شذرات من السيرة النبوية المعطرة
32
بسم الله الرحمن الرحيم
فتحت مكة وعادة حاضرة للاسلام وارتفع صوت الله اكبر من على الكعبة المشرفة وفرح المؤمنون بنصر الله وفتحه العظيم ولما تم الفتح واخذت البعة للنبي صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء على جبل الصفا واطمأن من عدم وجود معارض له ودخول كل القرشيين في الاسلام .
تخوف الانصار ان يستقر النبي صلى الله عليه وسلم في مكة اذ انها بلده الاصلي وذويه وبلدعشيرته وقومه وذلك حين كان النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا رافعا يديه يدعو الله تعالى فلمل فرغ وعلم بالامر طمأنهم قائلا( معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم ) ففرحوا واستقرت نفوسهم وذهب عنهم الهاجس بانتقال النبي صلى الله عليه وسلم الى مكة .
وبالفعل بقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوما جدد معالم الاسلام وتطهيرها من اثار الجاهلية وجدد انصاب الحرم ونادى المنادي بامر منه ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره).
ثم اعلن النبي صلى الله عليه وسلم حرمة مكة المكرمة فقام فيها خطيبا فأعلن حرمة مكة( البلد الحرام) إلى يوم القيامة قائلا:
( ايها الناس ان الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما أو يعضد (يقطع) بها شجرة فان احد ترخص بقتال رسول الله صلى الله فقولوا له ان الله اذن لرسوله ولم يأذن لك وانما احلت لي ساعة من نهار) وكانت هذه الساعة ساعة الفتح العظيم وقال: (لم تحلل لأحد كان قبلي ولا تحل لأحد يكون بعدي) وبهذا تكون مكة البلد الحرام حرام فيها القتال وسفك الدماء .
ثم أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة.
وكان للعرب عدة اصنام كبيرة تعبد وقد ورد اسماء بعض منها
في القران الكريم منها: اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرة وسواع ويعوق ونسرا..
وفي الخامس والعشرين من رمضان من شهر رمضان المبارك بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية تعدادها ثلاثين فارسا بقيادة خالد بن الوليد الى ارض( نخلة ) وفيها صنم ( العزى )و كانت عن يمين المسافر من مكة إلى العراق ، وكانت قريش تخصها بالإعظام ، فلما نزل القرآن يندد بها وبغيرها من الأصنام ، أشتد ذلك على قريش ،
وقيل لما مرض أبو أحيحة وهو سعيد بن العاص بن أمية مرضه الذي مات فيه ، دخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال :
- ما يبكيك يا أبا أحيحة ؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه ؟
- - قال : لا ، ولكني أخاف ألا تعبد العزى بعدي !
- قال أبولهب : والله ما عبدت في حياتك لأجلك ، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ،
- فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة !
- .. وأعجبه شدة نصبه في عبادتها .
فلما كان عام الفتح دعا النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن ينطلق بهدمها ، فلما جاءه خالد، قال سادنها دينبة بن حرمي الشيباني :
أعُزاء شدِّي شدة لا تكذبي
على خالد القي الخمار وشمري
فانك إلا تقتلي اليوم خالدا
تبوئي بذلّ ٍ عاجل وتنصرَّي
وقال خالد:
يا عُّزّ َ كُفْرانك لا غفرانك
اني رأيت الله قد أهانك
و قيل أنها كانت حبشية ، ناقشة شعرها ، واضعة يدها على عاتقها في داخل شجرة كان قد قطعها خالد ، فبرزت له بهذا الشكل، فضربها خالد ففلق رأسها ، فاذا هي حممة ( أي كالفحم ) والسام.
- فقال السادن تلك العزى ، ولا عزى بعدها للعرب، ام انها لاتعبد بعد اليوم )
فتوجه اليها وهدمها وكان هذا الصنم اكبر اصنام قريش في الجاهلية .
ثم ارسل عمرو بن العاص الى هذيل وهذيل قبيلة كبيرة تسكن خارج مكة وقد نصب صنمها واسمه ( سواع) وهم اعظم اصنامها في ( رهاط) على مسافة مائة وخمسين كيلومترا تقريبا شمال شرقي مكة المكرمة وقد قال عمروبن العاص:
فذهبت اليه لأهدمه فاتيته وعنده السادن فقال السادن:
- وماذا تريد ؟؟
فقلت : اهدمه ...
قال السادن: لاتقدر على ذلك
قلت: ولم؟؟
قال السادن : تمنع
قلت : حتى الان انت على الباطل ؟؟ ويحك .. وهل يسمع او يبصر ..؟؟
فدنوت منه فكسرته وامرت اصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيه شيئا فقلت للسادن : كيف رايت؟؟
ودخل سادنه في الاسلام .
ثم بعث سعد بن زيد بن مالك الاشهلي الانصاري مع عشرين فارسا الى (المشلل) في (القديد) حيث نصب صنم ( مناة ) وهو صنم قبائل كلب وغسان وخزاعة والاوس والخزرج وفي رواية اخرى هي لغسان والاوس والخزرج فلما قدم منها قال سادنها:
- ماتريد؟؟
- قال هدمها
- قال السادن: انت وذاك
فتقدم سعد ماشيا الى (مناة) فخرجت اليه امراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعو بالوسل والثبور وتضرب على صدرها
فقال لها السادنن : مناة دونك بعض عصاتك
فضربها سعد بالسيف فقتلها ثم اقبل الى الصنم فكسرها وهدم هيكلها ولم يجد في خزانتها اي شيء.
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في شهر شوال الى بني جذيمة في ثلاثمائة وخمسين رجلا من الانصار والمهاجرين ومن بني سليم يدعوهم الى الاسلام فقالوا ( صبأنا ..صبأنا .. ) فقاتلهم فقتل من قتل واسر من اسر منهم ثم امر خالد بن الوليد جنده ان يقتلوا اسراهم كل يقتل اسيره فابى عمرو واصحابه ذلك ولما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال مرتين :
( اللهم ابرأ اليك مما صنع خالد ) ثم بعث علي بن ابي طالب بديات المقتولين الى ذويهم فوداهم واعطى لكل منهم بدل ما ضاع من اموالهم وفضل فضلة مال تركه علي لهم .
وكان بين عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد سوء تفاهم وكلام وشر بسبب ما فعله خالد فلما رجعوا اخبروا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فاشار الى خالد وقال له:
(مهلا ياخالد دع عنك اصحابي فوالله لوكان (احد) ذهبا ثم انفقته في سبيل الله ما ادركت غدوة رجل من اصحابي ولا روحته )
اما (اللات) فكانت بالطائف ، وهي صخرة مربعة ، وكانت قريش وجميع العرب تعظمها ، فلما جاء وفد ثقيف بعد عودة النبي صلى الله عليه وسلم من فتح مكة إلى المدينة ، طلب وفدها منه عليه الصلاة والسلام أن يدع لهم (اللات) ثلاث سنين لا يهدمها ، فأبي ذلك عليهم ، فلا زالوا يسألونه سنة سنة وهو يأبى عليهم ، حتى سألوه شهراً واحداً ، فأبى عليهم .
قال ابن هشام وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ، ونسائهم وذراريهم ، ويكونون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الاسلام ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها ،فلما أخذ المغيرة يضربها بالمعول ، خرج نساء ثقيف حسراً يبكين عليها ويقلن :
لتُبْكينّ َ دُفَّاع
أسْملها الرُّضَّاع
لمْ يُحْسِنُوا المِصَاع
يردن بذلك : واحسرتا عن التي كانت تدفع عنا أعداءنا ، وتدفع عنا البلاء ، قد أسلمها اللئام للهدم ،فلم يدافعوا عنها ، ولم يجالدوا بالسيوف في سبيلها .
فارسل النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة الثقفي وهو من رجال الطائف ليهدموها فهدموا بنيانها وكسروها .
وهذه اهم اصنام العرب وهي التي ذكرها القرآن الكريم بقوله: ( أفَرَأيْتُمْ اللاتَ وَالعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الأخْرَى ) سورة النجم \ 19ـ 20
في شوال سنة ثمان قال ابن سعد قالوا: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الطائف بعث الطفيل ابن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعاً إلى قومه فهدم( ذا الكفين) وجعل يحش النار في وجهه وفاحرقه وهو ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا
أنا حششت النار في فؤادكا
وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعاً فوافوا النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام وقدم بدابة ومنجنيق وقال :
( يا معشر الأزد من يحمل رايتكم ؟؟ )
فقال الطفيل: من كان يحملها في الجاهلية
قالوا النعمان بن الرزاية اللهيي
قال : أصبتم .
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
********************************************