ شعره بخياله البارع فتسمع اجراس قلبه تجلجل بين ابيات قصيدته مع هــــــــــواه يرتشف من بحر خياله وفي كل الامور نستطيع ان نميز حالات تظهر في شعرالشاعر وينتج شعره من خلالها الا وهي الاساليب الشعرية التي يتبعها الشاعر في نتاجه الشعري ويلتزمها في نتاج قصيدته واهم هذه الاساليب او الفنون ما يلي :
الفلسفــــــــــــة اوالحكمة
فن الحكمة او الفلسفة وفيه يسمو الشاعر في اجواء نفسه محلقا فيطل علـــــــى الحياة من الاعلى ليرى كل مفردات الحياة ثم ينحدر متغلغلا في معانيها لحد دقائق امورها ويحف باطرافها مهيمنا على عواطفه واحاسيـــــــــه متعقلا يغلبه الفكر وما تفرزه الحياة عليه ثم يوجه نظرتـــــه الكاشفة متفحصا فتظهر له الحياة على حقيقتها واضحة جلية فتنبعث نظرته فيها من العقـــــــل الواعي لا الخيال فياتي شعـــره مهيمنا على ما يريد او قد ياتي عفويا متجردا من المكان والزمان وهذ سر مطابقته لكل الأوقـــــات والازمنة وينحدر في النفس المتلقية كالماء العذب انظر لهذه الابيــــات من شعر بشار بن برد في العصر العباسي اما تزال طرية وكانها قيلت الان وذات تأثير في النفس عظيم رغم مروركل هذه القرون :
اذا كنت في كل الامور معاتبــــــــا
صديقك لم تلق الذى لا تعا تبــــــه
عش واحدا اوزر اخاك فانـــــــــــه
مقارف ذنب تارة ومجا نبــــــــــه
اذا انت لم تشرب مرارا على القذى
ضمئت واي الناس تصفو مشاربه
الأسلوب الخطابي
الشعر الخطابي فهو الشعر المتدفق من نفس الشاعر تدفق الشلال او العين الثائرة, تحس فيه بحرارة لتلهب انفاس الشاعر وتحرق شاعره تعبيرا عما يخالجه من احساس تجاه المخاطب مطبوعا اكثر الاحيا ن بطابع الجدية ونلحظ فيه الشاعر مندفعا وراء هواه وخياله الواسع داعيا لفكرته وعقيدته ومدافعا عما يروم .وفيه التهويل والمبالغة واضحتان والاعتزاز بالنفس ظاهر. لاحظ قول عمرو بن كلثو م في الجاهلية كيف يخاطب ملـــــــك الحير ة في نونيته المشهورة :
ابا هند فلا تعجل علينــــــــــــا وانظرنا نخبرك اليقينــــــــــا
بانا نورد الرايات بيضـــــــــــا ونصدرهن حمرا قد روينا
اذا بلغ الفطام لنا صبــــــــــــي تخر له الجبابر ساجدينـــــا
ملاءنا البر حتى ضاق عنـــــا وماء البحر نملوءه سفيـنا
اذا ما الملك سام الناس خسفـا ابينا ان نقر الظلم فيـــــــنا
اسلوب التحليل
اسلوب التحليل هو اسلوب البحث اوالكشف عن الحقيقة وانجلائها بالبحث . ورائد الشاعر في هذا الا سلوب التحليلي الوصول الى صواب فكرته وآرائه عن طريــــــق القياس والتعبير بصدق عما يروم ويتخذ من الامثلة ولفت نظر المتلقي الى منهج خاص بالحياة هو منهج الشاعر ذاته ومحاولته كسب اهــــــواء الآخرين بتقريرية مبدأ الحياة لبسيط منهجه بالدعوة والتحليل والمسايرة وشد العزيمة فهو اسلوب تحليلــــي يقوم على اساس قاعــــدة ثابتة لدى الشاعر ليستكمل بناء ما يدعو اليه وموقف الشاعر فيه عام توجيهي للقريب والبعيد منزه عن الزمان والمكان لاحظ قول الشاعر عمر الخيام في قصيدته فلسفة الوجود :
اعمارنا كالسؤال يسعفه المــوت
يشافي الجواب في اللحد
فاشرب فأعمارنا الجراح
وما لها كمثل المدام من ضم
وانما الحيـــــــــاة كينبوع
جرى منه عوالـــــــم السد م
او انها كالبصيص تحضنه
ا يادي هذا الودود بالظلم
الاسلوب البياني
ويعني هذا الاسلوب سرد وجهة نظر الشاعر حول الاحداث المحيطة به والتعليق عليها بآرائه إزاءها وموقفه منها ومادتــه مكتسبة مما يدور بين الناس في المجالس 0 والجو الشعري فيه مفعم بالالفة والابانة . ويكون اما تقريريا او تأثيريا فالشاعر فيه اشبه بمصور فوتوغرافي يعرض صورا فوتوغرافية تعكس وجوه الاخرين وتبين شخصية الشاعر ونفسيته بقدر ما يعرضه ونوعية العرض وقد يكون بشكل اعترافات اومذكرات . ومنه هذه الابيات للشاعر حارث طه الراوي :
ناموا بوكر العهر قصر رحابهم
لا يحلمون بغير قد اهيـــــــــــف
حتى أطـل الصبح يعلن ثــــورة
فتصايحوا يشكون هول الموقف
من يسمع الشكوى وحتى ربنا
يابى سماع الظالم المستعطـــف
ما توا فما ماجت بصدر عبرة
اوقال انسان لعين اذرفـــــــــــي
حسب الطغاة بان يو م مماتهم
عيد به الدنيا تسر وتحتفــــــــي
اسلوب الواقـــع
وهذا الاسلوب يبدو الشاعر فيه مورخا لما يقع من امور واحداث ويكتشف واقعية الحياة والمجتمع والاقرار في ذلك . يمتاز بالسهولة والابانة وتكــون القصيدة سرد لواقعة معينة بامانة . وابيات القصيدة فيه تبدو متراصة احدها يكمل الاخر الى نهاية الحدث واضحة معانيه وضوح الفكرة واثر الفن فيه بين0 من ذلك قول الشعر العراقي الحديث معروف الرصافي في سياسة الانكليز ومن حالفهم مــــــن اراذل العراقيين :
انا بالحكومة والسياسة
الام في تفنيدها واعنــــــــــــــف
ساقول فيها مااقول ولم اخـــف
من ان يقال شاعر متطـــــــرف
هذي حكومتنا وكل شموخهـــا
كذب وكل طبعها فتكلــــــــــف
غشت مظاهرها وموه وجهها
فجمميع من فيها بارج زيــــــف
وجهان فيها باطن متســــــتر
للاجنبي المكشوف فيه تصلف
علم ودستور ومجلس امــــــة
كل عن المعنى الصحيح محرف
اسلوب الحوار
الحوار هو فن تسجيل ما يدور على ألسنة الناس او بين الشاعر والاخرين منهم المتلقي وهو أسلوب قائم بذاته يظهرالشاعر فيه اشبه بالصاحب او العشير, فهو اما ان يكون ثأثيريا وهو الأغلب أو تقريريا او تلقائيا او حوارا بيـــــــــن الآخرين أو بين الشاعر وحبيبه في لذة وتشوق او تأمليا كمن يسمع حديثا فات عنه او يتصل بمجلسه ويخضع هذا الأسلوب عادة للزمان والمكان لان فيه وقت وزمن . ويعبر عما يدور في ذلك الزمن كما يعبر عن كل نفس وما يجيش فيها بلسان حالها وأرتدي منه القـــــــول ما يلائمها . و منه قول الشاعر ابي فراس الحمداني الشاعر الامير في رائيته المشهــــــــورة :
وفيت وفي بعض الوفاء مذلـــــــة
لفاتنة في الحي شيتمها الغـدر
تسائلني من انت وهـــــــي عليمة
وهل لفتى مثلي على حاله نكر
فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى
قتيلك قلت أيهم فهم كثــــــــــر
قالت لقد اسرى بك الدهر بعدنـــا
فقلت معاذ الله أنت لا الدهر
أسلوب الوصف
اما الوصف فهو وصف كل ما يلحظه الشاعر من صور ومشاهد حية من خلال تجربته بين الاحياء والناس وما تمر به من احوال وخواطـــــــــــر ومواقف وامور يقف الشاعر ازاءها موقف امام مناظر يراها بالعين تؤثر في نفسيته . فتهز شعوره وتحــــــــــرك عاطفته فتأتــــــي القصيدة بما توحيه نفسه اليه وتؤثر فيه فتهز شعوره وما يختلج في قلبه من مشاعر ازاء هـــــــذا الموقف وربما جاءت وصفاً للايحاء فتكون كصور مشكّلة بمقدار تأثر الشاعر بها او وصف لأحوال الشاعر فتكون الصور متغيرة بتغير ألـــــــوان الشعور النفسي والعاطفي لديه لذلك تعتمد القيادة الوصفية على الدوافع النفسيــــــــــــة وتأثيراتها في البيان البلاغي كالاستعـــــــــــــــارات والتشابيه اوالتورية . ونجد في القصيدة يد الشاعر الفنان تعمل في زخرفة القصيدة ويعمد الشاعر الـــــــى صقلها بما اوتي من شاعرية فـــــذة حتى لتبدو كأنها مرآة صافية ترى فيها خيال الموصوف وروح الشاعر واضحة بينــــــــــة ونلاحظ ذلك في قصيدتي الهائية فــــــــــــي الحبيب :
هي الشمس في نصف النهار بيهية
لكنها أوفى عهودا لراعيهــــــــــــــــا
هي الصورة الموحاة للروح نزعــة
وآية للحسن تسبي معانيهـــــــــــــا
هي النور بل النو ر منها نابـــــــــع
والخلق, الاخلاق .من ذا يجاريهــــــا
فقد يعجز القول بحصر صفاتهـــــا
والحبر والاوراق او ما يظاهيهـــــــــا
فهذي العيون العســل والرمش فوقها
كر شاشة الجندي الشجاع فماليهـــــــا
اذات العيون العسل رمشـــك قاتلـــي
وتحريك جفنيك الجروح يداويهـــــا
ليست لها مقياس يحصي جمالهــــا
وليست لها كالنور بالكون تشبيهــــا
الأسلوب القصصي
هو بيان اثر الحياة وما فيها وفيه يصور الشاعر بطبعه الحس الرقيق والدقيق ويستعرض القصة بعامل التشويـــــــــق ويقف موقف الحدث بين الانطواء والانطلاق . ويرى المناظر والصور الشعرية رأي العين ويستعرض ماحوله بيــــــن يديه علــــى مسرح الحياة وفي هذا الاسلوب تجتمع كل الاساليب الشعرية فهو يرسل الشعر او يعقـده على سبيل ا لاتصال بين الشاعــــــر والقصة وتسجيل الوقائع كما تكون وقد يدخل في الاسلوب الوصف حيث يصف الشاعر مايلحظه مـــن مواقف بين جوانب مجريات احداث القصة وفيه طابع الفن واضح في نغمات شعرية متزنة وقد وجد في الشعر العربــي منذ وجوده .نلاحظ هـــــــذه الأبيات للشاعر عمر بن أبي ربيعة الأموي في الغزل :
ثم مالت وسامحت بعد منـــــع
وارتني كفا تزين الســـــــوارا
فتناولتها فمالت كغصــــــــن
حركته ريح عليه فمــــــــارا
وذاقت بعد العلاج لذيـــــــــــذا
كجني النحل شاب صرفا عقارا
واشتكت شدة الإزار من البهر
وألقت عنها لدي الخمــــــــــارا
الأسلوب ألهوسي
وهذا الفن او الاسلوب فيه حديث النفس للنفس فهو هوس النفوس حيث تكلم النفس ذاتها وعما يشعر به في قرارة نفسه فكانما للشاعر نفسين تحدث أحداهما الأخرى وبهــــذا يكون الشاعر متخذا التعلل بالاماني الزائفة في بعض الاحيان او الأمور الخيالية حدسا للغور بالفن . ويود ادراك كنه هذه النفس الشاعرية وربما انطوائيتها عليها . لذا تكون القصيدة كقطعة موسيقية راقصة يهتز وجدان المرء إليها في وحدته وخلوته بنفسه ونلاحظ ذلك في قصيدة الشاعر اللبناني فواءد بليبل يقول:-
إنا من إنا يا للتعاسة من إنا شبح الشقـــاء
بل زهرة فواحة عبثت بها أيدي القضـــــــــــاء
عند الصباح تفتحت وذوت ولم ياءت المساء
وطغى الفناء على الشباب فغاله قبل الفنـــــاء
أسلوب الرمز
وفي فنية هذا الاسلوب يظهر الإيحاء الشعري خالصا للايحاء ويرمز الشاعر فيه الى حالة نفسية وتحت تأثير المحسوس .فالشاعر فيه يطيل النظر الى الشيء ووربما لا يراه او يدرك كنهه كما تراه العين البشرية انما يراه من خلال التعبير عنه بالرمز فالشاعرخال ألا من نفس الشاعر حيث يصف نفسه وحالته بصورة غير مباشرة على طرفي نقيض فيتحول بهذا الشيء الموصوف إلــــــى صورة رمزية احساس الشاعر وإحاسيسه بذاته والاتزان ظاهر ملموس في تنسيق الصور ومقدرة الشاعـــر فكأن الشاعر يعيش في انطواء تام وبذلك يكون افقه ضيقا ويرى الاشياء من ناحية واحدة ويشعر كأنه مفتون فيرى الاشياء معكوسة في مرآءة خيالية صافية وحالة الشاعر فيه شبه انذهال فالشاعر يؤلف صورا بمعزوفة موسيقيـــــــة يعزفها لنفسه وتصور احاسيسه الغامضة وغلبت على شعراء الشعر الحديث والمعاصر المنثور الرمزية حتى إن بعضهم أوغـــل في الرمز الى حد الابهام الا اني الوم بعضا منهم على هذا الغلو الجانح في الرمز الى حد الابهام او التعبير الذي يجعل من الرمز جدارا قويا عاليا صعب المرتقى لا يرتقيه احد الا الشاعر ذاته بحيث اصبح حاجزا بينه وبين القراء والمتلقين ولعدم فهم ما يقوله الشاعر من قبل المتلقي 0ولا اتوافق مع هؤلاء الشعراء في رمزيتهم فهي كالليل المدلهم الملبد بالغيوم الثقيلة تنتظر ومضة بريق او كوة يدخل نها الضوء الى القصيدة وانا ادعو ان تكون القصيدة نهارا ساطعا نرى الاشياء على حقيقتها ونرمز لها ما يزيدها بهاءا وايضاحا وهذ ه مقاطع من قصيدتي (شقاء ) عالجت فيها حالة نفسية اثرت في نفسي ولازلت اذكرها رغم مرور عشرات السنين أقول:-
منذ سنين كان عودي اخضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــر
كانت شجيرة أمنياتي ناميــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
أغصانها خضراء تسمو زاهيـــــــــــــــــــــــــــــــة
تنمو وتزهو كبريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
وروى الأماني في العيون نديـــــــــــــــــــــــــــــــــة
ملئت نظراتها بالسعد والفرح الغزيــــــــــــــــــــــــر
القلب يغمره الســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرور
يعيش في خلجات عيشه السعيــــــــــــــــــــــــــــــد
أيامها جذل أغانيها حبور وانشـــــــــــــــــــــــــراح
يتهادى النور فيها كالرجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
وكأنها شمس الصباح تطل في اشراقها الانوار جذلى
اتبعث الامال فينا من جديــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
فنملا الدنيا حيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاة
تزهو ريا العيش السعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
من جديـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
الأسلوب الغنائي
ونعني به اسلوب الترتيل والانسجام المحسوس في تحويل او لفت نظرالشاعر الى العالم المحسوس او المرئي في هدوء وانتظام وموقف الشاعر فيه كموقف العابد في محرابه ,وخاصة في الغزل والمدح والرثاء وفي الرثاء يطوي الشاعر نفسه في غلالة سوداء قاتمة بلون ما يعتمل في احساسه او شعوره اتجاه المرثي ويعني بالايحاء خالصا لوجه التأثير في المتلقي واثرما يعتري نفسه ازاء المرثي وقربه او بعده عن نفسه . وطابعه الفني غنائـــــــي كأنما ينزوي الشاعر فيه للعبادة وتهيمن عليه روحانية لا تعلل الا في ضوء احساسه وخوالج نفسه . ونلاحظ قول الشاعر الجاهلي امرئ ألقيس اذ يقول :
وليل كموج البحر مرخ سدوله
علي ابواع الهموم ليبتلــــــ ــي
فقلت له لما تمطى بصلبـــــــــــــه
وأردف إعجازا وناء بكلكــــــــــــــل
الا ايها الليل الطويــــــل الا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيالك من ليل كأن نجومـــــــه
بكل مغار الفتل شدت بيذبــــــــــــــــــــل
إن سر الوحدة الشعرية هو احتفاظ الشاعر بموقف ازاء الاشياء وما تنطوي عليه نفسيته وشعوره في كل ما يشعر وما يصدر عنه من شعر . وكلما كثر اطلاعه وغزرت ثقافته اتسق اسلوبه وقد يجمع الشاعر في القصيدة الواحدة اكثر من اسلوب واكثر من موقف الا الاسلوب القصصي فبه يستطيع الشاعر ان يلم بجميــــــــــــــع الاساليب الشعرية كيفما يشاء ويختار .
فالشعر هو الخلق الجميل ، و نقصد فيه التبصر والسمو و التأمل في الحس الذاتي لنقل الصورة الجميلة المعبرة عما يجيش في نزعات الشاعر و ممتزجة بأقوى عناصر الجمال النفسي والشعوري الذي يتمثل في الموسيقى الكلامية المنبعثة عن امكانية الشاعر في الايتاء باجمل الالفاظ او الاساليب او الصور الشعرية او ا نتقائها من خلال تمازج او تزاوج الحروف اللغوية مع بعضها بحيث تعطي نمطا او نسقا موسيقيا معينا ونغما رائعا تبعا لأمكانية الشاعر ومقدرته على الخلق والابداع وامكاناته في اللغة من خلال احد الاساليب التي يسلكها الشاعر للسير في طريق السمو بالروح نحو مسارات عالية ذات نغمات تبثق من نفسية الشاعر وعواطفه وامكانيته التعبيرية ومن خلال موهبته وثقافته والتي هي السبيل الاقوى للإيحاء وللتعبير وبما يعجز التعبير عنه الاخرون .
**************************