شذرات من السيرة النبوية المعطرة
13
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد عودة النفر الستة من الخزرج الى يثرب دعوا الناس فيها الى الاسلام وكان اليهود في يثرب كثير وكانوا يرهبون الاوس والخزرج بالنبي صلى الله عليه وسلم ويقولون لهم انه سيبعث نبي في هذا الزمان نقاتلكم معه وننتصر عليكم به . فلما بعث قدر الله تعالى ان يكفر به اليهود ويحتظنه الانصار من الاوس والخزرج ويؤمنون به فلعن الله تعالى اليهود في محكم كتابه العزيز فقال تعالى ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين *) ال عمران \ 89
الاوس والخزرج قبيلتان عربيتان هاجرتا من اليمن وسكنتا يثرب وكلاهما من سبأ وكانوا اخوة اشقاء من ام واب كما تذكر الروايات وامهم اسمها قيلة بنت كاهل من قبيلة قضاعة من اليمن
وكانوا يسمونهم ابناء قيلة وفي ذلك يقول الشاعر:
بهاليل من اولاد قيلة لم يجد
عليهم خليط في مخالطة عتبا
وتكاثروا بمرور الزمن فوقع بينهم دم فنشبت بينهم العداوة بسبب هذا القتيل واستمرت الحرب والقتال بينهم امدا طويلا قيل اكثر من مائة وعشرين سنة قتل فيه الكثيرمنهم وقد اطفأ الله تعالى بالاسلام هذه الحرب بعد ان آخا النبي صلى الله عليه وسلم بين الاوس والخزرج في الاسلام وفي ذلك يخاطب الله المؤمنين من الاوس والخزرج فيقول ( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداءا فالف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخوانا * وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها.. ) النساء\ 103 و104 .
كبرت بيضة الاسلام في يثرب بعد دعوة النفر الستة الى الاسلام فلما انقضت السنة جاء وفد يثرب الى النبي وهم اثنا عشر رجلا عشرة رجال من الخزرج واثنان من الاوس وهم عويم بن ساعدة و ابو الهيثم بن التيهان والعشرة من الخزرج هم :
رافع بن مالك بن عجلان
اسعد بن زرارة
عوف بن الحارث بن رفاعة
قطبة بن عامر بن حديدة
عقبة بن عامر
معاذ بن الحارث
عبادة بن الصامت
ذكوان بن عبد القيس
العباس بن عابادة بن نضلة
يزيد بن ثعلبة
فاجتمع كلهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى فعلمهم الاسلام واخذ عليهم العهد والميثاق فبا يعوه على ان ( لايشركوا بالله شيئا ولا يسرقون ولا يزنون ولا يقتلون اولادهم عن ا ملاق ولايأتون ببهتان يفترونه بين ايديهم وارجلهم ولا يعصونه في معروف ) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ( من وفى منكم فأجره على الله ومن اصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن اصاب من ذلك شيئا فستره الله تعالى فامره الى الله ان شاء عاقبه وان شاء عفا عنه ) فبايعوه على ذلك وهذه هي بيعة العقبة الاولى .
عاد هؤلاء القوم الى يثرب ومعهم مصعب بن عمير رضي الله عنه وكان قد سيّره النبي صلى الله عليه وسلم معهم ليقرئهم القران الكريم ويعلمهم اصول الدين والاسلام .
نزل مصعب بن عميرعند بيت ابي امامة اسعد بن زرارة ضيفا عليه ونشط الرجلان في نشر الاسلام والايمان في يثرب .
وبينما كان الرجلان في بستان ومعهم بعض الرجال يعلمونهم الاسلام وقد شاهدهما سعد بن معاذ رئيس الاوس فنادى ابن عمه اسيد بن حضير وطلب منه ان يقصد الرجلين – مصعب و اسعد- ليزجرهما عن هذا العمل حيث يتصورهما يسفهان الضعفاء من ابنائهم فاخذ اسيد حربته بيده وذهب اليهما فلما رآه اسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير :
- هذا سيد قومه قد جاءك فاصدق الله فيه .
فجاء ووقف عندهما وقال لهما :
- ماجاء بكما الينا ؟ تسفهون ضعفاءنا . اعتزلانا ان كانت لكما بنفسيكما حاجة .
فقال مصعب بن عمير له : او تجلس فتسمع فان رضيت امرا قبلته وان كرهته كففنا عنك ما تكرهه.
فقال له : لقد انصفت .
ثم ركز حربته في الارض وجلس اليهم فحدثه مصعب بالاسلام والايمان وتلا عليه القرآن الكريم فاستحسن اسيد الاسلام فنطق بالشهادتين واعتنق الاسلام دينا . ولما رجع الى عمه سعد بن معاذ وقال له:
- كلمت الرجلين فو الله ما رأت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا:
- نفعل ما احببت .
ثم قال لعمه سعد بن معاذ يستفزه لعله يذهب اليهما :
- حدثت ان بني حارثة خرجوا الى اسعد بن زرارة ليقتلوه لانه ابن خالتك يريدون ان يخفروك .
فغضب سعد بن معاذ وذهب اليهما بعصبية فتلقاه مصعب بن عمير فكلمه عن الاسلام والايمان وتلا عليه القرآن الكريم ولم يتركه حتى تشهد واعتنق الاسلام . عندها رجع سعد بن معاذ الى قومه فجمعهم وقال لهم :
- ( يابني عبد الاشهل كيف تعلمون امري فيكم ؟؟
قالوا – سيدنا وافضلنا رأيا .
فقال لهم : فان كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله.
فاسلم قومه جميعا رجالا ونساءا ولم يبق منهم على الكفر الا رجل واحد فلم يسلم الا في يوم احد حيث اسلم وحمل سيفه في سبيل الاسلام وقتل شهيدا في هذا اليوم ويدعى الاصيرم .
ثم عاد مصعب بن عمير الى مكة قبل موعد الحج ومعه بشرى الى الحبيب المصطفى هي انتشار الاسلام في يثرب .
اما بيعة العقبة الثانية فكانت في ذي الحجة في العام الثالث عشر من البعثة النبوية الشريفة . فقد قدم كثير من الناس من يثرب لاداء الحج من المسلمين والمشركين وقد قرر المسلمون ان لا يدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في جبال مكة مطاردا من قبل مشركيها لخوفهم عليه فاتصلوا به سرا واتفقوا على ان يجتمعوا سرا في الرابع عشر من ذي الحجة وهو ا وسط ايام التشريق وفي ضوءالقمر وفي الشعب الذي فيه جمرة العقبة (ا يام التشريق هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري) .
فلما كان الموعد تهيؤوا له وقيل ناموا على رحالهم مع قومهم ثم تسللوا من الركب واحدا واحدا بعد ان نام المشركون واجتمعوا عند العقبة. وكان عددهم من الخزرج \ 62 ومن الاوس \ احد عشر ومعهم ايضا امرأتان هما اسماء بنت عمرو من بني سلمة ونسيبة بنت كعب من بني النجار اخوال النبي صلى الله عليه وسلم وكان مجوع عددهم \ 73 فردا .
اما النبي صلى الله عليه وسلم فجاء ومعه رجل او رجلان و عمه العباس بن عبد المطلب وكان على دين قومه فاراد ان يحضر امر ابن اخيه ويطمئن عليه . فلما نظر العباس في وجوههم قال:
هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء احداث .
فتكلم العباس اولا فقال لهم :
- يامعشر الخزرج ( وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج) ان محمدا منا حيث علمتم لا يزال في عز من قومه ومنعة في بلده الا انه ابى الا الانقطاع اليكم واللحوق بكم فان كنتم ترون انكم وافون له بما دعوتموه اليه ومانعوه ممن خالفه فانتم وما تحملتم من ذلك وان كنتم مسلموه وخاذلوه بعد خروجه اليكم فمن الان فدعوه فانه في عز ومنعة .
- فتكلم البراء بن معرور عن الانصار فقال:
- نريد الوفاء والصدق وبذل الارواح دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك ما احببت .
فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم فتلى ايات من القران الكريم ودعى الى الله تعالى ورغب في الاسلام وقال ( ابايعكم على ان تمنعوني – اذا قدمت عليكم – مما تمنعون منه نساءكم وابناءكم) واشترط ما يلي :
1-ان يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به احدا
2-السمع والطاعة في النشاط والكسل
3-الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
4-النفقة في اليسر والعسر
5-ان يقوموا في الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم
6-ان ينصروه اذا قدم اليهم ويمنعونه مما يمنعون انفسهم واهليهم ( نساءهم واولادهم ) ولهم الجنة
فكان اول من بايعه البراء بن معرور فقال :
- والذي بعثك بالحق لمنعنك مما نمنع منه ازرنا فبايعنا يارسول الله فنحن اهل الحرب والحلقة ورثناها صاغر عن كابر.
فتكلم ابو الهيثم بن التيهان فقال :
- ان بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها فهل عسيت _ ان اظهرك الله – ان ترجع الى قومك وتدعنا ؟
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
- لا والله بل الدم الدم والهدم الهدم انتم مني وانا منكم احارب من حاربتم واسالم من سالمتم .
فقال اسعد بن زرارة :
- رويدا يا اهل يثرب انا لم نضرب اليه اكباد الابل الا ونحن نعلم انه رسول الله وان اخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وان تعضكم السيوف فاما انتم تصبرون على ذلك فخذوه واجركم على الله واما انتم تخافون من انفسكم خيفة فذروه فهو اعذر لكم عند الله
فقالوا: فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها .
ثم قام الجميع الى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على ذلك
فقال لهم صلى الله عليه وسلم :- اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وانا كفيل قومي ) وفي بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم قال : ( ان موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا فاخرجو ا الي منكم اثني عشر نقيبا ) فكان النقباء كما يلي :
1- اسعد بن زرارة نقيب بني النجار
2و3- البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام نقيبا بني سلمة
4و5 سعد بن عبادة و المنذر بن عمرو نقيبا بني ساعدة
6 – رافع بن مالك بن عجلان نقيب بني زريق
7 و8- عبد الله بن رواحة وسعد بن الربيع نقيبا بني الحارث بن الخزرج
9 – عبادة بن الصامت نقيب القوافل
10و11 اسيد بن حضير والهيثم بن التيهان نقيبا الاوس
12- سعد بن خيثمة نقيب بني عوف
وهكذا تمت بيعة العقبة الثانية فلما اصبح الصباح شاع الخبر بين اهل مكة اجتمع رؤسائها بمن جاء من يثرب فقالوا لهم :
- انه بلغنا انكم جئتم صاحبنا البارحة تستخرجونه من بين اظهرنا وتبايعونه على حربنا . واما الله ما من حي من العرب ابغض الينا من ان تنشب حرب بيننا وبينكم .
فانبعث رجال كانوا مشركين من يثرب يحلفون لهم ان هذا لم يكن . فلما سافر الانصار وفيهم اهل البيعة الى يثرب صح الخبر فخرج رجال مكة في طلبهم فادركوا المنذر بن عمرو و سعد بن عبادة فاستطاع المنذر ان يناجزهم ويعجزهم فمضى الى يثرب اما سعد فامسكوه وقالوا له :
- اانت على دين محمد ؟
قال – نعم.
فشدوا وثاقه وسحبوه مع راحلته الى مكة فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب فخلصاه منهم ورجع الى يثرب .
وقيل اسره ضرار بن الخطاب الفهري وفي ذلك انشد :
تداركت سعدا عنوة فاسرته
وكان شفائي لو تداركت منذرا
ولو نلته هناك جراحة
احق دماء ان تهان وتهدرا
وقيل سمعت قريش قائلا يقول على جبل ابي قبيس:
فان يسلم السعدان يصبح محمد
بمكة لا يخشى خلاف المخالف
فقالوا :من هما؟؟
فقال ابو سفيان : هذا والله سعد بن عبادة و سعد بن معاذ
يتبع
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
6-3-2012
**************************************