شذرات من السيرة النبوية المعطرة
29
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم الى( خيبر ) ارسل محيصة بن مسعود الى (فدك) يدعوهم الى الاسلام و( فدك) قرية تقع في شرق (خيبر) على مسافة يومين منها وتعرف اليوم ب( حائط) ومضت الايام ولم يعد محيصة بن مسعود الى النبي صلى الله عليه وسلم وابطاؤوا عليه .
فلما سمع يهود (فدك ) بفتح ( خيبر) داخلهم الرعب وخافوا القتل وطلبوا ان يعاملهم معاملة اهل خيبر فقبل ذلك منهم فاعتبرت ( فدك ) ارضا خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على نفسه واقاربه من بني هاشم .
ثم سارالنبي صلى الله عليه وسلم بعد ان فرغ من (خيبر) الى وادي القرى ودعا اهلها الى الاسلام فلم يسلموا وخرجوا لقتال المسلمين فلما تراى الجمعان برز منهم رجل للمبارزة والقتال فخرج اليه الزبير بن العوام فقتله ثم خرج اخر فقتله ثم خرج ثالث فخرج اليه علي بن ابي طالب فقتله وقيل قتل منهم احد عشر رجلا وانتهى اليوم.
وفي صبيحة اليوم التالي ومع ارتفاع الشمس قدر رمح تقدم لهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى انهزموا فغنم المسلمون غنائم كثيرة ثم طلبوا ان يعاملوا معاملة اهل خيبر فقبل النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك واقرهم عليه وترك النخل والارض بايدي اليهود ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة رد المهاجرون ما منحهم الانصار من النخيل اليهم .
تناقلت الاخبار الى يهود (تيماء) ما جرى لليهود في خيبر وفدك ووادي القرى فلم يخرج اليهم احد لقتالهم انما صالحوا على دفع الجزية واستسلموا فيقوا في بلادهم واموالهم .
بعد معركة خيبر عاد الهدوء وذهب الخوف وارتاح الناس عاد اليهود الى الى الخباثة والمكر والكراهية والحقد فتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاهدوا اليه شاة مسمومة بواسطة امراة اسمها (سلام بن مشكم ) احد كبراء اليهود وقد علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل لحم الذراع على غيره فاكثرت من وضع السم فيه فاكل منه النبي صلى الله عليه وسلم الا انه لم يبلعه فلفظ اللحم من فيه قائلا : (انها شاة مسمومة )
وسال المرأة واليهود فاعترفوا بجريمتهم وقالوا :
- قلنا ان كان ملكا نستريح منه وان كان نبيا لايضره السم .
فعفا عنهم وعن هذه المراة الا ان بشر بن معرور كان قد اكل من الشاة المسمومة فمات من ساعته فقتلت المرأة قصاصا بدم بشر .
ولما جعلت صفية بنت حيي بن اخطب في السبي فاذن النبي صلى الله عليه وسلم الى دحية بن خليفة الكلبي باخذها الا ان صحبته اشاروا عليه انها لا تصلح الا له وخاصة انها سيدة بني النضير وسيد بني قريظة . فدعا ها النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليها الاسلام فاسلمت فاعتقها النبي صلى الله عليه وسلم ثم تزوجها با ن جعل صداقها عتقها فلم تم له فتح خيبر وفدك ووادي القرى واستسلام يهود تيماء وهم بالرجوع الى المدينة ووصل الى ( الصهباء ) حلت له صفية وعرس بها ثم عاد الى المدينة في اواخر صفر وفي روايةاخرى اواوئل ربيع الاول من السنة السابعة للهجرة .
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية الى ( الحرقات) قرية قرب (جهينة) فلما قربوا منهم بعث الامير طلائعه فلما رجعوا بخبرهم اقبل حتى دنا منهم ليلا وقد هدؤا وسكنوا ثم قام فحمد الله واثنى عليه ثم قال :
- (اوصيكم بتقوى الله وحده لا شريك له وان تطيعوني ولا تعصوني ولا تخالفوا امري فانه لا راي لمن لا يطاع )
ثم رتبهم فقال:
- (يافلان انت وفلان ويافلان انت وفلان لايفاق كل منكم صاحبه وزميله واياكم ان يرجع احد منكم فاقول اين صاحبك ؟ فيقول لا ادري فاذا كبرت فكبروا وجردوا السيوف ثم كبروا واحملوا حملة واحدة) .
فاحاطوا بالاعداء واخذتهم السيوف أخذة واحدة .
وايضا في السنة السابعةمن الهجرة المباركة و بعد ان استقر النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه الى المدينة واطمان بها سمع خبرا بتجمع البدو من بني ثعلبه وبني انمار وبني محارب فأوكل امرالمدينة الى عثمان بن عفان وركب في سبعمائة من الصحابة وقصد موقعا يقال له ( نخل ) على مسيرة يومين من المدينة وكان هذا الموقع يتميز بوعورة ارضه وجباله وذات ألوان مختلفة آذت أرجل المسلمين فشدوا عليها خرقا (رقاعا) تقيهم وعورة الارض فلقي جمعا من غطفان فلما تقارب الفريقان اذنت الصلاة فاقيمت الصلاة ( صلاة الخوف ) فصلى بالمسلمين رسو ل الله صلى الله عليه وسلم حيث قسمهم الى قسمين فصلى بالجماعة الاولى ركعتين ثم بالاخرى ركعتين فصلى النبي صلى الله عليه وسلم اربع ركعات بهم لكل فريق ركعتين .
فلما انتهت الصلاة القى الله الرعب في قلب الاعداء فتفرق جمعهم وعاد النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه الى المدينة . وسميت هذه الغزوة ب (ذات الرقاع) .
ومن احداث هذه الغزوة ان النبي صلى الله عليه وسلم نزل لينام في ظل شجرة كبيرة وارفة الظلال وعلق سيفه بالشجرة وغلبه النوم وتفرق المسلمون تحت الاشجار فناموا فجاء رجل من المشركين حتى وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم واخذ سيفه فاخترط السيف فاستيقظ . فقال المشرك للنبي صلى الله عليه وسلم :
- اتخافني ؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا
قال المشرك : فمن يمنعك مني ؟؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : الله .
فسقط السيف من يد المشرك فاخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له:
- من يمنعك مني ..
- فقال : من خير آخذ .
فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم للاسلام فلم يسلم الا انه اعطى للنبي صلى الله عليه وسلم عهدا انه لايقاتله ولا يكن مع قوم يقاتلونه فاخلى النبي صلى الله عليه وسلم سبيله . ثم ذهب الى قومه وقال لهم :
جئتكم من عند خير الناس .
وقد اشترك في هذه الغزوة ايضا ابو هريرة وابو موسى الاشعري رحمهما الله تعالى.
وفي شهر ذي القعدة من هذه السنة السابعة للهجرة المباركة توجه النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة المكرمة للعمرة التي تم الانفاق عليها في صلح الحديبية . ان تكون في العام القادم فاستخلف على المدينة المنورة ابا ذر الغفاري فخرج ومعه ستين بدنة بحماية ناجية بن جندب الاسلمي كما حمل معه السلاح بحماية بشير بن سعد خشية من تمرد قريش وغدرها وكان معه مائة فرس وعليها محمد بن سلمة .
احرم النبي صلى الله عليه وسلم من ( ذي الحليفة ) القريبة على المدينة المنورة ولبى والتلبية ( لبيك اللهم لبيك ان الحمد والنعمة والملك لك لاشريك لك لبيك ) تتكرر من ساعة الاحرام حتى وصول مكة المكرمة ومشاهدة الكعبة المشرفة وكان المسلمون قد احرموا و ساروا ملبين وراءه وواصل سيره حتى بلغ وادي ( يأجج) حيث توقف ووضع السلاح
و امر عليها اوس بن خولي الانصاري ومائتي رجل من الصحابة وتقدم و والباقون بسلاح الراكب - اي كل معه سيفه في قرابه غيرمصلت منه-
فدخل مكة المكرمة من موضع يقال له ( ثنية كداء ) وهذه توصله الى (الحجون)
دخل النبي المسجد الحرام على ناقته ( القصواء) والمسلمون محدقون به من كل صوب ومتوشحون سيوفهم فلما دخل استلم الحجر الاسود بمحجنه ثم طاف حول البيت سبعا وهو على ناقته وطاف معه المسلمون كاشفي عن مناكهم اليمين مشمرين عنها دليل القوة والفتوة وكان بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن ابي رواحة الشاعرالمشهور وهو ينشد:
خلوا بني الكفارعن سبيله
خلوا فكل الخير في رسوله
قد انزل الرحمن في تنزيله
في صحف تتلى على رسوله
بان خيرالقتل في سبيله
يارب اني مؤمن بقيله
اليوم نضربكم على تاويله
كما ضربناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
اما القرشيون فكانوا ينظرون اليهم من فوق جبل( قعيقعان ) شمال الكعبة وقد تجمعوا رجالا وزنساءا وصبيانا والمسلمون يرملون في ثلاثة اشواط الا بين الركن اليماني والحجر الاسود فيمشون براحتهم وبهذه الحالة يكونون لايراهم المشركون ويكون بناء الكعبة قد حجبهم عن نظرالمشركين كما امرهم النبي صلى الله عليه وسلم اظهرا للقوة والفتوة وكانوا يتوقعون ان المسلمين اتعبهم السكن في المدينة فلما راوهم يرملون بقوة ونشاط تعجبوا .
فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطواف حول الكعبة والمسلمون معه تقدموا للسعي بين الصفا والمروة سبعة اشواط فلما انتهوا نحرالهدي عند المروة ونحروا وحلق راسه وحلقوا وبهذ ا يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تحلل وانتهت عمرته وكذلك المسلمون معه .
ثم بعث النبي رجالا من اصحابه الى جماعته الذين بقوا بحماية السلاح لياتون فيؤدوا عمرتهم .
ومكث ثلاثةايام بلياليها في مكة المكرمة وفي هذه الايام تزوج من ميمونة بنت الحارث من بني هلال التي كانت زوجة لعمه الحمزة بن عبد المطلب وكانت زوجة عمه العباس فاوكلت العباس في تزويجها فزوجها العباس الى النبي صلى الله عليه وسلم.
اتى الى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك من قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فصاح حويطب :
نناشدك الله والعقد لما خرجت من ارضنا بعدها امرالنبي صلى الله عليه وسلم ابا رافع ان يؤذن بالرحيل .
وفي اليوم الرابع غادر النبي صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة الى المدينة مسرورا وقد تحققت رؤياه ( لتدخلن المسجد الحرام امنين محلقين رؤوسكم ومقصرين ) فلما بلغ ( سرف) وهي على مسافة تسعةاميال من مكة المكرمة زفت اليه ميمونة فبنى بها .
وهذه هي العمرة الاولي التي طاف النبي صلى الله عليه والمسلمون فيها حول الكعبة المباركة واتموها فكانوا فرحين مستبشرين .
يتبع
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
**********************************************