شعراء جاهليون
بقلم فالح الحجية
43
المهلهل بن ربيعة التغلبي
-
هو ابو ليلى الزير سالم عدي بن ربيعة بن سعد بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد
- .
من أبطال العرب وشجعانها في الجاهلية ومن أهل نجد.وقيل من البحرين وهو خال امرئ القيس الشاعر المعروف . وهناك منطقة في البحرين تسمى دار كليب كان فيها قصر الملك كليب أخ الزير سالم، ولا تزال هذه المنطقة تحمل نفس الاسم ويكنى ( المهلهل ). وقيل. لقب ( المهلهل ) لأنه أول من هلهل نسج الشعر، أي رققه ويسره
.
وكان أصبح الناس وجهاً حسنا وجمالا ومن أفصحهم لساناً. عكف في صباه على اللهو والتشبيب بالنساء، فسماه أخوه كليب (زير النساء) أي جليسهن وسارت عليه هذه الكنية فقيل له ( الزير )
وكان للمهلهل ابنتان هما: ليلى وعبيدة، فأما ليلى فهي أم الشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي. وأما عبيدة فزوجها معاوية بن عمرو بن معاوية الجنبي المذحجي فأنجبت بني عبيدة فهي أم قوم يقال لهم عبيدة من جنب من مذحج وقد عاش في شبه الجزيرة العربية. وقد وقعت حرب البسوس في أرض قديمة تسمى اليوم( القنفذة) و(عمق) و(القوز.) وعاش بنو تغلب مع أبوهم ربيعة في اليمن وبعدها عادوا الى الحجاز وبعدما تم الصلح بين بني تغلب وبني بكر رحلوا إلى شمال العراق والجزيرة الفراتية العليا وعاشوا هناك.
.
ولما قتل (جساس بن مرة) اخاه (كليب) ثار (المهلهل )فانقطع عن اللهو و الشراب واقسم أن لا يقربهما الا ان يثأر لأخيه فيقتلوه بدم كليب)
وجاء في (الأغاني) للاصفهاني أنّ (جسّاساً) لما جاء قال له أبوه بعد ما رآه على هيئة تثير الريبة: :
ما وراءك يا بني؟
قال: ورائي إني قد طعنت طعنة لتشغلن بها شيوخ وائل زمناً.
قال له ابوه: أقتلت كليباً؟
قال نعم.
قال: وددت أنك وإخوتك كنتم متم قبل هذا.
لكنه رفض تسليم جسّاس أو همّام ليقتلا، بعدما رفض القوم الدية فكان السبب في قيام حرب البسوس بين بكر وتغلب التي دامت أربعين سنة وهي في الواقع معارك وغزوات وقعت في أوقات متقطعة وقعت بين( تغلب) ومن حالفها وبين( بكربن وائل) .وقد أثارها وأشعل نارها شاعرنا (المهلهل )أخو (كليب) أخذًا بثأر أخيه من بني بكر قوم (جسّاس.) وأعلنها رغم توسط عقلاء بكر بحل القضية حلا سليمًا حقنًا لدماء الطرفين. بتأدية دية الـملوك، وهي( ألف ناقة سود الـمقل، أو أن يأخذوا أحد أبناء مرة بن ذهل والد جسّاس، فيقتلوه بدم كليب) وفي ذلك يقول
خذ العهد الاكيد علي عمري
بتركي كل ماحوت الديارُ
وهجري الغانيات وشرب كاسٍ
ولبسي جبةً لا تستعارُ
ولست بخالع درعي وسيفي
الى ان يخلع الليل النهار
وإلا ان تبيد سراة بكر
فلا يبقى لها أبدا أثارُ
قال ابن سلاّم :
(إن العرب كانت ترى أن مهلهلاً لم يتكثر ويدّعي في شعره أكثر مما يعمل . والحق أن مهلهلاً لم يتكثر ولم يدَّع شيئاً ، وإنما تكثرت تغلب في الإسلام ونحلته ما لم يقل . ولم تكتف بهذا الانتحال بل زعمت أنه أوّل من قصّد القصيد وأطال الشعر ،)
وقيل انه سمي المهلهل ، لأنه هلهل الشعر . والهلهلة الإضطراب . ويستشهد ابن سلاّم على هذا بقول النابغة أتاك بقول هَلْهَلِ النسجِ كاذبِ )*
ديوان شعر المهلهل تناقلته كتب الادب كالأغاني وخزانة الأدب وديوان الحماسه وكثير غيرها .. وشعر ه يدور في أكثره حول حرب البسوس و رثاء أخيه ( كليب ) وتوعدا لأعدائه من بني بكر واحلافهم والحقيقة ان في شعر مهلهل اضطراب ،و فيه هلهلة وإختلاط . ربما لانجدها عند غيره من الشعراء وقال الاصمعي قديما (أكثر شعر المهلهل محمول عليه )
ويحسن بنا ان نقرأ شئا من شعر (المهلهل) وربما يكون الشعرالمنسوب اليه منتحلا من قبل من انتحل شخصيته الاسطورية حيث جعلوا منها قصة طويلة مثلها مثل قصة سيف بن ذي يزن وقصة الزير سالم وغيرها القديمة و من هذا الشعر نذكر:
أليلتنـا بـــــذى حُسُــم أنيـري
إذا أنت إنقضيــت فلا تحوري
فإن يـك بالذنائب طـــال ليلي
فقـــد أبكـــى من الليل القصير
فلو نبش المقابــــرُ عن كُلَيْب
لأُخبـر بالذنــائب أيّ زيــــــــر
ويــــوم الشعشمين لقرّ عيناً
وكيــف لقــاءُ مَنْ تحت القبور
على أني تركــت بــــواردات
بُجَيــــْراً في دم مثـــل العبيـــر
هتكت به بيــــوت بنى عُبّــاد
وبعض الغشـم أشفى للصــدور
د
على أن ليس يوفى من كليب
إذا بــرزت مخبَّـــأة الخـــــدور
وهّمام بن مـــُرّةَ قد تركنـــــا
عليــه القُشْعمــان من النســور
ينــوء بصــدره والرمــح فيه
ويخلجـــــه خِدبٌ كالبعيــــــر
فلولا الريـحُ أُسمِعُ منَ بِحُجْرٍ
صليل البيــض تُقـرع بالذكور
فدى لبني شقيقــة يوم جاءوا
كأسد الغـاب لجــّت في الزئير
كــأنّ رماحهــــم أشطـانُ بئر
بعيــد بيــن جالَيْهـــا جــــَرور
غــداة كأننــــا وبني أبينـــــــا
بجنــب عُنيزة رَحَيَــــا مُديـــر
تظلُّ الخيل عاكفــةً عليهـــم
كـأنّ الخيــل تُرْحض في غدير
اما شعره غير المنحول فمنه هذه القصيد ة التي يرثي بها اخاه وقد اقر القدماء والمحدثين انها من القصائد المؤكد خلوها من أي تحريف وهذه هي ا لقصيده الرائعه.:
أهـــــــــــــــــــاج قذاء عينيَ الادكارُ ؟
هُــــــــــــــــــدوءاً فالدموعُ لها انهمارُ
وصار الليل مشــــــــــــــــــتملاً علينا
كـــــــــــأن الـــلـــيـــــلَ ليس له نهارُ
وبتُّ أراقـــــــــــــــــــبُ الجوزاء حـتى
تقــــــــارب من أوائـــلها انـــــحـــــدارُ
أصـــــــــــــــــــرفُ مقلتي في إثرِ قومٍ
تباينت البلادُ بهم فغـــــــــــــــــــــاروا
وأبـــــــكـــــــي والنجــــــــومُ مُطَلعات
كأن لم تــحــــــوها عـــني البحــــــارُ
على من لو نُعـــــيت وكــــان حــــــياً
لقاد الخــــــيلَ يحـــجـــبُها الغـــــــبارُ
*** *******************
دعــــــــوتكَ يا كـــلـــيبُ فلم تجــبني
وكيف يجـــــــــــــــــيبني البلدُ القَفارُ
أجــــــبني يا كُـــــليبُ خــــــــلاك ذمٌ
ضــــــــنيناتُ النفـــــــــــوس لها مَزارُ
أجــــــبني يا كُـــــليبُ خــــــــلاك ذمٌ
لقد فُجِعتْ بفارســــــــــــــــــــها نِزارُ
ســــــقـــــــــاك الغيثُ إنك كنت غيثاً
ويُســـــــــــــــراً حين يُلتمسُ اليسارُ
أبت عــــــيناي بعــــــــــــــدك أن تَكُفا
كأن غـــضـــا القــــــــتادِ لها شِـــــفارُ
وإنك كـــنـــت تـــحـــلــمُ عن رجــــالٍ
وتـــعـــفـــو عــــنــهُــــمُ ولك اقـــتدارُ
وتـــمـــنــعُ أن يَمَـــسّــــــهُمُ لســـانٌ
مـــــخــــــــافـــةَ من يجــيرُ ولا يجــارُ
وكـــنتُ أعُــــدُ قــــــربي منك ربــحـــاً
إذا ماعـــــــدتْ الربْـــــــحَ التِّجـــــــــار
فلا تــبــعُـد فــكـــلٌ ســــــــوف يلقى
شـــعـــوباً يســــــتديـــر بها المــــدارُ
يعـــيــشُ المـــــــرءُ عـــند بني أبـيــه
ويوشــــــك أن يصـــــــير بحيث صاروا
أرى طــــــول الحـــــيــاة وقــد تـــولى
كما قد يُسْـــــــلـب الشــــيء المعارُ
كأني إذ نــعــى النــاعـــي كـــلـــيــباً
تـــطـــــاير بــيــن جـــنــبــي الشــرار
فَدُرتُ وقد غـــشـــى بصــــــري عليه
كما دارت بشــــــاربها العُـــــــــــقـــار
ســـــــــألتُ الحـــــي أين دفــــنتموهُ
فـــقـــالوا لي بأقـــصـــى الحـــي دارُ
فســــــــــــرتُ إليه من بلدي حـــثيثاً
وطــــــار النــــومُ وامـــــــتنع القــــرارُ
وحـــــــــادت ناقـــــتي عن ظــلِ قــبرٍ
ثــوى فــــيه المـــكــــارمُ والفَــخــــارُ
لدى أوطــــــــــــــان أروع لم يَشِــــنهُ
ولم يحــــــــدث له في النــاس عـــارُ
أتغــــــــدو يا كـــــــليبُ معــــي إذا ما
جـــــبان القــــــــوم أنجـــــــاه الفِــرارُ
أتغــــــــدو يا كـــــــليبُ معــــي إذا ما
حُـــــلُوق القـــوم يشحـــذُها الشَّفارُ
أقـــــــــولُ لتغــــــلبٍ والعـــــــــزُ فيها
أثــــــيــــــرُهــــــا لذلكــــم انــتــصــارُ
تـــتـــابـــــع أخـــوتي ومــضَــــوا لأمــرٍ
عليه تــــتــــابــــــع القــــوم الحِــسارُ
خُـــــذِ العـــهــــد الأكـيد عليَّ عُمري
بـــتـــركـــــي كـــل ما حـــــوت الديارُ
ولســـتُ بخـــــالعٍ درعي وســـــيفي
إلى أن يخـــلــــع اللــــيل النـــــهـــارُ
اما نهاية هذا الشاعر والبطل الشجاع فقد كانت على الوجه التالي :
لما كبر المهلهل وأ صبح طاعنا في السن فأخذ يتجول في البلاد يرافقه عبدان من عبيده , فملاّ منه وهمّا بقتله فأحس وشعر بذلك , فسألهما أن ينقلا عنه هذا البيت :
من مبلغ الحيين أن مهلهلا
لله دركما ودر أبيكما
فقتلاه ثم عادا إلى الحي باكيين منتحبين , وقالا لابنته البيت الشعري المذكور فتفكرت فيه ثم قالت ان البيت لا يستقيم هكذا إنما أراد المهلهل أن يقول:
من مبلغ الحيين أن مهلهلا
أمسى قتيلاً في الفلاة مجدلا
لله دركما ودر أبيكمــا
لا يبرح العبدان حتى يقتـلا
فضربوهما حتى أقرا بقتله فقتلوهما بدمه .....
، ومن أبرز أبيات شعره ما يلي:
خليلي لما الكل للدهر مني عواذل
ألأنني كنت أنا لو كان ثمة كامل
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها
إن أنت خليتها في من يخليها
ومن أبياته المشهورة:
يقول الزير أبو ليلى المهلهل
وقلب الزير قاسي ما يلينا
وإن لان الحديد ما لان قلبي
وقلبي من الحديد القاسيينا
تريد أمية أن أصالح
وما تدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي
أبيت الليل مغموما حزينا
أبيت الليل أنعي كليبا
أقول لعله يأتي إلينا
أتتني بناته تبكي وتنعي
تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا
وخلانا يتامى قاصرينا
وأنت اليوم يا عمي مكانه
وليس لنا بغيرك من معينا
سللت السيف في وجه اليمامه
وقلت لها أمام الحاضرينا
وقلت لها ما تقولي
أنا عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم
أقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يايمامة فوق رأسي
على شاشي إذا كنا نسينا
فإن دارت رحانا مع رحاهم
طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر مهر
أبو حجلان مطلق اليدينا
فشدي يايمامة المهر شدي
وأكسي ظهره السرج المتينا
******************