حسان بن ثابت
هو أبو الوليد حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الخزرجي الأنصاري يكنى أبا الوليد وقيل: يكنى أبا عبد الرحمن وقيل: أبا الحسام.
أمه الفريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان بن عبدون بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن كعب بن ساعدة الأنصارية.
ولد سنة ستين قبل الهجرة و نشا في بيت عز وشرف وغنى
فهو شاعر عربي وصحابي جليل من الأنصار ينتمي إلى قبيلة الخزرج ومن أهل ( يثرب ) المدينة المنورة التي نورها الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بهجرته المباركة اليها ومن بني النجار ( اخوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم واخوال جد ه عبد المطلب بن هاشم حيث تزوج هاشم اثناء مرور قافلته التجارية ب ( يثرب ) قاصدا الشام وهي (رحلة الصيف ) فمكث فيها مدة تزوج فيها ( سلمى بنت عمرو بن عدي) من بني النجار من الخزرج فتركها في ( يثرب) حاملا وسار بقافلته الى الشام ثم وافته المنية في ارض الشام في مدينة (غزة) من ارض فلسطين ودفن هناك
فولدت سلمى هذه بعد وفاة زوجها هاشم ولدا اسمته ( شيبة) حيث قيل انه لما ولد وجد في رأسه الشيب . وقد نشأ ( شيبة ) في يثرب بين اخواله حتى بلغ ثماني سنوات فعلم بذلك اعمامه فطلبه اخوه المطلب بن ها شم واخذه الى مكة فكان اغلب الناس لا تعلم انه ا خوه وظنوا انه عبده فقيل ( عبد المطلب ) فكانت هذه شهرته ).
لاحظ كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة)
وقيل ان اباه ثابت بن المنذر الخزرجي كان من سادات قومه ومن اشرافهم .اسهم في الخصومات بين الاوس والخزرج فهجا الاوس ونال منهم .
مدح حسان في الجاهلية الغساسنة وملوكهم قبل الاسلام من شعره فيهم :
لله درّ عصابةٍ نادمتهم
يوماً بجـِلَّقَ في الزمان الأولِ
أولاد جفنة حول قبر أبيهمُ
قبر ابن مارية الكريم المفضلِ
يسقون من ورد البريص عليهمُ
برَدى يصفّق بالرحيق السلسلِ
بـِيضُ الوجوه كريمةُ أحسابهم
شمَ الأنوف من الطراز الأولِ
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم
لا يسألون عن السواد المقبلِ
وكذلك المناذرة وغيرهم الا انه بعد مجيء الاسلام واعلان اسلامه اختص في مدح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ومدح المسلمين وفخر بهم وكني بشاعر النبي .
.
وأهدى لهُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد اسلامه جارية قبطية كان قد اهداها اليه (المقوقس) ملك الاقباط واسمها سيرين بنت شمعون فتزوجها حسان وأنجبت منهُ ولدهُ عبد الرحمن وحسن إسلامها و هذه هي أخت مارية القبطية زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم أي ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان عديله .. و من هنا يتضح انه تربطه به علاقة قرابة وعلاقة مصاهرة .
أصيب بالعمى قبل وفاته ولم يشهد مع النبي مشهدًا لعلة أصابته ويعد في طبقة المخضرمين من الشعراء لأنه أدرك الجاهلية والإسلام وله شعر في كل من العصرين .
وقد عاش ستين سنة في الجاهلية، ومثلها في الإسلام وتوفي في المدينة المنورة سنة أربع وخمسين للهجرة وله مائة وعشرون سنة في خلافة معاوية بن ابي سفيان في ر واية اخرى توفي في خلافة علي بن ابي طالب سنة اربعين هجرية وعمره مائة وخمس سنين . وهو القائل :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا
وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
يمتازشعره بقوته ومتانته وبلاغته بحيث كان سوطا لاذعا في ظهور اهل الشرك والكافرين بعد اسلامه اتخذه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم شاعره المفضل وحثه على قول الشعر ومناجزة شعراء الشرك والجاهلية ومدح المسلمين وهجاء كفار قريش والرد على كل شاعر يهجوالمسلمين من شعراء الشرك .
يقول النقاد والمختصون في الشعر ان شعره في الجاهلية اقوى واحسن وافضل من الشعر الذي قاله في الاسلام ويرجعون او يعولون ذلك لانبهاره في اساليب القران الكريم ومعانيه وتقييده شعره بقيود اخلاقية اسلامية منها الكذب المبالغ فيه حد الاسراف كما انه اسلم بعد ان بلغ الستين من عمره وتكون قد انطفاءت ثورة عاطفته او جذوة شاعريته .
اما انا فلي قول اخر في ذلك هو ان الشاعر حسان بن ثابت قال الشعر في الجاهليــــة والإسلام و في هذا المقال الموجز سنبين رأينا في شعره في كلا العصرين :
يقول اغلب النقاد إن شعر حسان الجاهلـــــي أقوى من شعره الإسلامي في كل قصائده وهذا حكم في رأيي الخاص قاس وصارم فقد طرق حسان أكثر الإغــــــــــراض الشعرية فقد شبب ومدح وهجا ورثا ووصف وافتخر وفخر وحكم مثله مثل كل الشعراء يقول:
نسبي اصيل في الكرام ومــــــــــذودي
تكوى مواسمه جنوب المصطلي
بدأ قصيدته اعلاه في الغزل كعادة الشعراء الجاهليين قبله وتساءل عن ديار الأحبة وتنقل بين البضيع والجوابي وحومل وانتقل إلى مدح الغساسنة حكام الشام فـــي (جلّق ) ثم عرج على الخمرة واحتسائها ثم افتخر بنسبه الأصيل وإذا أمعنا النظر في هذه القصيدة او في غيرها من شعره الجاهلي نلاحظ متانة الشعر وبلاغته وقوة الفاظه وصعوبتها في كثير من الأحيان وكذلك الشعراء كانوا يفعلــــون إذ يخرجون في القصيدة الواحدة إلى إغراض شتى إذ تبدأ بالغزل والبكاء على الإطلال أو وصف الخمرة وينحدر مــــن فن لاخر وهذا بلاشك يفتح أمام الشاعر أجواء شعرية واسعة فتاتي قصيدته قوية متينة لذا كان الشعر الجاهلي بليغا وقويا. يقول في قصيدته :
توحْ منَ الحسناء أمْ أنتَ مغتدي،
وكيفّ انطلاقُ عاشقٍ لمْ يزودِ
تَرَاءتْ لَنا يَوْمَ الرَّحيلِ بمُقْلَتيْ
غَرِيرٍ بمُلْتَفٍّ مِن السِّدْرِ مُفْرَدِ
وجيدٍ كجيدِ الرثمِ صافٍ، يزينهُ
توقدُ ياقوتٍ، وفصلُ زبرجدِ
كأنَّ الثُّرَيّا فَوْقَ ثُغْرَة ِ نَحْرِها
توقدُ، في الظلماءِ، أيَّ توقدِ
لعَمْري لَقدْ حالَفْتُ ذُبْيانَ كُلَّها
وعبساً على ما في الأديمِ الممددِ
وأقبلتُ منْ أرضِ الحجازِ بحلبة
ٍ تَغُمُّ الفَضاءَ كالقَطا المُتَبَدِّدِ
تحملتُ ما كانتْ مزينة ُ تشتكي
منَ الظلمِ في الأحلافِ حملَ التغمدِ
أرَى كثْرَة َ المَعْرُوفِ يورِثُ أهْلَهُ
وسَوَّدَ عَصْرُ السَّوْءِ غَيْرَ المُسَوَّدِ
إذا المرءُ لمْ يفضلْ، ولم يلقَ نجدة
ً معَ القَومِ فَلْيَقْعُدْ بِصُغْرٍ ويَبعَدِ
وإنّي لأغْنى النّاسِ عَنْ مُتكلِّفٍ
يَرَى النّاسَ ضُلاَّلاً وليس بمُهْتدي
كَثِيرِ المُنى بالزَّاد، لا خَيْرَ عِندَهُ
إذا جاعَ يوماً يَشْتَكِيهِ ضُحى الغدِ
اما شعر حسان في الاسلام فيتميز بطبقة شعرية عالية رفيعة جمعت بين بيان الجاهلية ومعارفها وحداثــــــــة الاسلام وروحانيته الواسعة وافر البيان جزل اللفظ واسع البلاغة يعود ذلك الى صلته الشديدة والقريبة من موقـــــــع مهبط الوحي وقربه من معين الأدب الإسلامي حيث كان يستمع إلى القرآن الكريم ويحفظه فشعره قد تحلــــــــــــــى بالفصاحة الخالصة من شوائب اللفظ وغريب العبارة والتعقيد فشعره حسن مفهوم خال من حوشي الكلام زاخـــــــــــر بالمعاني الاسلامية الجديدة والاغراض السامية النبيلة ينهل من بحر المدرسة المحمدية التي التزم بها و أصبــــــــــــح لا يفارقها .
من جهة اخرى انه كان شاعرا في الجاهلية شاعرا في الإسلام فازداد قوة شعرية ورفعة ومتانة فعمــــــــــره الطويل وعراكه مع الزمن وتجربته الشعرية وحاجة الإسلام إليه في الذود عنه وعن شخصية الرسول الكريم محمـــــــد صلى الله عليه وسلم وتشجيع النبي صلى الله عليه وسلم المستمر له قادته إلى السمو والعلى .
وقال في رد على الشاعر الزبرقان لما وفدت تميم على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة :
هل المجد إلا السودد العود والندى
وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النبي محمدا
على أنف راض من معد وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه
بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لما حل وسط ديارنا
بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا
وطبنا له نفسا بفيء المغانم
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا
على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها
ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم لا تفخروا إن فخركم
يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم
لنا خول ما بين ظئر وخادم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم
وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا
ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
قال ابن سلاّ م في طبقاته للشعراء متحدثا عن شعراء الإسلام (وأشهرهم حسان بن ثابت وهو كثير الشعر جيده ) من هذا نستنتج إن شعر حسان في الإسلام يضاهي شعره فــــــــي الجاهلية أو يزيد عليه لنقرأ له هذه الأبيات الإسلامية لنلاحظ قوته وصياغته الشعرية وجزالة شعره وبلاغته ونلاحظ تاثير الاسلام على شاعريته :
الله ا كرمنا بنصر نبيــــــــــــــه
وبنا أقام دعائم الإســـــــــــلام
وبنا اعز نبيه وكتابــــــــــــــه
وأعزنا بالضرب و الإقـــــد ام
في كل معترك تطل سيوفنـــــا
فيه الجماجم عن فراخ الها م
ينتابنا جبريل في أبياتــــــــنا
بفرائض الإسلام والإحكــــام
يتلو علينا النور فيها محكمـا
قسما لعمرك ليس كالأقســام
نلاحظ جودة شعره وتأثير الإسلام فيه واقتباسه في شعره من آيات القرآن الكريم فما اقتبسه من القران الكريم واحاديث الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم زادت في شاعريته وروت شعره من معينها قوة وبلاغة وسهولة وفصاحة حتى بلغ الذروة رحم الله حسان فهـــو سيد الشعراء المخضرمين وأسعدهم .
ومن جميل شعره هذه الابيات:
عفـتْ ذاتُ الأصابـعِ فالجـواءُ
إلـى عـذراءَ منـزلـها خـلاءُ
ديارٌ منْ بَنِـي الحسحـاسِ قفـرٌ
تعفيهـا الـروامـسُ والسمـاءُ
وكانـتْ لا يـزالُ بِهـا أنيـسٌ
خـلالَ مروجهـا نعـمٌ وشـاءُ
فدعْ هـذا، ولكـن منْ لطيـفٍ
يـؤرقنِـي إذا ذهـبَ العشـاءُ
لشعثـاءَ التـي قـدْ تيـمـتـهُ
فليـسَ لقلبـهِ منهـا شـفـاءُ
كـأنّ سبيئـةً مـن بيـتِ رأسٍ
يكـونُ مزاجهـا عسـلٌ ومـاءُ
عَلى أنيابـها، أو طعـمَ غـضٍّ
مـنَ التفـاحِ هصـرهُ الجـنـاءُ
إذا ما الأسربـاتُ ذكـرنَ يومـًا
فهـنّ لطيـبِ الـراح الـفـداءُ
نوليهـا الـملامـةَ، إنْ ألـمنـا
إذا ما كـانَ معـثٌ أوْ لـحـاءُ
ونشـربـها فتتركنـا ملـوكـًا
وأسـدًا مـا ينهنهنـا اللـقـاءُ
عدمنـا خيلنـا، إنْ لَـم تروهـا
تثيـرُ النقـعَ، موعدهـا كـداءُ
يبـاريـنَ الأسـنـةَ مصعـداتٍ
عَلى أكتافهـا الأسـلُ الظمـاءُ
تـطـلُّ جيـادنـا متمطـراتٍ
تلطمهـنّ بالخمـرِ الـنـسـاءُ
فإمـا تعرضـوا عنـا اعتمرنـا
وكانَ الفتحُ، وانكشـفَ الغطـاءُ
وإلا، فاصبـروا لـجـلادِ يـومٍ
يـعـزُّ اللهُ فيـهِ مـنْ يـشـاءُ
وجبـريـلُ أميـنُ اللهِ فـيـنـا
وروحُ القـدسِ ليـسَ لهُ كفـاءُ
وقالَ اللهُ : قـدْ أرسلـتُ عبـدًا
يقـولُ الحـقَّ إنْ نفـعَ البـلاءُ
شهـدتُ بـهِ فقومـوا صدقـوهُ
فقلتـمْ : لا نـقـومُ ولا نشـاءُ
وقالَ اللهُ : قـدْ يسـرتُ جنـدًا
همُ الأنصـارُ، عرضتهـا اللقـاءُ
لَنَـا فِي كـلّ يـومٍ مـنْ معـدٍّ
سبـابٌ، أوْ قتـالٌ، أوْ هجـاءُ
فنحكمُ بالقَوافِـي مـنْ هجانـا
ونضربُ حيـنَ تَختلـطُ الدمـاءُ
ألا أبـلـغْ أبـا سفيـانَ عنِّـي
فأنتَ مجـوفٌ نَخـبٌ هـواءُ
بـأنّ سيوفنـا تركتـكَ عبـدًا
وعبـدَ الـدارِ سادتـها الإمـاءُ
هجوتَ محمـدًا، فأجبـتُ عنـهُ
وعنـدَ اللهِ فِـي ذاكَ الـجـزاءُ
أتَهجوهُ، ولسـتَ لـهُ بكـفءٍ
فشركمـا لخيـركمـا الفـداءُ
هجوتَ مباركـًا، بـرًا، حنيفـًا
أميـنَ اللهِ، شيـمـتـهُ الوفـاءُ
فمنْ يهجـو رسـولَ اللهِ منكـمْ
ويَمـدحـهُ، وينصـرهُ سـواءُ
فـإنّ أبِـي ووالـدهُ وعرضـي
لعـرضِ محمدٍ منكـمْ وقـاءُ
******************************************