الشاعر القيسراني
بقلم- فالح الحجية
هو أبو عبد الله شرف المعالي عدة الدين محمد بن نصر بن صغير بن داغر بن محمد بن خالد بن نصر بن داغر بن عبد الرحمن
بن المهاجر بن خالد بن الوليد الخالدي المخزومي القيساري
وكني بالخالدي بفتح الخاء المعجمة وبعد الألف لام ثم دال مهملة نسبة إلى خالد بن الوليد المخزومي رضي الله عنه كما يدعي أهل بيته، مع العلم ان اغلب المؤرخين وعلماء الأنساب يؤكدون إن خالدا رضي الله عنه لم يتصل نسبه بل انقطع منذ زمان .
والقيسراني: بفتح القاف وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح السين المهملة والراء وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى (قيسارية) ، وهي بليدة صغيرة بالشام على ساحل البحر
ولد بمدينة ( عكا ) او في قيسارية من فلسطين سنة \478هـجرية – 1585 ميلادية ويدعي أنه من نسل خالد بن الوليد . وقيل ان اصل ابيه من مدينة حلب . الا انه تركها وسكن (عكا)
خرج أبوه من( عكا ) بأسرته فراراً من الصليبيين واستوطن (قيساريه) الشاعر وفيها نشأ .
ثم انتقل الى دمشق و تتلمذ على يد توفيق بن محمد و والشاعر أبي عبد الله ابن الخياط وفيها اكتمل ومن محاسن شعره قوله :
كم ليلة بت من كاسي وريقته
نشوان أمزج سلسالا بسلسال
وبات لا تحتمي عني مراشفه
كأنما ثغره ثغر بلا والـي
تولى إدارة الساعات في الجامع الأموي بدمشق واتصلب امرائها ومدحهم وسمع منه أبو القاسم ابن عساكر وأبو سعد ابن السمعاني.
ثم انتقل الى حلب وتولى خزانة الكتب فيها وقد مدح احد خطبائها الخطيب ابن هاشم لما تولى خطابة حلب فيقول:
شرح المنبر صدرا لتلقـيك رحـيبـا
أترى ضم خطيبـا منك أم ضمخ طيبا
وقد صحب الامير عماد الدين سنة\ 534هـجرية ومدحه عندما استرد (المهرة ) و (كفر طاب ) من ايدي الصليبيين فقال:
حذار منا وأنى ينفع الحذر
هي الصوارم لا تبقى وتذر
وأين ينجو ملوك الشرك من ملك
من خيله النصر لا بل جنده القدر
سلوا سيوفاً كأغماد السيوف بها
صالوا فأغمدوا نصلاً ولا شهروا
حتى إذا ما عماد الدين أرهقهم
في مأزق من سناه يبرق البصر
وفي المسافة من دون النجاة لهم
طول وإن كان في أقطارها قصر
وأصبح الدين لا عيناً ولا أثراً
يخاف والكفر لا عين ولا أثر
فلا تخف بعد الإِفرنج قاطبة
فالقوم إن نفروا ألوى بهم نفر
ولما قتل عماد الدين في عام \541هـجرية عاد إلى دمشق لكنه لم يلبث طويلاً حتى التحق بالامير نور الدين زنكي وصحبه في حروبه وأسفاره، وكانت بينه وبين الشاعر أحمد بن منير الطرابلسي منافسة على المكانة لدى نور الدين زنكي ايهم يكون اقرب اليه وقد هجا احدهما الاخر وقد هجا ابن منير القيسراي فرد عليه يقول:
ابن منير هجوت منـي
يبرا أفاد الورى صوابه
ولم تضيق بذاك صدري
فإن لي أسوة الصحـابة
ثم عاد في عام \ 548هـجرية - إلى دمشق الا انه مرض بالحمى فيها ومات بعد عشرة أيام من مرضه.
توفي القيساري بدمشق ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من شعبان سنة\ 548 هجرية – 1153 ميلادية ودفن بمقبرة باب الفراديس .
كان القيساري فاضلا في الأدب وعلم الهيئة يتميز شعره بالقوة والمتانة والجزالة في قصيده في المدح ووصف الحروب الصليبية بينما يتميز شعره في الغزل والوصف نغلب عليه العاطفة الجياشة والرقة يفيض شعوراً وإحساساً، ويتحلى بقشيب الفن ومتعة الذوق وشعره على العموم فيه سهولة النطق وسلامة الترتيب وصدق العاطفة وواقعية المضمون.
ومن غزله يقول :
بالسفح من لبـنـان لـي قمر منازله القـلـوب
حملت تحيته الـشـمـا ل فردها عني الجنـوب
فرد الصفات غريبـهـا والحسن في الدنيا غريب
لم أنس لـيلة قـال لـي ما رأى جسـدي يذوب
بالله قل لي مـن أعـل ك يافتى؟ قلت: الطبيب
وله أيضا فيه :
هذا الذي سلب العشاق نومهـم
أما ترى عينيه ملأى من الوسن
وقيل سمع مغنيا يغني بصوت شجي اعجبه فقال فيه :
والله لو أنصفت العشاق انفسهـم
فدوك منها بما عزوا وما صانوا
انت حين تغني في مجالسهـم
إلا نسيم الصبا والقوم أغصـان
واختم بحثي هذا بقصيدة له في مدح الامير
نور الدين زنكي :
هذي العزائم لا ما تدعي القضب
وذي المكارم لا ما قالت الكتب
وهذه الهمم اللاتي متى خطبت
تعثرت خلفها الأشعار والخطب
صافحت يا ابن عماد الدين ذورتها
براحة للمساعي دونها تعب
ما زال جدك يبني كل شاهقة
حتى ابتنى قبة أوتادها الشهب
لله عزمك ما أمضى وهمك ما
افضى اتساعا بما ضاقت به الحقب
يا ساهد الطرف والأجفان هاجعة
وثابت القلب والأحشاء تضطرب
أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة
فؤاد رومية الكبرى لها يجب
ضربت كبشهم منها بقاصمة
أودى بها الصلب وانحطت بها الصلب
قل للطغاة وإن صمت مسامعها
قولاً لصم القنا في ذكره أرب
ما يوم إنب والأيام دائلة
من يوم يغرا بعيد لا ولا كثب
أغركم خدعة الآمال ظنكم
كم أسلم الجهل ظنا غره الكذب
غضبت للدين حتى لم يفتك رضى
وكان دين الهدى مرضاته الغضب
طهرت أرض الأعادي من دمائهم
طهارة كل سيف عندها جنب
حتى استطار شرار الزند قادحة
فالحرب تضرم والآجال تحتطب
والخيل من تحت قتلاها تخر لها
قوائم خانهن الركض والخبب
والنقع فوق صقال البيض منعقد
كما استقل دخان تحته لهب
والسيف هام على هام بمعركة
لا البيض ذو ذمة فيها ولا اليلب
والنبل كالوبل هطال وليس له
سوى القسي وأيد فوقها سحب
وللظبى ظفر حلو مذاقته كأنما
الضرب فيما بينهم ضرب
وللأسنة عما في صدورهم
مصادرأقلوب تلك أم قلب
خانوا فخانت رماح الطعن أيديهم
فاستسلموا وهي لا نبع ولا غرب
كذاك من لم يوق الله مهجته
لاقى العدى والقنا في كفه قصب
كانت سيوفهم أوحى حتوفهم
يا رب حائنة منجاتها العطب
حتى الطوارق كانت من طوارقهم
ثارت عليهم بها من تحتها النوب
أجسادهم في ثياب من دمائهم
مسلوبة وكأن القوم ما سلبوا
أنباء ملحمة لو أنها ذكرت
فيما مضى نسيت أيامها العرب
من كان يغزو بلاد الشرك مكتسبا
من الملوك فنور الدين محتسب
ذو غرة ما سمت والليل معتكر
إلا تمزق عن شمس الضحى الحجب
أفعاله كاسمه في كل حادثة
ووجهه نائب عن وصفه اللقب
في كل يوم لفكري من وقائعه
شغل فكل مديحي فيه مقتضب
من باتت الأسد أسرى في سلاسله
هل يأسر الغلب إلا من له الغلب
فملكوا سلب الإبرنز قاتله
وهل له غير أنطاكية سلب
من للشقي بما لاقت فوارسه
وإن بسائرها من تحته قتب
عجبت للصعدة السمراء مثمرة
برأسه إن إثمار القنا عجب
سما عليها سمو الماء أرهقه
أنبوبه في صعود أصلها صبب
ما فارقت عذبات التاج مفرقة
إلا وهامته تاج ولا عذب
إذا القناة ابتغت في رأسه نفقا
بدأ لثعلبها من نحره سرب
عمت فتوحك بالعدى معاقلها
كأن تسليم هذا عند ذا جرب
لم يبق منهم سوى بيض بلا رمق
كما التوى بعد رأس الحية الذنب
فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لجب
يوليك أقصى المنى فالقدس مرتقب
وائذن لموجك في تطهير ساحله
فإنما أنت بحر لجة لجب
يا من أعاد ثغور الشام ضاحكة
من الظبى عن ثغور زانها الشنب
ما زلت تلحق عاصيها بطائعها
حتى أقمت وأنطاكية حلب
حللت من عقلها أيدي معاقلها
فاستحلفت وإلى ميثاقك الهرب
أجريت من ثغر الأعناق أنفسها
جرى الجفون امتراها بارح حصب
وما ركزت القنا إلا ومنك على
جسر الحديد هزبر غيله أشب
فاسعد بما نلته من كل صالحة
يأوي إلى جنة المأوى لها حسب
إلا تكن أحد الأبدال في فلك التقوى
فلا نتمارى أنك القطب
فلو تناسب أفلاك السماء بها
لكان بينكما من عفة نسب
هذا وهل كان الإسلام مكرمة
إلا شهدت وعباد الهوى غيب
امير البيـــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
***********************