ابن حيوس
هو الامير ابو الفتيان مصطفى الدولة محمد بن سلطان بن محمد
بن حيوس الغنوي من قبيلة غني بن أعصر من قيس عيلان .
ولد ابن حيوس يوم السبت اخر صفر سنة تسع واربعين وثلثمائة بدمشق – سنة\ 9 34 هجرية - 1003 ميلادية وفي رواية اخرى ولد سنة 350 هجرية – 1004 ميلادية ونشأ فيها وكان ابوه يتسب الى قبيلة( غني بن اقصر) التي كانت تسكن نجد قبل الاسلام ونزح بعضها الى العراق والشام وكان يلقب بالإمير وكان أبوه مينة ( دمسق ) من أمراء العرب في بلاد المغرب وكان جده ( حيوس ) من وجهاء وقد تقرب بن حيوس الشاعر إلى الولاة واصحاب النفوذ والسلطان بشعره ومدحهم وله أكثر من أربعين قصيدة في مدح (أنوشتكين) الوزير الفاطمي ومما قاله في مدح الأمير جلال الدولة أبو المظفر قصيدة مطلعها:
كفى الدين عزاما قضاء الدهر
فمن كان ذا نذر فقد وجب النذر
و قد قال فيه أيضا:
ثمانية لم تفترق مذ جمعتها
فلا افترقت ما ذب عن ناطر شفر
يقينيك والتقوى وجودك والغنى
ولفظك والمعنى وعزمك والنصر
فقد عاش في عصر مضطرب تعصف به الفِتن والثورات، كانت فيه بلاد الشام تابعة للدولة الفاطمية، تعارضها بين وقت وآخر حركات محلية، تقودها عصبيات عربية تنزع إلى الاستقلال عنها، حتى خرجت عن سيطرة الدولة الفاطمية، فكان ابن حيّوس ينتقل بين حاضرة وأخرى، فأقام في القاهرة وطرابلس الشام قبل أن يستقر أخيراً في حلب، واتصل في حياته بقادة الدولة الفاطمية وأمراء بلاد الشام، فنال القبول عندهم لشرفه وعلمه وجودة مدحه، وقدّموه على شعراء عصره الذين حسدوه على مكانته عند أهل الدولة وكثرة عطائهم له، وظهر في شعره أنه كان يناصر الدولة الفاطمية، وينافح عن عقيدتها عندما كان على صلة بخلفائها وقادتها، حتى إذا استقر في حلب انقطع إلى أصحابها بني مِرْداس فمدحهم وعاش في ظلهم إلى أن توفي.
وكذلك مدح أبا الفضائل سابق بن محمود وهو أخو الأمير نصر بقصيدة لامية تعتبر من محاسن شعره يقول فيها :
طالما قلت للمسائل عنكم
واعتمادي هداية الضلال
إن ترد على حالهم عن يقين
فألقهم في مكارم أو نزال
تلق بيض الأعراض سود
مثار النقع خضر الأكناف حمر النصال
وبعد انحسارعهد الدولة الفاطمية عن الشام وأفول نجمها ضاعت أمواله وضعفت حاله فساءت الحال في دمشق وكتب في ذلك قصائدا منها قصيدته التي يصف فيها دمشق و يقول فيها:
لقد دفعنا الى حالين لست ارى
مابين ذاك وهذا حظ مختار
اما المقام على خوف ومسغبة
او الرحيل عن الاوطان والدار
والموت ايسر من هذا وذاك وما
كرب الممات ولا في الموت من عار
من جاور الاسد لم يأ من بوائقها
وليس للأسد ابقاء على الجار
فاضطر للسفر الى مدينة حلب فدخلها في شوال سنة اربع وستين وأربعمائة للهجرة ومدح بعض ولاتها من بني مرداس فأجزلوا له العطاء وعاش بينهم و قد صارت له أموال من بني مرداس واستغنى فبنى بمدينة حلب دارا واسعة وكتب على بابها هذه الأبيات:
دار بنيناها وعشنا بها
في نعمة من آل مرداس
قوم نفوا بؤسي ولم يتركوا
علي للأيام من باس
قل لبني الدنيا ألا هكذا
فليصنع الناس مع الناس
تعتبر حالته مع الأمير جلال الدولة وصمامها أبي المظفر نصر بن محمود بن سبل الدولة نصر صالح بن مرداس الكلابي صاحب حلب مشهورة فإنه كان قد مدح أباه محمود بن نصر فأجازه ألف دينار . فلما مات وقام مقامه ولده الامير نصر قصده الشاعر الاميرابن حيوس بقصيدته الرائية يمدحه ويهنيه بالامارة ويعزيه بأبيه ومطلعها :
كفى الدين عزا ماقضاه لك الدهر
فمن كان ذا نذر فقد وجب النذر
ومنها:
ثمانية لم تفترق مذ جمـعـتـهـا
فلا افترقت ما ذب عن ناظر شفر
يقينك والتقوى، وجودك والغنـى،
ولفظك والمعنى وعزمك والنصر
وكان الأمير نصر سخيا واسع العطاء ملك حلب بعد وفاة أبيه محمود في سنة سبع وستين وأربعمائة الا انه لم تطل مدة حكمه حتى ثار عليه جماعة من جنده فقتلوه في اليوم الثاني شوال سنة ثمان وستين وأربعمائة للهجرة.
قال فيه ابن خلكان في كتابه ( وفيات الأعيان) :
( أبو الفتيان محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس بن محمد المرتضى بن محمد بن الهيثم بن عدي بن عثمان الغنوي الملقب مصطفى الدولة، الشاعر المشهور كان يدعى بالأميرلأن أباه كان من أمراء العرب، وهو أحد الشعراء الشاميين المحسنين ومن فحولهم المجيدين، له ديوان شعر كبير. لقي جماعة من الملوك والأكابر ومدحهم وأخذ جوائزهم، وكان منقطعا إلى بني مرداس أصحاب حلب – ذكر الجوهري في الصحاح في فصل ردس المرداس: حجر يرمى به في البئر ليعلم أفيها ماء أم لا، وبه سمي الرجل – وله فيهم القصائد الأنيقة.
يقول في المدح :
رغبت بنفسي أن أكون مُصاحباً
أناساً إذا قِيدوا إلى الضيم أصحبوا
فجاورت مَلكاً تستهل يمينه
ندًى حين يرضى أو ردًى حين يغضب
تدور كؤوس الحمد حيناً فينتشي
وطوراً تصِلُّ المرهفات فيطرب
خلائق كالماء الزلال وتحتها
من العزم والإقدام نار تلهب
فهل لك فيمن لا يشينك قُربه
ويُعرب إن أثنى عليك ويُغرب
إذا صاغ مدحاً خِلته من مزينة
وتحسبه من عُذرة حين ينسب
قوافٍ هي الخمر الحلال وكأسها
لساني ولكن بالمسامع تُشرب
توفي ابن حيوس بحلب في شعبان سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة 473 للهجرة – الف واحدى وثمانين 1081 للميلاد .
يتميز شعره بالقوة والجزالة مع التدفق تغلب عله الاطالة وفي شعره ميل إلى الإغراب والجنوح نحو الصنعة البديعية باعتدال ومن غير إفراط في أحدهما، وشعره يكثر التصوير والتشبيه و كان يعمد الى توليد المعاني وابتكارها و إلى المقابلة والتقسيم واستخدام الجناس في انسجام ظاهر بين هذه المكونات.
ويغلب على شعره التأمل وطول التفكير في بناء المعاني وتركيب الصور وكان يتأني في إخراج شعره ولا ينشره الا بعد المراجعة والتهذيب مع شيء من المبالغة حتى يصل الى اسمى المعاني وحدودها القصوى.
ومن شعره هذه الابيات :
صبرنا على حكم الزمان الذي سطا
على أنه لولاك لم يكن الصـبـر
غزانا ببؤس لايماثلـهـا الأسـى
تقارن نعمى لايقوم بها الشـكـر
تباعدت عنكـم حـرفة لا زهـادة
وسرت إليكم حين مسني الضـر
فلاقيت ظل الأمن ماعنه حـاجـز
يصد، وباب العز مادونه سـتـر
وطال مقامي في غسار جميلـكـم
فدامت معاليكم ودام لـي الأسـر
وأنجز لي رب السموات وعدة ال
كريم بأن العسر يتبعـه الـيسـر
فجاد ابن نصر لي بألف تصرمـت
وإني عليم أن سيحلفـه نـصـر
لقد كنت مأمورا ترجى لمثـلـهـا
فكيف وطوعا أمرك النهي والأمر
وما بي إلى الإلحاح والحرص حاجة
وقد عرف المبتاع وانفصل السعـر
وانـي بـآمـالـي لـديك مـخـيم
وكم في الورى ثاو وآماله سـفـر
وعندك ما أبغي بقولي تصـنـعـا
بأيسر ما توليه يستبـعـد الـحـر
**************************************