الشعر في العصر العباسي
ان الشعر من اوائل الامور التي تتأثر بامور الحياة اليومية وما يكتنفها من تفاعلات واحداث وما يجري عليها ما يغير مسارها ومنهجيتها سلبا او ايجابا ذلك لان الشعراء هم اعلى طبقة في المجتمع البشري في احاسيسهم وانفعالاتهم النفسية والقلبية والفكرية فهي عالية لديهم تبثق مما يشعرون به من خلال تعاملهم مع الحياة ومع الاخرين والطبيعة ومع كل ما يدور بخلدهم ولما كانت الحياة في هذا العصر قد تطورت كثيرا فلا غرو ان الشعر تطور ايضا فقد تطور تطورا واسعا تبعا لتطور الحياة ومنافذها واتجاهاتها والشعر يدخل من كل المنافذ ويخرج باتجاهات شتى ويسمو في كل الاتجاهات وكانه شذى عطر عبق في مهب نسيم عليل . فقد اتسعت افاق واخيلة الشعراء - والشعراء اخصب الناس خيالا - ا لم يقل الله تعالى فيهم في القرآن الكريم – ( وانهم في كل واد يهيمون ) – فازداد الخصب الشعري وتفتقت الاخيلة واتسعت الفنون الشعرية والاغراض المختلفة فيه في كل منازل الحياة فظهرت اغراض وفنون جديدة لم تكن موجود ة في العصر الاموي وما قبله فنشأت هذه تبعا للتطور الفكري فكانت هذه الشاعرية متأتية من النماذج والتزاو ج بين الثقافات العربية وغير العربية و من اقوام المجتمع حيث اختلطت فيه العربية بالفارسية والرومية والتركية وغيرها فكانت رافدا واسعا للحضارة العربية في هذا العصر وما بعده .
نعم لقد تطور الشعر بتطور الحياة وبهذا تطورت معانيه ثم تصرف الشعراء بمعاني واساليب الشعراء قبلهم وحللوها ووسعوا دائرتها وزادوا عليها او انقصوا منها تبعا لكل ظروف مجتمعهم و حاجتهم في تماشي حياتهم الجديدة واسلوبية المجتمع الانساني فيها فتطور التصوير الشعري وكثر الابداع فيه فوجد التشبيه وصوره المختلفة وكثرت المحسنات اللفظية ورقت المعاني ودقت واستعملت الفاظ جديدة ارق واسهل مما كانت عليه في العصور المختلفة قبله وقل استخدام الالفاظ البدوية والصحراوية كما استعملت بعض الكلمات غير العربية في الشعر تبعا لهوى الشاعر واصله واحسنوا استعمالاتها وصياغتها وربط الجمل العربية بها واصبحت تسمى – الفاظا معربة
استعمل الشعراء المحسنات البديعية من طباق وجناس وتشبيه واستعارات وكثرت هذه بشكل ملفت للنظر في هذا العصر وبالاجمال ان الشعر في هذا العصر تطورا تطورا واسعا وعظيما في جميع اموره وفي شتى المجالا ت الشعرية واللغوية والفنية.
ان الشعر العربي في هذا العصر نتيجة تطوره الواسع وافاقه المتسعة تأثر بكل التيارات والاحوال السياسية والاجتماعية و تعكسه كل ما تراءى لها من امور هذا بالاضافة الى تطور الثقافة الشعرية .
كان من اسباب سقوط الدولة الاموية وقيام الدولة العباسبة والذي له ابلغ الاثر في الناحية الثقافية والادبية . ان الامويين اتبعوا سياسة التعصب للعنصر العربي الذي اعتبروه هو النسغ الصاعد او الناقل الحياة الى جسم الدولة المترامية الاطراف مما أ ّلّب عليها الفئات غير العربية التي اصبحت ضمن حدود الدولة الاسلامية المحكومة من قبلهم اضافة الى ذلك ان العرب انفسهم من اعداء الامويين من العرب مثل العباسيين ومنهم العلويين خاصة وضعوا ايديهم بأيدي هذه الفئات غير العربية وتحالفوا معها على اضعاف الهيمنة العربية على مرافق الدولة والعمل على اضعافها ومن ثم اسقاطها ومن اكبر هذه التحالفات – الفارسية العربية - حيث اخذ الفرس يشعرون بقيمة رد اعتبارسلطة الدولة الفارسية فاتخذوا من الاسلام ذريعة لذلك واخذوا يعملون على ا ضعاف العنصر العربي واتخذوا من العلويين والعباسيين شمّاعات يختلفون اليها في تعليقهم عملهم السياسي وشموعا لتنير لهم طريقهم في ذلك وبدات تظهر لديهم حركات سياسية سرية في بداية امرها و تحولت بمرور الزمن الى قوة عسكرية تحالفت مع من اراد الاستحواذ على هيبـة الـدولة الامـوية واسقاطـها لامـور يعرفـها الســا سـة المنصفون . وقد عرجنا على ذكرها قليلا لارتباطها بالثقافة الادبية التي شملت كل مناحي الحياة ومنها السياسة.
كما ان للمنازعات الحزبية والتعصب القبلي يد طولى في سقوط الحكم الاموي فتجمعت كل هذه الاسباب والاحوال على بغض العنصر العربي الاموي او ما سار عليه الاموييون اثناء حكمهم فتجمعت كلها يقيادة العباسيين وبمعاونة التيار الفارسي وقاموا بثورة انطلقت شرارتها من بلاد فارس لتقضي على الامويين وتسقط حكمهم ولتقوم الدولة العباسية الجديدة الفتية سنة \ 132 هجرية.
قامت الدولة العباسية في العراق اثر سقوط الدولة الاموية في الشام وكان للفرس اثر عظيم وكبير في قيام الدولة الجديدة وفي سياستها وشؤونها وقد ادى ذلك الى تدخل الفرس بسياسة الدولة وقيادتها وقد ادى ذلك الى اقتباس الكثير من النظم والعادات والتقاليد الفارسية التي حلت محل العربية واخذ الناس في تقليد الفرس في اشياء كثيرة فادى ذلك الى هيمنتهم على بعض المناطق وخاصة في بلاد فارس والثغور الشرقية للدولة الاسلامية فضعف النفوذ العربي وقل تدخلهم في شؤون الحكم والدولة التي اصبح الكثير من رجالاتها وقادتها من الفرس واصبح العربي الذي كان يأنف ان يعمل في بعض الاعمال الحرة التي كان العربي يحتقرها ولا يزاولها الا مكرها طلبا للعيش والبحث عن لقمة تسد رمقه.
لقد ضعف النفوذ الفارسي في العراق ( دولة الخلافة العباسية ) بعد ان استتب الوضع الحكومي و نتيجة قوة الخلفاء العباسيين في الصدر الاول للخلافة العباسية كالمنصور بقتله ( ابو مسلم الخراساني ) والرشيد بنكبة (البرامكة) وضربهم الحركات المجوسية التي ظهرت في وقتهم والقضاء عليها – الا انها انتعشت من بعدهم و هؤلاء الخلفاء كانوا من اسباب ضعف العنصر العربي في الدولة العباسية بسب زواجهم ازواجا فارسيات وتركيات او روميات فكان اولادهم منهن يميلون كل الميل الى اخوالهم وهذا ما فعله الخليفة المأمون حيث امه فارسية اذ قرّب الفرس واعتمد عليهم في الحرب و القضاء على اخيه الامين وتسيير د فة الحكم وما فعله المعتصم من بعده حيث امه تركية اذ قرب الاتراك وتسيير دفة الدولة فيهم مما طمّع هؤلاء وهؤلاء في السيطرة على الحكم بحيث اصبح الخلفاء العباسيون من بعدهم بتصرف السلاجقة والبويهيين من بعدهم وجعلوا هؤلاء الخلــفاء كأدوات شــطرنج يتلاعبون فيهم وفي مصائرهم كيفما يشاؤون وظهر التطرف التركي اوالنفوذ التركي بدلا عن الفارسي وظهرت سيطرة الاتراك على الوضع السياسي وربـما الاجتـماعي والثقافي ايضا وساءت حالة المواطن العربي في وطنه في هذا الدور حيث لم يبق للدولة غير الخلافة وبالاسم والرسم فقط. وكذلك الحال في العصر البويهي .
هذه وغيرها ادت الى تغيير في وجه الشعر العربي حيث ارتفع صوت الشعر السياسي ضد الامويين ونعي حكمهم المنهار وتمثلت العصبيات القبلية بين العرب انفسهم بين قيسية ويمنية وعدنانية وقحطانية كما ظهرت حركة الشعوبية قوية جدا.وادت هذه الاحوال الى ظهور خلافات واسعة بين الهاشميين انفسهم وخاصة بين العباسيين والعلويين وصلت الى حد المقاتلة والعصيان والكراهية كما ظهرت الخلافات العقائدية والمذهبية بين الطوائف والنحل المختلفة أي ان الفرقة وصلت في كل شيء نتيجة التوسع الطامي في الدولة الاسلامية وكان لكل فرقة او مذهب او عنصر او قوم او قومية ادباء وشعراء ورجال يقودونها ويحركونها سواء كانت حركات سياسية او دينية او عنصرية او قبلية او ثقافية..
وقد عنى الخلفاء العباسيون في الثقافة عناية كبيرة وبذلوا المال بسخاء لتطويرها واغدقوه على الشعراء والادباء والمفكرين وذوي الالباب والعلوم والثقافة بحيث تطورت كثيرا وكانت المنافسة بين هؤلاء واسعة وشجعوا الترجمة من اللغات الاجنبية الى العربية فكانت رافدا جديدا يصب في بحر اللغة العربية فاتسعت الافاق وتبارى الرجال في السباق في ميادين العلم والثقافة والادب واللغة والدين فكان لذلك الاثر الكبير في قيام ثقافة عربية واسعة في هذا العصر مازالت لحد الان تعد مفخرة من مفاخر الامة العربية وعصورها الذهبية .
وكانت الثقافة العربية مستقاة من مصدرين الاول الثقافة العربية التي كان عليها العرب قبل هذا العصر من الاداب الجاهلية من شعر ونثر والاسلامية التي نبعت من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة او قل كان القران الكريم رافدا واسعا لها وكذلك الحديث الشريف ومن اقوال الشعراء الامويين و الادباء والعلوم التي اخذت بالاتساع في زمنهم لتصل في نهاية الدولة الاموية الى الثقافة العربية المتميزة بعد ان نمت جذورها وعلت منابتها الا انها ازدهرت في هذا العصر وآتت ثمارها.
اما المصدر الثاني فهي الثقافة الاجنبية التي ترجمت من الامم المجاورة للعربية كالفارسية والتركية واليونانية والهندية و كانت نتيجة حتمية لانصهار هذه الاقوام في يوتقة الامة العربية و بالاسلام فآتت اكلها حيث اثرت التاثير الكبير على ا خيلة الشعراء وثقافاتهم فتوسعت افكارهم وازدادت علومهم وتفتقت قرائحهم لتاتي بقصائد ذات معان شعرية جديدة كان الاقتباس واضحا وجليا فيها. فالمتذوق للشعر في هذا العصر لا تخفى عليه تلك الميزة التي تطالعه من خلال النتاج الشعري الثر وطائفة صالحة تحمل ذلك الطابع المشوب بالرقة لتؤكد هذا الاتجاه في الأسلوب الشعري لاحظ قول بشار بن برد متغزلا :
لم يطل ليلي ولكن لم أنم
ونفى عني الكرى طيفٌ أ لم
ختم الحب لها في عنقي
موضع الخاتم من أهل الذمم
رفِهي يا (عبد) عني واعلمي
إنني يا (عبد ) من لحم ودم
إن في بردي جسمًا ناحلا
لو توكأت عليه لأ نهدم
كان العرب امة واحدة في عاداتهم وتقاليدهم وما آلفوه عن ابائهم واجدادهم فلما اختلطوا بغيرهم من الاقوام نتيجة توسع رقعة الدولة العربية الاسلامية او نتيجة الفتح الاسلامي الواسع حيث امتدت الخلافة العربية الاسلامية من الصين شرقا الى المحيط الاطلسي غربا حتى قيل ان الخليفة هارون الرشيد كان يخاطب الغيوم في السماء فيقول ( اذهبي ايتها الغيوم في السماء فأينما تكوني يأ تيني رزقك وخيرك ) وامتزجوا بهم نتيجة التعامل او التقارب في العصرين الاموي والعباسي وكان لهذا التوسع اثر عظيم في تفرق العرب لاندساس الاقوام الاخرى وعملهم الجاد في ايجاد كيانات لهم ضمن الكيان العربي وهيمنتهم على امور الدولة وتقريبهم للفئات التي جاؤوا منها ومحاولة ابعادهم العرب عن دفة الدولة ورجالها فأدى ذلك الى قيام حركات شعوبية معادية للعنصر العربي لامة او جامعة للعناصر غير العربية وخاصة من الفرس والاتراك.
لقد تاثر العرب بالفرس كثيرا فظهر هذا التأثر بمشاركتهم اعيادهم واحتفالاتهم واقتناء العرب الجواري والغلمان الجميلات وشيوع العبث واللهو و الخلاعة والمجون والفساد واللامبالاة وكل ما لم يألفه العرب من ذي قبل وبث الافكار الالحادية المستقاة من المجوسية والوثنية فكثرت الزندقة وظهرت الشعوبية و كل امر شائن مما حدى ببعض الخلفاء العباسيين في صدر الدولة العباسية من مطاردة دعاة هذه الاعمال للحد منها كالخليفة المهدي والمنصور والرشيد وكذلك المذهبية وطغت هذه الامور على الحياة العامة حتى على المأكل والملبس والمسكن وفي امور الحياة الاجتماعية فوجد من تزيا بزي جديد نصف عربي وشيدت القصور وتوسع الناس في البناء و الانشاء وتفننوا فيها بحيث شملت كل مرافق الحياة.
فقد تنوعت اساليب الحياة وطرق الكسب والمعيشة وكان لكل ذلك اثره الكبير في تطور تيار الشعر العربي بحيث ظهرت فنون شعرية جديدة لم تكن موجودة او معروفة كالغزل بالمذكر ووصفت الحياة ومظاهر الحضارة الجديدة على حالتها الي وصلت اليها من قصور ورياض ومواسم واعياد وقد ادى ذلك الى ارتقاء الشعر درجات على في سلم الثقافة العربية.
لقد تطورت اساليب الشعر العربي في العصر العباسي كثيرا جراء اطلاع الشعراء على الثقافات الاجنبية ونمو مداركهم وزيادة معلوماتهم وتطور الحياة الحضارية في هذا العصر فقد مال الشعراء الى استخدام الاساليب السهلة المفهومة المنسوجة من واقع الحياة المعاشة وابتعدوا عن اللفظة الغرببة او البدوية التي قل استعمالها او هجرت في الاغلب واستعملوا المحسنات البديعية والالفاظ الجديدة تبعا لتطور الامور وحتى وصلت الحال لبعضهم من استخدام الفاظ اعجمية في شعره وقد نشير ان مفهوم الأسلوب يعني الطريقة او السلوكية التي يتبعها الشاعر في نظم شعره فيقال مثلا سلكت أسلوبه وتعني طريقته وكما يقال كلامه أسلوبه الافضل .
و كلمة الأسلوب التي تجري على ألسنة الشعراء والادباء والنقاد في بعض الاحيان والمراد بها التراكيب اللغوية بمعنى انفصالها عما تدل عليه من معانٍ كانت مضمرة في نفس الشاعر الاخر وهو إيهام يجعل من الأسلوب كلمات مرصوفة ذات حروف ومقاطع ربما تدل على فهم شيء للأسلوب حيث يهب الحياة والجمال أو الجمود والقبح لذلك النص او هذا .
وبالجملة هو طريقة التعبير بالألفاظ المترتبة على معرفة ترتيب المعاني في النفس في طريقة الأداء اللفظي لما ينسقه الفكر من معانٍ وينظمه العقل من أفكار ازاء الطريقة التعبيرية التي ترتبط بالمعاني اذ ان أول ما تحدث في هذا المعنى وأنه ربما يعتمد في نظريته على الاعتداد بمجموع ما يذكره في مواضيع مختلفة اذ إنه لا يتصور أن يعرف للفظ مواضع من غير أن يعرف معناه و أنما يتوخى الترتيب في الألفاظ - من حيث هي ألفاظ ترتيبًا ونظمًا أي يتوخى الترتيب في المعاني ويعمل الفكر في انتقاء الالفاظ ويقتفي آثارها بحيث تترتب بخدمة المعاني وتبقى تابعة لها او لاحقة بها مع العلم بمواقع المعاني في النفس او بمواقع الألفاظ الدالة عليها في النطق و يقوي النص في الأسلوب او بمعنى اخر هو الأداء اللفظي المطابق للصورة الذهنية لمفهوم الأسلوب الناجم عن قدرة الملكة في اللسان العربي بحيث يكون ثمرة الاعتماد على الطبع والالهام والتمرس على ايجاد الكلام البليغ الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ما يعتمل في قلبه ونفسيته من احاسيس وهنا تكمن وظيفة البلاغة والبيان .
فالأسلوب هو الصورة الذهنية للتراكيب المنظمة كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص وتلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب وشخوصها بحيث يصيرها في الخيال كالقلب ثم ينتقي التراكيب الصحيحة على اعتبار النحو والبيان فينسقها فيه تنسيقا متراصا كما يفعله البنّاء في قالبه الخاص أو النساج في المنوال حتى يتسع ذلك بحصول التراكيب الاسمى بمقصود الكلام للحصول على الصورة الامثل والافضل والاقرب لملكة اللسان للشاعر العربي لذا فلكل فن من الفنون من الكلام أساليب تختص به وهذه الأساليب التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء وإنما هي حالة قد ترسخ في النفس من تتبع التراكيب في الشعر العربي تجري كجريانها على اللسان كي تثبت صوتها و صورتها المطلوبة في تقريبه إلى فهم المتلقي بشكل اسنى وافضل والتي تمثل منزلة الروح من الجسد فالخيال في الأسلوب بوسائله المستعارة وما يتصل بالمعنى اتصالا وثيقًا بطريقة مرنة من طرق التفكير حيث أنه الأداة الواضحة للتعبير فهو طريقة التعبير اللفظي الحادثة على تنسيق الفكرة والمعبرة عن أدق خفاياها ومدار جودتها أو انها طريقة التنسيق ومدى نهوضها بالمعاني المعبرة عما في دواخلها او ما تكتنفه من معان بليغة لاحظ قول البحتري:
كأ ن الرياض الحور يكسين حولها
افانين من افواف وشي ملفق
اذا الريح هزت نورهن تضوعت
روائحه من فائر مسك مفتق
كأن القباب البيض والشمس طلعة
تضاحكها انصاف بيض مفلق
لقد صاغ الشعراء العباسيون أساليبهم في ضوء حضارة الدولة وثقافتها وطريقة تذوقها للفنون لذا جاء الأسلوب الشعري اقرب إلى الرقة في النسج والدقة في التصوير والدماثة في التعبير وشاعت في حواشيه ألوان من الزخرفة اللفظية وضروب من الزينة والجمال واكتنفت أنغامه حالة من الفخامة المؤثرة والتي قد تهز العواطف وتحرك المشاعر وتثير الاحساس . فالشعراء الاكثر تحضرا يميلون بطبعهم إلى الكياسة والزينة والانس في كل شيء فالطبع الحضري تستهويه الأناقة في كل ما حوله ويجذبه التأنق وتقربه اليها وهو ما يدلل على تطور هذه الأذواق ورقيها وهذا سبب قوي في ايجاد أسلوب شعري تركن اليه النفس لتستريح عنده في حسن صياغة أ نيقة مثل مرآة صقيلة عاكسة على صفحتها كل فنون الجمال والتنسيق الاسنى والافضل لاحظ قول بشار في ذلك :
ومخضب رخص البنا ن
بكى عليَّ وما بكيته
يا منظرًا حسنًا رأيـ ـت
بوجه جارية فديته
بعثت إليَّ تسموني
ثوب الشباب وقد طويته
ثم حالة جديدة ونقصد بها السهولة في الاسلوب ذلك الأسلوب اللين الذي يميل إلى العامية أو يؤثرها بعضهم وهذه السهولة ربما حاولها غيرهم في أساليبهم فيخفقون وينكصون عن الايتاء بمثلها وتستعصي عليهم وتمتمنع عنهم امتناعا ربما يكون عند بعضهم شديدا قد يسلمهم إلى اليأس وينتهي بهم إلى الحيرة المشوبة بكثير من الإعجاب.وهذا ما نسميه بالسهل الممتنع وقد نسج فيه كثير من الشعراء في هذا العصر منهم ابو العتاهية لاحظ قوله :
كَمْ رأينا مِنْ عَزِيزٍ
طُوِيتْ عنه الكشُوحُ
صاحَ منه بِرَحِيلٍ
صائحُ الدَّهْرِ الصَّدُوحُ
موتُ بعضِ الناسِ في
الأرْضِ على قومٍ فُتُوحُ
سيصير المرءُ يوماً
جَسَداً .. ما فيه رُوحُ
وقد ترك اغلب شعراء هذا العصر كثيرا مما كان يسير عليه الشعراء في الجاهلية كاستهلال القصيدة بالغزل ووصلت الامور الى ان تهكم بعضهم من هذه الطريقة و يسخرون من الشعراء الذين حافظوا عليها يقول ابو نؤاس :
قل لمن يبكي على رسم درس
واقفا ما ضر لو كان جلس
وكذلك لاحظ دخول الشعر بعض الالفاظ والاصطلاحات العلمية واللغوية كقول الشاعر ابو تمام في الخمرة:
خرقاء تلعب بالعقول حبابها
كتلاعب الافعال بالاسماء
وكذلك كثر استمال المحسنات الكلامية البلاغية كالبديع والطباق والجناس والتشبيه الفردي و التصويري والاستعارات المختلفة وتففن الشعراء فيها وتزيينهم لشعرهم بها كل قدر امكاناته وقدراته البلاغية والشعرية وقوة شاعريته يقول البحتري:
فلم ار مثلينا او مثل شاننا
نعذب ايقاظا وننعم هجّدا
وكذلك كثر استعمال الكلمات الاعجمية في الشعر فوجد فيه كلمات اعجمية مثل الديباج او الفاذولج او وخاصة الفارسية فالشاعر يتحدث إلى جمهور هو مزيج من العرب والعجم ويعيش في بيئة حضرية وهذه البيئة قد بعدت بالشباب الجدد عن صلابة حياة البادية وصعوبة أنماطها في الصحراء العربية فلم تعد ملكاتهم العربية الأصيلة قادرة على التماسك فلانت انفسهم واحوالهم بالحضارة العباسية وتأثروا بالوافد الجديد الذي حبب السهولة إلى نفوسهم وخلطها بأذواقهم. لاحظ احدهم يمدح الرشيد فيقول:
من يلقه من بطل مسرندي
في زعفه محكمة بالسرد
تجول بين رأسه والكرد
لما هوى بين غياض الآسد
وصار في كف الهِزَبْر الورد
وثانيهما: أن الشعراء أنفسهم كانوا -غالبًا- من هذا المزيج ولكن مواهبهم الفنية كانت تعطفهم إلى النهج العربي الصميم وثقافتهم العربية وآدابها كانت تشد من ملكاتهم فيما يتصل بالتعبير ولهذا كانت أساليبهم في يسرها من باب السهل الممتنع بما تضمنت من رقة آسرة وعذوبة خلابة. والشعراء الذين ا د خلوا هذه الالفاظ في الاغلب اما من اصل فارسي او يميلون الى الاصول الفارسية او لهم اطلاع واسع في اللغة الفارسية كابي نؤاس وابن الرومي وابن المعتز يقول ابن المعتز :
قم نصطبح فليالي الوصل مقمرة
كانها باجتماع الشمل اسحار
اما ترى اربعا للهو قد جمعت
جنك وعود وقانون ومزمار
ثم دخلت الى اساليب الشعر الفاظ فلسفية و علمية وكل ما احاط بالشعراء من امور ثقافية ومعالم وتطور وابتذال وقوة اسلوب وجد في شعر هذا العصر والشاعر من ابدع فيها واجاد
.لاحظ قول ابي العلاء المعري :
اذا رجع الحصيف الى حجاه
تهاون بالشرائع وازدراها
فخذ منها بما اتاك لب
ولا يغمسك جهل في صراها
وهت اديانهم من كل وجه
فهل عقل يشد به عراها
كان من اثار تطور الحياة العامة في العصرالعباسي ان تطورت الحضارة والثقافة والسياسة وتطورت تبعا لها معاني الشعر واخصبت اخيلة الشعراء وازدحمت بشتى معالم الحياة وتفنن الشعراء في معاني الشعر فقد تصرف الشعراء اولا بمعاني شعر الاقدمين قبلهم واضفوا عليها طابعا من الحسن والطرافة ورقت حواشي الصور الشعرية والبلاغية فاستخدم الشعراء اقيسة منطقية وتعبيرات لغوية تكاد تكون جديدة فيما البسوه لها من قشابة الالوان وتباين الانواع فاحسنوا التصوير والابداع واتسعت اخيلتهم الى افاق واسعة اضافية فجاؤوا بها وتظهر هذه الابداعات في التشبيه وسعة الخيال الشعري وما اكتنفه من اضافات في محسنات اللغة من طباق وجناس و بيان اضافة الى التراكيب اللفظية والصور الجميلة وتسلسل المعاني وتلاحمها
فمن تصرف الشعراء بمعاني الاقدمين قول الشاعر سلم الخاسر:
فانت كالدهر مبثوثا حبائله
والدهر لا ملجأ منه ولا هرب
ولو ملكت عنان الريح اصرفه
في كل ناحية ما فاتك الطلب
ومن تطور واستعمال الاقيسة المنطقية قول الشاعر البحتري:
دنوت تواضعا وعلوت مجدا
فشأناك انحدار وارتفاع
كذاك الشمس تبعد ان تسامى
ويدنو الضوء منها والشعاع
ومن حسن الابداع والتصوير الشعري الحسن قول الشاعر بشار بن برد متغزلا:
ياقوم اذني لبعض الحي عاشقة
والاذن تعشق قبل العين احيانا
وعلم العروض او علم اوزان الشعر وكيفية تنظيم الشعر والنطق به والفارق بين الشعر والنثر نشأ بنشوء الشعر فهو روح الشعر وحركته اذا اتفق مع حسن المعاني وارتبط بافضل الاساليب او قل هو النغم او الموسيقي التي تسري في جسد الشعر العربي ومن خلال الاذن الموسيقية العربية لا نشاء الشعر او سماعه او تذوقه.
لم يكن العربي بحاجة الى تلقي موسيقى الشعر عن طريق الدراسة او تثبيتها باوزان معينة بل كانت الاذن الموسيقية لدى العربي صاغية حساسة الى مدى بعيد فانشد العربي الشعر على انغام و اصوات حركة الابل وسيرها في ليل او نها ر او من خلال تهادي المرء العربي وهو راكب عليها تتهادى به قليلا قليلا او امراة تهتز فوقه في هودجها او من حركة الهواء الضارب في تلك الخيام التي يسكنها وعبثه فيها ومن شدة حركة الخيل الزاحفة للقتال من كل هذه ومن غيرها نشات وتطورت الموسيقى الشعرية فبقيت الاذن العربية عارفة انغامها و ترابطها او بعض معايبها كطيها وخبنها اواوتادها واعمدتها ورويها والقول في هذا طويل- لاحظ مقالتي بعنوان (النغم الايقاع)المنشورة في كتابي( في الادب والفن) في مدونتي على النت او موقعي اسلام سيفلايزيشن .
ازدحمت الحياة وكثر اللغط وتشابكت الاصوات كلما كثرت البشرية واختلطت ببعضها فكثرت على الاذن العربية كل هذه الاصوات واختلفت نغماتها بعد تطور الحياة وازدهارها وتمازج العرب بالاعاجم وبالحياة العامة والحضارة الاممية وتشابكها والاسواق وما فيها فاصبح من الضروري ايجاد امر مكتوب لتفهمه و وتتذوقه وتعيه او تعين الاذن في نشاته او عند سماعه فنشأ علم العروض في العصر العباسي الاول على يد الخليل بن احمد الفراهيدي البصري .
درس هذا العالم العربي الجليل كل ما قاله الشعراء والاصوات ونغمة والتباين بين نغمة واخرى وقيد كل ذلك ووجد ان الشعر العربي قديما وحديثا لا تتعدى انغامه الخمسة عشر نغما اسماها بحورا هي بحور الشعر العربي الذي انشد فيها الشعراء العرب قصائدهم واشعارهم .
لاحظ مقالتي ( النغم والايقاع ) المنشورة في كتابي ( دراسات في الشعرالعربي وقصيدة النثر )
ثم جاء من بعده تلميذه الاخفش و اجهد نفسه ليجد بحرا اخر ابتكره ابتكارا من خلال معرفته الواسعة في الموسيقى الشعرية اسماه (المتدارك) تدارك به اخر النغمات من حيث الوزن الشعري فاصبحت بحور الشعرالعربي ستة عشرا بحرا هي التي ينظم بها الشعراء قصائدهم واشعارهم منها على سبيل المثال الطويل على وزن:
1- الطويل : وأصل تفاعيله:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعل .
2- المديد : وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن .
3- البسيط : وأصل تفاعيله:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن .
4- الوافر : وأصل تفاعيله:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن .
5- الكامل : وأصل تفاعيله:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
6- الهزج وأصل تفاعيله:
مفاعيلن مفاعلين مفاعلين .
7- الرجز وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .
8- الرمل وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
9- السريع وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مفعولات.
10- المنسرح وأصل تفاعيله:
مستفعلن مفعولات مستفعلن .
11- الخفيف وأصل تفاعيله:
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن.
12 - المضارع وأصل تفاعيله:
مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن .
13- المقتضب وأصل تفاعيله:
مفعولات مستفعلن مستفعلن .
14- المجتث وأصل تفاعيله:
مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن
15- المتقارب وأصل تفاعيله:
فعولن فعولن فعولن فعولن .
16- المتدارك ( ويسمى الخبب أو المحدث )
وأصل تفاعيله:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن .
الا ان هذه البحور قد اجتزئت ونهكت ولحقها التغيير او الشطر فنظمت القصائد بمجزوء البحر اومشطوره ودخلت اليها بعض الامراض العروضية مثل الخبن والزحاف و... لاحظ الشاعر صريع الغواني في الغزل :
يا أيها المعمود قد شفك الصدود
فأنت مستهام خالفك السهود
تبيت ساهرًا قد ودعك الهجود
وفي الفؤاد نار ليس لها خمود
تشبها النيران من الهوى وقود
إذا أقول يومًا قد أطفئت تزيد
يا عاذلي كفى فإنني معمود
وقد ألمّ الشعراء العباسيون بالأوزان التي أخرجها الخليل ونظموا في تفعيلاتها وكان الافضل الأوزان القصيرة كالمجتث والقتضب ومجزؤء الكامل وغيره من البحور المجزوءة التي تستدعي الرشاقة والعذوبة وتلائم حياة القصور والحانات والخمائل وما يحبب النغم إلى النفسِ اوأكثر استجابة للغناء وطواعية للنغم الموسيقي
لاحظ ابا نؤاس حيث يقول :
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
إنْ بكى يحقُ لـه ليسَ ما به لعبُ
تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ
كلما انقضى سببٌ منكِ عاد لي سببُ
وكذلك الاوزان الشعرية وبحور الشعر العربي ازدادت وتطورت فظهرت بحور جديدة واوزان لم تكن معروفة من ذي قبل مثل المواليا والمزدوج والمسمط والمربع والمخمس هذا بالاضافة الى التغيير في الفاظ الشعر واساليبه لقد فتتح الشعراء قصائدهم بالغرض الذي نظمت القصيدة من اجله في بعض الاحيان عازفين عما كان الشعراء يسيرون عليه من استهلال القصيدة بالغزل ا والبكاء على الاطلال ولو ان بعضا منهم ظل ينشد على الطريقة المالوفة.
كما تصرف بعض الشعراء بالأوزان واستحدثوا أوزاناً أخرى تنسجم مع روح العصر مثل أبي العتاهية الذي كان من أشهر الذين ابتكروا في الأوزان الشعرية لما يقول من الشعر وقد قال ابن قتيبة فيه :
( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب )
اما القوافي فهي تعتمد على الحرف الاخير من البيت الشعري وحركته وحركة الحرف الذي قبله ويسمى الروي فقديما كانت القصيدة يجب ان تكون نهاية ابياتها على وتيرة واحدة ونسق واحد وروي واحد مهما طالت القصيدة او قصرت فهي تكون من بحر واحد وقافية واحدة ويشكل الحرف الاخير قافية القصيدة فيقال هذه قصيدة بائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الباء ورائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الراء وهكذا
اما في العصرالعباسي الاول فقد اوجد التطور انواعا اخرى من القصيد منها المربع ومنها المخمس والمشطور ومنها ما يسمى المواليا وهكذا الا ان الجميع كانت تحتكم الى البحور الشعرية العربية ولا تخرج منها الا نادرا وحسب مقتضات القصيدة والضرورة الشعرية التي اجازت للشاعر ما لم تجز لغيره.
اما فيما يخص الفنون الشعرية واغراضها وكيفية تطورها فاقول:
مما لاشك فيه ان الأغراض الشعرية في العصر العباسي هي امتداد للأغراض الشعرية في العصور السابقة و لكنَّ هذا لا يعني عدم بروز موضوعات جديدة فقد تطورت الموضوعات التقليدية في العصر العباسي في الشعر كما برزت موضوعات جديدة في هذا العصر واهمها مايلي :
واول هذه الفنون الفخر و المدح وهي اغراض شعرية معروفة
منذ العصر الجاهلي ومتداخلة بين الفخر والمدح و في العصر العباسي اشتق فن المدح لنفسه مضامين جديدة فقد برز الإلحاح في هذا العصر على المعاني الإسلامية خاصةً في مدح الخلفاء و الوزراء على نحو لم يُعهد مِنْ قبل. فالخليفة في نظر الشعراء هو إمام المسلمين و حامي حمى الإسلام و قد بالغ الشعراء في وصف مكانة الممدوح الدينية لاحظ قول أبي نؤاس في مدح الخليفة هارون الرشيد وهي حالة جديدة لم يسبق لها مثيل :
لقـد اتقيتَ الله حقَّ تُقـاتـه
و جَهَدْتَ نفسك فوق جُهدِ المُتقي
وَ أَخفْتَ أهلَ الشِرك حتى أَنَّه
لَتخَافكَ النُطف التي لَمْ تُخلقِ
كمَا قام الشعراء بتصوير الأحداث و الفتن و الحروب في قصائد المدح والفخر و بذلك أصحبت قصائد المدح وثائق تاريخية تُصوَّر البطولات العربية. وافضل ما قيل بهذا المعنى قصيدة أبي تمام في فتح مدينة عمورية:
السيف أصدق إنباءً من الكتب
في حدَّهِ الحَدُّ بينَ الجد و اللعبٍ
وبروز حالات التجديد في هذا الفن مثل مدح المدن و التعصب لها و الإفاضة في تعداد محاسنها و أشهر المدن التي مُدحت الكوفة و البصرة و بغداد باعتبار هذه المدن مراكز رئيسية للحياة الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية في العالم الاسلامي او الدولة العربية . لاحظ قول عمارة بن عقيل في مدح بغداد:
أعاينت في طول من الأرض أو
عرض كبغداد داراً إنها جنة الأرضِ
صفا العيش في بغداد واخضر عوده
وعيش سواها غير صاف ولا غض
تطول بها الأعمار إن غذاءها مريء
وبعض الأرض أمرؤ من بعض
والغزل من الفنون المعروفة منذ القدم في العصر الجاهلي و قد تميز فيه عدة اتجاهات الاول التغزل بالمرأة وفيه اتجاهين الغزل الحسي الجسدي والثاني الغزل العفيف - لاحظ كتابي (الغزل في الشعرالعربي ) و قد أدَّت طبيعة الحياة في العصر العباسي إلى ازدهار فن الغزل فبرزت فيه أنواع من الغزل كالغزل القصصي و هو امتداد لما كان معروفًا في العصور السابقة وكذلك الغزل الحسي او الجسدي و لكنه صار أكثر مجونًا وخلاعة و تعابثًا. و للزندقة والشعوبية دور كبير في شيوع هذا الغزل وانتشاره و تعدد الملاهي وذيوع الآراء الإباحية التي نشرها الموالي . لاحظ قول حماد عجرد في الغزل :
أني لأهوى جوهراً ويحب قلبي قلبها
وأحب من حبّي لها من ودَّها وأحبها
وأحب جارية لها تخفي وتكتم ذنبها
ومن الغزل العفيف قول العباس بن الاحنف يتغزل في حبيبته :
ألم تعلمي يا فوز أني معـــــــــــــذب ُ
بحبكم , والحين للمرء يجلــــــــــــــــب ُ
وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ
أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــو
أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ
فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا
فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب
ولون جديد او اخر ظهرَ في الشعر العباسي هو الغزل بالغلمان أو الغزل بالمذكر. على ايدي نخبة من الشعراء المجان مثل والبة بن الحباب وابي نؤاس والحسين بن الضحاك وغيرهم يقول أبو نؤاس في غلام له اسماه رحمة متغزلا به :
أحببت من شعره بشار لحبكم
بيتاً كلفت به من شعر بشار
يا رحمة الله حلي في منازلنا
وجاورينا فدتك النفس من جار
إذا ابتهلت سألت الله رحمته
كنيت عنك وما يعدوك إضمار
يتبع -