الشاعرة هـدى النعماني
بقلم د فالح الكيلاني
هي هدى خانم النعماني الدمشقي النابلسي كاتبة وشاعرة
ولدت هدى في مدينة (دمشق )في عام 1930 وتعلمت بمدرسة الفرنسيسكان ومدرسة الليسه بدمشق ، فمدرسة الليسه الفرنسية – العربية وتخرجت من ثانوية الفرنسيسكان ب(دمشق) سنة 1947 . التحقت بكلية الحقوق في الجامعة السورية ب(دمشق) سنة 1950 ومارست المحاماة بعد تخرجها في مكتب خالها المحامي (سعيد الغزي)
هدى النعماني نشأت في بيوت تهوم فيه الرؤى الصوفية, فجدها الأكبر الشيخ عبد الغني النابلسي,كان صوفيا وكذلك العلامة نجم الدين الغزي) فكانت تذهب إلى المنطقة المهومة والسابحة في عالم الصوفية, ففهمت لغة حساسة وناعمة, ودخلت ذلك الحيز المفتوح ما بين الأرض والسماء لتتقن الصوفية واصولها ومعتقداتها من اصولها كما يذكر صاحبا كتاب (الكاتبات السوريات) مروان المصري ومحمد علي الوعلاني
وقد تزوجت من قريبها (عبد القادرالنعماني) .
كتبت بالعربية والإنكليزية والفرنسية. وبدأت النشر منذ الستينيات وعرفت بكتاباتها الصوفية فهتفت للحب الإلهي.. وكان لها حضور واسع في الاوساط الادبية والفنية من مؤتمرات وندوات عالمية كشاعرة لها صوتها الخاص ورؤاها الفنية والفكرية وفي توحد الانسان والكون .
( ثم انتقلت ا لى مصر عام 1962 واقامت في القاهرة بمصر حوالى عشر سنوات
هدى كاتبة وشاعرة وفنانة . كتبت القصة و المقالة تتلمس الشاعرة بين سطورها ، و نظمت الشعرفترى الرسوم تتراقص بين ابياتها في صور شعرية رائعة ، وفنانة رسامة ان رسمت منحت لوحاتها بريق عينيها المستبشرتين بالامل حتى ولو حزنت او تألمت موسيقية تعزف انواع الموسيقى فهي جملة فنون في تجمعت في شخصيتها الواحدة لتكون هدى النعماني .
الا انها شاعرة قبل كل شىء ، تعلقت بالسراب فما زلّت أقدامها لتغرق في اللاأمل .. فسرابها فهو بمثابة جسر عليه ان يبقى … وان يدوم.وكان شعرها مترفا, وكانه يطرق الحياة بمطرقة لدنة رقيقة فشعرها يغرق في قلق غامض ينتظرالولوج الى باب الجنة الصوفية اللذيذة, الملولة, التي تعذبها غربة,قد نعرفها, نحن الذين درسنا الصوف وكتبنا فيه ذلك الشعر المرهف الصاخب, اللاهث اتجاه مشكلات وقضايا ونتائج غالباً ما تكون مدهشة تقول في قصيدتها
( الخندق ) لتتخيل قصة سوء
الفهم بين الشرق والغرب :
(عالق في قفص ضائع
مدينة ضائعة
قارة ضائعة
يقيّمونَه
مئات الباحثين
مئات الميكروسكوبات
مئات المصابيح الزرقاء
نصف عربي، نصف مسلم، نصف إرهابي!
المجهر يقول.
الحكم بالموت.
نصف رجل آلي
نصف عبد
نصف حيوان
تقول المصابيح الزرقاء
نصف عربي، نصف مسلم، نصف إرهابي!
المجهر يقول.
الحكم بالموت.
نصف رجل آلي
نصف عبد
نصف حيوان
تقول المصابيح الزرقاء
الحكم بالموت.
نصف جرثومة
نصف قاتل
نصف وحش!
يقول العالم.
الحكم هو الموت. الكتب جناية!
الصح والخطأ مزحة!
همهم الفأر لنفسه
..
ومع هدى النعماني تسير في رحلة الشعر الصوفي في ديوانها(رؤيا على عرش) لتنشد تجربة شعرية صوفية تطلق زفيرها الممض عبر آلام تتفجر بمساحات واسعة فالكلمة هي الجرح المتوثب الحر المدهش الواثق الحائر فكانت تصهر الواقع والحلم .في واقعيته والسرفي سريته وعليها ان تنزف وتضحك .. وان تضيء وتختفى
لاحظ قولها :
هل المعنى الخروج من الذات, طي
الأزمنة والذات نهر؟
النحاس ذوب في الآخر, والذوب
جذور؟
أغالبٌ البهاءُ الباهظ والأرض المقدسة؟
أمغلوبة صفعة تتحول إلى صراخ؟
وفي موضع آخر من الديوان تقول:
السر يرتجف على الشفاه, والشفاه ضفدع
تلتقط النجوم
عذب كحبة توت, تتدحرج من سماء
دافئ ككتاب مغلق, أزرق كالبحر
كطفل من رماد كان جمراً..
تقول عن تجربتها الشعرية :
(كثيرا ما صرت اشعر انني اودع و استقبل عصراً في الماضي، فالشعر هو رؤية تساوي او تشمل العالم بأثره وهو خلقاً يُشبه الخلق السماوي بلا أعمدة ولا حدود، للأسف هو اليوم في مأساة تجابهه موأمرة دولية و عالمية لإطفاء الشعلة المقدسة التي تحملها العروبة والإسلام، فجأة بعد غلبة الشيوعية في العالم انتصب السلام عدوا شامخا امام الغرب، الشعر اليوم في مأساة و في قلق وضياع، ماذا تقول الصوفية امام حوادثاً دامية لا نعرف منبعها ولا نعرف منفذيها ولا نعرف مخططيها؟ الشعر الصافي كالمرآة الشعر الخلاق كموج البحر يرى الحدود امامه تنقلب اعداءً وأبالسة معاً، الشعر ليس هو صحارى فقط، بل هو السماء برؤياه وسُبله التي تغنى بها العرب والمسلمون، وهي الآن محاطة بمؤامرة شاسعة عرضها الأرض من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها، هو الآن سجين ماساة كبرى آمل ان يستطيع التغلب عليها و العودة الى ايمانه و ثقته وأبائه وفخره، وكما قلت الشعر ليس صحارى في ضوء القمر، بل هو قمراً في ضوء السماء، يجب ان نتمسك به تمسك الروح بالجسد، تمسك الماضي بالمستقبل، تمسك الأرض بالماء، الشعر الذي في الماضي كلمة الأرض والسماء، كلمة الوطن والسماء، كلمة النبل والسماء، هو في مأزق اليوم وكثيرا ما تسير سير الهدم بأسم الحرية والتجديد، وهو الآن يتزلزل في مؤامرة نعرف مداها ونعرف هدفها وامام هذا الخطر الفتاك علينا ان نتمسك بقداسة ما عندنا حرفاً حرفاً و كلمة كلمة و قصيدة قصيدة، الشعر هذه حبات الرمل التي جعلت من الصحارى و الماضي ابريزاً من الذهب ومن الفضة، اظن انه هو سيظل أملنا في الحياة واملنا في تقديس الأرض و السماء).
من دواوينها الشعرية:
: إليك 1970
، أناملي ..
لم ..1971
، قصيدة حب 1973
، أذكر كنت نقطة كنت دائرة 1978 ،
هاء تتدحرج على الثلج 1982
، رؤيا على عرش 1989 .
لاعذر للدم
كتاب الوجد والتواجد
وفي عالم الصوفية تنفتح قصائدها من خلال رؤى وأحاسيس الشاعرة التي تحاول أن تحيط بالإنسان العالم في أبعاده التي تضيء أمام عينيها محاولة دائبة لمعرفة معلومة (الشطحات) الروحية لعقل يتفجر بالبحث عن ذات الإنسان ومعرفتهما من حيث هي وكينونتها تقول :
:
أنت هو لأنه خلقك صنعك, أعطاك , البحر فيك
أنت هو لأنه يراك يعرفك, يضيئك, يكلمك
يحملك, يرميك
لأنه يدوسك, يفتتك ينثرك
يجمع فيك
أنت هو لأنك موجود
والعالم في يده فراشة
والفراشة أعظم منك.. أجمل منك
لأنها أصغر منك وأكبر منك
ولتلقي ضوءاً على الشاعرية الذي تراها وتعيشها, كما نظن, عبر استدراج نفسي لأسئلة قد تلقيها شاعرتنا عن ذاتها وعن علاقتها بما حولها تقول :
:
أترونه جاعلاً من عذابه لكم درعاً, من ذاته
مرآة من صوته
ثوباً, من حياته مسرحاً, من روحه
بئراً, من جسده
أرصفة تدوسون عليها
وزجاجاً محطماً لا يلتئم.. لا يبرأ.
مزقوا صدره ستتوقد خناجركم على وجهه كالحرير,
ارجموه تكراراً
سيجد في حصاكم ألوان الشفق,
قطعوا ثوبه
ستلقون له ثوباً من النقاء لا يلمس.
لم يرمي نفسه يذبحها؟
لربما كان مثل الشتاء يريد أن يموت
لربما كان مثل المسيح يريد أن يحيا
لو سألتموه ما هو الشعر ؟
لأجابكم لا أدري
هدى النعماني ذات تجربة تطفح عمقاً وجد مساحاته في النشأة الأولى في حضرة الصوفية التي وجدت تناغماً مع روح الشاعرة فتندفع إلى أحضانها تطرح أسئلتها ولغتها, وتعيد تشكيلها عبر تجربتها الشعرية في مداها الجديد جامع، وكتابة تتناول الفلسفة والحكمة والدين والسياسة معاً وتتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل ليقف أمام الوجود،و التاريخ و الغيب و الإنسانية وقفة الشعر ووقفة التصوف كوقفة الحلم ووقفة السحر ووقفة الشهادة وفي ذلك تقول :.
مديةٌ مذهلة مديتكَ إن التعود فيك
رادعٌ مد الموت وجلله حاضٌ سمة الإذكاء والفوح
لو بات صوتك حبلاً طويلاً يجني الثمار
حرمة أسلاف وأنساب وأصلاب
فتنة كهنة وأحبار ونساك
عطف صيرورة وقبالة وقرابين
لك القبلة المحيية؟ قدر محتم أنت
بدء درب ولانهاية درب.
واختم بحثي بهذه السطور من شعرها :
قيل لها تنبهي أيتها النائمة إلى نومك
وتيقظي أيتها القائمة إلى قيامك
من مشارق ومغارب الكون
سينبلج الفجر على صدرك
لن تنامي أبدًا
فلم تنم أبدًا.
قيل لها تغاوي في أثوابك
وتوهجي في قلائدك
فقد آثرتُ فيك الأناة والبهجة
وجئت أنتظرك على كل فج
فأسلمت طواعية إلى عصارة قلبه
وأحاطت خزامى قلبها
بدفئ العناق.
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
*******************************************