اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الشاعر محمود سامي البارودي بقلم فالح الحجية

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin

محمود سامي البا رودي


ولد محمود سامي البارودي عام 1839 ميلادية ، وكان أبوه حسن حسين بك البارودي من أمراء المدفعية ثم صار مديرا لمنطقة( بربر) ومن ثم (دنقلة) في عهد الوالي محمد علي باشا والي مصر ، وكان جده لأبيه عبد الله بك الجرسكي كشافا في عهد محمد علي مأمورا و أحد أجداد الشاعر واسمه مراد بن يوسف شاويشا ملتزما في العصر العثماني لبلدة (آيتاي البارود) إحدى مناطق محافظة البحيرة، وقد لقب بالبارودي نسبة الى هذه المنطقة وبقي هذه التسمية ملازمة لعائلته من بعده .
وكان أجداده بربطون نسبهم بنسب المماليك حكام مصر وانهم منهم وكان الشاعر محمود سامي البارودي شديد الاعتزاز بهذا النسب في شعره وفي كل أعماله ، و كان له فيه اثرا قويا في جميع أدوار حياته وفي المصير الذي انتهى أليه .
توفى والده وهو في الاسابعة من عمره فكفلته امه تر بية وتدريسا وسهرت على تعلمه
تلقي البارودي وهو في السابعة من عمره دروسه الأولى في البيت فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ النحو والصرف، ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، ثم التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية
ابتدات مظاهر حبه و شغفًه بالشعر العربي تظهر في شخصيته ودراسته فحفظ الكثير من شعر الشعراء القدامى وخاصة شعراء العصر الاموي والعباسي مثل جرير والاخطل والفرزدق وابي تمام والبحتري والمتنبي وابن زيدون وكثير من الشعراء الفحول، فنظم الشعر واجاد وابدع فكان شاعرا فذا في مقتبل الشباب وعمر الصبا
وبعد أربع سنوات من الدراسة تخرّج عام 1845م برتبة (باش شاويش )ثم سافر إلى إستانبول مقر الخلافة العثمانية، والتحق بوزارة الخارجية، وتمكن في أثناء إقامته من إتقان اللغتين التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من الأشعار بهما، ودعته سليقته الشعرية المتوهجة إلى نظم الشعر بهما . وفي أثناء عمله بالجيش اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة (١٢٨٢ هـ = ١٨٦٥م) لمساندة جيش الخلافة العثمانية في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة "كريت"، وهناك أبلى البارودي بلاء حسنًا، وجرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحروب التي خاض غمارها، يقول في رائعة من روائعه الخالدة \

أخذ الكرى بمعاقد الأجفان
وهفا السرى بأعنة الفرسان

والليل منشور الذوائب ضارب
فوق المتالع والربى بجران

لا تستبين العين في ظلماته
إلا اشتعال أسِنَّة المران

كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الحياة في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، واهن الحركة، كليل البصر.

وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية.
أن ولاية مصر الت إلى الخديوي عباس الأول ثم إلى سعيد وكان عباس قد عدل عن خطة محمد علي الذي نظم الجند وتقدمه حين لاحظ ان الدولة العثمانية تنظر إلى الجيش المصري بعين الريبة والقلق وهذا ما جعله يغير خطته ويبتعد عن كل مايقدم الجيش والتعليم كافة لذا تعطلت النهضة التي كانت متصلة بالجيش و في الصناعة والدراسة والتعليم .مما اثر على الحياة الثقافية في البلاد عموما
ترقى البارودي في السلك العسكري والسلك المدني، وحصل على أعلى المراتب، فكان وزيراً للمعارف والأوقاف ووزيراً للحربية والبحرية في عهد الخديوي توفيق،
وبعد عودة البارودي من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية ياورًا خاصًا للخديوي إسماعيل، وقد بقي في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد "توفيق بن إسماعيل" في (ربيع الآخر ١٢٩٠هـ = يونيو ١٨٧٣م)، ومكث في منصبه سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل كاتبًا لسره (سكرتيرًا)، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.
ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قواد الحملة الضخمة التي بعثتها مصر للقتال ولنجدة الدولة العثمانية، ونزلت الحملة في "وارنة" أحد ثغور البحر الأسود، وحاربت في "أوكرانيا" ببسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة "سان استفانوا" في (ربيع الأول ١٢٩٥هـ = مارس ١٨٧٨م)، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على البارودي برتبة "اللواء" والوسام المجيدي من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف؛ لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة و البطولة.
وبعد عودة البارودي من حرب البلقان تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في (ربيع الآخر ١٢٩٥هـ = إبريل ١٨٧٨م)، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الديني الوطني الذي يقوده "جمال الدين الأفغاني" لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل، يقول \

جلبت أشطر هذا الدهر تجربة
وذقت ما فيه من صاب ومن عسل

فما وجدت على الأيام باقية
أشهى إلى النفس من حرية العمل

لكننا غرض للشر في زمن
أهل العقول به في طاعة الخمل

قامت به من رجال السوء طائفة
أدهى على النفس من بؤس على ثكل

ذلت بهم مصر بعد العز واضطربت
قواعد الملك حتى ظل في خلل

وبينما كان محمد شريف باشا رئيس مجلس النظار يحاول أن يضع للبلاد دستورًا قويمًا يصلح أحوالها ويرد كرامتها، فارضًا على الوزارة مسؤوليتها على كل ما تقوم به أمام مجلس النواب، إذا بالحكومة الإنجليزية والفرنسية تكيدان للخديوي إسماعيل عند الدولة العثمانية لإقصائه الوزيرين الأجنبيين عن الوزارة، وإسناد نظارتها إلى شريف باشا الوطني الغيور، وأثمرت سعايتهما، فصدر قرار من الدولة العثمانية بخلع إسماعيل وتولية ابنه توفيق.
غير أن "توفيق" نكص على عقبيه بعد أن تعلقت به الآمال في الإصلاح، فقبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف، بعدها صار وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض.
وقد نهض البارودي بوزارة الأوقاف، ونقح قوانينها، وكون لجنة من العلماء والمهندسين والمؤرخين للبحث عن الأوقاف المجهولة، وجمع الكتب والمخطوطات الموقوفة في المساجد، ووضعها في مكان واحد، وكانت هذه المجموعة نواة دار الكتب التي أنشأها "علي مبارك"، كما عُني بالآثار العربية وكون لها لجنة لجمعها، فوضعت ما جمعت في مسجد الحاكم حتى تُبنى لها دار خاصة، ونجح في أن يولي صديقه "محمد عبده" تحرير الوقائع المصرية، فبدأت الصحافة في مصر عهدًا جديدًا.
ثم تولى البارودي وزارة الحربية خلفًا لرفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلاً، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته (٢٥ من رمضان ١٢٩٨ = ٢٢ من أغسطس ١٨٨١م)؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.

عاد البارودي مرة أخرى إلى نظارة الحربية والبحرية في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب مظاهرة عابدين التي قام بها الجيش في (١٤ من شوال ١٢٩٨ هـ = ٩ من سبتمبر ١٨٨١م)، لكن الوزارة لم تستمر طويلاً، وشكل البارودي الوزارة الجديدة في (٥ من ربيع الآخر ١٢٩٩هـ = ٢٤ من فبراير ١٨٨٢م) وعين "أحمد عرابي" وزيرًا للحربية، و"محمود فهمي" للأشغال؛ ولذا أُطلق على وزارة البارودي وزارة الثورة؛ لأنها ضمت ثلاثة من زعمائها.
وافتتحت الوزارة أعمالها بإعداد الدستور، ووضعته بحيث يكون موائمًا لآمال الأمة، ومحققًا أهدافها، وحافظا كرامتها واستقلالها، وحمل البارودي نص الدستور إلى الخديوي، فلم يسعه إلا أن يضع خاتمه عليه بالتصديق، ثم عرضه على مجلس النواب.
الثورة العرابية
تم كشف مؤامرة قام بها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، وتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، فقضت بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان، ولمّا رفع "البارودي" الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا، فغضب البارودي، وعرض الأمر على مجلس النظار، فقرر أنه ليس من حق الخديوي أن يرفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور، ثم عرضت الوزارة الأمر على مجلس النواب، فاجتمع أعضاؤه في منزل البارودي، وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة، وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.
انتهزت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، منذرتين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في (٧ من رجب ١٢٩٩هـ = ٢٥ من مايو ١٨٨٢م) بضرورة استقالة الوزارة، ونفي عرابي، وتحديد إقامة بعض زملائه، وقد قابلت وزارة البارودي هذه المطالب بالرفض في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ولم يكن أمام البارودي سوى الاستقالة، ثم تطورت الأحداث، وانتهت بدخول الإنجليز مصر، والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب.
أقام البارودي في الجزيرة سبعة عشر عامًا وبعض عام، وأقام مع زملائه في "كولومبو" سبعة أعوام، ثم فارقهم إلى "كندي" بعد أن دبت الخلافات بينهم، وألقى كل واحد منهم فشل الثورة على أخيه، وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية ليعرفوا لغة دينهم الحنيف، وإلى اعتلاء المنابر في مساجد المدينة ليُفقّه أهلها شعائر الإسلام.
وطوال هذه الفترة كان البارودي ينشد الشعر ويقرض القصيد فكانت قصائده خالدة، في المنفى يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (٦ من جمادى الأولى ١٣١٧هـ = ١٢من سبتمبر ١٨٩٩م).
. بعد سلسلة من أعمال الكفاح والنضال ضد فساد الحكم وضد الإحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882 قررت السلطات الحاكمة نفيه مع زعماء الثورة العرابية في كانون الاول عام 1882 إلى جزيرة سرنديب . اي جزيرة سريلانكا الحالية
مع مجموعة من رفاقه الثوار وعندها اطل شاعرنا على ساحل مصر ليلقي عليه نظرة وداع وحسرة المت بقلبه ، وما تكاد الباخرة تغادر أرض النيل الى جزيرة سرنديب حتى تشتد عواطف الشاعر الدافقة لتتحول إلى مشهد حزين ينتهي إلي تجربة شعرية صادقة تتجسد في قصيدته النونية :


ولما وقفنا للوداع وأسبلت
أهبت بصبري أن يعود فعزّني

وما هي ألا خطرة ثم أقلعت
مدامعنا فوق الترائب كالمزنٍ

وناديت حلمي أن يثوب فلم يغن
بنا عن شطوط الحي أجنحة السفن


ظل في المنفى أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه , بعد أن بلغ الستين من عمره اشتدت عليه وطأة المرض وضعف بصره وبناء على توصية الاطباء تقررت عودته إلى وطنه مصر للعلاج ، فعاد إلى مصر يوم 12 سبتمبر عام 1899 وكانت فرحته غامرة بعودته إلى الوطن وأنشد قصيدته ( أنشودة العودة ) التي تعتبر من الروائع

أبابلَ رأي العين أم هذه مصـر ُ
فإني أرى فيها عيوناً هي السحرُ

نواعسَ أيقظن الهوى بلواحـظٍ
تدين لها بالفتْكةِ البيضُ و السمرُ

فليس لعقلٍ دون سلطانها حـمىً
ولا لفؤادٍ من غشْيَانِها سترُ

فإن يكُ موسى أبطل السحرَ مرةً
فذلك عصر المعجزات و ذا عصرُ

وطوال هذه الفترة كان البارودي ينشد الشعر ويقرض القصيد فكانت قصائده خالدة، في المنفى يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، ومضت به أيامه في المنفى ثقيلة واجتمعت عليه علل الأمراض، وفقدان الأهل والأحباب، فساءت صحته، واشتدت وطأة المرض عليه، ثم سُمح له بالعودة بعد أن تنادت الأصوات وتعالت بضرورة رجوعه إلى مصر، فعاد في (٦ من جمادى الأولى ١٣١٧هـ = ١٢من سبتمبر ١٨٩٩م).

كان البارودي في شعره السياسي ناقداً اجتماعياً وثائراً وطنياً ومصلحاً صريحاً شديد الحرص على حرية أبناء بلده ناقداً لهوانهم وذلهم وتهاونهم في الرد على الظلم والسكوت عليه لاحظ اليه يقول :

وكيف ترون الذل دار إقـــامـة
وذلك فضل الله في الأرض واسـعُ

أرى رؤوساً قد أينعت لحصادهــا
فأين ـ ولا أين ـ السيوف القواطعُ ؟

فكونوا حصيدا خامدين أو افزعـوا
إلى الحرب حتى يدفع الضيم دافـع

أهبت فعاد الصوت لم يقض حاجـة
أليّ ولبّاني الصدى وهو طائـــعُ

فلم ادرِ أن الله صور قبلكـــــم
تماثيل يخلق لهن مسامـــــعُ

وكثيرا ما تغنى بمصر وجمالها وسحرها لاسيما في المنفى إذ ظلت تلك القصائد تؤكد مشاعره تجاه احبته و وطنه وامته انظر اليه يقول :

فيا (مصر) مدّ الله ظلك وآرتوى
ثراك بسلسال من النيل دافــقِ

ولا برحت تمتار منك يد الصـبا
أريجا يداوي عرفه كل ناشــقِ

فانت حمى قومي ومشعب أسرتي
وملعب أترابي ، ومجرى سوابقي

بلاد بها حل الشباب تمائمـــي
وناط نجاد المشرفيّ بعانقـــي

امتازت مراثي البلاد عند البارودي بصدق الإحساس ورقة العاطفة لذا فانه لم يرث صديقاً أو قريباً إلا كان رثاؤه صادقاً بعيداً عن شعر المناسبات، ويبدو على شعره الحزن العميق بعد أن تسلم خبر وفاة زوجته وتعد هذه القصيدة من عيون الشعر العربي في رثاء الزوجات يقول:

أَيَدَ المنون قدحت أي زنـــاد
أطرت أية شعلة بفــــؤادي

أوهنت عزمي وهو حملة فيلق
وحطمت عودي وهو رمح طراد

لا ادري هل خطب ألم بساحتي
فأناخ ، أم سهم أصاب سوادي ؟

أقذى العيون فأسبلت بمدامـع
تجري على الخدين كالفرصـاد

ما كنت احسبني أراع لحـادث
حتى منيت به فأوهـــن آدي

أبلتني الحسرات حتى لم يكـد
جسمي يلوح لأعين الـــعوّاد

استنجد الزفرات وهي لوافـح
وأسفه العبرات وهي بــوادي

بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم احمد شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم "مدرسة النهضة" أو "مدرسة الأحياء".
ولم تطل الحياة بالبارودي بعد عودته من المنفى اذ توفته المنية في 4 من شوال 1322هـ ، 12 من ديسمبر 1904م، بعد سلسلة من الكفاح والنضال .
ويعد البارودي باعث النهضة الشعرية الحديثة في الشعر العربي، فقد نجح في تحميل الإطار القديم تجارب حياته الخاصة، كما نجح في إعادة الشعر العربي إلى ما كان عليه في عصوره الزاهرة، فأضحى شعره يماثل شعر الفحول في صدر العصر العباسي. كابي تمام والبحتري والمتنبي وساعده ذكاؤه الحاد وموهبته الفذة على تحقيق هذا الهدف بمعارضة الشعراء الأقدمين وتقليد أساليبهم , ومعانيهم الشعرية في بناء القصيدة ، وبذلك أصبح رائد حركة إحياء الأدب العربي الحديث، وكان عظيم التأثير في المدارس الشعرية التي اتت من بعده ،وفي شعره تلاحظ تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.
وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي..
وان شعره تلاحظ فيه تجديدًا ملموسًا من حيث التعبير عن شعوره وإحساسه، وله معان جديدة وصور مبتكرة.
وقد نظم الشعر في كل أغراضه المعروفة من غزل ومديح وفخر وهجاء ورثاء، مرتسمًا نهج الشعر العربي القديم، غير أن شخصيته كانت واضحة في كل ما نظم؛ فهو الضابط الشجاع، والثائر على الظلم، والمغترب عن الوطن، والزوج الحاني، والأب الشفيق، والصديق الوفي.
وترك ديوان شعر يزيد عدد أبياته على خمسة آلاف بيت، طبع في أربعة مجلدات، وقصيدة طويلة عارض بها البوصيري، أطلق عليها "كشف الغمة"، وله أيضًا "قيد الأوابد" وهو كتاب في النثر سجل فيه خواطره ورسائله بأسلوب مسجوع، و"مختارات البارودي" وهي مجموعة انتخبها الشاعر من شعر ثلاثين شاعرًا من فحول الشعر العباسي، يبلغ نحو ٤٠ ألف بيت.
ومن جميل قصائده هذه القصيدة\

مــحــا البــيــنُ ما أبقتْ عيون المها مني

فـشِـــــــــبتُ ولم أقضِ اللُّبانة من سني

عـــناءٌ ، ويــــأسٌ ، واشــــتيــــاقٌ وغــربةٌ

ألا ، شــدَّ ما ألقـــــاه في الدهر من غبنِ

فإن أكُ فــــارقـــــــتُ الــــديار فـــلي بـها

فُــــــؤادٌ أضـــــــلتْهُ عــــيـــون المها مِني

بعــــثــــتُ به يــــوم النـــوى إثـــــرَ لَحْظَةٍ

فأوقــــعــــه المِقدارُ في شَـرَكِ الحُــسنِ

فـــهل من فتى في الدهــــر يجمع بـينـنا

فـــلـــيــس كِلانا عــن أخــيه بمـسـتغــنِ

ولــما وقـــفــــنـا لِلــوَدَاع ، وأســـبَــلَـــتْ

مـــــدامـــعنا فـــــوق التـــرائب كالمـــزن

أهـــبتُ بـــــــصبري أن يعودَ ، فــعـــزنـي

وناديت حــلــمــي أن يـثــوب فــلــم يُغـنِ
ولمْ تَــمـْــضِ إلا خَــطْــرَةٌ ، ثــــم أقلــعـت

بنا عـــن شطوط الحـــي أجـنِحةُ السُّفْـنِ

فـكم مُـــــهجةٍ من زَفْرَةِ الوجدِ في لــظى

وكم مُقـْــــلَةٍ مِنْ غــزرة الدمــع في دَجْنِ



ومـــا كــــنتُ جــــربتُ النـــوى قبل هـذه

فـــلما دهــــتني كِدتُ أقــضي من الحزن

ولكـــنني راجـــعــــتُ حِــــلْمـِي ، وردني
إلى الحَــــزْمِ رأيٌ لا يــحـــومُ عــلـى أَفْنِ

ولولا بُـــنــيــاتٌ وشِـــيـــبٌ عــــــــواطـــلٌ

لــمــا قَــرَعَـتْ نفـسي على فائِتٍ سِني

فيــا قــلــبُ صــبـراً إن جـــــزِعتَ ، فربمـا

جَـــرَتْ سُـــنُــحاً طَيْرُ الحــــــوادثِ باليُمْنِ

فــقــد تُـــــورِقُ الأغـــصــان بـعد ذبـــولـها

ويــبــدو ضـــياء البــدر فـي ظــلمةِ الوَهنِ

وأيُ حـــســـــــــامٍ لم تُصِـــبهُ كـــهـــامُةٌ

ولهْــــذَمُ رُمْــــحٍ لا يُــــفَــــلُ مـــن الطـعنِ

ومن شــــــــاغــــــب الأيامَ لان مَــرِيـــرُهُ
وأســــلــمــهُ طولُ المِـــراسِ إلى الوَهْـنِ

وما المــــــــرءُ في دنـــيـاه إلا كـــســالِكٍ
مناهِـــــجَ لا تخـــلو من الســهل والحَــزْنِ

فإن تـــكـــــن الــدنيا تـــولــــت بــخـيـرها

فأهــــون بدنيا لا تــــدوم عــــــــلـى فَـنِّ!

تحــمــلــتُ خـــوفُ المَــنِّ كـــلَّ رَزِيــئـــةٍ

وحـــمـــلُ رزيا الدهــــر أحــلـى من المنِّ

وعــــاشـــــرتُ أخــداناً ، فلما بَلَــــــوتُهُمْ

تـــمـــنــيــتُ أن أبقى وحـــــيداً بلا خِـدنِ

إذا عـــــرف الــمـــــرءُ القلوبَ وما انطـوتْ

عـــليه مـن البغضاءِ - عاش على ضِــغْــنِ

يــــرى بــــصــــري مــــن لا أودُ لِـــقــاءَهُ

وتــسمـــعُ أذني مــا تــعــافُ مِن اللحــنِ

وكــيــف مُــقــامي بين أرضٍ أرى بـهــــا

من الظلم ما أخنى على الدار والسَّكْـــنِ

فسَمْعُ أنين الجَوْرِ قد شـــــاك مسمعي
ورؤيـــةُ وجـــه الغـــدر حــل عُرا جَفــــني

وصــعــب عــــلى ذي اللُّبِ رئــمـانُ ذِلةٍ
يَظَلُ بها في قــــومـــــــه واهي المـــتـنِ

إذا المــــرُء لم يــــرمِ الهـــــناةَ بــمــثلـها

تــخــطى إليه الخـوف من جـانب الأمـــن

وكـن رجلاً ، إن سيمَ خَــــسْفاُ رمـتْ به

حَــــمِـــيـــتُــهُ بــيـــن الصــــوارمِ واللُّــدنِ

فلا خـــيْرَ في الــدنيا إذا المرءُ لم يعـشْ

مـــهيباُ ، تـــراه العينُ كـــالنار فـي دغْــنِ


*****************************************

https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى