الرئيسية
الفصل الخامس
اسباب ظهور النقائض في العصر الاموي
ازدهر هذا الفن من الشعر في العصر الاموي ازدهاراً كبيراً وواسعاً وتحوّل إلى فن مستقل بذاته له أصوله وخصائصه وعناصره وأساليبه ومراميه وأبعاده السياسية و الاجتماعية فأحتلّ المكانة العالية واصبح في المنزلة العالية في لوحة الشعرالعربي .
وكانت الحياة الاجتماعية والسياسية والقبلية في العصر الأموي مساعدة ومساندة لقيام مثل هذا النوع من الشعر وقد ساعدت هذه الامور على الرجوع الى العصور التي قبله وكثر البحث ما كان عليه العرب في الجاهلية الأولى .
لذلك يحق لنا ان نقول ان النقائض عاشت وتوسعت في ظل العصر الاموي وبلغت في درجتها الفنية وآثارها الأدبية الاجتماعية مبلغا واسعا في منتهى ما بلغت في تاريخ الشعر العربي .
ومن اهم اسباب ظهور النقائض في العصر الاموي واشتدادها هو ظهور العصبية القبلية بين القبائل العربية واشتداد التفاخر ما بين القبائل وادت هذه الى قيام الشعراء بالنبش في التاريخ عما يبين لهم ما كان اسلافهم يعيشون وايامهم ومعاركهم وموقف كل قبيلة وحالتها وايامها وانتصاراتها في الحروب وانهزامها منها وانكسار هذه القبيلة امام تلك وكذلك الاسباب الاجتماعية التي كانت عليها القبائل العربية وما آلت عليه تلك القبائل من العادات والتقاليد .
وكذلك من اسباب ظهورها هو انشغال الخلفاء الامويين في الحكم والخلافة وعدم اهتمامهم بالرعية وانعزالهم عن كل ما يحتاجونه واحتكارهم السلطة في عشيرتهم او في البيت الاموي تقريبا مما اثار الحقد عليهم في المواقع الاخرى للبلاد كما هو الحال من شرق البلاد مثل العراق وفارس . وكذلك محاولة ابعاد الشعب او رعايا الدولة عن التفكير في الاشتراك بالحكم حتى من العنصرالعربي غير الاموي الذي هو الاساس في بناء الدولة الاموية وديمومتها .
وكذلك هناك اسباب اجتماعية ظهرت في المجتمع العربي ومن خلال سعة مساحة الخلافة ودخول غير العرب في الاسلام كالفرس والروم و الهند ومن كل القوميات التي كانت تحيط بهم وتم فتح بلادهم وكل المناطق التي اصبحت تحت الحكم العربي الاسلامي في البلاد المفتوحة وظهور حالة جديدة هي حاجة المجتمع العربي الى ضرب من الحالات التي يقطع بها الناس اوقات فراغهم الطويلة وذلك حين تنشأ المدن تنشأ معها حالات من اوقات فراغ تبحث على اهلها ان يملؤوها بما يحقق سد هذا الفراغ و كان لا بد ان ينشأ معها نوع من انواع التسلية .
وكذلك اسباب ثقافية وعقلية مثل نمو العقل العربي وميله الى الجدل والحوار والمناظرة في السياسة والعقيدة وقيام الشعراء الذين اشتركوا في النقائض يناظرون فيها بعضهم الاخر وحاجتهم لمعرفة ما في القبائل العربية وايامها ومأثرها .
النقائض فن متطور من الهجاء الجاهلي في حقيقة امره والذي يعتبر البذرة الاصلية له والقصيدة في هذا الفن تختلف عن قصيدة الهجاء كونها ملتزمة الرد والنقض لما يرد في القصيدة المقابلة مع التزام القصيدة الناقضة نفس وزن وقافية وروي للقصيدة المنقوضة .
ويمكننا ان نقول ان هذه الحالات لم يكن لها وجود في الشعر الجاهلي او شعر صدرالاسلام الا ما ندر فقد كانت موجودة على حدود قليلة ونادرة في العصر الجاهلي وما بعده الا انها انتشرت في العصر الاموي ووصلت ذروتها على ايدي فحول الشعراء في هذا العصر حتى اعتبرت النقائض وليدة هذا العصر وعدت فنا من فنون الشعر العربي الجديد للعصر الاموي .
النقائض هذه زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع الحزبي والقبلي بين الاطراف المتنازعة حيث ذهب الشعراء في البحث عن مثالب بعضهم البعض ومثالب اقوامهم واللهاث وراء معرفة كل مثلبة في الشاعر او في قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر كانت خافية الا ا نها رسمت صورة لحياة المجتمع العربي والقبلي وكانت سببا مباشرا في دراسة المجتمع القبلي من قبل هؤلاء الشعراء او الاشخاص الذين امتهنوا العلم والثقافة في التاريخ وعلم الانساب والاجتماع واللغةوالادب من خلال البحث في احداث عصرهم او ما قبله فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصرالجاهلي فهي نبش او بحث في التاريخ وما وراء الاحداث في المجتمع العربي وما تمخض عنها من نوازع وامور تهم هذا الطرف او ذاك انها البحث في التاريخ للقبائل العربية ومعرفة مفاخرها واحداثها ونوازعها وما لها او عليها ومثالبها وقد هيات للشعراء اصحاب النقائض المجال الواسع للفخر بها او الطعن في معارضيهن وناقضي قصائدهم ممن اشترك في هذا الخصام الشديد الوطئ .
وفي النقائض يبالغ الشاعر في الفخر بنفسه وبقومه وبقبيلته وينطلق في وصف خصمه وقومه وعشيرته بكل نقيصة يراها او يسمع بها او قيلت بهم وقد وصلت هذه النقائض في هذا المجال حدا لا يطاق اذ يقوم الشاعر بقذف الشاعر الخصم بنفسه او عائلبته ا وقومه بكل نقيصة ببذاءة القول الموغل في الفحش لدى بعضهم وحتى السباب والشتم بما يتنافى والاداب والاخلاق العربية المعروفة والتي مقتها الاسلام وكره القول . ومن ذلك ماقاله الفرزدق للشاعر جرير :
ان الذي سمك الســــماء بنى
لنا بيتاً دعائمه اعزّ واطـــولُ
بيتاً زرارة محتـــبٍ بفنائــــه
ومجاشعٌ وابو الفوارس نهشلِ
لا يحتبى بفناء بيتك مثلهــــــم
ابداً اذا عُد الفعـــــــال الافضل
حُلل الملوك لباسنا في اهلنا
والسابغات الى الوغى نتسربل
احلامنا تزن الجبال رزانةً
وتخالنــــــــا جُناً اذا لم نجهلُ
خالي الذي غصب الملوك نفوسهم
واليه كان حبـــــاء جفنة يُنقلُ
انا لنضربُ راس كل قبيلـــــــةٍ
وابوك خلف اتـــــانه يتقمــــــلُ
وكذلك قول الشاعر جرير يرد على الفرزدق قائلا :
أخزي الذي سمك السماء مجاشعاً
وبنى بناءك في الحضيض الاسفل
بيتٌ يُحمـــــــم قينكم بفنـــــــائه
دنسـاً مقاعدهُ خبيثُ المدخــــــل ِ
قُتل الزبير وانت عاقد حبـــــــوةٍ
تباً لحبوتـــــك التي لم تحــــــللِ
وافاك غدرك بالزبير على منى
ومجرُ جعثنكم بذات الحرمـــــل
بات الفرزدق يستجير لنفسه
وعجان جعثن كالطريق المعمل
لا تذكروا حُلل الملوك فانكم
بعد الزبيركحائضٍ لم تغســــــلِ
كان الفرزدق اذ يعوذ بخالهِ
مثل الذليل يعوذ تحت القرمــــلِ
افخر بضبةَ ان امـــــــــك منهم
ليس بن ضبةَ بالمعم المخولِ
ابلغ بني وقبان ان حلومهم
خفت فلا يزنون حبــــــة خردل
***********************
