الحارث المخزومي
الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم .
وأمه فاطمة بنت أبي سعيد بن الحارث بن هشام وأمها بنت أبي جهل بن هشام. وكان العاص بن هشام جد الحارث بن خالد .
ولد الحارث في مكة المكرمة في أواخر أيام عمر بن أبي ربيعة وكان يذهب مذهبه ولا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء.
وأخوه عكرمة بن خالد المخزومي محدث جليل من وجوه التابعين قد روى عن جماعة من الصحابة وله أخ اخر يقال له عبد الرحمن بن خالد المخزومي كذلك كان محدثا ومن وجوه التابعين قد روى عن جماعة من الصحابة وكان شاعرا وهو الذي يقول:
رحل الشباب وليته لـم يرحـل
وغدا لطية ذاهب متـحـمـل
ولى بـلا ذم وغـادر بـعـده
شيباً أقام مكانه في المـنـزل
ليت الشباب ثوى لدينا حـقـبة
قبل المشيب وليته لم يعـجـل
فنصيب من لذاته ونـعـيمـه
كالعهد إذ هو في الزمان الأول
قامر أبو لهب مع العاص بن هشام في عشرة من الإبل فقمره ثم في عشرة فغلبه ثم في عشرة فغلبه اخرى ثم في عشرة فقمره إلى أن خلعه فلم يبق له شيء من ماله فقال العاص لابي لهب :
- إني أرى القداح قد حالفتك ياابن المطلب فهلم أقامرك فأينا قمر كان عبداً لصاحبه .
- قال ابو لهب : افعل .
ففعل فقمره أبو لهب فكره أن يسترقه فتغضب بنو مخزوم فمشى إليهم .
وقال: افتدوه مني بعشر من الإبل
فقالوا: لا والله ولا بوبرة
فاسترقه فكان يرعى له الإبل إلى أن خرج المشركون إلى بدر.
وفي رواية اخرى: فاسترقه وأجلسه قيناً يعمل الحديد. فلما خرج المشركون إلى بدر لم يخرج ابو لهب انما أخرج العاص بديلاً عنه على أنه إن عاد إليه أعتقه . فقتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المعركة.
الحارث بن خالد احد شعراء قريش المعدودين
وقال محمد بن الضحاك الحزامي :
كانت العرب تفضل قريشاً في كل شيء إلا الشعر فلما نجم في قريش عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزومي والعرجي وأبو دهبل وعبيد الله بن قيس الرقيات أقرت لها العرب بالشعر أيضاً.
اصبح الحارث واليا على مكة المكرمة ليزيد بن معاوية فلما ظهرت فيها دعوة عبد الله بن الزبير واعلن ثورته فيها استتر الحارث خوفاً . ثم رحل إلى دمشق وافداً على الخليفة عبد الملك بن مروان فولاه عبد الملك مكة المكرمة . وكان ذا قدر وخطر ومنظر ووجاهة في قريش .
وفي رواية اخرى لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة عام المجاعة حج عبد الملك في سنة خمس وسبعين هجرية فلما قفل راجعا الى الشام رحل معه الحارث إلى دمشق فظهرت له منه جفوة وأقام ببابه شهراً لايصل اليه فلما انصرف عنه قال فيه:
صحبتك إذ عيني عليها غـشـاوة
فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
ومابي وإن أقصيتني من ضراعة
ولاافتقرت نفسي إلى من يضيمها
عطفت عليك النفس حتى كأنما
بكفيك بؤسي أو عليك نعيمها
وبلغ عبد الملك خبره وأنشاده الشعر فأرسل إليه من اعاده اليه فلما دخل عليه قال له:
- أخبرني عنك: هل رأيت عليك في المقام ببابي غضاضة أو في قصدي دناءة ؟
- قال: لا والله ياأمير المؤمنين .
- قال: فما حملك على ماقلت وفعلت؟
- قال: جفوة ظهرت لي كنت حقيقاً بغير هذا . قال: فاختر فإن شئت أعطيتك ألف درهم أو قضيت دينك أو وليتك مكة سنة .
فاختار الولاية فولاه اياها .
ولما ولى الحارث بن خالد المخزومي مكة المكرمة بعث إلى الغريض المغني فقال له:
- لا أرينك في عملي .
وكان قبل ذلك يطلبه ويستدعيه فلا يجيبه فخرج الغريض إلى الطائف وبلغ ذلك الحارث فرق لحاله فاعاده وقال له:
- لم كنت تبغضنا وتهجر شعرنا ولا تقربنا؟
- قال له الغريض: كانت هفوة من هفوات النفس وخطرة من خطرات الشيطان ومثلك وهب الذنب وصفح عن الجرم وأقال العثرة وغفر الذلة ولست بعائد إلى ذلك أبداً.
- قال: وهل غنيت في شيء من شعري؟
- قال: نعم قد غنيت في ثلاثة أصوات من شعرك قال: هات ما غنيت فغناه :
بان الخليط فما عاجوا ولاعدلوا
إذ دعوك وحنت بالنوى الإبل
كأن فيهم غداة البين إذ رحاوا
أدماء طاع لها الحوذان والنفل
وغناه في قوله:
ياليت شعري وكم من منية قدرت
وفقاً وأخرى أتى من دونها القدر
ومضمر الكشح يطويه الضجيع له
طي الحمالة لاجـافٍ ولافـقـر
له شبيهان لانقص يعـيبـهـمـا
بحيث كانا ولاطول ولاقـصـر
فقال له الحارث: أحسنت والله ياغريض إيه وماذا أيضاً؟ فغناه قوله:
عفت الديار فما بها أهل
حزانها ودماثها السهـل
إني ومانحروا غداة منى
عند الجمار تؤدها العقل
فقال له الحارث:
- ياغريض لا لوم في حبك ولاعذر في هجرك ولالذة لمن يروح قلبه بك ياغريض لو لم يكن لي في ولايتي مكة حظ إلا أنت لكان حظاً كافياً وافياً ياغريض إنما الدنيا زينة فأزين الزينة ما فرح النفس ولقد قهم قدر الدنيا على حقيقته من فهم قدر الغناء.
ومن اخبار الحارث بن خالد عندما كان والياً على مكة وكان أبان بن عثمان ربما جاءه كتاب الخليفة أن يصلي بالناس ويقيم لهم حجهم فتأخر عنه في سنة الحرب كتابه ولم يأت الحارث كتاب فلما حضر الموسم شخص أبان من المدينة فصلى للناس وعاونته بنوأمية ومواليهم فغلب الحارث على الصلاة فقال:
فإن تنج منها يا أبان مسلمـاً
فقد أفلت الحجاج خيل شبيب
فبلغ ذلك الحجاج فقال:
- مالي وللحارث! أيغلبه أبن بن عثمان على الصلاة ويهتف بي أنا! ماذكره أياي!
- فقال له عبيد بن موهب: أتأذن أيها الأمير في إجابته وهجائه؟
- قال: نعم
- فقال عبيد الحارث الا انه لم يرد عليه :
ابا وابصٍ ركب علاتك والتمس
مكاسبها إن اللـئيم كـسـوب
ولاتذكر الحجاج إلا بصـالـح
فقد عشن من معروفه بذنوب
ولست بوال ما حييت إمـارة
لمستخلف إلا علـيك رقـيب
الحارث بن خالد المخزومي نحى منحى عمر بن ابي ربيعة المخزومي في شعره وتشبيبه لذا كثرت اسماء من احبهن وعشقهن شبب بهن واذكر بعضا منهن :
فلما اصبح الحارث واليا على مكة المكرمة وحج بالناس قدمت عائشة بنت طلحة للحج عامئذ وكان قد عشقها واحبها وانشد شعره كثيرا فيها . أرسل إليها الحارث بن خالد وهو أمير على مكة:
- إني أريد السلام عليك فإذا خف عليك أذنت . وكان الرسول (الغريض) المغني المعروف .
فقالت له: إنا حرم فإذا أحللنا أذناك .
وأرسلت إليه قائلة:
- أخّر الصلاة حتى أفرغ من طوافي .
فأمر المؤذنين فأخروا الصلاة في المسجد الحرام حتى فرغت من طوافها ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس وأنكر أهل الموسم ذلك ومن فعله وأعظموه فلما سمع الخليفة عبد الملك عزله وكتب إليه يؤنبه فيما فعل .
فقال: ماأهون والله -غضبه إذا رضيت! والله لو لم تفرغ من طوافها إلى الليل لأخرت الصلاة إلى الليل.
فلما قضت حجها أرسل إليها: ياابنة عمي ألمي بنا أوعدينا مجلساً نتحدث فيه
فقالت: في غد أفعل ذلك.
ثم رحلت من ليلتها فقال الحارث فيها:
ماضركم لو قلتم سـداداً
إن المطايا عاجل غدها
ولها علينا نعمة سلفـت
لسنا على الأيام نجحدها
لو تممت أسباب نعمتها
تمت بذلك عندنا يدهـا
وقال ايضا :
ومابي وإن أقصيتني من ضراعة
ولا افتقرت نفسي إلى من يهينها
بلى بأبي إني إلـيك لـضـارع
فقير ونفسي ذاك منها يزينـهـا
فلما أحلت سرت على بغلاتها ولحقها الغريض ب(عسفان) أو قريب منه ومعه كتاب الحارث إليها وفيه الابيات : ( ماضركم لو قلتم سداداً) - فلما قرأت الكتاب وشعره قالت:
ما يدع الحارث باطله؟
وقيل انه كان الغريض( المغني )
فقالت للغريض: هل أحدثت شيئاً؟
قال: نعم فاسمعي
ثم اندفع يغني في شعر الحارث اليها .
فقالت عائشة: والله ماقلنا إلا سداداً ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه .
وأتى على الشعر كله فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب، وقالت: - زدني فغناها في قول الحارث بن خالد أيضاً:
زعموا بأن البين بعد غـد
فالقلب مما أحدثوا يجف
والعين منذ أجد بـينـهـم
مثل الجمان دموعها تكف
ومقالها ودموعها سـجـم
أقلل حنينك حين تنصرف
تشكو ونشكو ماأشئت بنـا
كل بوشك البين معترف
فقالت له عائشة: ياغريض بحقي عليك أهو أمرك أن تغنيني في هذا الشعر؟
فقال: لا وحياتك ياسيدتي!
فأمرت له بخمسة آلاف درهم ثم قالت له:
- غنني في شعر غيره .
فغناها الغريض بشعر ابن أبي ربيعة:
أجمعت خلتي مع الفجر بينا
جلل الله ذلك الوجه زينـا
أجمعت بينها ولم نك منهـا
لذة العيش والشباب قضينا
فتولت حملها واستقـلـت
لم تنل ظائلاً ولم نقض دينا
ولقد قلت يوم مـكة لـمـا
أرسلت تقرأ السلام علينـا
أنعم الله بالرسول الـذي أر
سل والمرسل الرسالة عينا
ولما تزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة ورحل بها إلى العراق قال الحارث بن خالد في ذلك:
ظعن الأمير بأحسن الـخـلـق
وغدا بلبك مطـلـع الـشـرق
في البيت ذي الحسب الرفيع ومن
أهل التقى والبـر والـصـدق
فظللت كالمقهور مـهـجـتـه
هذا الجنون وليس بالـعـشـق
أترجة عبـق الـعـبـير بـهـا
عبق الدهان بجـانـب الـحـق
ماصبحـت أحـداً بـرؤيتـهـا
إلا إذا بكـواكـب الـطـلـق
كان الحارث شاعرا متمكنا عالما باسرار اللغة وبيانها وبلاغتها يمتاز شعره بسلاسة الكلمة ورقتها وباسلوبه السهل وانتقائه الجميل لكني اراه لا يرتقي لشعر عمر بن ابي ربيعة المخزومي وان قاربه .
فعن الاصمعي انه قال: كان أبو عمرو بن العلاء إذا لم يحج استبضعني الحروف لأسأل عنها الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة وفيأتيه بجوابها.
قال: فقدمت عليه سنة من السنين وقد ولاه عبد الملك بن مروان مكة فلما رآني:
- قال: هات ما معك من بضائع أبي عمرو فجعلت أعجب من اهتمامه بذلك وهو أمير.
وقيل تفاخر مولى لعمر بن أبي ربيعة ومولى للحارث بن خالد بشعريهما فقال مولى الحارث لمولى عمر: دعني منك فإن مولاك والله لا يعرف المنازل إذا قلبت ويعني قول الحارث:
فاني ومانحروا غداة منـى
عند الجمار تؤودها العقل
لو بدلت أعلى مساكنـهـا
سفلاً وأصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها الخبير بهـا
فيرده الإقواء والمـحـل
لعرفت مغناها بما احتملت
مني الضلوع لأهلها قبل
فقال مولى ابن أبي ربيعة لمولى الحارث:
- والله مايحسن مولاك في شعر إلا نسب إلى مولاي
و قال ابن سلام: وأنشد الحارث بن خالد الى عبد الله بن عمر هذه الأبيات كلها حتى انتهى إلى قوله:
لعرفت معناها بما احتملت
مني الضلوع لأهلها قبل
فقال له ابن عمر: قل: إن شاء الله
قال: إذا يفسد بها الشعر ياعم ..
فقال له: ياابن أخي إنه لاخير في شيء يفسده (إن شاء الله).
وقيل : كان كثيّر الشاعر جالساً في فتيةٍ من قريش إذ مر بهم سعيد الراس وكان مغنياً .
فقالوا لكثيّر: يا أبا صخر هل لك أن نسمعك غناء هذا فإنه مجيد؟
قال: افعلوا فدعوا به فسألوه أن يغنيهم فقال :
هلا سألت معـالـم الأطـلال
الجزع من حرضٍ وهن بوالي
سقياً لعزة خلتي سقـياً لـهـا
اذ نحن بالهضبات من أمـلال
إذ لا تكلمنا وكـأن كـلامـهـا
نفلاً نؤملـه مـن الأنـفـال
فغناه فطرب كثيّر ً وارتاح وطرب القوم جميعاً واستحسنوا قول كثيّر وقالوا له:
- يا أبا صخر ما يستطيع أحد أن يقول مثل هذا .
- فقال: بلى الحارث بن خالد حيث يقول:
إني ومانحروا غداة منـى
عند الجمار تؤؤدها العقل
بدلت أعلى مساكنـهـا
سفلاً وأصبح سفلها يعلو
لعرفت معناها بما احتملت
مني الضلوع لأهلها قبل
وقيل دخل أشعب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يطوف الحلق فقيل له:
- ماتريد؟
- فقال: أستفتي في مسالة .
فبينما هو كذلك إذ مر برجل من ولد الزبير وهو مسند إلى سارية وبين يديه رجل علوي فخرج أشعب مبادراً فقال له الذي سأله عن دخوله وتطوافه:
- أوجدت من أفتاك في مسألتك؟
- قال: لا ولكني علمت ماهو خير منها
- قال: وماذاك؟
- قال: وجدت المدينة قد صارت كما قال الحارث بن خالد:
قد بدلت أعلى مساكنهـا
سفلاً وأصبح سفلها يعلو
وأتى على الشعر كله فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب وقالت: - زدني
فغناها في شعرالحارث بن خالد أيضاً:
زعموا بأن البين بعد غـد
فالقلب مما أحدثوا يجف
والعين منذ أجد بـينـهـم
مثل الجمان دموعها تكف
ومقالها ودموعها سـجـم
أقلل حنينك حين تنصرف
تشكو ونشكو ماأشئت بنـا
كل بوشك البين معترف
فقالت له عائشة: ياغريض بحقي عليك أهو أمرك أن تغنيني في هذا الشعر؟
فقال: لا وحياتك ياسيدتي!
فأمرت له بخمسة آلاف درهم ثم قالت له:
- غنني في شعر غيره
فغناها الغريض بشعر ابن أبي ربيعة:
أجمعت خلتي مع الفجر بينا
جلل الله ذلك الوجه زينـا
أجمعت بينها ولم نك منهـا
لذة العيش والشباب قضينا
فتولت حملها واستقـلـت
لم تنل ظائلاً ولم نقض دينا
ولقد قلت يوم مـكة لـمـا
أرسلت تقرأ السلام علينـا
أنعم الله بالرسول الـذي أر
سل والمرسل الرسالة عينا
وأمرت له عائشة بخمسة آلاف درهم أخرى
ثم انصرف الغريض من عندها فلقي عاتكة بنت يزيد بن معاوية امرأة عبد الملك بن مروان وكانت قد حجت في تلك السنة فقال لها جواريها:
- هذا الغريض
- فقال لهن: علي به
فجيء به إليها.
- قال الغريض: فلما دخلت سلمت فردت علي وسألتني عن الخبر فقصصته عليها فقالت:
- غنني بما غنيتها به .
ففعلت فلم أرها تهش لذلك فغنيتها معرضاً لها ومذكراً بنفسي في شعر( مرة بن محكان السعدي) يخاطب امرأته وقد نزل به أضياف:
أقول والضيف مخشي ذمامـتـه
على الكريم وحق الضيف قد وجبا
ياربة البيت قومي غير صاغـرةٍ
شمي إليك رحال القوم والقربـا
في ليلة من جمـادى ذات أنـدية
لايبصر الكلب من ظلمائها الطنبا
لاينبح الكلب فيها غـير واحـدةٍ
حتى يلف على خيشومه الذنبـا
فقالت وهي مبتسمة: وقد وجب حقك ياغريض فغنني .. فغنيتها:
يادهر قد أكثرت فجـعـتـنـا
بسراتنا ووقرت في العـظـم
وسلبتنا مـالـيت مـخـلـفـه
يادهر ما أنصقت في الحـكـم
لو كان لي قـرن أنـاضـلـه
ماطاش عند حفيظة سهـمـي
لو كان يعطي النصف قلت لـه
أحرزت سمهك فاله عن سهمي
فقالت: نعطيك النصف ولانضيع سهمك عندنا ونجزل لك قسمك وأمرت لي بخمسة آلاف درهم وثياب عدنية وغير لذك من الألطاف وأتيت الحارث بن خالد فأخبرته الخبر وقصصت عليه القصة فأمر لي بمثل ما أمرتا لي به جميعاً فأتيت ابن أبي ربيعة وأعلمته بما جرى فأمر لي بمثل ذلك فما انصرف واحد من ذلك الموسم بمثل ماانصرفت به: بنظرة من عائشة ونظرة من عاتكة وهما أجمل نساء العالم وبما أمرتا لي به وبالمنزلة عند الحارث وهو أمير مكة وهند عمربن أبي ربيعة وما أجازاني به جميعاً من المال.
ولما قدمت عائشة بنت طلحة مكة المكرمة للاعتمار
أنشأ يقول:
يادار أفقر رسـمـهـا
بين المحصب والحجون
أفـوت وغـير آيهــا
مر الحوادث والسنـين
واستبدلوا ظلف الحجـاز
ببسرة البلـد الأمـين
يابسر إني فاعـلـمـي
بالله مجتهـدا ً يمـينـي
ما إن صرمت حبـال
فصلي حبالي أو ذريني
ومن اخباره انه شبب بأم عبد الملك بنت عبد الله بن خالد بن أسيد حيث كانت زوجة عبد الله بن مطيع فولدت منه عمران ومحمدا فتزوحها بعده الحارث بن خالد فولدت منه فاطمة بنت الحارث فقال فيها :
بان الخليط الذي كـنـا بـه نـثـق
بانوا وقلبك مجنون بـهـم عـلـق
تنيل نزراً قليلاً وهـس مـشـفـقة
كما يخاف مسيس الحـية الـفـرق
ياأم عمران مازالت ومـابـرحـت
بي الصبابة حتى شفني الـشـفـق
لاأعتق الله رقي من صبـابـتـكـم
ماضرني أنني صبـبـكـم قـلـق
ضحكت عن مرهف الأنياب ذي أشر
لأقـضـم فـي ثـنـاياه ولاروق
يتوق قلبي إلـيكـم كـي يلاقـيكـم
كما يتوق إلى منجـاتـه الـغـرق
ومن اخباره بينما كانت تطوف ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود وأمها ميمونة بنت أبي سفيان ابن حرب بالكعبة فرآها الحارث بن خالد فقال فيها:
أطافت بنا شمس النهار ومن رأى
من الناس شمساً بالعشاء تطوف
أبو أمها أوفـى قـريش بـذمة
وأعمامها إما سألـت ثـقـيف
وفيها يقول ايضا :
أمن طللٍ بالجزع من مكة السدر
عفا بين أكناف المشقر فالحضر
ظللت وظل القوم من غير حاجة
لدن غدوة حتى دنت حزة العصر
يبكون ليلى من ليى عهوداً قديمة
وماذا يبكي القوم من منزل قفر
وقال فيها ايضا :
لقد أرسلت في السر ليلى تلـومـنـي
وتزعمني ذا مـلة طـرفـاً جـلـدا
وقد أخلفتـنـا كـل مـاوعـدت بـه
ووالله ماأخلـفـتـهـا عـاداً وعـدا
فقلت مجيباً لـلـرسـول الـذي أتـى
تراه، لك الويلات، من قولهـا جـدا؟
اذا جئتها فأقر الـسـلام وقـل لـهـا
دعي الجوز ليلى واسلكي منهجاً قصدا
أفي مكثنا عنكم لـيال مـرضـتـهـا
تزيدينني ليلى على مرضي جـهـدا
تعدين ذنـبـاً واحـداً مـاجـنـيتـه
علي وماأحصـي ذنـوبـكـم عـدا
فإن شئت غرنا بعدكـم ثـم لـم نـزل
بمكة حتى تجلسـي قـابـلاً نـجـدا
وقيل شبب بامراة اتت للحج رآها ترمي الجمرات وكانت أحسن الناس وجهاً و في خدها خال ظاهر وأرسل إليها يسألها أن تأذن له في الحديث فأذنت له ولما انقضت أيام الحج وهمت بالرجوع إلى بلدها فقال فيها:
ألا قل لذات الخال ياصاح في الخـد
تدوم إذا بانت على أحسن العـهـد
ومنها علامات بمجرى وشـاحـهـا
وأخرى تزين الجيد من موضع العقد
وترعى من الود الذي كان بـينـنـا
فما يستوي راعي الأمانة والمبـدي
وقل قد وعدت اليوم وعداً فأنجـزي
ولاتخلفي لاخير من مخلف الوعـد
وجودي على اليوم مـنـك بـنـائل
ولاتبخلي قدمت قبلك في اللـحـد
فمن ذا الذي يبدي السرور إذا دنـت
بك الدار أو يعنى بنأيكـم بـعـدي
دنـوكـم مـنـا رخـاء تـنـالـه
ونأيكم والبعد جهد عـلـى جـهـد
كثير إذ تدنو اغتباطي بـك الـنـوى
ووجدي إذا مابنتم ليس كـالـوجـد
أقول ودمعي فوق خدي مخـضـل
له وشل قد بل تـهـتـانـه خـدي
لقد منـح الـلـه الـبـخـيلة ودنـا
ومامنحت ودي بدعوى ولاقـصـد
واكتفي بهذا القدر من ذكر من شبب بهن وهن كثر
واذكر احدى قصائده وفيها يقول:
رَحَلَ الشَّـبَابُ وَلَيتَهُ لَم يَرحَـلِ
وَغَدا لِطيَّـةِ ذاهِـبٍ مُتَحَمِّـلِ
وَغَـدا بِـلاذمٍ وَغـادَرَ بَعـدَهُ
شَيبـاً أَقـامَ مَكانَـهُ بِالمَنـزِلِ
لَيتَ الشَّبَابَ ثَوى لَدَينا حِقبَـةً
قَبلَ المَشيبِ وَلَيتَهُ لَـم يَعجِـل
فَنُصِيـب مِن لَذَّاتِـهِ وَنَعيمِـهِ
كَالعَهدِ إِذ هوَ فِي الزَّمـانِ الأوَّلِ
نُرعي الصِّـبَا أَوطانَـهُ وَنُريحَـهُ
فِي السَّهلِ فِي دَمِثٍ أَنِيقٍ مُقبِـلِ
كَزَمانِنا وَزَمانِـهِ فِيمَـا مَضَـى
إِذ نَحنُ فِي ظِلِّ الشَّبَابِ المُخضِـلِ
وَلَئن مَضَى حَدُّ الشَّبَابِ وَجَـدُّهُ
وَبَدَت رَوايعُ مُستَبيـنٍ أَشكَـلِ
ما إِن كَسَبتُ بِـهِ لِحـيّ سُبَّـةً
وَلألفَيـنَّ بِـهِ كَريـمَ المَأكَـلِ
وَلَقَد أَرَى فِـي ظِلِّـهِ ونَعيمِـهِ
نَزِهاً عَن الفَحشاءِ صَافِـي المَنهَـلِ
عَفَّ الضَريبَةِ قَد كَرِهـتُ فِراقَـهُ
إِذ بَعضُ تابِعِـهِ لَئِيـمُ المَدخَـلِ
وَلَنِعـمَ تَذكِـرَةُ الحَليـمِ وَثَوبُـهُ
ثَوبُ المَشِيـبِ وَواعِظـاً لِلجُهَّـلِ
وَلَقَد يَكونُ مَع الشَّـبَابِ إِذا غَـدا
غُمـراً يَكـونُ خِلافَـهُ مُتَمَهِّـلِ
فِيهِ لِباغِي اللَّهوِ إِن طَلَـبَ الصَّبَـى
بَعـدَ المَشِيـبِ ونُهـزَةُ المُتَعـلِّلِ
بَكَرَت تَلوُمُ فَقُلـتُ غَيـرَ مُباعِـدٍ
فِعلَ المُمازِحِ ضاحِكـاً لا تَعجَلـي
أَهـلُ التَـذَلُّلِ والمَـوَدَّةِ عِنـدَنـا
يَا بِشرُ أَنـتِ وَرَبِّ كُـلِّ مُهَـلِّلِ
لَـو كَـانَ وُدُّكِ نـازِراً فَنَـزورُهُ
كانَ اليَقينُ بُعَيـدَ شَـكٍ مُشكِـلِ
إِنَّ الَّذِي قَسَـمَ المَـوَدَّةَ فاِعلَمِـي
حَقّاً عَليـكِ بوُدِّنـا لَـم يَبخَـلِ
فاجزِي شَجيّاً قَد سَلَبـتِ فُـؤادَهُ
واعصِي الوُشَاةَ بِهِ وَقَـولَ العُـذَّلِ
رَاعٍ لِسرِّكِ لَيـسَ يَذكُـرُ غَيـرَهُ
كَيمَا يَرينَكِ حَيثُ كُنـتِ بِمَعـزِلِ
مَا إِن وَشَى بِكِ عِندَنا مِن كاشِـحٍ
إِلاَّ يُـرَدُّ بِغَيـظِـهِ لَـم يُقـبَـلِ
حَتَّى لَقَد عَلِمَ الوُشـاةُ فَأَقصَـروا
وَرَأَوا لَدَيَّ حَديثَهُم فِـي الأَسفَـلِ
وَلَقَد نَزَلـتِ فَأَجْمِلـي بِمَحَلَّـةٍ
يَا بِشرُ قَبلَكِ عِندَنـا لَـم تُحـلَلِ
أَحَمَيتِ قَاصِيَـةَ الفُـؤَادِ فَصَغـوُهُ
شَـرَعٌ إِلَيـكِ بِـوابِـلٍ مُتَهَـلِّلِ
ما كانَ لَو وَزَنـا وَشـاءَ مَليكُنـا
مِن حُبِّ بِشرَةَ لَو يُقـاسُ بِأَفضَـلِ
********************************