شذرات من السيرة النبوية المعطرة
10
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرت في الحلقةالسابقة سفره صلى الله عليه وسلم الى الطائف وما تجشم من مصاعب واعباء .
وقبل ان ادخل في هذه الحلقة اود ان اعرج على امر قد نسيت ان اذكره وهو قول العباس بن عبد المطلب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
لما حضر وفاة عمه ابي طالب قال له : ما اغنيت عن عمك ؟؟ فانه كان يحوطك ويغضب لك . وقد كان كما قال اخوه العباس اليد الطولى في ثبيت الدعوة الاسلامية وحماية النبي محمد صلى الله عليه وسلم من جور قريش واذاهم ومحاولتهم قتله فاجابه النبي صلى الله عليه وسلم : ( هو في ضحضاح من النار ولولا انا لكان في الدرك الاسفل من النار ) وضحضاح النار هو اقلها لهبا وتمثل كشاطئ البحر الذي فيه الماء الى كعب الارجل او اكثر بقليل وشتان من يكون حصب جهنم وفي دركها الاسفل ومن يكون في ضحضاحها او جرفها .
عاد المشركون الى جدالهم وعنادهم ومكابرتهم بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف الى مكة وكانوا يطلبون منه الايات عنادا او تعجيزا وقد اجتمعوا في احد الايام في المسجد الحرام وتشاوروا بينهم ثم ارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وحيث كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا كل الحرص على الحضور بغية ارشادهم فانزل الله تعالى( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا ) الكهف \6 فقد جاء مسرعا يأمل ايمانهم بالله واسلامهم فقالوا له:
- انك تخبرنا ان الرسل كانت لهم ايات فقد كانت لموسى عصا وكانت لثمود ناقة هي ناقة صالح وكان عيسى يحيي الموتى فأتنا انت بآية كما ارسل الاولون فاذا اتيتنا بذلك فاننا سننظر في امر ايماننا بك . فانزل الله تعالى الاية المباركة ( واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءتهم آ ية ليؤمنن بها قل انما الايات عند الله وما يشعركم انها اذا جاءت لا يؤمنون ) الانعام – 109
ونزلت اية اخرى جوابا على ما افتراه او اقترحه المشركون عليه صلى الله عليه وسلم فاجابهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا ) الاسراء - 93
وكانت مقترحاتهم تعجيزية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
فقد اقترحوا عليه ان يجعل لهم جبل الصفا ذهبا او ينقل الجبال عن مكة الى مكان اخر بحيث تكون اراضيها منبسطة مسطحة صالحة للزراعة
ويجري خلالها انهارا من المياه العذبة لكي يزرعونها ويستفيدون منها او ان يحيي اباءهم واجدادهم الاولين لكي يسألونهم هل صحيح انه رسول لله فدعا الحبيب المصطفى ربه ان يريهم ما ارادوه فنزل جبريل عليه السلام عليه صلى الله عليه وسلم بهذه الايات المباركة ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا * او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا * او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي بالله والملائكة قبيلا * او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقييك حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا * وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث الله بشرا رسولا*) الاسراء \90-94
فاخبرهم الرسول الكريم ان هذه الامور كلها بيد الله انشاء استجاب وان شاء لم يستجب - ولا يستجيب رب العباد لمشرك او كافر او منافق مهما دعاه - وهذه الايات لو اجيبوا اليها ثم لم يؤمنوا لاتاهم عذاب الاستئصال وهي لا توجب الايمان با قامة الحجة والتي هي قائمة بغيرها بمقتضى تفجيرها تفجيرا بمكة فتصير واديا ذا زرع والله تعالى قضى بسابق حكمته ان جعل بيته العتيق بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا او الحياة فيكون الحج لمطمح الدنيا وانما يكون للاخرة . ومن حكمة الله تعالى ورحمته انه تعالى لما ارسل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للمرسلين ان لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم مفردا بانواع العذاب كما ذكرنا انفا وقال تعالى ( وما منعنا ان نرسل بالايات الا ان كذب بها الاولون* ) وانزل الله تعالى الايات المباركة تعليما لنبيا وتفهيما قال تعالى ( ولو ان قرآنا سيرت به الجبال او قطعت به الارض او كلم به الموتى بل لله الامر جميعا افلم ييأس الذين آمنوا ان لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ولا يزال الذين كفروا ان تصيبهم قارعة او تحل قريبا من دارهم حتى ياتي وعد الله ان الله لا يخلف الميعاد *) الرعد \ 31 وقد اخبر الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بشدة كفرهم ذلك بانهم لو انزل الله تعالى عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بايديهم لكذبوا به وبين الله تعالى انه تعالى لو جعل الرسول ملكا على مثل صورة رجل ايضا لم يؤمنوا اذ كانوا لا يستطيعون ان يروا الملائكة في صورهم الحية التي خلقوا عليها وعندئذ يقع اللبس .
و هذه الايات المباركة تبين ان القوم الذين يطلبون من رسلهم آيات او دلالات ثم لم يؤمنوا . فانه تعالى يهلكهم جميعا كما حدث لأقوام الرسل صلوات الله عليهم وسلامه قبل رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مثل قوم لوط وقوم هود او قوم صالح وغيرهم فهذه الامورعند الله تعالى لا تتبدل ولا تتغير لذلك لم تنزل هذه الامور في قريش ولم تتحقق طلباتهم . قال تعالى( ولو اننا نزلنا اليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا الا ان يشاء الله ولكن اكثرهم يجهلون ) الانعام \111
وروى رجال التفسير و رجال الحديث عن ابن عباس رحمهما الله تعالى ( قال : سأله اهل مكة ان يجعل لهم الصفا ذهبا وان ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا فقيل لو شئت نستأني بهم وان شئت ان نؤتيهم الذي الذي سالوه فان كفروا هلكوا كما هلك من قبلهم فقال بل نستأني بهم فنزلت الاية المباركة ( ما تأتيهم من اية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين )
فظن القرشيون انه لما لم يجبهم صلى الله عليه وسلم على ما طلبوا منه افضل حالة لتعجيزه فانزل الله تعالى ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في امها رسولا*) فقرروا ان يقنعوا الناس انه متقول وليس بنبي وانه عاجز عن اجابتهم وجاؤوا اليه ليطلبوا منه اية اخرى لعله لا يستجيب لهم فتسكته وتدفعه عنهم اما م الناس لعل الناس تستبين ضعفه وعدم قدرته فقالوا له :
- هل من اية تبين لنا انك رسول الله ؟؟
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم الله تعالى ان يريهم اية تبين مقدرته ومكانته عند الله تعالى .فنزلت الايات ( اقتربت الساعة وانشق القمر * وان يروا اية يقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا اهواءهم وكل امر مستقر* ولقد جاءهم من الانباء مافيه مزدجر * حكمة بالغة فما تغني النذر*) القمر\1-5
فأراه آية انشقاق القمر فقد اصبح القمر شقتين في السماء وظهر منشقا فوق جبل ابي قبيس حتى رؤا حراء من بين الشقين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اشهدوا ..)
فلما شاهدوا آية انشقاق القمر عيانا ووضوحا ولوقت طويل فكبر عليهم وبهتت انفسهم لكنهم لو يؤمنوا واستمروا في طغايانهم وكفرهم سادرين وقالوا – هذا سحر مبين -
لقد سحرنا محمد .
وقال بعض رجالهم ان كان قد سحركم محمد فانه لا يستطيع ان يسحر النا س كلها فانتظروا القوافل الآتية الى مكة فاسأ لوهم عن انشقاق القمر فلما سالوا الآتين من السفر عن ذلك تأكد لديهم ان انشقاق القمر كان حقيقة . الا انهم اصروا على بقائهم في كفرهم واتباعهم اهواءهم.
ان حادثة انشقاق القمر على عظمتها وقدسيتها اذ كانت حدثا عظيما اراها كانت مقدمة لحالة اكبر واعظم فان رؤية القمر منشقا فلقتين متباعدتين عن بعضهما بعين الحقيقة واليقين ربما يسهل او يقرب الحدث الاعظم في الاذهان والقلوب والذي سياتي بعد هذه الحادثة الا وهو حادثة الاسراء والمعراج والتي سنتاولها في الحلقة القادمة انشاء الله تعالى .
يتبع
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
25 -2-201
*******************************