اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
اسلام سيفلايزيشن -السيد فالح آل الحجية الكيلاني

الحضارة الاسلامية باشراف المهندس خالدصبحي الكيلاني والباحث جمال الدين فالح الكيلاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

شذرات من السيرة النبوية المعطرة \31 - بقلم فالح الحجية

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

فالح الحجية

فالح الحجية
Admin

شذرات من السيرة النبوية المعطرة

31

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله:

فى النصف الثاني من رمضان من السنة الثامنة من الهجرة المباركة وكان ان فتح الله لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة وهو الفتح الاعظم او الفتح المبين ( انا فتحنا لك فتحا مبينا ) وكان الله تعالى بهذا الفتح قد اعز الاسلام وانقذ المسجد الحرام وطهره
من الاصنام والاوثان واعز رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .

كان قد مضى على صلح الحديبية سنتان والذي كان من بين شروطه كما ذكرنا أن من أحب أن يدخل فى عهد محمد دخل فيه ومن أحب ان يدخل في عهد قريش دخل فيه ولهذا فقد دخلت قبلية خزاعة فى حلف مع النبى محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت قبيلة بنى بكر فى حلف مع قريش وكانت القبيلتان تسكنان في أحياء من مكة وضواحيها وكان بينهما خلافات قديمة وعداء متوارث منذ الجاهلية .

وكانت هذه الاحقاد قد اختفت نيرانها بظهور الاسلام وذات يوم تحركت هذه الأحقاد فاغتنم بنو بكر حلفاء قريش هدنة الحديبية واغاروا ليلا في شهر شعبان من السنة الثامنة للهجرة المباركة على خزاعة حلفاء النبى محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا على ما ء يقال له ( الوتير) وأمدتهم قريش بالخيل والسلاح وقيل في رواية اخرى انهم اشتركوا معهم في القتال سرا مثل صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمرو مع غيرهم وعبيدهم وقد بلغ بهم الحمق والطغيان أن يطاردوا خزاعة حتى الحرم ويقاتلونهم فيه وهذا محرم وغير جائز .
فلما انتهوا الى المسجد الحرام قال نفر من بنى بكر لرئيسهم نوفل بن معاوية إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة:
- لا إله اليوم يا بنى بكر أصيبوا ثأركم فلعمرى إنكم لتسرقون فى الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه .

ولعل السر فى تورط قريش ومساعدتها لبنى بكر هو أنها فسرت تفسيرا خاطئا ما جرى لجيش المسلمين فى معركة ( مؤته) إذ اعتقدت أن ما جرى كان هزيمة كبيرة لحقت بالمسلمين فاضعفتهم وهذا خطأ كبير وقعت فيه قريش وترتب عليه ارتكابها هذا الخطأ انتهاكها لشروط صلح الحديبية .

وكانت خزاعة قد دخلت في حلف مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودخلت مع المسلمين في صلح الحديبية وشملت به وكان قد اسلم رجال من خزاعة . وقد تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا منهم ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة وأنشده أبياتا يناشده فيها الحلف الذي كان بينه وبين خزاعة ويسأله المعونة والنجدة ويخبره بأن قريشا اخلفوه الموعد ونقضوا الميثاق المؤكد:

يارب اني ناشد محمدا
حلف ابينا وابيه ولاتلدا

قد كنتموا ولدا وكنا والدا
ثمت اسلمنا ولم ننزع يدا

فانصر هداك الله نصرا ايدا
وادع عباد الله ياتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا
ابيض مثل البدر يسموا صعدا

ان سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري زبدا

ان قريشا اخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا ان لست ادعوا احدا

وهم اذل واقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعا وسجدا


فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( نصرت يا عمرو ابن سالم).

أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستوثق منهم الخبر ويعتذر إلى قريش فبعث إليهم رجلاً يخيرهم بين ثلاث:
1 – أن يدفعوا دية قتلى خزاعة
2 – او يبرأوا من حلف بنى نفاثة (بطن من بكر) الذين قادوا هذه الحملة على خزاعة
3– أو ينبذ إليهم على سواء.
فأجابه بعض زعمائهم :
- لكن ننبذ إليهم على سواء .
- وبذلك برئت ذمة قريش وقامت عليهم الحجة.

ولكن قريشا لما فكرت في الأمر مليا اقتنعت أن المسلمين قد أصبحوا قوة لا يمكن مواجهتها وأن فيهم ألان من أبطالهم السابقين خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص وقبائل كثيرة قد اعتنقت الإسلام، ولذلك ندمت علي ما أجاب به بعض سفهائها من إجابة متهورة، وانتهى رأيهم أن يبعثوا أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليجدد العهد ويزيد في المدة ويتدارك الأزمة قبل استفحال خطرها.

قدم أبو سفيان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل على ابنته ( أم حبيبة) زوج النبى صلى الله عليه وسلم وحاول ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال لها:
يا بنية: ما أدرى أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عنى؟
قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ولاأحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: والله لقد أصابك بعدي شر .

وخرج من عندها غضبان أسفا حتى جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أبو سفيان فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فذهب ابو سفيان إلى أبي بكر ليكلم النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه وكذلك أعرض عمر بن الخطاب و علي بن ابي طالب فعاد أبو سفيان دون ان يحصل من النبي صلى الله عليه وسلم على وعد باستمرارية صلح الحديبية و لكنه ظهر بعهد الجوار حتى وصل إلى مكة.

فلما قدم على قريش قالوا لابي سفيان:
- ما ورائك ؟
قال: جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد على شيئاً ثم جئت ابن أبى قحافة فلم أجد فيه خيراً ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى للعدو ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشئ صنعته فوالله ما أدرى هل يغنى ذلك شيئا أم لا ؟
قالوا: وبم أمرك ؟
قال: أمرني أن اجير بين الناس ففعلت
قالوا: فهل أجاز ذلك محمد ؟
قال: لا
قالوا:ويلك والله ما زاد الرجل على أن لعب بك فما يغني عنك ما قلت
قال: لا والله ما وجدت غير ذلك .

واضطربت الأحوال فى مكة عقب عودة أبى سفيان وإبلاغه لهم بما حدث لكن النبى صلى الله عليه وسلم لم يتركها طويلا فى اضطرابها فقد عقد العزم على فتح مكة، وتجهز النبى صلى الله عليه سلم والمسلمون للخروج واستعان على أمره بالكتمان ثم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والاستعداد وقالSad اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها فى بلادها) .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب سفك الدماء وكان يرغب بدخول مكة فى سلام حتى لا تمس حرمتها وأن يدخل أهلها في الإسلام لينعم أهلها بنعمة الإيمان.
ولزيادة في الكتمان والتحوط له فقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم ابا قتادة الى بطن ( اضم) التي تبعد عن المدينة المنورة ستة وثلاثين ميلا ليظن الاخرون انه صلى الله عليه وسلم يجهز جيشه لغزو هذه الناحية

وبينما الرسول صلىالله عليه وسلم والمسلمون على أمرهم من الاستعداد والكتمان حدثت محاولة من أحد الصحابة كادت أن تكشف نية المسلمين لمشركي مكة، فقد كتب حاطب بن أبى بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغزو، ثم أعطى حاطب كتابه الى امرأة وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته فى قرون رأسها ثم خرجت به.

وأتى رسول الله الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم : على بن أبى طالب والزبير بن العوام وفي رواية اخرى والمقداد ومرثد الغنوي وقال لهم :
-( انطلقوا الى روضة خاخ فان بها ضعينة معها كتاب فخذوه منها )
فأدركوا المرأة وكان قد كتب فيه الى قريش يحذرهم ما قد أجمع المسلمون عليه فى أمرهم فخرجوا حتى أدركوها ب(ذي الحليفة) فاستنزلوها من رحلها وفتشوا رحلها فلم يجدوا شيئاً وطالبوها في الكتاب فقال لهم :
- ما معي اي كتاب
فقال على بن ابي طالب رضى الله عنه:
– انى أحلف ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبنا ولتخرجين الكتاب أو لنكشفنك،
فلما رأت الجد منه قالت: أعرض
فأعرض عنها فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منها فدفعته إليه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا.

فقال: ( يا حاطب ما حملك على هذا ؟ )
فقال: يا رسول الله أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكنى كنت امرأ ليس لى فى القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بين أظهرهم و لد وأهل فصانعتهم عليهم .
فقال عمر بن الخطاب دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله أطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) .

و شفع لحاطب ماضيه الطيب مع الإسلام والمسلمين ونيته التي جعلته يتخذ هذا الموقف لا عن كفر او بغض للإسلام وإنما مصانعة لقريش من أجل أهله وأولاده وقد سامحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الضعف الانساني الذي تعرض له فى هذا الموقف.

وفى حاطب هذا نزل قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل) سورة الممتحنة – الآية 1.

وفي اليوم العاشر من شهر رمضان تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة واستعمل ابو ذرالغفاري على المدينة المنورة وكلما تقدموا انضم إليهم من سائر القبائل من يزيد فى عدد المسلمين ومنعتهم حتى بلغوا مالا يقل عن عشرة آلاف مسلم، وصام الرسول وصام الناس معه حتى إذا كانوا ( بالجحفة ) لقي النبي صلى الله عليه وسلم عمه العباس ومعه اهله مسلما مهاجرا ولقيه (بالابواء) ابن عمه ابو سفيان بن الحارث وابن عمته عبدالله با ابي امية فارض عنهما لانه صلى الله عليه وسلم كان يلقي الاذى منهما فقالت له ام سلمة:
- لايكن ابن عمك وابن عمتك اشقى الناس بك .
وقال علي بن ابي طالب لابي سفيان:
- ااته من قبل وجهه وقل له ما قال اخوة يوسف ليوسف ( قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين ) سورة يوسف الاية\91
فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تثريب عليكم اليوم يغفرالله لكم وهو ارحم الراحمين ) يوسف الاية\92
فلما وصل الى (الكديد )قرية قرب مكة وراى ان الصوم قد شق على الناس أفطر وامر الجيش بالافطار ثم مضى في سيره حتى نزل (مر الظهران) على بعد ثلاثين كيلو مترا شرقي مكة فضربوا خيامهم فيه وامر النبي صلى الله عليه وسلم ان يوقدوا نارا فكل رجل يوقد نارا فاوقدوا عشرة الاف وحينما رأى القرشيون فجأة هذه المشاعل الكثيرة دهشوا ولم يعلموا حقيقة ما يرون فخرج أبو سفيان بن حرب و حكيم بن خزام وبديل بن ورقاء يتحسسون الأخبار .
فقال ابوسفيان:
-.مارايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
قال بديل: هذه خزاعة
قال ابو سفيان : خزاعة اقل واذل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها
وكان العباس بن عبد المطلب قد خرج من مكة قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا إلى المدينة فقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم فى الطريق – كما اسلفت آنفا - مقبلا بجيشه على مكة. فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم العودة معه إلى مكة ويرسل أهله إلى المدينة وقال له :
-( هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوتي آخر نبوة ).

ورأى العباس بن عبد المطلب قوة جيش المسلمين ففكر فى أمر قريش وماذا ستصنع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه وكان فى قلق شديد على مكة أن تفتح عنوة فقال:
(واصباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر)
وهداه تفكيره أن يخرج عسى أن يقابل أحدا يرسله إلى مكة ليخبر قريشا بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، وبذلك يدخل الرسول مكة من غير أن تسفك دماء.

وبينما هو كذلك سمع كلام أبى سفيان وبديل بن ورقاء (الذين بعثت بهم قريش ليتعرفوا لها خبر الجيش فى مر الظهران كما ذكرنا) وهما يتراجعان،
وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا.
فرد عليه بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها (أحرقتها) الحرب.
فرد عليه أبو سفيان: خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها عسكرها ، فعرف العباس صوت أبى سفيان فنادى: يا أبا حنظلة
فعرف صوته فقال: أبو الفضل
فقال العباس: نعم
فقال أبو سفيان: مالك ؟ فداك أبي و أمي
فقال العباس: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس واصباح قريش والله
قالابو سفيان : فما الحيلة ، فداك أبي و أمي
فقال له العباس: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمن لك

وأركبه العباس وخشى عليه أن يدركه أحد المسلمين فيقتله وأتى بأبي سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال:
-( ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله).

قال أبو سفيان: بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عنى شيئا بعد.

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
_ (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ )
قال ابو سفيان : بأبي أنت و أمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه والله فإن فى النفس منها حتى الآن شيئا.
فقال العباس: ويحك أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قبل أن تضرب عنقك.
فأسلم وشهد شهادة الحق ثم أسلم حكيم بن خزام وبديل أبن ورقاء.

وقال العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
- إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
- (نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن)
وقد أرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم بما لا يضر أحد ولا يكلف جهدا فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
-( يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها – فلا تبقى فى نفسه أثارة لمقاومة –)
فخرج حتى حبسه بمضيق الوادي حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحبسه.

وتحركت كتائب الفتح قريبا من مكة المكرمة ولتدخلها في نفس اليوم وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم قادته ، وأصدر أوامره المشددة إلى جميع الفرق ألا تقاتل أو تسفك دما إلا إذا أكرهت على ذلك إكراها، وأن يعف الجيش عن أموال أهل مكة وممتلكاتهم وأن يكفوا أيديهم عنها.
وكانت القبائل تمر في راياتها راياتها و كلما مرت قبيلة سأل ابو سفيان العباس عنها فيقول هذه لبني فلان؟
فيقول مالي ولبني فلان حتى مرت كتيبة الانصار يحمل راتيتها سعد بن عبادة :
- فقال: يا ابا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة
فقال ابوسفيان : ياعباس هذا يوم الذمار
ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى كتيبته الخضراء و فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد.
فقال ابو سفيان : سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟
قال العباس : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المهاجرين والأنصار
فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما.
فقال: العباس يا أبا سفيان إنها النبوة
قال: فنعم إذن.
ثم اخبر النبي صلى الله عليه وسلم بمقالة سعد بن عبادة
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
-( كذب سعد هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة)
فاخذ النبي صلى الله عليه وسلم الراية من سعد ودفعها الى ابنه قيس .
وقام أبو سفيان فصرخ بأعلى صوته:
- يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

فقامت إليه زوجته هند بنت عتبة فأخذت بشاربه فقالت:
- ايها الناس اقتلوا الحميت (الضخم) الدسم الاحمس (الذي لا خير عنده) قبح من طليعة قوم.

فقال أبو سفيان :
- ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

قالوا: قاتلك الله وما تغني عنا دارك
فقال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى الكعبة وإلى دورهم وأغلقوا أبوابهم ينتظرون ما يراد بهم.

ودخلت الجيوش كلها مكة فلم تلق فيها مقاومة إلا مناوشات قليلة بقيادة صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وسهيل بن عمر من قريش فقد تجمع بعض سفهاء قريش بالخندمة ليقاتلوا وكان حماس بن قيس يعد سلاحا قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له امراته :
- والله ما يقوم لمحمد واصحابه شيء
- فقال لها : والله اني لارجو ان اخدمك بعضهم ثم انشد:
-
ان يقبلوا اليوم فمالي علة
هذا سلاح كامل واله
وذو غرارين سريع القتلة

فلما لقيهم أصحاب خالد بن الوليد فى الخندمه وهو مكان أسفل مكة، وأصيب من المشركين كما يقول ابن اسحق ثلاثة عشر رجلا ثم انهزموا فدخل حماس على امراته فقال:
- اغلقي علي بابي
- فقالت: اين ماكنت تقول ؟؟
- فقال منشدا:

انك لو شهدت يوم الخندمة
اذ فر صفوان وفر عكرمة

وابو يزيد قائم كالمؤتمة
واستقبلنا بالسيوف المسلمة

يقطن كل ساعد وجمجمة
وضربا فلا يسمع الا غمغمه

لهم نهيت خلفنا وهمهمة
لم تنطقي باللوم ادنى كلمة

وتم الاستيلاء على جميع مكة و أطرافها وضواحيها.
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وهو خافض رأسه تواضعا لله عز وجل حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل ودخل وهو يقرأ سورة الفتح، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان سنة ثمان من الهجرة.
قدم الزبير فنصب رايته فوق الحجون عند مسجد الفتح وضرب قبة فيها ام سلمة وميمونة وبقي هناك الى ان جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاستراح قليلا عندهما ثم سار يرافقه ابو بكرالصديق يحادثه والنبي صلى الله عليه وسلم يتلو سورة الفتح حتى دخل المسجد الحرام استلم الحجر الاسود وطاف في البيت راكبا ناقته ولم يكن محرما وكان المهاجرون والانصار يحيطون به وكان حول البيت الحرام يلاثمائة وستون صنما فجعل يطعنها بعصا كانت في يده الشريفة وهي تتهاوي على وجوهها وهو يتلو( وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا *) الاسراء الاية\ 81 و ( قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد*) سورة سبا الاية \ 49

ورأى النبي صلى الله عليه وسلم فى الكعبة صورا وتماثيل فأمر بالصور فطمست وبالتماثيل فكسرت ، وكان مما رآه صور الملائكة وغيرها ورأى إبراهيم عليه السلام مصورا فى يده الأزلام ويستقسم بها فقال
( قاتلهم الله جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ما شأن إبراهيم والأزلام)
وتلا (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) سورة آل عمران آية \67.

ولما اتم عليه الصلاة والسلام طوافه دعا عثمان بن طلحة فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له ودخل فلما خرج منها وفي يده مفتاح الكعبة قال علي بن ابي طالب :
- رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك .
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم الى عثمان بن طلحة :
- ( هاك مفتاحك ياعثمان اليوم بر ووفاء)
وفي رواية اخرى أعادها لعثمان قائلاًSad خذوها يا بنى طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم)

وتكاثر الناس حول الرسول فى المسجد حتى امتلأ وهم ينظرون ماذا سيصنع الرسول صلى الله عليه وسلم بهم وقد مكنه الله تعالى منهم فنظر إليهم ا ثم قال:
( لا اله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب)
ثم تلا هذه الآية: ( َا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)... سورة الحجرات \ آية 13.
ثم قال: (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ )
قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم.
فقال صلى الله عليه وسلم : (( فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته (لا تثريب عليكم اليوم) أذهبوا فانتم الطلقاء).
و كانت قد حضرة صلاة الظهر فأمر بلالا أن يصعد فيؤذن من فوق الكعبة ورؤساء قريش وأشرافهم يسمعون كلمة الله تعلو وصداها يتردد فى أرجاء مكة.
ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار أم هانئ بنت أبى طالب فاغتسل وصلى ثماني ركعات صلاة الفتح شكر الله تعالى على ما انعم به عليه.

وتناسى الحبيب المصطفى كل إساءة وتجاوز عن افعال قريش وما صدر منها بحقه صلى الله عليه وسلم حتى لقد امتد عفوه فشمل من كان قد أهدر دماءهم عند دخول مكة وإن تعلقوا بأستار الكعبة وقبل شفاعة من لم ينفذ فيه القتل منهم ورأت قريش تلك السماحةو الكرم ففتحت للرسول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قلوبها فكان هذا الفتح بلا شك فتح القلوب والنفوس للاسلام فهو أجل وأعظم من أن تصل إليه سيوف المسلمين فقد لانت أفئدة ما كانت لتلين ابدا ورقت قلوب قاسية . ثم التفت الجموع حول النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا حين جلس للبيعة.

جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا واجتمع الناس حوله لبيعته على الإسلام فأخذ عليهم العهد بالسمع والطاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما استطاعوا . وهنا اسلم ابو قحافة والد ابي بكر الصديق ففرح النبي صلى الله عليه وسلم باسلامه ولما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة زوج أبى سفيان متنقبة متنكرة لما كان من صنيعها بحمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم يوم احد اذ شقت صدره واخرجت كبده ولاكته بفمها .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن: ( تبايعنني على ان لا تشركن بالله ).
فقالت هند: والله إنك لتأخذ علينا أمرا لا تأخذه على الرجال وسنؤتيكه
فقال النبي: (ولا تسرقن )
فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبى سفيان الهنة وما كنت أدري أكان حلا لي أم لا؟
فقال أبو سفيان وكان شاهدا لما تقول:
- أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإنك لهند بنت عتبة ؟
قالت: نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك
فقال النبي صلىالله عليه وسلم : قد عفونا .
ثم قال: (ولا تزنين )
فقالت: يا رسول الله وهل تزني الحرة
ولما قالSad ولا تقتلن أولادكن )
قالت: ربيناهم صغارا وقتلتهم يوم بدر كبارا فأنت وهم أعلم
فضحك عمر بن الخطاب من قولها حتى استغرب أي بالغ فى الضحك
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا تأتين بهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن )
قالت: والله إن إتيان البهتان لقبيح ولبعض التجاوز أمثل
ثم قالSad ولا تعصينني في معروف )
قالت: ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد نعصيك فى معروف
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمSad لا يصافح النساء ولا يمس امرأة ولا تسمه إلا امرأة أحلها الله له أو ذات محرم منه )

ثم تلا الاية المباركة( ان لايشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهم وارجلهن ولا يعصينك في معروف )
. فلما تمت بيعة النساء وقفت هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان فقالت :
- يارسول الله ما كان على وجه الارض من اهل خباء احب الي ان يذلوا من اهل خبائك ثم ما اصبح اليوم على وجه الارض اهل خباء احب الي ان يعزوا من اهل خبائك )
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وايضا والذي نفس محمد بيده )
وتمت مبايعة النساء بالكلام فقط دون المصافحة .

وجاء بعض القرشيين ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة فقال لهم( ذهب اهل الهجرة بما فيهم ولا هجرة بعد فتح مكة ولكن جهاد ونية واذا استنفرتم فانفروا )

ولما فتح الله مكة على رسوله –وهى بلده و وطنه وأحب بلاد الله الى قلبه-تحدث الأنصار فيما بينهم فقالوا: أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها؟

وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار عن حديثهم ولا يعرفه غيرهم فاستحيوا فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم) فاطمأنت قلوبهم وضرب الرسول بذلك أروع المثل فى البر والوفاء.

وعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسجد يطوف بالبيت اقترب منه فضالة بن عمير وهم بقتله فلما دنا منه قال لهSad أي فضالة)
قال: نعم يا رسول الله
فقال له الرسولSad ماذا كنت تحدث به نفسك ؟)
قال: لا شئ كنت اذكر الله
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
-( استغفر الله) ثم وضع يده على صدره فسكن قلبه .

وكان فضالة يقول :
- والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب إلى منه
ورجع فضالة إلى أهله فمر بأمراة كان يتحدث إليها
فقالت: هلم إلى الحديث
فقال :لا
وانبعث فضالة يقول:

قالت هلم إلى الحديث فقلت
لا يأبى عليك الله والإسلام

لو ما رايت محمدا وقبيله
بالفتح يوم تكسر الأصنام

لرأيت دين الله أضحى بيننا
والشرك يغشى وجهة الإظلام

وفر يومئذ صفوان بن امية وعكرمة بن ابي جهل و فاستامن عمير بن وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لصفوان ثم لحقه حيث وجده يريد البحر فرده واستأمنت ام حكيم بنت الحارث بن هشام لزوجها عكرمة فلحقت به وهو يريد اليمن فارجعته .

وأقام الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما ينظم شئونها ويفقه أهلها فى الدين ويطهرها من اثار الجاهلية ونادى مناديه ( من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يدع في بيته صنما الا كسره ) وفى هذه الأثناء بعث السرايا للدعوة الى الإسلام ولتحطيم الأصنام من غير سفك دماء .
وهكذا فتحت مكة ودخل النبي صلى الله عليه وسلم بلده الاصلي وهو في غمرة الفرح والانشراح ومعه المسلمون جميعا وسمي هذا العام ب( عام الفتح) و هذا الفتح ب( الفتح الاعظم ).
يتبع
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
12-4-2012

***************************************************

https://falih.ahlamontada.net

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى