الغزل في الشعر الحديث والمعاصر
شعر الغزل وجد منذ وجد الانسان بعاطفته وحبه اتجاه قرينته وحبيبته وفي الشعر العربي وجد في كل العصور الشعرية كما اسلفنا وتحدثنا عليه سابقا فهو تسجيل لعواطف الشاعر المحب اتجاه من يحب وما يكنه في قلبه الملتاع وفؤاده المكتوي بنار الحب والعشق ونفسه الحرى وروحه الحيرى وفكره المشغول وعقله المسلوب من شدة الوجد والوله والحب القاتل .
تميز شعر الغزل في هذا العصر بتمثيل طبيعة النفس العربية النبيلة العفيفة فهو بعيد عن التبذل والتفسخ الخلقي الذي كان موجودا في شعر العصور العباسية وخاصة الاخير العصورالراكدة منها نتيجة للاختلاط مع الاعاجم شرقا وغربا وشمالا وفساد الاخلاق العربية تبعا لعادات وتقاليد المجتمع وخاصة رعاع الناس وشواذهم الاجتماعية التي انتقلت الى العرب ما يتميز ببعده عن المادية الا بعض قصائد لشاعر او اكثر
عرف الشعر العربي على مدى العصور والازمنة روائع شعرية عديدة قيلت في الحب والغزل والوقوف على أطلال الحبيبة . وفي العصر الاموي انتشر الغزل العذري ممثلاً بجميل بن معمر وهو غزل طاهر عفيف يصور الحب الجارف القوي الشديد ومكابدة العشاق لاوجاعهم في ألم البعاد عن الحبيبة. وقد ورد ذكر الكثير من قصص الحب والغزل في كتابي هذا في فصوله السابقة .
احتل شعر الحب والغزل حيزاً واسعاً من الثروة الشعرية العربية منذ زمن الجاهلية وحتى يومنا هذا ، لما يمثله الحب من شعور انساني متأصل في النفوس ، وعواطف جيّاشة وانفعالات متدفقة وصادقة، وما يجسده من هجر ووصل ونوى ولوعة وغصة وسعادة وشقاء وعذاب ولقاء .
وهذا اللون من الشعر الوجداني العاطفي يمتلئ بشكوى الروح، وما يلاقيه العاشق الولهان والمحب المتيم من تباريح الحب والوجد والشوق وقسوة البعاد ومرارة الحرمان. وما يميزهذا الشعر انه عفوي صادق اللوعة، رصين التعبير ، عف الضمير واللسان، غني القلب والشعور. ولم يكتم الشعراء عواطفهم ولم يخجلوا من التعبير عما يعتمل ويختلج في قلوبهم من مشاعر فياضة واحساس بالحب والعشق. فجاءت قصائدهم الغزلية تتصف بجزالة اللفظ والسلاسة والرقة والنعومة وصدق الكلمة وانسياب اللغة.و تعبير عن ذوب فؤاد وعصارة روح وبكاء عين ، وتمور بالعاطفة القوية الصادقة والروح الانسانية العاشقة ونجد فيها النصاعة ،ومتانة السبك ،والموسيقى، والجرس القوي، والقوافي الجميلة، والخيال الخصب الرائع الأليف ،والصور الشعرية الأنيقة الخلّابة ،والشعور الانساني النقي الفياض المنبعث من اعماق قلب يتغزل بابيات نسجت كلماتها بأنغام موسيقية شفافة تجمع بين العاطفة والخيال لترتقي الى قمة الابداع والرهافة والتوهج الشعري ولو رجعنا الى الادب العربي لوجدناه كثيرة فيه تلك الروائع الشعرية التي قيلت في الغزل والحب والاشواق والوقوف على الاطلال وربما تكون في غزل طاهر عفيف كالغزل العذري عند جميل بن معمر اوالعباس بن الاحنف
اما في العصرالحديث والمعاصر فقد نهج شعراء العصرالحديث نهج من سبقهم من شعراء الغزل في الوصف والتغني بجمال جسد المرأة ومحاسنها وجاء الغزل في اغلب مقدمات قصائدهم الا ان البعض الاخر تغير شكل شعرالحب والغزل عنده بما يلائم العصر ومتطلبات الحياة اليومية وحالات المتجمع وتطوره
ولعل أجمل قصائد الحب في الشعر العربي الحديث و المعاصر هي قصيدة (الأطلال) للشاعر ابراهيم ناجي اضافة الى قصائد الشاعر احمد شوقي ومنها :
( خدعوها بقولهم حسناء والغواني يغرهن الثناء)
وقصيدة:
( مضناك جفاه مرقده لكاه ورحم عوده )
والتي جاءت معارضة لقصيدة البوصيري الاندلسي:
( ياليل الصب متى غده اقيام الساعة موعده )
وقصائد شاعر المرأة نزار قباني الكثيرة وقصائد صلاح عبد الصبور وبدر شاكرالسياب و عاتكة الخزرجي و حارث طه الراوي وغيرهم من الشعراء كثير .
فالحب والوفاء والود والإخاء حقيقة وجدانية، بل أمرٌ فطري جبلت عليه النفوس البشرية بل اعبره بعضهم هو من الإيمان إن كان خالصاً فالمحبة الحقَّة والمحبة الصادقة تولّد في النفس أصدق العواطف النبيلة وأخلص المشاعر الصادقة بلا تلفيق اعتذارات ولا تنميق عبارات جميلة .
و في هذا الوقت فقد انحسرت فيه قصائد الحب واستبيحت فيه المشاعر وضعف الإيمان، وأبتعد كل من يكتب الشعرعن التفكير بصياغة قصيدة حب تصف مشاعره تجاه من احب حيث يراه كل يوم ويلتقي به في كل حين، وقربته أكثر فكرة الغزل والسخرية منه في مغازلة أكثر من حبيبة ومحادثة اكثر من بنت ، سواء في الواقع أو حتى من خلال التطورات النفسية الميسرة لهذه الحالة . فلم تعد هناك جدران تفصل بين المحبين، فلم تعد هناك أشواق لإنسانة ممنوعة وبعيدة عنه ولا حيلة له للالتقاء بها، ولم تعد هناك لوعة شوق أو مشاعر حب تفيض عن الحد فتولد شعرا يتفجر من الشوق وتولده معاناة الفراق و الحرمان
.وقدأسهم الضعف اللغوي لدى بعض الشعراء في تبسيط الكلمات وسلبها بلاغتها إضافة إلى شحن مخيلة الشاعراو المتشاعر بصور شتى وامور مختلفة افقدها التعبير عن الحب والشوق والوجد في العشق وأصبح العشاق الجدد يحجبون عن قول الشعر ويكتفون بإرسال أغنية جاهزة، أو قول منقول من تلفاز او ستلايت اوكتاب اوغيره أي اصبحت مساحة الحب في قلب المحب قليلة فلاتسيطر على كل اشواقه وعواطفه .
وفي قصيدة النثر التي انتشرت كثيرا في هذا العصر شاع ما يسمى بالغزل المكتوب لكنه مكتوب لا لأجل الحبيبة و التغزل بها او للحب والشوق انما مجاراة للاخرين ولعل الانثى تقرأها فتعجب بها وبدات الشاعرات يكتبن قصائد الحب والشوق اكثر من الشعراء ونادرا ما تكتب قصيدة حب لاجل الحب ذاته . ولم تظهر قصة حب جديدة لدى أي من الشعراء في العصرالحديث والمعاصر مثلما كانت لدى الشعراء العرب الاقدمين كجميل بثينة او مجنون ليلى او العباس بن الاحنف او ابي العتاهية او ابن زيدون او ... او .... انما ما وجد قصائد واشعار غزلية لشعراء تغزلوا بالمرأة عموما لجمالها او لما يحس به من عواطف نفسية تعتمل في قلبه فتهيجه ليكتب فتاتي القصيدة بما يعبر الشاعر فيها عن عواطفه وقد يخطئ وقد يصيب لانه لم يكتوي بنار الحب والشوق ولم يعرف معنى الوجد او الوله القاتل مثلما كان الشعراء القدامى يعرفون .
ومن هنا سأ ختار ثلاثة شعراء من شعراءالعصر الحديث هم احمد شوقي وابراهيم ناجي و نزار قباني . وثلاثة شعراء من المعاصر في قصيدة النثر واختم با حدى قصائدي في الغزل مع العرض ان اغلب قصائدي في الغزل جاءت معبرة عن مشاعري في حب خالص ووجد حقيقي .
.
****************************