ابن سناء الملك
ابو القاسم هبة الله بن جعفر بن المعتمد سناء الملك أبي عبد الله محمد بن هبة الله السعدي ويكنى ( القاضي السعيد): شاعر، من النبلاء. مصري المولد والوفاة.
ولد في مصرسنة\545هجرية – 1150 ميلادية وفي رواية اخرى ولد عام\ 550 - 1155وشبَّ من أسرة عريقة مؤسرة نعمت بالغنى والثروة وتجمع لها الفضل والمعرفة وكان ابوه يرعاه رعاية خاصة ويهتم بتعليمه وتثقيفه فأحفظه القرآن الكريم ودرّسه اللغة والنحو والادب فجمع في نشأته الأولى بين علوم القرآن والفقه والدين واللغة والمعرفة .
كتب الشعر في سن مبكرة فيقول متغزلا :
وملية بالحسن يسخر وجهها
بالبدر يهزأ ريقها بالقرقف
لا شيء أحسن من تلهب خدها
بالماء إ لا حسنها وتعففي
والقلب يحلف أن سيسلو ثم لا
يسلو ويحلف أنه لم يحلف
وقيل كتب قصيدة للقاضي الفاضل وسنه لم يبلغ العشرين سنة مطلعها ومنها هذه الابيات :
فَراقُُ قضى للهم والقلب بالجمع
وهَجْرُُ تولى صلح عينى معَ الدمعِ
إِذا نظرَتْ عيني سِواه تلثَّمت
حياءً بِعُنوان الوفاءِ من الدَّمع
وإِن عَزمت نفسي على قَصدِ غَيْره
ففي أَيِّ درع يلتقى أَسُهم الرَّدْع
أَياديه تُشجي النَّاسَ تذكيرُها به
فاعجب لضرٍّ جَاءَ مِنْ جِهَة النَّفْع
فلِلَّه كُتْبٌ منه إِن أَبْصَر العِدى
لها مَطْلبا لَمْ يَدْفَعُوها عن الدَّفع
وإِن قيل عُقبى خَلْعِها قلبَ مُسْدٍ
لقد زِدْت قالت ذَا اختصارِي وذَا قَنْعي
وكان مُلمَّاً ببعض اللغات الأجنبية المنتشرة في تلك الحقبة كاللغة الفارسية التي كان يتقنها ونشر بعض إنتاجه بها كما استخدم بعض الخرجات الفارسية في موشحاته .
وكان ملماً بعلوم الفلك وقد كثرت في شعره إشاراته لأسماء الكواكب والنجوم والأفلاك ومنازلها وما يدور حولها من قصص وأساطير فيذكر مثلا كوكب المجرة فيقول في احدى قصائده في الفخر :
سواي يهاب الموت أو يرهب الردى
وغيري يهوى أن يعيش مخلداً
ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا
ولا أحذر الموت الزؤام إذا عدا
ولو مدى نحوي حادث الدهر كفه
لحدثت نفسي أن أمد له يدا
توقد عزمي يترك الماء حمرة
وحيلة حلمي تترك السيف مبردا
وأظـمأ إن أبـدى لـي الـماء مِنّةً
ولو كان لي نهرُ المجرّة مَـوردا
ولـو كـان إدراك الـهـدى بتذللٍ
رأيتُ الهدى ألا أميل الـى الهُدى
وإنـك عـبدي يـا زمـانُ وانـني
على الرغم مني أن أُرى لك سيّدا
وما أنـا راضٍ أنني واطـئ الثرى
ولي همّة لا ترتضي الأفق مَقعدا
كان وافر الفضل واسع المعرفة رحب النادي جيد الشعر بديع الإنشاء. يقول في رثاء ابيه :
أيا دار في جنات عدن له دار
ويا جار إن الله فيها له جار
سأبكي أبي بل ألبس الدمع بعده
وإن لذيل الدمع فـيه لجـرّار
وإن فنيت من ناظري فيه أدمع
لما فنيت من مقولي فيه أشعار
لعليّ بعد المـوت ألـقاه شافعاً
اذا أثقلتني في القـيامة أوزار
وكذلك يرثي امه فيقول:
أنتِ عندي أجل مـن كـل تأبـ
ـين ولو صغت بالثريا رثائى
في ضميري ما ليس يبرز شعري
لا ولو كنت أشعـر الشعـراء
وإذا مـا دعـوتُ قبـركِ شوقاً
فبحقى ألا تـجـيبي نـدائي
هل درى القبر ما حواه وما أخـ
ـفاه من ذلك السنى والسناء
فلكم شـفّ بـاهر الـنور منه
فرأيت الإغضاء في إغضائي
ويأتي على رأس علاقات ابن سناء الملك مع علماء عصره علاقته الوطيدة بالقاضي الفاضل الشيخ عبد الرحيم الشيباني . فكانت بينهما مودة وتواصل بالرسائل وكان من ثمرة هذا التواصل كتابه ( فصوص الفصول ) حافل بالرسائل التي أرسلها القاضي الفاضل إلى ابن سناء الملك ا و التي رد عليها وهذه الرسائل تدل على الصلة الوثيقة بينهما مما جعل القاضي الفاضل يقول ان ابن سناء الملك كان استاذه ومنه يتعلم مما حمل الشعراء المعاصرين على حسده. و كان لهذه الصلة أثر بارز في حياة ابن سناء الملك لأن القاضي الفاضل الذي كان الأثير عند صلاح الدين الأيوبي جعل ابن سناء الملك مقرَّباً عند صلاح الدين وحاشيته فمدح صلاح الدين الايوبي وأولاده العزيز والأفضل وأخاه الملك العادل ووزيره ابن شكر. و في مدح صلاح الدين يقول :
أَرضُ الجزيرةِ لم تظفَرْ ممالِكُها
بمالكٍ فطِنٍ أَو سَائِسٍ دَرِبِ
حتَّى أَتاها صلاحُ الدِّينِ فانْصَلَحَتْ
من الفسادِ كَما صحَّتْ مِنَ الوَصَبِ
واستعملَ الجِدَّ فيها غيرَ مكترثٍ
بالجَدِّ حتى كأَنَّ الجِدَّ كاللَّعِب
وقد حَواها وأَعْطى بعضَها هِبةً
فهوَ الَّذِي يَهَبُ الدُّنْيَا ولم يَهَب
يُعطيِ الذي أُخِذت منه ممالكُه
وقد يَمُنُّ على المسلوبِ بالسَّلب
ويمنحُ المدنَ في الجَدْوى لسائِله
كمَا ترفَّعَ في الجدْوى عن الذَّهب
ومذ رأَتْ صدَّه عن رَبْعها حلبٌ
ووصلَه ببلادِ حُلْوةِ الحَلَب
فتحُ الفتوحِ بلا مَيْنٍ وصاحبُه
مَلْكُ الملوكِ ومَوْلاها بِلا كَذِبِ
تَهنَّ بالفتحِ يا أَوْلَى الأَنامِ به
فالفتحُ إِرْثُك عَنْ آبائِك النُّجُبِ
وافخَرْ فَفَتْحُك ذا فخرٌ لمفتخرٍ
ذُخْرٌ لمدَّخِرٍ كسبٌ لمكتَسبِ
فليت كلَّ صباح ذرَّ شَارقُه
فداءُ ليلِ فَتَى الفتيانِ في حَلَبِ
إنِّي أُحِبُّ بِلاداً أَنت ساكنُها
وساكنِيها وليسُوا مِنْ ذَوِي نَسَبي
فجود كفِّكَ ذُخْرٌ في يَدِي ويدي
وحُبُّ بيتكِ إِرْثِي عن أَبِي فَأَبِي
و يصف معركة من معارك صلاح الدين فيقول :
حملوا كالجبال عظمـا ولكـن
جعلتها حملات خيلك عهنـا
جمعوا كيدهم وجاءوك أركا
نا فمن قد فارسا هد ركنـا
لم تلاق الجيوش منهم ولـك
نك لاقيتهم جبـالا ومدنـا
كل من يجعل الحديد له ثـو
با وتاجا وطيلسانـا وردنـا
خافهم ذلك السلام فلا الرو
ح يغـني ولا المهنـد طنـا
وتولت تلك الخيول فكم يث
ني عليها بأنها ليس تـثـني
وتصـيدتهـم بحـلقـة صيـد
تجمع الليث والغزال الأغنـا
وجـرت منهم الدمـاء بحـارا
فجرت فوقها الجزائر سفنـا
صنـعت فيهم وليمـة عـرس
رقص المشرفي فيـها وغـنى
ظل معبـودهم لديك أسيـرا
مستشافا فاجعل النار سجنـا
ولاه الملك الكامل ديوان الجيش في مصر سنة\ 606 هجرية وقد استدعاه القاضي الفاضل إلى دمشق ولكنه كان شديد الحنين إلى القاهرة فأعاده سريعاً إلى مصر. يقول في شوقه وحنينه لمصر:
نظمتُ مديحي فيك والسِّنُّ يافِعٌ
وهذا مَدِيحي فيكَ والرَّأْسُ أَشْيَبُ
وغنَّى بشِعْري فيك كلُّ مغرد
ونالَ الغِنَى مِنْه مُغَنٍّ وَمُطْربُ
أَعدْتَ لأَهلِ النِّيل رِيَّ بِلاَدِهم
بأَبحُرِ نيل عنْدَهَا النِّيلُ مِذْنب
هنيئا لمصرٍ وصْلُه ووصولُه
فقدْ كَانَ يُؤْذِي مصرَ مِنْه التَّجَنُّبُّ
أخذتَ لمصرٍ من دمشقَ بحَقِّها
فمصرُ بما أَوليْتَ تُطري وتَطرب
ومَا بَرِح الفُسْطاطُ مُذْ كَانَ طيِّباً
عَلى غيرِه لكنَّه اليوم أَطْيَبُ
فلا موضعٌ قد كانَ بالأَمسِ مُجْدباً
بنأْيِك إِلاَّ وهْو في اليومِ مُخْصب
تَغَايَرت الآفَاقُ فيكَ محبَّةً
ومنْ ذا الذِي يحبو ولا يتحبَّب
وعلى الرغم من أن ابن سناء الملك أقام بمصر إلا أن شهرته الشعرية طبَّقت الآفاق فَعُرف بين شعراء مصر وشعراء الشام زاد على ذلك أنه كانت له مجالس تجري فيها المحاورات الثقافية والادبية والمفاكهات التي يروق سماعها وترتاح لها النفوس والافئدة وكانت داره بحق تعتبر إحدى المنتديات التي جمعت أسباب الترف واللهو اضافة الى الادب والشعر والثقافة و كان على جانب كبير من الأخلاق الكريمة فيها الاعتدال والورع والتقوى والشموخ والاعتداد بالنفس.
قال عنه صاحب الاغاني وقد عاصره :
..( فوجدته في الذكاء آية قد أحرز في صناعة النظم والنثر غاية تلقى عرابة العربية له باليمين راية وقد ألحفه الإقبال الفاضلي في الفضل قبولا وجعل طين خاطره على الفطنة مجبولا وأنا أرجو أن ترقى في الصناعة رتبته وتغزر عند تمادي أيامه في العلم بغيته وتصفو من الصفا منقبته وتروى بماء الدربة رويته وتستكثر فوائده وتؤثره قلائده..
توفي ابن سناء الملك بالقاهرة في رمضان من سنة 658 هجرية – 1221ميلادية .
يتميز شعره بالسلاسة والوضوح ويميل الى التجديد والحرص على الجناس والمقابلة بين المعاني والاعتماد على العقل وتوليد الأفكار والتشبيهات والاستعارات وابتكار الموشح ومحاولة الزيادة فيه والإضافة في جزئياته واشتهر في المدح والفخر والغزل والرثاء الا ان اغلب قصائده وموشحاته في الغزل وكان يهتم في مواصلة ما اصطلح عليه الشعراء من الشكوى والعتاب ومن جعل المحبوب مثلا أعلى في الجمال من كل وجهة وناحية فنجد الصد وعذل العاذلين وعذاب المحب وألمه وسهاده وبكائه ودلال الحبيب وسطوته ومن الحديث عن الخمر والتغزل فيها ووصف الرياض وإقامة التشبيهات بين مظاهرها وقد ظل قائما في الموشح ولكنه توسع في الشعر اكثرفجهده في تلمس القوافي قد شغله واستنفد جل نشاطه و كان تجديده في المعاني وابتكاره فيها أوضح في شعره منه في موشحاته .
لذلك بقي الشاعر يدور بموشحاته التي كان له باع طويل فيها في نطاق التراث الشعري الفصيح معنى وخيالا وأسلوبا فاتسمت موشحاته ببعدها عن نزوع العواطف وما بين النفس والخيال . ومن موشحاته :
وترك كتبا مهمة منها :
1- دار الطراز : في عمل الموشحات وهو أول كتاب نظر للموشحات في تاريخ الأدب العربي كله حيث قام ابن سناء الملك بوضع أصول وقواعد نظم الموشح كما فعل الخليل مع الشعر كما يتضمن عدداً كبيراً من الموشحات الأندلسية القديمة وموشحات ابن سناء الملك
2- فصوص الفصول وعقود العقول: جمع فيه طائفة مما كتبه القاضي الفاضل وبعضا من إنشاء كتاب عصره
3- روح الحيوان: اختصر به الحيوان للجاحظ
4- ديوان شعر . وهو ديوان بديع يشهد برسوخ قدم صاحبه في الشعر
ومن شعره هذه الابيات في الغزل :
يا ليلةَ الوصلِ بَلْ يا ليلَةَ الْعُمُر
أَحْسنتِ إِلاَّ إِلى المشتاق في القِصَرِ
يا ليتَ زَيد بحكم الوصلِ فيكِ له
ما أَطولَ الهجْرَ من أَيَّامِه الأُخَرِ
أَو ليتَ نَجْمكِ لم تقفل ركائبهُ
أَو ليتَ صُبحكِ لم يَقدُم من السَّفَرِ
أَو ليتَ حطَّ عَلى الأَفلاكِ قاطبةً
همِّي عليكَ فلم تَنْهَض ولم تَسِر
أَو ليتَ فجركَ لم ينفِر به رَشئي
أَو ليتَ شمسكَ ما غَارت على قَمرِي
أَو ليتَ قَلْبي وطَرْفي تَحتَ مُلكِ يدي
فَزِدْت فيك سوادَ القلبِ والْبَصَرِ
أَو ليتَ أَلْقى حبيبي سِحرَ مُقلتِه
على العِشاءِ فأَبْقَاها بِلاَ سَحَر
أَو ليتَ لو كان يُفْدى مَنْ كَلِفْتُ به
درُّ النجومِ بِما في العِقْدِ من دُرَر
أَو ليتَ كنتِ سأَلْتِيه مساعدةً
فكان يَحْبوكِ بالتَّكحِيل والشعَرِ
لا مَرْحباً بصباحٍ جاءَني لَدَلاً
من غُرَّة النَّجمِ أَو مِنْ طَلْعَة الْقَمَر
زار الحبيبُ وقَدْ قالت له خُدعِي
زرْه وقال له الْواشُون لا تَزُرِ
فجاءَ والخَطوُ في ريث وفي عَجل
كقلبِه حَارَ في أَمنٍ وفي حَذرِ
كأَنَّه كانَ من تَخْفيفِ خُطْوَتِه
يَمْشِي على الْجَمْرِ أَوْ يَسْعى عَلى الإِبَرِ
وقال إِذ قلتُ ما أَحْلَى تَحَفُّرَه
تبرَّجَ الحُسْن في خدَّيه مِنْ خَفَرِ
يا أَخضرَ الَّلون طابَت منكَ رائحةٌ
وغبتَ عنَّا فما أَبقيتَ للخضرِ
وقام يَكْسِرُ أَجفاناً مَلاحتُها
تُعزَى إِلى الحُورِ أَو تُعزَى إِلى الحَورِ
وقمتُ أَسأَلُ قلبي عن مَسرَّتِه
بما حواهُ وعندي أَكثرُ الخَبرِ
وبتُّ أَحْسِب أَنَّ الطَّيفَ ضَاجَعني
حتَّى رجَعْت أُسيءُ الظَّنَّ في السَّهر
أوردتُ صدري وِرْداً من مُعانقةٍ
وحينَ أَوردتُ لم أَعْزِم عَلَى الصَّدَرِ
وكاد يَمْنَعني ضمّاً ورشفَ لَمىً
ضعفٌ من الخَصْرِ أَو فَرْطٌ من الخَصرِ
ورحتُ أَغْنَى بذاك الرِّق مِن فَمِه
ومنطقٍ منه عَنْ كَأْسٍ وعن وَتَرِ
وبتُّ أَسرقُ من أَنْفاسِه حَذِراً
من أَنْ يعودَ عِشاءُ الَّليلِ كَالسَّحَر
ومرَّ يسبقُ دَمْعِي وهْوَ يَلْحَقُه
كالسَّيل شُيِّع في مَسراهُ بالْمَطَرِ
سحبتُ ذيلَ دُموعِي إِثْره وغَدا
سوايَ يَسحبُ أَذْيالاً على الأَثَر
أَنت الحبيبُ إِلى قلبي وواحدُه
إِنِّي رأَيتكَ من دونِ الوَرى وَزَري
حبّي صحيحٌ وغيري حبُّه كذبٌ
إ ِنِّي جهينةُ فاسئلني عن الخبر
وخاطري إِن يوفَّق معْ بلادتِه
فالماءُ ينبعُ أَحْيَاناً من الحَجَرِ
****************************