شعراء جاهليون
بقلم -0 فالح الحجية
39
المثقب العبدي
هو العائذ بن محصن بن ثعلبة، من بني عبد القيس، من ربيعة
ولد في البحرين وترعرع فيها ولما شب واكتمل قصد الحيرة فاتصل بالملك عمرو بن هند وله العديد من القصائد في مدحه وفي مدح الملك النعمان بن المنذر .
ولد وعاش في السنين الأولى للهجرة وقيل ولد عام \ 36 قبل الهجرة اي عام \553 ميلادية ورغم كونه عاش في الجاهلية و صدر الاسلام الا انه لم يسلم لذلك صنفه المؤرخون من الشعراء الجاهليين
ونلاحظ في شعره حكمة ورقة وبلاغة فهو يتمثل في احدى قصائده ان ضيفاً ضلّ في مجاهل الصحراء المترامية الأطراف فأخذ يتخبط في غياهب باردة مظلمة، في ليلة شاتية قاسية، فهو يعاني من شدة الجوع وألم البرد ما لا يعلمه إلا الله، فما كان منه إلا أن طلب إلى موقدي ناره أن يشباها ويرفعا سناها،ـ وأن يحشيا فيها الحطب الجزل، فزاد من توهج النار ريح عاصفة هبت في تلك الليلة، حتى بدت النار لذلك الضال كأنها كوكب يلمع في السماء، فأكذب نفسه، وما كاد يصدق أنها نار، وبهذا يصور الشاعر حالة الضيف من شدة الحاجة إلى الطعام و الدفء والأمان، فلما تيقن أنها نار حقيقية أخذ يشتد عزمه و يتجدد نشاطه حتى بلغها، فوجد عندها من يستقبله أحسن استقبال ويقريه افضل القرى، يقول في ذلك: :
وسار تعناه المبيت فلم يدع
له طامس الظلماء والليل مذهبا
رأى ضوء نار من بعيد فخالها
لقد أكذبته النفس, بل رأى كوكبا
فلما استبان أنها إنسية
وصدّقَ ظناً بعد ما كان كذبا
رفعت له بالكف ناراً تشبُّها
شآمية نكباء أو عاصف صبا
وقلت ارفعاها بالصعيد كفى بها
مناد لسار ليلة إن تأوبا
فلما أتاني والسماء تبله
فلقّيتُه أهلاً وسهلاً ومرحبا
وكان أبو عمرو بن العلاء يستجيد هذا القصيدة ويقول فيه:
( لو كان الشعر مثلها ؛ لوجب على الناس أن يتعلموه) )
توفي المثقب العبدي في عام \71 هجرية أي في عام \587 ميلادية.
ومن شعره هذه القصيدة وهي من عيون الشعر العربي
يقول المثقب العبدي:
أَفَاطِمَ قَبْلَ بَيْنِكِ مَتِّعِينِي
ومَنْعُكِ ما سَأَلْتُ كأَنْ تَبينِي
فَلاَ تَعِدِي مَوَاعِدَ كاذِباتٍ
تَمُرُّ بِها رِياحُ الصَّيْفِ دُونِي
فَإِنِّي لو تُخالِفُنِي شِمالِي
خِلاَفَكِ ما وَصَلْتُ بِها يَمِينِي
إِذاً لَقَطَعْتُها ولَقُلْتُ بِيني
كذلِكَ أَجْتَوِى مَنْ يَجْتَوِينِي
لِمَنْ ظُعُنٌ تُطالِعُ مِنْ ضُبَيْبٍ
فما خَرَجَتْ من الوادِي لِحِينِ
مرَرْنَ على شَرَافَ فَذَاتِ رَجْلٍ
ونَكَّبْنَ الذَّرَانِحَ باليَمِينِ
وهُن كَذَاكَ حِينَ قَطَعْنَ فَلْجاً
كأَنَّ حُمُولَهُن علي سَفِينِ
يُشَبَّهْنَ السَّفِينَ وهُنَّ بُخْتٌ
عُرَاضَاتُ الأَباهِرِ والشُّؤُونِ
وهُنَّ علي الرَّجائِزِ وَاكِنَاتٌ
قَوَاتِلُ كلِّ أَشْجَعَ مُسْتَكينِ
كَغِزْلاَنٍ خَذَلْنَ بِذَاتِ ضَالٍ
تَنُوشُ الدَّانِياتِ من الغُصُون
ظَهَرْنَ بِكِلَّةٍ وسَدَلْنَ أُخْرَى
وثَقَّبْنَ الوَصَاوِصَ لِلْعُيُونِ
وهُنَّ على الظِّلاَمِ مُطلَّباتٌ
طَوِيلاَتِ الذَّوائِبِ والقُرُونِ
أَريْنَ مَحَاسِناً وكَنَنَّ أُخْرَى
مِنَ الأَجيادِ والبَشَرِ المَصُونِ
ومنْ ذَهَبٍ يَلُوحُ على تَرِيبٍ
كلَوْنِ العاجِ ليْسَ بِذِي غُضُونِ
إِذَا ما فُتْنَهُ يَوْماً بِرَهْنٍ
يَعِزُّ عليهَِ لم يَرْجعْ بِحِينِ
بِتَلْهِيةٍ أَرِيشُ بِها سِهامِي
تَبُذُّ المُرْشِقاتِ منَ القَطِينِ
عَلَوْنَ رُبَاوَةً وهَبَطْن غَيْباً
فَلَمْ يَرْجِعْنَ قائِلَةً لِحِينِ
فَقُلْتُ لِبَعْضِهِنَّ، وشُدَّ رَحْلِي
لِهَاجِرةٍ نَصَبْتُ لَهَا جَبينِي
لَعَلَّكِ إِنْ صَرَمْتِ الحَبْلَ مِنِّي
كَذَاكِ أَكُونُ مُصْحِبَتِي قَرُونِي
فَسَلِّ الهمَّ عَنْكَ بِذَاتِ لَوْثٍ
عُذَافِرَةٍ كَمِطْرَقَةِ القُيُونِ
بِصادِقَةِ الوَجِيفِ كأَنَّ هِرًّا
يُبارِيهَا ويأْخُذُ بالوَضِينِ
كَسَاهَا تامِكاً قَرِداً عليها
سَوَادِيُّ الرَّضِيحِ معَ اللَّجينِ
إِذَا قَلِقَتْ أَشُدُّ لَها سِنَافاً
أَمَامَ الزَّوْرِ منْ قَلَقِ الوَضِينِ
كأَنَّ مَوَاقِعَ الثَّفِنَاتِ مِنها
مُعَرَّسُ باكِرَاتِ الوِرْدِ جُونُ
يَجُذُّ تَنَفُّسُ الصُّعَدَاءِ مِنْها
قُوَى النِّسْعِ المُحَرَّمِ ذِي المُتُونِ
تَصُكُّ الحَاِلبَيْنِ بِمُشْفَتِرُّ
لَهُ صَوْتٌ أَبَحُّ منَ الرَّنِينِ
كأَنَّ نَفِيَّ ما تَنْفِي يَدَاهَا
قِذَافُ غَرِيبَةٍ بِيَدَيْ مُعِينِ
تَسُدُّ بِدَائمِ الخَطَرَانِ جَثْلٍ
خَوَايَةَ فَرْجِ مِقْلاَتٍ دَهِينِ
وتَسْمَعُ للذُّبابِ إِذَا تَغَنَّى
كَتَغْرِيدِ الحَمَام على الوُكُونِ
فالْقَيْتُ الزِّمامَ لها فنامَتْ
لِعَادَتِها منَ السَّدَفِ المُبِينِ
كأَنَّ مُناخَها مُلْقَى لِجَامٍ
عَلَى مَعْزائِها وعَلَى الوَجِينِ
كأَنَّ الكُورَ والأَنْسَاعَ مِنها
على قَرْوَاءَ ماهِرَةٍ دهِينِ
يَشُقُّ الماءَ جُؤْجُؤُها ويَعْلُو
غَوَارِبَ كلِّ ذِي حَدَبٍ بَطِينِ
غَدَتْ قَوْدَاءَ مُنْشَقًّا نَسَاها
تَجَاسَرُ بالنُّخَاعِ وبِالوَتِينِ
إِذَا ما قُمْتُ أَرْحَلُها بِلَيْلٍ
تَأَوَّهُ آهةَ الرَّجُلِ الْحزِينِ
تقُولُ إِذَا دَرَأتُ لها وَضِينِي
أَهذا دِينُهُ أَبَداً ودِينِي
أَكُلَّ الدَّهرِ حَلٌّ وارْتِحالٌ
أَمَا يُبْقِي عَليَّ وما يَقِينِي
فأَبْقَى باطِلي والجِدُّ مِنْها
كدُكَّانِ الدَّرَابِنةِ المطِينِ
ثَنَيْتُ زِمامَها ووضَعْتُ رَحْلِي
ونُمْرُقَةً رَفدْتُ بها يَمينِي
فرُحْتُ بها تُعارِضُ مُسْبَطِرًّا
على صَحْصَاحِهِ وعلى المُتُونِ
إِلى عَمْرٍو ومِنْ عَمْرو أَتَتْنِي
أ َخي النَّجَدَاتِ والحِلْمِ الرَّصينِ
فإِمَّا أَنْ تَكونَ أَخِي بحَقٍّ
فأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي أَوْ سمِينِي
وإِلاَّ فاطَّرِحْنِي واتَّخِذْنِي
عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي
وما أَدْرِي إِذَا يَمَّمْتُ أَمْراً
أُريدُ الخَيْرَ أَيُّهُما يَلِينِي
أَأَلخَيْرُ الَّذِي أَنا أَبْتَغِيهِ
أَم الشَّرُّ الَّذِي هُوَ يَبْتَغِينِي
********************************