سليم رشيد الخوري
الشاعرالقروي.
ولد رشيد سليم الخوري في 17 نيسان من عام \ 1887 م بقرية البربارة اللبنانية وكان ابوه معلما ثم ترك التعليم بعد زواجه ومارس تجارة التبغ والحرير
انتقل الى مدينة صيدا حين بلغ الثالثة عشرة سنة للدراسة فدرس في مدرسة الفنون الاميركية ثم في مدرسة سوق الغرب ثم ثم انتقل الى بيروت ليكمل دراسته في الكلية السورية الانجيلية والتي تغير اسمها فيما بعد الى الجامعة الامريكية ولاتزال تحمل هذا الاسم في بيروت 0
لقب الشاعر رشيد سليم الخوري ب( الشاعرالقروي) وسبب تسميته ذكرها الشاعر نفسه في أحد دواوينه وهي أن الشاعر يعقوب العودات الملقب (البدوي الملثم)، قد سأله كيف اخترت لقب الشاعر القروي، فقال: بعد أن صدر ديواني الرشيديات، لم يُرق للناقد قسطنطين الحداد، فظل الحداد ينقده في جريدة تسمى بـ (المؤدب) وفي أحد المرات قرأ رشيد سليم الخوري أحد النعوت التي قد نعت بها من قِبـَل الناقد المذكور من هذه النعوت( الشاعرالقروي ) الذي أعجبه كثيرا و وجد الشاعر رشيد سليم الخوري فيه ضالته في هذا النعت
عمل في التعليم وطاف بعدة مدارس في لبنان ولم يكن سعيدا بعمله ولا قانعا به لذا هجر مهنةالتعليم و لعدم كفاية مردودها المالي لعائلته الكبيرة 0 فاشتغل بعدة مهن مختلفة بجانب انصرافه الى قول الشعر فاصدر مجموعته الاولى او قل ديوانه الاول بعنوان ( الرشيديات )
ثار العرب ضد الاتراك في عام \1916م عندما نشبت الحرب العالميه الاولى في عام\ 1914 بين الدولة العثمانية والمانيا من جهة والحلفاء من جهة اخرى وعد الانكليز العرب بالاستقلال ان اصبحوا بجانبهم وبعد انتهاء الحرب لم يفي الحلفاء بوعودهم للعرب بل عملوا على تقسيم البلاد العربيه بين الانكليز وبين الفرنسين والطليان بموجب معاهدة ((سايكس بيكو )) المشهوره فاستعمرت بريطانيا كل مصر والسودان والعراق والسعودية والاردن وفلسطين والمغرب وحصة فرنسا كانت لبنان وسوريا وتونس والجزائر وحصة ايطاليا كانت ليبيا
ثم ان الانكليز توجوا استعمارهم باعلان وعد بلفور السيء الصيتن الذي بموجبه اعلنوا ان فلسطين وطنا قوميا لليهود على اشلاء عرب فلسطين واموالهم وعملوا على تهويد المدن الفلسطينية بحديث يطول وليس هذا مكانه وقد جاء هذا الوعد في اعلان اصدره (بلفور ) وزير خارجية انجلترا عام \1917 وقد اعلن العرب استنكارهم ومقاومتهم لهذا الوعد المشؤوم وكان للشاعر باع طويل في ذلك يقول في قصيدة بعنوان( وعد بلفور)0 منها هذه الابيات \
الحقُ منك َومن وعودك َ أكبرُ
فأحسب حساب الحق يا متجبرُ
تعدُ الوعودَ وتقتضي إنجازها
مهج َ العبادِ؟خَسِئتَ يا مُستَعمِرُ
لو كُنتَ من أهلِ المكارمِ لم تكن
من جيبِ غيركَ مُحْسِنًا يا بلفُرُ
عِد منْ تشاء بما تشاءُ فإنما
دعواه خاسرةُ ووعدُكَ أخسَرُ
فلقد نفوزُ ونحنُ أضعفُ أمةٍ
وتؤوب مغلوباً وأنت الأقدرُ
فلكم وقى متواضعا إطراقه
وكبا بفضل ردائه المتكبرُ
وأصدر أول مجموعة من أشعاره بعنوان الرشيديات ثم اصدر ديوانه الذي سماه القرويات ووقع شعره فيه باسم الشاعر القروي فأصبح معروفا بذلك الاسم ثم أصدر ديوانه الكبير الذي حوى جميع ما قد كان أصدره من شعره المتناثر وعاد الشاعر الى لبنان عام 1958 م فقامت وزارة التعليم في عهد الوحدة العربية بين سوريا ومصر باعادة طبع ديوانه تقديرا لشعره ومكانته الادبية الرفيعة.
مات والده عام \1910 م تاركا له مسؤولية اعالة عائلة كبيرة و رعاية اخوته عائلته مكونة من والدته واخوته ( قيصر وفيليب وفؤاد وأديب ونديم وأختيه فكتوريا ودعد) فلم يعد يحتمل معيشتهم وضاقت الدنيا بوجهه فقرر الهجرة الى خارج لبنان وكان له عم اسمه\ اسكندريقيم في البرازيل فسافر اليه في عام 1913 فاستقر مسكنه فيها بعد ان توفرت سبل المعيشة له وفي عام 1924 استقدم أمه وأخوته الى البرازيل ومن جميل شعره قوله في الطبيعة وفي شروق الشمس \
عرتني خشــيـةٌ لله لـما
رأيت الشمس تأذن بالشروق
فلم أرفع يدي بالحمد حتى
ذكرت بضاعتي وكساد سوقي
ولما قمت منصرفاً لشأني
تذكرت الصلاة على الطريق
* * *
حملت بضاعتي .. ألقي اتكالي
على المولى ووعد من صديق
فلم أبصر جمال الروض حتى
عرتني هزة الشعر الرقيق
ولما عدت من نظم القوافي
تذكرت الصديق على الطريق
* * *
وإني في ذهول الشعر يوماً
أحوم به على غصن وريق
إذا بحمامةٍ تبكي بكاءً
له جمدت دمائي في عروقي
فلما ذاب في سمعي صداها
تذكرت القريض على الطريق
* * *
سمعتُ كمنجةً في كفّ أعمى
تثير كوامن الحس العميق
فلما كنتُ منجذباً إليها
ومِلْتِ إلي ّ بالقدِّ الرشيق
ذُهلتُ عن الصلاةِ وكسبِ رزقي
وشِعْري والكمنجة والطريق
تطوع الشاعر سنة 1917 ليحارب في صفوف الجيش العربي في سوريا جيش الملك فيصل عندما اصبح ملكا عليها بعد الحرب العالمية الاولى واحتلال الانكليز للبلاد فقد وقف أمام أحد القبور ليرى معاناة الموت من خلال معاناته الحياة وقساوتها ، وذلك قبل مغادرته إلى البرازيل. فيقول :
فوقَ الترابِ بقيَّةِ الأجدادِ
أجثو وأندبُ أمَّتي وبلادي
وطني، ولكنْ للغريبِ وأمَّةُ
ملهى الطغاةِ وملعبُ الأضدادِ
يا أمَّةً أعيتْ لطول جهادها
أسكونُ موتٍ أم سكونُ رُقادِ
هل نرتقي يوماً وملء نفوسنا
وَجَلُ المَسوقِ وذلَّةُ المنقــادِ
يا أيُّها القبر الأنيس بقربِ مَنْ
يجلو دُجاك بنوره الوقَّــادِ
إنَّ الذين تركتَهم في ساحة
الدنيا هُمُ الأحزان في أجسادِ
كان الشاعر رشيد سليم الخوري من أبناء جيله الذين شهدوا ظلم الأتراك، وكان اللبناني في تلك الحقبة يتحرَّى عن هويته وشخصيته التي تعيِّنُ مكانَه من نفسه ومن العالم
لم يجد في السفر ما ينقصه في البلاد، فقد لاقى بشراً لم يألفهم من قبل، ولم يشاطرهم أفراحهم وأتراحهم، وكان دأبه حب الوطن، والهروب من الأتراك، بعد ان وجد الناس هناك يلقبون العربي ب (التركو) فلم يا نسَ لهم، بل هم أناس لذواتهم وليس لبعضهم البعض. فانشد قصيدته قبل سفره \
سفرٌ نهايتهُ سفرْ
مثل النسيم بلا مقرْ
حتَّام أبقى دائراً
حول البسيطة كالقمرْ
أصطادُ أطيار السعادة
وهي من وجهي تفرْ
أيوب سلِّم صولجانك
لست أعظم من صبرْ
لو ذقتَ يوماً ما أذوق
لكنت أول من كفرْ
ويزيد في الطنبور أني
بين نـاسٍ كالبـقر
لا يفهمون من الحياة
سوى البطالة والبطر
كنْ بينهم رجل الزمان
تظلُّ "تركو" محتـقر
حتى عبيد البرِّ قد سخروا
بنا مع من سخر
وطني ويا لك موطناً
قد مزَّقته يدُ الغِيَرْ
يشقى المقيم اليوم فيك
وليس يسلمُ من هجر
وفي ثورة الشعب العربي في الشام اي في سوريا ولبنان يقول هذه الابيات مخاطبا فيها الزعيم الدرزي سلطان الأطرش حين أشعل ثورته علي الفرنسيين سنة\ 1925 - أن يقاتلوا أعداء الأمة بسيف محمد صلى الله عليه وسلم ففي النصر والظفر\
فتى الهيجاء لا تعتب علينا
و أحسِن عذرَنا تحسنْ صنيعا
تمرستم بها أيام كنا
نمارسُ في سلاسلنا الخضوعا
فأوقدتم لها جثثًا وهامًا
وأوقدنا المباخر والشموعا
إذا حاولتَ رفعَ الضيم فاضرب
بسيف محمدٍ واهجر يسوعا
أحبوا بعضكم بعضًا وُعظنا
بها ذئبًا فما نجَّت قطيعا
ألا أنزلتَ إنجيلاً جديدًا
يعلِّمنا إباءً لا خنوعا
أجِرنا من عذاب النير لا من
عذاب النار إن تك مستطيعا
و يا لبنان مات بَنوك موتاً
وكنت أظنَّهم هجعوا هجوعا
ألم ترهم ونار الحرب تُصلى
كأنَّ دماءهم جمدت صقيعا
بدت لك فرصةٌ لتعيش حرًّا
فحاذرْ أن تكون لها مُضيعا
و ما لك بعد هذا اليوم يومٌ
فإن لم تستطعْ لن تستطيعا
كان لا يشعر بالهزيمة أمام قوى الشر والاستبداد والاستعمار والظلام في وطنه، بل كان يرد عليها بالشعر كسلاح يدافع به عن حق شعبه بالوجود والكرامة والحرية يقول \
مَنْ يُنبئُ الملأ الذين أُحبُّهم
فيكافئون الحب بالعدوان
إنِّي على دين العروبة واقفٌ
قلبي على سُبُحاتها ولساني
إنجيلي الحبُّ المقيم ُ لأهلها
والذود عن حُرُماتها فرقاني
أرضيتُ أحمدَ والمسيحَ بثورتي
وحماستي، وتسامحي وحناني
يا مسلمون ويا نصارى دينكم
دينُ العروبةِ واحدٌ لا اثنـانِ
بيروتكم كدمشقكم ودمشقكم
كرياضكم ورياضكم كعُمانِ
ستجدِّدون المُلك من يمنٍ إلى
مصرٍ إلى شامٍ إلى بغـدانِ
وفي البرازيل تولى تحرير مجلة الرابطة لاكثر من ثلاث سنوات وتراس جمعية ( العصبة والاندلسية ) فكان رئيسها الثاني بعد ميشيل معلوف، وظل في المهجر مدّة خمسةٍ وأربعين عاماً؛ يتعاطى التجارة وكسب الرزق وينشد الشعر ويكتب الادب وعينه ساهرة لما يحدث في بلده بل في كل الاقطارالعربية 0
اصدر ديوانه الثاني الذي سماه( القرويات) ووقع شعره فيه باسم الشاعر القروي فأصبح معروفا بذلك الاسم ثم أصدر ديوانه الكبير او مجموعته الشعرية الكاملة الذي حوى جميع ما قد كان أصدره من شعره وطبع على نفقة وزارة الثقافة السورية تقديرا لشعره ومكانته الادبية الرفيعة.
ثم اعيد طبع مؤلفاته الكاملة في 1\1\ 1998
لما شعر بالشيخوخة وكبرالسن عاد إلى وطنه لبنان وسكن في مسقط راسه الى ان وافاه الاجل في قرية البربارة القرية التي شهدت ولادته اول مرة
توفي الشاعر رشيد سليم الخوري الملقب ( الشاعرالقروي) في عام\ 1984
اعيد طبع مؤلفاته الكا ملة في 1\1\ 1998 اي بعد اثنتي عشرة مضت على وفاته
دعى الى توحيد الصفوف بين ابناءالعروبة بغض النظر عن الدين والطائفة والمذهب والقطر اوالمدينة يقول \
يا فاتح الأرض ميداناً لدولته
صارت بلادُك ميداناً لكل قوي
يا قومُ هذا مسيحيٌّ يذكّركم
لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
فبلّغوه سلام الشاعر القروي
ان رشيد سليم الخوري بحق شاعرالنهضة العربية اذشارك في ما حدث في زمنه من احداث للامة العربية وتحررها ودعى بكل جهده لنهضتها من مما هي فيه و تمنى في أكثر من موضع أن يعودالعرب الى سابق عهدهم وتعود الى بغداد والأندلس عهودهم الذهبية وفي ذلك يقول :
يا حبذا عهد بغداد وأندلسٍ
عهد بروحي أفدِّي عَودَهُ وذوي
من كان في ريبةٍ من ضَخْم دولته
فليتلُ ما في تواريخ الشعوب رُوي
ومن شعره العاطفي هذه الابيات
ألقيت في سمع الحبيب كليمـــــــــــة
جرحت عواطفه فما أقسانـــــــــي
قطع الحديث وراح يمسح جفنـــــــه
فوددت لو أجزى بقطع لسانـــــــــي
ومضى ولي قلب على آثـــــــــــــاره
ويدان بالأذيال عالقتـــــــــــــــــــــان
فطفقت من ألمي أكفكف أدمعـــــــــي
ورجعت من ندمي أعض بنانــــــي
حتى ظفرت به فمد يمينـــــــــــــــــه
ودنا إلي برقة وحنــــــــــــــــــــــان
وبكى وعانقني وقال عدمتنـــــــــي
إن كان لي جلد على الهجـــــــــــران
قل ما تشاء ولا تغب عن ناظـري
وفداك ذلي في الهوى وهوانــــــــــي
واختم مقالتي بهذه الابيات الوطنية من شعره
صياماً إلى أن يُفطِرَ السيفُ بالدمِ
وصمتاً إلى أن يصدح الحقُّ يا فمي
أَفِطرٌ وأحرار الحمى في مجاعـة؟
وعيدٌ وأبطال الجهــاد بمأتـم؟!
بلادك قدِّمها على كـلِّ ملَّـة
ومن أجلها أَفطِر ومن أجلها صُمِ!
فما مسَّ هذا الصوم أكبادَ ظلَّمٍ
ولا هزَّ هذا الفـطرُ أرواح نـوَّمِ
هبونيَ عيداً يجعل العُربَ أمَّـةً
وسيروا بجثماني على دين بَرهمِ!!
فقد مزَّقت هذي المذاهب شملنا
وقد حطمتنا بين نابٍ ومنسمِ
سلامٌ على كفرٍ يوحِّد بينــنا
وأهلاً وسهلاً بعـده بجهـنَّم
*******************************************