لسان الدين بن الخطيب
هو لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني الخطيب ،والسلماني نسبة إلى (سلمان) موضع باليمن، ومنه قدم أهله إلى الأندلس عقب الفتح الإسلامي واستقروا في قرطبة ثم انتقلوا إلى ( طليطلة) بعد ثورة ( أهل الربض) بقرطبة سنة \ 202هجرية . ولما اشتد خطر النصارى على (طليطلة) في منتصف القرن الخامس للهجرة انتقلت أسرته من ( قرطبة) إلى (طليطلة) بعد وقعة الربض أيام الحكم الأول أيام جده سعيد الى مدينة ( لوشه ) غرب (غرناطة ) وكان جده ( سعيد ) عالما ورعا فجعل يلقى بعض دروسه ومواعظه في (لوشة) فعرف بالخطيب وعرفت الأسرة باسم آل بالخطيب.
ولد الشاعر في مدينة- ( لوشة )– الاندلسية في رجب من سنة \713 هجرية – 1313ميلادية و درس الادب والطب والفلسفة في جامعة القرويين بمدينة (فاس ) ثم رجعت إلى مدينة ( لوشة ) واستقرت بها. وبعد ولادة لسان الدين انتقلت العائلة إلى (غرناطة )حيث دخل والده في خدمة السلطان أبي الحجاج يوسف، وفي (غرناطة ) درس لسان الدين الطب والفلسفة والشريعة والأدب.
قتل والده سنة\ 741 هـجرية في المعركة المشهورة بمعركة ( طريف ) و كان ( لسان الدين ) في الثامنة والعشرين من عمره فحل مكان أبيه في أمانة السر للوزير ( أبي الحسن بن الجيّاب ). وبعد ان توفي الوزير ( ابو الحسن )بوباء الطاعون الذي حل بالبلاد تولى لسان الدين منصب الوزارة. ولما قتل (أبو الحجاج يوسف) سنة\ 755 هـجرية وانتقل الملك إلى ولده( الغني بالله محمد) استمر الحاجب( رضوان ) في رئاسة الوزارة وبقي ( ابن الخطيب) وزيراً ايضا فاصبح ذا الوزارتين وزارة الادب او القلم ووزارة الدولة..
ثم بعدها بخمس سنوات تقريبا وقعت الفتنة في رمضان من سنة\ 760 هـ، فقتل الحاجب ( رضوان) وثم أقصي ( الغني بالله) الذي انتقل إلى المغرب فتبعه( ابن الخطيب) اليها وبعد عامين اي في عام\ 762هجرية استعاد ( الغني بالله ) الملك وأعاد ( ابن الخطيب) إلى منصبه. الا ان حسد الحاسدين وفي طليعتهم ( ابن زمرك) ، أوقعوا بين الملك (الغني بالله ) وابن الخطيب . وشعر بسعي حاسديه في الوشاية به، فكاتب السلطان في المغرب (عبد العزيز بن علي المريني) ، برغبته في الرحلة إليه. ومدحه فقال فيه :
وفينا سليل النصر يحفظ منك ما
أضِيع ويلقى فيك بالبِدَرِ الوفدا
إمامٌ أفاض الله في الأرض عدله
فأوشك فيه الضد أن يألف الضدا
أقام على حب النبي وآله
وأشرب تقوى ربه الحل والعقدا
نما سيد الأنصار سعْدٌ وسُدِّدت
يدٌ لـه في أغراضه النصر والسعدا
وأورث حقَّ النصر لا عن كَلالة
وللسبط في المشروع أن يرث الجدا
أيوسفُ يا حامي الجزيرة حيث لا
نصيرٌ، ومصلي بأسَها الضمَّر الجُرْدا
أفاض عليها الله ملكك ديمةً
وروّى ثراها منك منسكباً عهدا
فملكك فيها ما أجل جلاله
وسيفك ما أسطى وكفك ما أندى
صدعت بأمر الله في جنباتها
فألبسك التقوى وقلدك العضْدا
وترك الأندلس خلسة إلى ( جبل طارق) ، ومنه إلى مدينة ( سبتة) ثم الى تلمسان وذلك في سنة 773 هجرية وكان السلطان عبد العزيز بها، فبالغ في إكرامه، وأرسل سفيراً من لدنه إلى غرناطة بطلب أهله وولده ، فجاؤوه مكرمين. واستقر بفاس القديمة. واشترى ضياعاً وحفظت عليه رسومه السلطانية. و لما مات (عبدالعزيز) وخلفه ابنه ( السعيد بالله )، الا انه مالبث ان خلع من حكمه فتولى المغرب السلطان (المستنصر أحمد بن إبراهيم ) فقرر الملك نفيه الى خارج البلاد فنفي إلى بلاد المغرب.
تولى المغرب السلطان المستنصر (احمد بن ابراهيم) وقد ساعده (الغني بالله ) صاحب (غرناطة) مشترطا عليه شروطا منها ان يسلمه الوزير ( ابن الخطيب ) فقبض عليه (المستنصر) وكتب بذلك إلى الغني بالله فأرسل الملك الغرناطي وزيره( ابن زمرك ) - وكان من اعداء الشاعر لسان الدين بن الخطيب - إلى مدينة( فاس) حيث تم عقد مجلس للخاصة لمحاكمة ( ابن الخطيب) الذي احضر ووجهت له تهمة الزندقه وسلوك مذاهب الفلاسفة وكان المجتمعون قد استحصلوا على فتوى بعض الفقهاء بقتله واعيد إلى السجن الا ان (ابن زمرك ) حرك رجالا سرا فدخلوا عليه في سجنه ليلا وقتلوه خنقا . فقد جُوبه مجابهة شديدة من قبل خصومه وحاسديه فكادوا له, وكفَّروه على أفكاره ومعتقداته, وأوقعوا بينه وبين حكام زمانه, ونجحوا بالإساءة إليه فحوكم وحكم عليه بالإعدام واحرقت كل كتبه ومؤلفاته إلا ما ندر وهذا الذي وصل الى المكتبات العربية والاجنبية. كان قبل الحرق .
وقيل دس له ( سليمان بن داود) رئيس الشورى بعض الأوغاد من حاشيته، فدخلوا عليه السجن ليلاً، وخنقوه في سجنه فمات .. وكان يلقب بذي الوزاتين: السيف والقلم ؛ ويقال له (ذو العمرين) لاشتغاله بالتصنيف في الليل وبتدبير امور الدولة في النهار ..
قتل سنة \776 هجرية - 1374ميلادية ثم دفن في مقبرة (باب المحروق) بمدينة (فاس ) بالمغرب .
من اثاره المطبوعة :
1- الإحاطة في تاريخ غرناطة
2- الإعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام في مجلدين
3- اللمحة البدرية في الدولة النصرية .
4- الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية
5- روضة التعريف بالحب الشريف
6- التاج المحلى في مساجلة القدح المعلى
وقد ذكر ان مؤلفاته اكثر من ستين مؤلفا في شتى المجالات العلمية والادبية .
ابن الخطيب, شاعر وكاتب ومؤرخ وفيلسوف وطبيب وسياسي من بلاد الأندلس. وقد نـُقِشت أشعاره على حوائط ( قصر الحمراء ) بمدينة (غرناطة ) فهو علاّمة, وبحر غزير من بحور العلم والمعرفة, ومن أساطين العلم في الطب والفقه والفلسفة وعلم الإجتماع وفي النثر والشعر,لمع نجمُه وذاع صيتُه الا انه لم يجد حظاً كافياً بالعيش الهنيء والاستقرار .
و ما من احد يقرأ سيرته وحياته الا ويقف ذاهلا فيما يراه من سعة علمه وطريقة تفكيره وحجم مؤلفاته الرائعة والمتنوعة بالطب والفلسفة والفقه وكثرتها وبالنثر والشعر . .
ومن شعره هذه الابيات :
أبـا ثابـتٍ كُـنْ فــي الشـدائـدِ ثابـتـا
أعـيـذُكَ أن يُلْـفـى عـــدوُّكَ شـامِـتـا
عزاؤُكَ عن عبد العزيز هـو الـذي
يلـيـقُ بـعِـزًّ مـنــك أعـجَــزَ نـاعـتـا
فدَوْحـتُـكَ الـغـنَّـاءُ طـالــت ذَوائِـبــا
وسَرْحَتُـكَ الشّـمّـاءُ طـابَـتْ منابِـتـا
لقـدْ هــدَّ أركــانَ الـوُجـودِ مُصـابُـهُ
وأنْطَقَ منه الشّجْوُ من كان صامِتا
فمن نفْسِ حُرٍّ أوْثَقَ الحُزنُ كَظْمَها
ومـن نفـسٍ بالوجْـدِ أصبـح خافِـتـا
والموتُ فـي الإنسـانِ فصْـلٌ لِحَـدِّهِ
فليـف نُـرَجِّـي أن نُصـاحِـبَ مائـتـا
وللصّبـرِ أولـى أن يكـونُ رُجوعُنـا
إذا لـم نكُـنْ بالحُـزْن نُـرجـع فائِـتـا
وكذلك اشتهر ابن الخطيب في شعره بالموشحات وفي شعره وموشحاته بداعة ورقة . وصناعته الشعرية ظاهرة في شعره ومن موشحاته هذا الموشح اللطيف :
جادك الغيث اذا الغيث همى
يازمان الوصل بالاندلس
لم يكن وصلك الا حلما
في الكر ى ا و خلسة المختلس
---------------------------
اذ يقود الدهر اسباب المنى
تنقل الخطو على ما ترسم
زمرا بين فرادا وثنى
مثلما يد الو فود الموسم
والحيا قد جلل الروض سنا
فثغو ر الرو ض فيه تبسم
---------------------------------