نازك الملائكة
بقلم د فالح الكيلاني
هي الشاعرة نازك بنت صادق الملائكة البغدادية من العراق
ولدت الشاعرة نازك الملائكة في في منطقة (كرادة مريم ) ببغداد عام \1923م ، ونشأت في بيت علمٍ وأدب ، في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة ، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة . وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز ، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950 بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها . ثم عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة .
درست نازك الملائكة من اللغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ، بالإضافة إلى اللغة العربية وفهمتها دراسة وكتابة وقراءة وتكلما ، وتحمل شهادة الماجستر باللغة العربية من كلية التربية ببغداد ، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة (وسكونس) الأمريكية .
مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965
وللشاعرة ثمانية مجاميع شعرية منشورة (عاشقة الليل وشظايا ورماد قرارة الموجة وشجرة القمر و ماساة الحياة اواغنية الانسان و للصلاة والثورة ويغير الوانه البحر) طبعت كاعمال كاملة في مجلدين.
لها دراسات عديدة اهمها ( قضايا الشعر المعاصر) و ( سكولوجية الشعر الحر) .
كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربيةوقد نشرت ديوانها الأول(عاشقة الليل ) في عام 1947 ، وكانت تسود قصائدها مسحة من الحزن العميق .
يقول عنها الاستاذ الاديب الناقد مارون عبود :
( فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم ، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً ، وأحياناً تفجعاً وعويلاً )
ثم نشرت ديوانها الثاني(شظايا ورماد ) في عام 1949 ، وثارت حوله ضجة عارمة حسب قولها في قضايا الشعر المعاصر ، وتنافست بعد ذلك مع بدر شاكر السياب حول أسبقية كتابة الشعر الحر ، وادعى كل منهما انه اسبق من صاحبه ، وانه أول من كتب الشعر الحر ونجد نازك تقول في كتابها (قضايا الشعر المعاصر ) :
(كانت بداية حركة الشعر الحر سنة 1947 ، ومن العراق ، بل من بغداد نفسها ، زحفت هذه الحركة وامتدت حتى غمرت الوطن العربي كله وكادت ، بسبب تطرف الذين استجابوا لها ، تجرف أساليب شعرنا العربي الأخرى جميعاً ، وكانت أول قصيدة حرة الوزن تُنر قصيدتي المعنونة ( الكوليرا ) وهي من الوزن المتدارك ( الخبب) )
وقد زادت دراستها للموسيقى في معهد الفنون الجميلة ببغداد وخاصة دراسة العودعلى التفتح بهذا الفن الشعري الجديد في الوطن العربي فهي بحق رائدة الشعر المعاصر او قل الشعر الحديث . ويبدو أنها كانت متحمسة في قرارها هذا. ثم لم تلبث أن استدركت بعض ما وقعت فيه من أخطاء في مقدمة الطبعة الخامسة من كتابها المذكور فقالت :
(عام 1962 صدر كتابي هذا ، وفيه حكمتُ أن الشعر الحر قد طلع من العراق ومنه زحف إلى أقطار الوطن العربي ، ولم أكن يوم أقررت هذا الحكم أدري أن هناك شعراً حراً قد نظم في العالم العربي قبل سنة 1947 سنة نظمي لقصيدة (الكوليرا) ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك قصائد حرة معدودة قد ظهرت في المجلات الأدبية والكتب منذ سنة 1932 ، وهو أمر عرفته من كتابات الباحثين والمعلقين لأنني لم أقرأ بعد تلك القصائد في مصادرها وعلى كل حال فلها السبق في هذه المحافل الادبية والفن الشعري المعاصر)
التحقت بدار المعلمين العالية وتخرجت فيها سنة (1364هـ= 1944م)، وفي عام (1367هـ= 1947م) نظمت أول قصيدة في الشعر الحر بعنوان الكوليرا، وقالت عن القصيدة بأنها "ستغير خريطة الشعر العربي".
حصلت على الماجستير من الولايات المتحدة عام (1370هـ= 1950م) في الأدب المقارن وأجادت اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، ثم عادت عام (1374هـ= 1954م) ثانية إلى الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراة في البعثة التي أوفدتها الجامعة العراقية، واطلعت على الأدب الفرنسي والصيني والألماني والهندي.
وبعد عودتها للعراق عملت بكلية التربية ببغداد سنة (1377 هـ- ـ1957م)، ثم انتقلت إلى جامعة البصرة وتزوجت عام (14384هـ= 1964م) من الأستاذ الدكتور (عبد الهادي محبوبة)رئيس جامعة البصرة انذاك.
ثم رحلت إلى الكويت مع زوجها وعملا بالتدريس في جامعة الكويت، ومنحتها الجامعة عام = 1985م) إجازة تفرغ للعلاج بعدما أصيبت بمرض عضال ثم عادت إلى العراق الا انها لم تلبث ان سافرت إلى القاهرة لتكمل علاجها الطبي بسبب نقص الأدوية في العراق بسبب الحصار الأمريكي الظالم والذي جعل العراقيين يأ كلون اخس الاطعمة وافضعها . واتخذت نازك وزوجها وابنها الوحيد الدكتور ( براق ) القاهرة سكنا ومستقرا دائما.
وبعد وفاة زوجها الدكتور سنة 2001م) عاشت في عزلة بعيدا عن ضجيج الحياة، مما حدا ببعض الصحف أن تنشر أخبارا عن وفاتها رغم أنها ما زالت على قيد الحياة .
توفيت الشاعرة العراقية الرائدة نازك الملائكة يوم الاربعاء 20-6-2007 باحدى مستشفيات العاصمة المصرية (القاهرة )عن\ 84 عاما إثر هبوط حاد في الدورة الدموية. ان نازك الملائكة التي عانت من أمراض الشيخوخة في أيامها الأخيرة تدهورت صحتها يوم الأربعاء فجأة ثم فارقت الحياة رحم الله شاعرتنا واسكنها فسيح جناته .
الأغاني الرقراقة للألم التي تغنت بها نازك في عدد قصائدها الموزعة في دواوينها الشعرية من (مأساة الحياة وأغنية للإنسان) المنظوم ثلاث مرات متباعدة خلال الأعوام 1945،1950، 1965 إلى (شجرة القمر) المنظوم عام 1967، لم تقف بها عند هذا الحدّ من رومانسية العذاب وتدليل الألم العامل في أعصاب الشاعرة وقصائدها عمله الدؤوب، بل وغلبت أكثر في الدخول في رعب الموت أو (فوبيا الموت) إذ كانت الحداثيات ومآسي الحرب العالمية الثانية قد جعلت فعلها المدمر في النفس الحساسة والحائرة لشاعرة صبية نظمت عام 1945 مطوّلتها (مأساة الحياة وأغنية للإنسان) وهي في الثانية والعشرين من عمرها، متأثرة بمطولات الشعر الإنجليزي التي أعجبت بها، فإنه لم يعزها، في الواقع والفلسفة، أسانيد لليأس، وأسئلة حارقة في الحياة والموت، احتشد بها شعرها المبكر، ورافقت ظلالها سيرتها الشعرية وصيرورة قصائدها، فشعرها شعر حزين بمجمله، وقلما تنبض فيه لآلئ الرجاء أو الفرح.
نازك الملائكة شاعرة مجدد ة وكاتبة ناقدة جمعت بين الشعر والنقد، ونقد النقد، وهي موهبة رائعة لم تتوفر إلا للنادر من الأدباء والشعراء، واصدرت العديج من الدواوين الشعرية والدراسات النقدية والأدبية، وترك للمكتبة العربية ارثا كثيرا منه مايلي :
ا- فمن دواوينها :
عاشقة الليل
شظايا ورماد
قرارة الموجة
شجرة القمر
ماساة الحياة او اغنية الانسان
للصلاة والثورة
ويغير الوانه البحر
وقد جمعت دواوينها في مجلدين ضخمين نشرا في بيروت.
ب- من دراستها النقدية :
قضايا الشعر المعاصر
الأدب والغزو الفكري
محاضرات في شعر علي محمود طه
سيكولوجيا الشعر
التجزيئية في المجتمع العربي – دراسة في علم الاجتماع
الصومعة الحمراء
الشمس التي وراء القمة - مجموعة قصصية
وقد حصلت نازك الملائكة على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الإبداع العراقي عام 1992م) وجائزة البابطين للشعر.
تمثل الشاعرة العراقية نازك الملائكة أحد أبرز الوجوه المعاصرة للشعر العربي الحديث، الوجه الذي يكشف عن ثقافة ضاربة الجذور في التراث والوطن والإنسان. وتكاد تكون رائدة للشعر الحديث، بالرغم من أن مسألة السبق في ( الريادة) لم تحسم بعد بينها وبين علي باكثير وبدر شاكر السياب، ولكن نازك نفسها تؤكد على تقدمها في هذا المجال حيث تقول في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) أنها أول من قال قصيدة الشعر الحر، وهي قصيدة (الكوليرا) عام 1947. أما الثاني – في رأي نازك - فهو بدر شاكر السياب في ديوانه (أزهار ذابلة) .
وأول ما يتبادر إلى الذهن عندما تُذكر نازك الملائكة هو أنها لم تكن مجرد شاعرة مبدعة مجددة عُرفت بجهودها المتواصلة منذ صدور ديوانها الأول(عاشقة الليل) 1947. بل أسهمت بالإضافة إلى ذلك إسهاماً إيجابياً في تطوير القصيدة العربية في موضوعها وبنائها، كما قدمت مجهوداً نقدياً منظماً له موقف من بعض القضايا الفنية واللغوية والفكرية في أدبنا الحديث. ولعل كتابها (قضايا الشعر المعاصر) هو أشهر إسهاماتها في هذا المجال، يليه كتابها عن (علي محمود طه) الذي كانت بدايته محاضرات ألقتها عن الشاعر في معهد الدراسات العربية بالقاهرة وكان ذلك في عام 1962 ثم (الصومعة والشرفة) 1965، و(سيكولوجية الشعر 1993) وتدل هذه الأعمال على أنها جمعت بين نوعين من النقد، نقد النقاد ونقد الشعراء، فهي تمارس النقد بصفتها ناقدة متخصصة. لأنها الأستاذة الجامعية التي يعرفها الدارس الأكاديمي حق المعرفة.. وتمارسه بصفتها مبدعة منطلقة من موقع إبداعي لأنها شاعرة ترى في الشعر بعداً فنياً حراً لا يعرف الحدود أو القيود.. لذلك فنازك الناقدة، ومن خلال آثارها النقدية تستبطن النص الشعري وتستنطقه وتعيش في أجوائه، ناقدة وشاعرة على حد سواء، بحثاً عن أصول فنية أو تجسيداً لمقولة نقدية أو تحديداً لخصائص شعرية مشتركة..
وقد قام المجلس الاعلى للثقافة بنشر اعمال الشاعرة الكاملة اخيراً
من شعرها هذه الابيات من قصيدتها ( من انا ):
الليلُ يسألُ مَن أنا
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون ؟
الريحُ تسألُ مَنْ أنا
أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نمرُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المُنْحَنَى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإذا فضاءْ !
والدهرُ يسألُ مَنْ أنا
أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأملِ الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمساً جديدْ
غَدُهُ جليد
والذاتُ تسألُ مَنْ أنا
أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام
لا شيءَ يمنحُني السلامْ
أبقى أسائلُ والجوابْ
سيظَلّ يحجُبُه سرابْ
وأظلّ أحسبُهُ دَنَا
فإذا وصلتُ إليه ذابْ
وخبا وغابْ
امير البيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
****************************