احمد بن زيدون المخزومي
هو ابو الوليد احمد بن عبد الله بن احمد بن غالب بن زيدون المخزومي .
ولد في جانب الرصافة من مدينة قرطبة بتاريخ الاول من رجب سنة\ 394 هجرية \ الخامس من ابريل (نيسان) سنة 1003 ميلادية وكانت قرطبة انذاك عاصمة البلاد ومنارة ا لعلم والادب والثقافة قرطبة نشأ في مدينة الرصافة وهي جزء من قرطبة ومجاورة لها وقد بناها عبد الرحمن الداخل عندما دخل الاندلس وحكمها وتعلم علومه الأولى بها ومات والده وهو فتى صغير فكفله جده وتولى تربيته وأكمل تعليمه في قرطبة فدرس الشعر والادب العربي حتى برع فيه وتمرس عليه وهو من أسرة من فقهاء قرطبة من بني مخزوم ، أبوه فقيه من بني مخزوم القرشية ، وجده لأمه صاحب الأحكام الوزير أبو بكر محمد ،وهو من بيت حسب ونسب كان والده ذا جاه عريض ومال وضياع .. وله المشورة المحترمة العالية في قرطبة وتولى جده لأمه القضاء بمدينة( سالم) ثم أحكام الشرطة والسوق في قرطبة . تعلَّم ابن زيدون في جامعة قرطبة التي كانت أهم جامعات الأندلس يَفِدُ إليها طلاب العلم من الممالك الإسلامية والنصرانية على السواء.. ولمع بين أقرانه كشاعر وكاتب .. وكان الشعر بداية تعرُّفه بولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي الضعيف المعروف بالتخلف والركاكة الذي يقاول فيه ابو حيان التوحيدي ( كان مشتهرًا بالشرب والبطالة، سقيم السر والعلانية، أسير الشهوة، عاهر الخلوة).
احب ابن زيدون الشاعر ة والاديبة ولادة ابنة الخليفة المستكفي التي كانت شاعرة اديبة تعقد الندوات والمجالس الادبية والشعرية في بيتها وبادلته حبا بحب وقد انشد في حبها الشعر الكثير شعرا فياضا عاطفة وحنانا وشوقا ولوعة وولها . الامرالذي جعلنا نتغنى في شعره الى وقتنا هذا وسيبقى خالدا للاجيال بعدنا حبا صادقا
فراح يتقرب منها حتى نال منزلة في قلبها فبادلته الحب
وكتبت له تقول :-
ترقب إذا جـــــن الظـــلام زيارتي
فإني رأيت الليــل أكتــم للســر
وبي منك ما لو كان للبدر ما بدا
وبالليل ما أدجى وبالنجم لم يسر.
وتواصلت لقا آتهما حتى دخل الوشاة بينهما و فرقت بينهما الأيام ففاض الوجد والحنين بعشيقته فكتبت إليه تقول:
ألا هــل لنا من بعـد هذا الــتــفرق
سبـــيل فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقاتالتزاور في الشتا
أبـيـت على جمر من الشوق المحرق
تـمـر الـلــيالي لاأرى البين ينقضي
ولا الـصبـــر من رق التشوق معتقي
سقـا الــلـه أرضا قد غدت لك منزلا
بـكل سـكـون هاطــل الـوبـل مـعدق
ولما علمت ولادة بإن حبيبها قد تولع بغيرها او هكذاصوره لها الوشاة والحاقدين عليهما فمالت عنه كل الميل فأحبت الوزير ابي عامر ابن عبدوس فندم ابن زيدون وراح يتوسل بغير جدوى وينظم الشعر مهددا الوزير ابا عامر شاكيا إلى ولادة تباريح الهوى ، وكتب إلى الوزير ابن زيدون رسالته المعروفة بالرسالة الهزلية سخر فيها منه على لسان حبيبته، فلم يلبث الوزير أن عمل على سجن الشاعر، فتم سجنه . فراح ابن زيدون في سجنه يكتب الشعر مسترحما ،و كتب إلى أبي حزم رسالته المعروفه بالرسالة الجدية مستعطفا ولكن لم يجد اذنا تصغي ولا قلبا يرحم قلبه فصمم على الهرب ، ففر من السجن في ليلة عيد الأضحى وظل متخفيا عن الانظار حتى عفا عنه ابو حزم فبعث إلى ولادة بقصيدته المشهورة بالنونية والتي تعتبر من روائع الشعر العربي وعيونه في الادب و التي من أجلها كتبت عنه وجمعت مااستطعت جمعه من عدة مؤلفات والتي يقول في مطلعها:-
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
الغزل عند ابن زيدون حاجة في النفس يلبي القلب نداءها ، وشوق جامح يسير في ركابه ،وثورة في الفؤاد يندفع في تيارها، فهو رجل المرأة الغاوية يهواها إلى حد الجنون والوله ويريدها ابدا طوع هواه ، ويوجه نحوها جميع ذاته وقواه ، في ترف أندلسي ، وجماح نواسي ، وقد عانى من لوعة الحب الوانا من الألم والشوق العظيم ، وقاسى في سبيل حبها أمرّ العذاب ، فعرفها رفيقة حياة، ولقي في أس هواها الف حرارة ومرارة ، فراح يسكب نفسه حسرات ، ويعصرلباب قلبه ويرسله تأوّهات وزفرات ، وإذا قصائد ه مزيج من شوق ، وذكرى , وألم ، وأمل وإذا غزله حافل بالاستعطاف والاسترحام، حافل بالمناجيات الحرّى ، والنداءات السكرى ، وإذا الأقوال منثورة مع كل نسيم ، مرددة مع كل صدى ، وإذا كل كلمة فيها رسالة حبّ وغرام ، وكل لفظة لوعة واطلاقة سهام لاحظ قوله :
إليكِ منَ الأنـــــــــامِ غدا ارتياحـــــي
وأنتِ على الزّمانِ مدى اقتراحـــــــي
وما اعترضتْ همــــومُ النّفــــــسِ إلاّ
وَمِنْ ذُكْرَاكِ رَيْحانــــــي وَرَاحـــــــي
فديْتُكِ إنّ صبرِي عنـــكِ صبـــــــرِي
لدى عطشِي على المـــــاء القـــــراحِ
وَلي أملٌ لَوِ الوَاشُــــــونَ كَفُّــــــــــوا
لأطْلَعَ غَرْسُـــــــهُ ثَمَرَ النّجَــــــــــاحِ
وأعجبُ كيــــــــفَ يغلبُنــــــــي عدوٌّ
رضَاكِ عليهِ منْ أمضَــــــــى سلاحِ !
وَلمَّا أنْ جَلَتْكِ لـــيَ اخْتِلاســــــــــــاً
أكُــــــفُّ الدّهْرِ للحَيْــــنِ المُتـــــــَاحِ
رأيْتُ الشّمسَ تطلعُ منْ نقــــــــــابٍ
وغصنَ البانِ يرفُلُ في وشـــــــــاحِ
فُؤادي مِن أسى ً بكِ غيرُ خـــــــــالٍ
وقلبي عن هوى ً لكِ غيرُ صـــــــاحِ
وأنْ تهدِي السّلامَ إلـــيَ غبّـــــــــــــاً
ولَوْ في بعضِ أنفــــاسِ الرّيـــــــــاحِ
هكذا كان غزل ابن زيدون روحا متململا ، وكيانا تتقاذفها الامواج ، و كان شعره بحر من العاطفة والوجدان ، يترقرق ترقرق الماء الزلال ، في صفاء البلور ، ولين الأعشاب على ضفاف الغدران و الانهار، وفي عذوبة تتماوج على اعطافها كل معاني الموسيقى الساحرة التي هي السحر الحلال ، موسيقى تنام على أوتارها الدهور ويغفو بين حناياها النور والجمال , و كانت الفاظه سهولة تنمو في أجواء الطبيعة الزاهية ، فتمتزج بها امتزاج الارواح بالارواح ، وإذا كل شيء في القصيدة حي نابض، وإذا كل شيء رونق وجمال، وكل شيء حلقة نورانية بين الذكرى والآمال . وفيها يقول:
إنّي ذكرْتُكِ بالزّهراء مشتــــــاقــــــــا
والأفقُ طلقٌ ومرْأى الأرض قد راقَـــا
وَللنّسيمِ اعْتِلالٌ في أصـــــــــــــــــائِلِهِ
كأنهُ رَقّ لي فاعْتَلّ إشْفَـــــــــاقَـــــــــــا
والرّوضُ عن مائِه الفضّيّ مبتســــــمٌ
كما شقَقتَ عنِ اللَّبّـــــاتِ أطواقَــــــــا
يَـــوْمٌ كأيّامِ لَذّاتٍ لَنَـــــــــــا انصرَمــتْ
بتْنَا لها حينَ نـــــامَ الدّهرُ سرّاقَـــــــــا
نلهُو بما يستميــــلُ العـــينَ من زهـــــرٍ
جالَ النّدَى فيهِ حتى مالَ أعنـاقَـــــــــا
كَـــــأنّ أعْيُنَهُ إذْ عايَنَــــتْ أرَقـــــــــى
بَكَتْ لِما بي فجــالَ الدّمعُ رَقَرَاقَــــــــا
وردٌ تألّقَ فـــي ضــــاحي منـــــــابتِــهِ
فازْدادَ منهُ الضّحى في العينِ إشراقَـا
سرى ينافحُهُ نيـــــــــلوفرٌ عـــــــــبقٌ
وَسْنَانُ نَبّهَ مِنْهُ الصّـــبْحُ أحْـــدَاقَـــــا
كلٌّ يهيجُ لنَا ذكرَى تشـــــــــوّقِنـــــــَا
إليكِ لم يعدُ عنها الصّدرُ أن ضاقَــــــا
فهو شاعر الاندلس وبلبلها الغرّيد كان شاعر العبقرية التي تعطي النفس من خلال الطبيعة التى تصف سناءها وشذاها ،وتعصر القلب في كؤوس الحب التي ترتشفه خالصا ، وتصعّد الزفرات والآمال أنغام سحر وروعة ،وتعتصر اللغة لتستخرج منها كل ممكناتها الشعرية والموسيقية لتشدو الحانها الشجية وقد ملكت على العرب ألبابهم في عصورهم القديمة والحديثة .
اما في حياته العامة ومناصبه :
كان ابن زيدون من الصفوة المرموقة من شباب قرطبة ؛ ومن ثم كان من الطبيعيّ أن يشارك في مسيرة الأحداث التي تمر بها .وقد ساهم بدور رئيسي في إلغاء الخلافة الأموية بقرطبة ، و شارك في تأسيس حكومة جمهورية بزعامة ( ابن جهور) وإن كان لم يشارك في ذلك بالسيف والقتال فقد كان دوره رئيسيا في توجيه السياسة وتحريك الجماهير وذلك باعتباره شاعراً معروفا ً ذائع الصيت وأحد أعلام مدينة (قرطبة ) ومن أبرز أدبائها المعروفين ، فسخر جاهه وثراءه وبيانه في توجيه الرأي العام وتحريك الناس نحو الوجهة التي يريد.
حظي ابن زيدون بمنصب الوزارة في عند ( ابن جهور ) واعتمد عليه الحاكم الجديد في سفارته بينه وبين الملوك المجاورين ، إلا أن هذا لم يشف طموح ( ابن زيدون ) بحيث يكون ظلاً للحاكم اذ كان طموحا. فاستغل اعداؤه هذا الطموح فأوغروا عليه صدر صديقه القديم ونجحوا في الوقيعة بينهما حتى انتهت العلاقة بين الشاعر والأمير إلى مصيرها المحتوم . يقول في قصيدته :
وَيَــهـتـاجُ قَــصــرُ الـفـارِسِـيِّ صَـبـابَـةً
لِـقَـلـبِيَ لاتَــألـو زِنـــادَ الأَســـى قَــدحـا
وَلَــيـسَ ذَمـيـماً عَـهـدُ مَـجـلِسِ نـاصِـحٍ
فَـأَقـبَلَ فــي فَــرطِ الـوَلـوعِ بِــهِ نُـصحا
كَــأَنِّـيَ لَــم أَشـهَـد لَــدى عَـيـنِ شَـهـدَةٍ
نِــــزالَ عِــتــابٍ كـــانَ آخِـــرُهُ الـفَـتـحا
وَقــائِـعُ جـانـيـها الـتَـجَنّي فَــإِن مَـشـى
سَـفـيـرُ خُــضـوعٍ بَـيـنَـنا أَكَّــدَ الـصُـلحا
فقد ترقى ابن زيدون في الادارة الى ان تمكن من ادارة الدولة سياسيا واصبح مشرفا على الديوان فيها فقد تولى ابن زيدون الوزارة لأبي الوليد بن جهور صاحب قرطبة، وكان سفيره إلى أمراء الطوائف في الأندلس ثم اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد صاحب إشبيلية، فحبسه حاول ابن زيدون استعطاف ابن جهور برسائله فلم يعطف عليه. وفي عام \441 هـجرية \ 1050 ميلادية ، تمكن ابن زيدون من الهرب من سجنه ولحق ببلاط المعتضد بالله .
انتقل الى مدينة بلنسية ثم الى الزهراء ثم استقر به المقام في مدينة اشبيلية فتلقاه اميرها المعتضد بالله بلقاء حسن فاكرمه ونعمه واستوزه فولاّه وزارته، وفوض إليه أمر مملكته فأقام مبجّلاً مقرباً ولقب بذي الوزارتين واقر بقاءه في منصبه ثم اثبته المعتمد بن عباد في حكمه ايضا ثم زادت مكانته وارتفعت في عهد المعتمد بن المعتضد، ودان له السرور وأصبحت حياته كلها أفراحًا لا يشوبها سوى حساده في بلاط المعتمد مثل (ابن عمار) و (ابن مرتين) اللذين كانا سببًا في هلاكه إذ ثارت العامة في أشبيلية على اليهود فاقترحا على المعتمد بن عباد إرسال ابن زيدون لتهدئة الموقف، واضطر ابن زيدون لتنفيذ أمر المعتمد رغم مرضه وكبر سنه، فأجهده ذلك وزاد المرض عليه فدهمه الموت وبقي في اشبيلية حتى وافاه الاجل.
توفي الشاعر ابن زيدون في الخامس عشر من رجب سنة \ 463 هجرية \1078ميلادية عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاما .
يمتاز شعره بسلاسة النظم وعذوبته وسهولة اللفظ ورقة المعاني وحسن الصناعة الشعرية وبراعتها ويعتبر متنبي بلاد الاندلس لتماثل شعره بشعرالمتنبي وتقليده اياه وقد نظم في اغلب الاغراض الشعرية وخاصة في الغزل .
ومن قوله في حب ولاده بعد ان هجرته واحبت غيره لكنه بقى محبا لها ذاكرا شوقه حبه ولوعته اليها هذه الابيات من قصيدة تعد من روائع وعيون الشعر العربي يقول فيها :-
أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْلاً مِنْ تَدانِيْنا
وَنَابَ عَنْ طِيْبِ لُقْيَانَا تَجَافِيْنَا
ألا وقد حانَ صُبح البَيْنِ صَبَّحنا
حِينٌ فقام بنا للحِين ناعِينا
مَن مُبلغ المُبْلِسينا بانتزاحِهم
حُزنًا مع الدهر لا يَبلى ويُبلينا
أن الزمان الذي ما زال يُضحكنا
أنسًا بقربهم قد عاد يُبكينا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا
بأن نَغُصَّ فقال الدهر آمينا
فانحلَّ ما كان معقودًا بأنفسنا
وانبتَّ ما كان موصولاً بأيدينا
لم نعتقد بعدكم إلا الوفاءَ لكم
رأيًا ولم نتقلد غيرَه دينا
ما حقنا أن تُقروا عينَ ذي حسد بنا،
ولا أن تسروا كاشحًا فينا
كنا نرى اليأس تُسلينا عوارضُه
وقد يئسنا فما لليأس يُغرينا
بِنتم وبنا فما ابتلت جوانحُنا
شوقًا إليكم ولا جفت مآقينا
نكاد حين تُناجيكم ضمائرُنا
يَقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا
حالت لفقدكم أيامنا فَغَدَتْ
سُودًا وكانت بكم بيضًا ليالينا
إذ جانب العيش طَلْقٌ من تألُّفنا
وموردُ اللهو صافٍ من تصافينا
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصل دانية
قطوفُها فجنينا منه ما شِينا
ليسقِ عهدكم عهد السرور فما
كنتم لأرواحنا إلا رياحينا
ا تحسبوا نَأْيكم عنا يُغيِّرنا
أن طالما غيَّر النأي المحبينا
والله ما طلبت أهواؤنا بدلاً
منكم ولا انصرفت عنكم أمانينا
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به
من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينا
واسأل هناك هل عنَّي تذكرنا
إلفًا، تذكره أمسى يُعنِّينا
ويا نسيمَ الصِّبا بلغ تحيتنا
من لو على البعد حيًّا كان يُحيينا
فهل أرى الدهر يَقصينا مُساعَفةً
منه ولم يكن غِبًّا تقاضينا
ربيب ملك كأن الله أنشأه
مسكًا وقدَّر إنشاء الورى طينا
أو صاغه ورِقًا محضًا وتَوَّجَه
مِن ناصع التبر إبداعًا وتحسينا
إذا تَأَوَّد آدته رفاهيَة تُومُ
العُقُود وأَدْمَته البُرى لِينا
كانت له الشمسُ ظِئْرًا في أَكِلَّتِه
بل ما تَجَلَّى لها إلا أحايينا
كأنما أثبتت في صحن وجنته
زُهْرُ الكواكب تعويذًا وتزيينا
ما ضَرَّ أن لم نكن أكفاءَه شرفًا
وفي المودة كافٍ من تَكَافينا
يا روضةً طالما أجْنَتْ لَوَاحِظَنا
وردًا أجلاه الصبا غَضًّا ونَسْرينا
ويا حياةً تَمَلَّيْنا بزهرتها
مُنًى ضُرُوبًا ولذَّاتٍ أفانِينا
ويا نعيمًا خَطَرْنا من غَضَارته
في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَه حِينا
لسنا نُسَمِّيك إجلالاً وتَكْرِمَة
فقدرك المعتلى عن ذاك يُغنينا
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ في صفةٍ
فحسبنا الوصف إيضاحًا وتَبيينا
يا جنةَ الخلد أُبدلنا بسَلْسِلها
والكوثر العذب زَقُّومًا وغِسلينا
كأننا لم نَبِت والوصل ثالثنا
والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينا
سِرَّانِ في خاطرِ الظَّلْماء يَكتُمُنا
حتى يكاد لسان الصبح يُفشينا
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ
عنه النُّهَى وتَركْنا الصبر ناسِينا
إذا قرأنا الأسى يومَ النَّوى سُوَرًا
مكتوبة وأخذنا الصبر تَلْقِينا
أمَّا هواكِ فلم نعدل بمنهله
شِرْبًا وإن كان يروينا فيُظمينا
لم نَجْفُ أفق جمال أنت كوكبه
سالين عنه ولم نهجره قالينا
ولا اختيارًا تجنبناه عن كَثَبٍ
لكن عدتنا على كره عوادينا
نأسى عليك إذا حُثَّت مُشَعْشَعةً
فينا الشَّمُول وغنَّانا مُغَنِّينا
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى من شمائلنا
سِيمَا ارتياحٍ ولا الأوتارُ تُلهينا
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظةً
فالحُرُّ مَنْ دان إنصافًا كما دِينَا
فما اسْتَعَضْنا خليلاً مِنك يَحْبسنا
ولا استفدنا حبيبًا عنك يُثْنينا
ولو صَبَا نَحْوَنا من عُلْوِ مَطْلَعِه
بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشاكِ يُصْبِينا
أَوْلِي وفاءً وإن لم تَبْذُلِي صِلَةً
فالطيفُ يُقْنِعُنا والذِّكْرُ يَكْفِينا
وفي الجوابِ متاعٌ لو شفعتِ به
بِيْضَ الأيادي التي ما زلْتِ تُولِينا
عليكِ مِني سلامُ اللهِ ما بَقِيَتْ
صَبَابةٌ منكِ نُخْفِيها فَتُخفينا
-------------------------