عبدالرحيم محمود
الشاعرالشهيد ))
بقلم دفالح الكيلاني
ولد عبد الرحيم محمود في بلدة (عنبتا ) من اعمال (طولكرم ) بفلسطين عام \ 1913 ولد في كنف اسرة ملتزمة دينيا ووطنيا.
درس عبدالرحيم في ( مدرسة عنبتا الابتدائية ) ، ثم انتقل إلى (مدرسة طولكرم الابتدائية) ثم انتقل الى (مدرسة النجاح الوطنية ) في ( نابلس ) لدراسة المرحلة الثانوية (جامعة النجاح حاليا ) فدرس فيها خمس سنوات من عام\ 1928 الى عام\ 1933 درس على ايدي اساتذة اكفاء منهم الدكتور محمد فروخ والشاعر ابراهيم طوقان والاستاذ انيس الخولي وغيرهم فنهل من منهلهم حب الوطن وحب المعرفة و زعزة النفس وابائها حتى تخرج منها عام \ 1933 فعين مدرسا للغة العربية وادابها .
في عام \ 1935 حضر من سوريا الشيخ المجاهد عز الدين القسام ليشارك في الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزي لفلسطين وهو شيخ بلغ عمره اربع وستون سنة فاعتصم بالجبل مع رفاقه من مِصْر وفلسطين، وظلوا يقاتلون جنود الاحتلال الإنكليزي فاسْتُشْهِد الشيخ السوري 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1935 وبهذا أصبح الشيخ القَسَّام مثلاً أعلى للمقاومة وللثورة التي بدأت بإضراب يوم 20 نيسان (أبريل) \ 1936، فانخرط الشباب الفلسطني في صفوف المقاومة العربية في فلسطين ومنهم الشاعر الشاب عبد الرحيم محمود الذي نذر نفسه للوطن وللنضال من اجل تحرير بلده ، فاستقال من (مدرسة النجاح) ملتحقا بصفوف المناضلين وهو يقول :
إن الألى سلبوا الحقوق لئامُ
واغْصِبْ حُقوقَك قَطُّ لا تَسْتَجْدِها
قَدْ سـَارَها مِنْ قَبْلِكَ القَسَّامُ
هذي طَرِيْقُكَ فِي الحَياة فلا تَحِـدْها
و في عام \ 1935 قام الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية قبل ان يكون ملكا للمسجد الاقصى، فألقى الشاعر عبد الرحيم محمود قصيدته وكان عمره اثنين وعشرين عامًا
قال فيها :
نَجمُ السُعودِ وَفي جَبينِكَ مَطلَعُهْ
أَنّى تَوَجَّهَ رَكبُ عِزِّكَ يَتبَعُهْ
سَهلاً وَطِئتَ وَلَو نَزَلتَ بِمَحمَلٍ
يَوماً لِأَمرَعَ مِن نُزولِكَ بَلقَعُهْ
وَالقَومُ قَومُكَ يا أَميرُ إِذا النَوى
فَرَقَتهُ آمالُ العُروبَةِ تَجمَعُهْ
مالوا إِلَيكَ وَكُلّ ُ قَلبٍ حَبَّةً
يَحدو بِهِ شَوقاً إِلَيكَ وَيَدفَعُهْ
يا ذا الأَميرِ أَمامَ عَينِكَ شاعِرٌ
ضُمَّت عَلى الشَكوى المَريرَةِ أَضلُعُهْ
المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَزورُهُ
أَم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ
حَرمٌ تُباحُ لِكُلِّ أَوكعَ آبِقٍ
وَلِكُلِّ أَفّاقٍ شَريدٍ أربُعُهْ
وَالطاعِنونَ وَبورِكَت جَنباتُهُ
أَبناؤُهُ الظِيَم بِطَعنٍ يوجِعُهْ
وَغَداً وَما أَدناهُ لا يَبقى سِوى
دَمعٍ لَنا يَهمي وَسِنٌّ نَقرَعُهْ
وَيُقرِّبُ الأَمرَ العَصيبَ أسافلٌ
عَجِلوا عَلَينا بِالَّذي نَتَوَقَّعُهْ
قَومٌ تَضِلُّ لَدى السَدادِ حَصاتهُ
وَيُسَيطِرُ العادي عَلَيهِ وَيُخضِعُهْ
شَكوى وَتَحلو لِلمُضيمِ شَكاتُهُ
عِندَ الأَميرِ وَأَن تَرَقرَقَ أَدمُعُهْ
سِر يا أَميرُ وَرافَقَتكَ عِنايَةٌ
نَجمُ السُعودِ وَفي جبَينِكَ مَطلَعُهْ
وفي هذه القصيدة تتضح وجهة وبُعد نظر الشاعر الشاب ورؤيته الواقعية للظروف العربية شعوبًا وحكامًا ..
وفي عام \ 1939 كانت الثورة قد خمدت بعض الشئ فلم يحتمل البقاء في فلسطين تحت نير الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية؛ فانتقل إلى العراق وظل به ثلاثة اعوام عمل خلالها مدرسًا للغة العربية، ثم التحق بالكلية الحربية العسكرية ببغداد، وتخرج ضابطًا برتبة ملازم عندما كان الملك غازي بن فيصل بن الحسين ملكا على العراق وقد شارك مع المناضلين العراقيين في ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عند قيامها في عام 1941
وفي اثناء الحرب العالميةالثانية وانشغال انكلترا في الحروب مع حلفائها عاد الشاعر عبد الرحيم محمود إلى بلده واستأنف العمل كمعلم للغة العربية (بمدرسة النجاح الوطنية) بنابلس .
ولما بلغ عمره أربعة وعشرين عامًا ا نشد قصيدته (الشهيد) ليُصَوِّر ُفيها الشهيد كما يتمنَّاه هو فيقول :
ســأحمل روحــي عـلى راحـتي
وألقــي بهـا فـي مهـاوي الـردى
فإمــا حيــاة تســر الصــديق
وإمــا ممــات يغيــظ العــدى
ونفس الشـــريف لهــا غايتــان
ورود المنايـــا ونيـــل المنــى
ومـا العيش? لا عشـت إن لـم
أكـن مخــوف الجنــاب حـرام الحـمى
إذا قلــت أصغــى لـي العـالمون
ودوى مقـــالى بيـــن الــورى
لعمـــرك إنــي أرى مصــرعي
ولكـــن أعــد إليــه الخــطى
أرى مصـرعي دون حـقي السـليب
ودون بـــلادي هـــو المبتغــى
يلــد لأذنــي ســماع الصليــل
ويبهــج نفســي مســيل الدمــا
وجســم تجـدل فـوق الهضاب
تناوشـــه جارحـــات الفـــلا
فمنــه نصيــب لأســد السـماء
ومنــه نصيــب لأســد الــثرى
كســـادمه الأرض بـــالأرجوان
وأثقــل بــالعطر ريــح الصبـا
وعفـــر منــه بهــي الجــبين
ولكـــن عفــارا يزيــد البهــا
وبــان عــلى شــفتيه ابتســام
معانيـــة هــزء بهــذي الدنــا
ونـــام ليحــلم حــلم الخــلود
ويهنــأ فيــه بــأحلى الــرؤى
لعمــرك هــذا ممــات الرجـال
ومــن رام موتــا شــريفا فــذا
فكــيف اصطبـاري لكيـد الحـقود
وكــيف احتمــالى لســوم الأذى
أخوفــا وعنــدي تهــون الحيـاة
وذلا وإنــــي لـــرب الإبـــا
بقلبــي ســأرمي وجــوه العـداة
فقلبــي حــديد ونــاري لظــى
وأحــمي حيــاضي بحـد الحسـام
فيعلـــم قــومي بأنــي الفتــى
وفي عام \1948 صدر قرار تقسيم فلسطين فاشتعل الموقف الفلسطيني والعربي من جديد ؛ فقرَّر شاعِرُنا عبد الرحيم محمود أن يصل الى تحقيق اعلى درجات الجهاد في سبيل وطنه وآخر مدى من أجل تحرير وطنه، فتوجه إلى ( بيروت ) في كانون الثاي (يناير) 1948، ثم انتقل الى الشام لينخرط في تدريبات عسكرية على القتال وفنونه فانضم إلى ( جيش الانقاذ )، ولما اكمل تدريباته فيه دخل إلى منطقة( بلعا ) بفلسطين مشتركا في معركة (بيارعدس) مع سَرِيَّة من فوج (حِطِّين)، ثم شارك في معركة ( رأس العين)، وفي شهر نيسان ( إبريل ) 1948م عُيِّن آمرًا للانضباط العسكري في قاطع ( طولكرم )، ثم مساعدًا لآمر الفوج في مدينة ( الناصرة ) .
وفي قرية ( الشجرة ) الفلسطينية العربية قرب مدينة( طبرية ) انشأ الصهاينة اليهود قرية او مستعمرة اسموها (السجرة ) بالسين وكانت منطقة ساخنة جدا فكان العرب من المسلمين والمسيحيين يقاتلون من قرية (الشجرة ) واليهود يقاتلون من قرية ( السجرة ) فكان القتال محتدما وشرسا ودارت فيه معارك كثيرة قاتل فيها الشاعر عبد الرحيم محمود قتال الابطال ببسالة منقطعة النظير في ( معركة الشجرة) فأصابته قذيفة في عنقه، وكان يتمتم ورفاقه يحملونه على أكتافهم :
احملوني احملونــي وأحذروا ان تتركوني
وخذوني ولا تخافـوا واذا مت ادفنونــي
وقد اسْتُشْهِدَ فيها .
استشهد في معركة ( الشجرة ) يوم 13 حزيران ( يوليو) 1948م وهو في مقتبل العمر حيث بلغ عمره خمس وثلاثون سنة\
ودُفِنَ عبد الرحيم محمود في مدينة (الناصرة ) مُخَلِّفًا زوجته وابنيه (الطيب) و(طلال) وابنته رقيَّة، ووكانت أعمارهم يوم استشهاده بين العام الواحد والاربعة اعوام .
يتميز شعر عبد الرحيم محمود الشاعرالشهيد بقوتها واشاعة روح الوطنية والجهاد فيها وكانت قصائده التي جمعها بعد استشهاده لجنة من ( الادباء ) بعد وفاته بعشر سنين وكان قد نشر بعضها في المجلات العربية في فلسطين وسوريا ومصر ولبنان . واصدرت هذه اللجنة ديوانه في (عمان) عام 1958 ويحتوي على سبع وعشرين قصيدة. هي كل القصائد التي صاغها شعرًا وعاشها حياته، وفيها استحق أن يكون مثلا أعلى للشباب الفلسطيني او للشباب العربي في الكفاح والجهاد من اجل الكرامة والوطن والصدق فقصائده اغلبها تحمل طابع الكفاح والجهاد ومع ذلك نجد في شعره الغزل والرثاء والمدح و غيرها من فنون الشعرالعربي .
: يقول في الغزل
خالتني الميت من صدها والعائش الدهر معنى عليل
قالت قتيلي أنت قلت اعلمي أن قد صحا الساهي وعاد القتيل
ملت إلى غيري واني امروء إن مالت الروح فعنها أميل
قالت لم يزل فاعلا قلت.. فهاتي عليه الدليل
مخلوقة أنت فلا تكبري مثلك بين الناس ألف مثيل
~*~*~*~*~*~
قالت إذا رحت فلا عودة إما تشكيت النوى والصدود
قلت ومن يخلص من قيده أينثني يطلب ذل القيود؟
نجوت من نار فلا تحسبي أني إلى النار حياتي أعود
قالت أتنسى ؟ قلت لم لا وقد نسيت ميثاقي وخنت العهود
غدا أرى غيرك لي وافيا وأبدل الحب بحب جديد
~*~*~*~*~*~
أخلصتك الود وجازيتني بالغدر ما اظلم هذا الجزاء
وإذ بأحلامي التي شدتها تنهار من فوقي وتغدو هباء
لكن سأبنيها فلا تشمتي نعم ٍ ابنيها وأعلي البناء
مثلي كما قلت رجال ولا يدركهم حصر, ذاك النساء
واخيرا اختم بحثي بهذه القصيدة من شعره :
دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد
فخف لفرط فرحته فؤادي
وسابق النسيم لا افتخار
أليس علي أن أفدى بلادي ؟
حملت على يدي روحي وقلبي
وما حملتها إلا عتادي
وقلت لمن يخاف من المنايا
أتفرق من مجابهة الأعادي؟
أتقعد والحمى يرجوك عونا
وتجبن عن مصاولة الأعادي؟
فدونك خدر أمك فاقتحمه
وحسبك خسة هذا التهادي
فللأوطان أجناد شداد
يكيلون الدمار لأي عادي
يلاقون الصعاب ولا تشاكي
أشاوس في ميادين الجلاد
تراهم في الوغى أسدا غضايا
معاوينا إذا نادى المنادي
بني وطني دنا يوم الضحايا
أغر على ربا ارض الميعاد
فمن كبش الفداء سوى شباب
أبي لا يقيم على اضطهاد ؟
ومن للحرب إن هاجت لظاها
ومن إلا كم قدح الزناد؟
فسيروا للنضال الحق نارا
نصب على العدى في كل واد
فليس أحط من شعب قعيد
عن الجلى وموطنه ينادي
~*~*~*~*~*~
بني وطني أفيقوا من رقاد
فما بعد التعسف من رقاد
قفوا في وجه أي كان صفا
حديدا لا يؤول إلى انفراد
ولا تجموا إذا اربدت سماء
ولا تهنوا ‘ذا ثارت بوادي
ولا تقفوا إذا الدنيا تصدت
لكم وتكاتفوا في كل نادي
إذا ضاعت فلسطين وأنتم
على قيد الحياة ففي اعتقادي
بأن بني عروبتنا استكانوا
وأخطأ سعيهم نهج الرشاد
***************************