سيكولوجية الفنون الشعرية وأساليبها – ج1
د. فالح الكيلاني. فالح الكيلاني
19 فبراير، 2017
انشر في الفيسبوك غرد على تويتر
من المعلوم ان الشعر يعد الحجر الاساس في النتاج الادبي في اللغة العربية اذ لو تتبعنا تاريخ الادب العربي منذ العصر الجاهلي لوجدناه يبدأ بالشعر ظهورا واهتماما ثم من بعده النثر بجميع مضامينه واشكا له .وبهذا اختلفت الامة العربية عن غيرها من الامم مثل اليونانية والرومانية والفارسية والهندية والصينية وغيرها من الامم في وجودية الادب حيث انصب اهتمام العرب على الشعر ومن بعد ه كان الاهتمام بالنثر خلاف الامم اعلاه لان العرب عاطفيون اكثر من غيرهم ولا يزالون والشهر ينبعث عن عاطفة جياشة موقعها القلب ثم تفيض عند بعضهم وهم الشعراء فتسيل او تجري شعرا . فالشعر اذن الهام ينبع من القلب ويغذيه الاحساس ويصقله الفكر فيما يصدره من شعور او من خلال التعلم ولا يستوي – عندي – الشاعر بالالهام عن الشاعر بالتعلم فالشاعر بالالهام يفي شعره فيضا والشاعربالتعلم كانما ينحت حجرا لينتج شعرا .
الشاعر على العموم يقف بالنسبة للحياة موقفا واحدا ونظرة واحدة فهو اما ان يكون منطلقا في رحابها كاشعة الشمس لاحدود لانطلاقته او يكون منطو على نفسه وحسبما تمليه عليه ظروف هذه الحياة ,فهو اما متفائل فرح يملأ قلبه السرور والانشراح كانه الربيــــــــع بازاهيره واخضراره وحبوره او متشائم مكتئب مفعم قلبه بالا لم والحسرة والحزن كالليل المدلهم او كالسمـــــــــــــاء الملبدة بالغيوم. فشخصية الشاعر تظهرفي شعره . ويمكن التعرف عليه من خلال شعره . فشعره مرآة لشخصيته وربما يكون حكيما وقد يكون عاطفيــــــــــــــا يغلــــــب عليـــــــه الاحساس والشعورالمرهف فالاول يحكم العقل فيما ينظم وله القدرة على إلتماس مواطن الجمال بالبصيرة القوية والذوق السليـــــم فينفذ الى ذات الشيء ويزيل الستار عنه فيبدو كما هو .اما الشاعر العاطفي فهوالشاعر الفنان يتجاذب مع الحياة باحساسه وشعوره المرهف ويصــــوغ شعره بخياله البارع فتسمع اجراس قلبه تجلجل بين ابيات قصيدته مع هــــــــــواه يرتشف من بحر خياله وفي كل الامور نستطيع ان نميز حالات تظهر في شعرالشاعر وينتج شعره من خلالها الا وهي الاساليب الشعرية التي يتبعها الشاعر في نتاجه الشعري ويلتزمها في نتاج قصيدته واهم هذه الاساليب او الفنون ما يلي :
الفلسفــــــــــــة اوالحكمة:
فن الحكمة او الفلسفة وفيه يسمو الشاعر في اجواء نفسه محلقا فيطل علـــــــى الحياة من الاعلى ليرى كل مفردات الحياة ثم ينحدر متغلغلا في معانيها لحد دقائق امورها ويحف باطرافها مهيمنا على عواطفه واحاسيـــــــــه متعقلا يغلبه الفكر وما تفرزه الحياة عليه ثم يوجه نظرتـــــه الكاشفة متفحصا فتظهر له الحياة على حقيقتها واضحة جلية فتنبعث نظرته فيها من العقـــــــل الواعي لا الخيال فياتي شعـــره مهيمنا على ما يريد او قد ياتي عفويا متجردا من المكان والزمان وهذ سر مطابقته لكل الأوقـــــات والازمنة وينحدر في النفس المتلقية كالماء العذب انظر لهذه الابيــــات من شعر بشار بن برد في العصر العباسي اما تزال طرية وكانها قيلت الان وذات تأثير في النفس عظيم رغم مروركل هذه القرون :
اذا كنت في كل الامور معاتبــــــــا
صديقك لم تلق الذى لا تعا تبــــــه
عش واحدا اوزر اخاك فانـــــــــــه
مقارف ذنب تارة ومجا نبــــــــــه
اذا انت لم تشرب مرارا على القذى
ضمئت واي الناس تصفو مشاربه
الخطابية :
الشعر الخطابي فهو الشعر المتدفق من نفس الشاعر تدفق الشلال او العين الثائرة, تحس فيه بحرارة لتلهب انفاس الشاعر وتحرق شاعره تعبيرا عما يخالجه من احساس تجاه المخاطب مطبوعا اكثر الاحيا ن بطابع الجدية ونلحظ فيه الشاعر مندفعا وراء هواه وخياله الواسع داعيا لفكرته وعقيدته ومدافعا عما يروم .وفيه التهويل والمبالغة واضحتان والاعتزاز بالنفس ظاهر. لاحظ قول عمرو بن كلثو م في الجاهلية كيف يخاطب ملـــــــك الحير ة في نونيته المشهورة :
ابا هند فلا تعجل علينــــــــــــا وانظرنا نخبرك اليقينــــــــــا
بانا نورد الرايات بيضـــــــــــا ونصدرهن حمرا قد روينا
اذا بلغ الفطام لنا صبــــــــــــي تخر له الجبابر ساجدينـــــا
ملاءنا البر حتى ضاق عنـــــا وماء البحر نملوءه سفيـنا
اذا ما الملك سام الناس خسفـا ابينا ان نقر الظلم فيـــــــنا
الأسلوب القصصي :
هو بيان اثر الحياة وما فيها وفيه يصور الشاعر بطبعه الحس الرقيق والدقيق ويستعرض القصة بعامل التشويـــــــــق ويقف موقف الحدث بين الانطواء والانطلاق . ويرى المناظر والصور الشعرية رأي العين ويستعرض ماحوله بيــــــن يديه علــــى مسرح الحياة وفي هذا الاسلوب تجتمع كل الاساليب الشعرية فهو يرسل الشعر او يعقـده على سبيل ا لاتصال بين الشاعــــــر والقصة وتسجيل الوقائع كما تكون وقد يدخل في الاسلوب الوصف حيث يصف الشاعر مايلحظه مـــن مواقف بين جوانب مجريات احداث القصة وفيه طابع الفن واضح في نغمات شعرية متزنة وقد وجد في الشعر العربــي منذ وجوده .نلاحظ هـــــــذه الأبيات للشاعر عمر بن أبي ربيعة الأموي في الغزل :
ثم مالت وسامحت بعد منـــــع وارتني كفا تزين الســـــــوارا
فتناولتها فمالت كغصــــــــن حركته ريح عليه فمــــــــارا
وذاقت بعد العلاج لذيـــــــــــذا كجني النحل شاب صرفا عقارا
واشتكت شدة الإزار من البهر وألقت عنها لدي الخمــــــــــارا
اسلوب الواقعية :
وهذا الاسلوب يبدو الشاعر فيه مورخا لما يقع من امور واحداث ويكتشف واقعية الحياة والمجتمع والاقرار في ذلك . يمتاز بالسهولة والابانة وتكــون القصيدة سرد لواقعة معينة بامانة . وابيات القصيدة فيه تبدو متراصة احدها يكمل الاخر الى نهاية الحدث واضحة معانيه وضوح الفكرة واثر الفن فيه بين0 من ذلك قول الشعر العراقي الحديث معروف الرصافي في سياسة الانكليز ومن حالفهم مــــــن اراذل العراقيين :
انا بالحكومة والسياسة اعرف الام في تفنيدها واعنــــــــــــــف
ساقول فيها مااقول ولم اخـــف من ان يقال شاعر متطـــــــرف
هذي حكومتنا وكل شموخهـــا كذب وكل طبعها فتكلــــــــــف
غشت مظاهرها وموه وجهها فجمميع من فيها بارج زيــــــف
وجهان فيها باطن متســــــتر للاجنبي المكشوف فيه تصلف
علم ودستور ومجلس امــــــة كل عن المعنى الصحيح محرف
يتبع
************************