كثير عزة
كثيّر بن عبد الرحمن بن الأسود بن مليح من خزاعة وأمه جمعة بنت الأشيم الخزاعية. وكثيّر جاء برفع الكاف وتشديد الياء شاعر متيم مشهور، من أهل المدينة، أكثر إقامته بمصر ولد في آخر خلافة يزيد بن عبد الملك، وتوفي والده وهو صغير وكان منذ صغره قد كفله عمه بعد موت أبيه وكلفه رعي قطيع له من الإبل حتى يحميه من طيشه وملازمته سفهاء المدينة.
اشتهر بحبه لعزة فعرف بها وعرفت به وهي: عزة بنت حُميل بن حفص من بني حاجب بن غفار الكناني اشار اليها كثير في شعره بأم عمرو ويسميها تارة الضميريّة وابنة الضمري نسبة إلى بني ضمرة. وسافر إلى مصر حيث دار عزة بعد زواجها وفيها صديقه عبد العزيز
بن مروان الذي وجد عنده المكانة ويسر العيش.
توفي في الحجاز هو وعكرمة مولى ابن عباس في نفس اليوم فقيل: مات اليوم أفقه الناس وأشعر الناس.
كان أحد عشاق العرب البارزين، وأنه شاعر أهل الحجاز، بل ومنهم من يقدمه على غيره من شعراء أهل زمانه وربما قال البعض أنه: أشعر أهل الاسلام.
وقيل انه كثير الاعتداد بنفسه، كثير العجب والزهو والكبرياء والخيلاء، و قيل فيه أنه كان يؤمن بالرجعة وتناسخ للأرواح.
وكان خلفاء بنى أمية، وخاصة عبد الملك بن مروان شديدى الاعجاب بشعره، خاصة المديح.
يقول في احدى قصائده:
خليلى هذا ربع عزة فاعقـلا
قلوصيكمـا ثـم ابكيـا حيـث حلـت
ومسا ترابا كان قد مس جلدها
وبيتـا وظـلا حيـث باتـت وظلـت
ولا تيأسا أن يمحـو الله عنكمـا
ذنوبـا اذا صليتمـا حيـث صلـت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكي
ولا موجعات القلـب حتـى تولـت
وقد حلفت جهدا بما نحرت لـه
قريـش غـداة المأزميـن وصلـت
أناديـك ماحـج الحجيـج وكبـرت
بفيفـا غـزال رفقـة وأهلـت
وكانت لقطع العهد بينـى وبينهـا
كنـاذرة نـذرا فأوفـت وحلـت
فقلت لها ياعز كل مصيبـة
اذا وطنـت يومـا لهـا النفـس ذلـت
ولم يلـق انسـان مـن الحـب ميعـة
لغـم ولا عميـاء الا تجلـت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحا فما تلقاك الا بخيلة
فمن مـل منهـا ذلـك الوصـل ملـت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها
وحلت تلاعا لم تكـن قبـل حلـت
فليت قلوصي عند عزة قيدت
بحبـل ضعيـف غـر منهـا فضلـت
وغودر في الحى المقيمين رحلها
وكـان لهـا بـاغ سـواي فبلـت
وكنت كذى رجلين رجل صحيحة
ورجل رمى فيها الزمـان فشلـت
وكنت كذات الظلع لما تحاملت
على ضلعهـا بعـد العثـار استقلـت
أريد الثواء عندهـا وأظنهـا
اذا مـا أطلنـا عندهـا المكـث ملـت
فما أنصفت أمـا النسـاء فبغضـت
الينـا وأمـا بالنـوال فضنـت
يكلفها الغيران شتمى وما بهـا
هـو انـي ولكـن للمليـك استذلـت
هنيئا مريئا غير داء مخامـر
لعـزة مـن أعراضنـا مـا استحلـت
و والله مـا قاربـت الا تباعـدت
بصـرم ولا أكثـرت الا أقـلـت
فان تكن العتبي فاهلا ومرحبا
وحقـت لهـا العتبـي لدينـا وقلـت
وان تكن الاخري فان وراءنا
مناوح لو تسـرى بهـا العيـس كلـت
خليلـى ان الحاجبيـة لمحـت
قلوصيكمـا وناقتـى قــد أكـلـت
فلا يبعـدن وصـل لعـزة أصبحـت
بعاقبـة أسبابـه قـد تولـت
أسيـئ بنـا أو أحسنـى لاملومـة
لدينـا ولا مقلـيـة ان ثقـلـت
ولكن أميلى واذكري من مـودة
لنـا خلـة كانـت لديـك فضلـت
واني وان صدت لمثن وصـادق
عليهـا بمـا كانـت الينـا أزلـت
فما أنا بالداعى لعـزة بالجـوى
ولا شامـت ان نعـل عـزة زلـت
فلا يحسب الواشـون ان صبابتـى
بعـزة كانـت غمـرة فتجلـت
فاسبحت قد أبللت من دنف بها
كمـا أدنفـت هيمـاء ثـم استبلـت
ووالله ثم الله ما حـل قبلهـا
ولا بعدهـا مـن خلـة حيـث حلـت
وما مر من يوم على كيومهـا
وان عظمـت أيـام أخـرى وجلـت
فاضحت بأعلى شاهق من فؤاده
فلا القلب يسلاها والا العيـن ملـت
فيا عجبا للقلب كيف اعترافـه
وللنفـس لمـا وطنـت كيـف ذلـت
وانـي وتهيامـي بعـزة بعدمـا
تخليـت عمـا بينـنـا وتخـلـت
لكا لمرتجى ظـل الغمامـة كلمـا
تبـوأ منهـا للمقيـل اضمحلـت
كأنـي واياهـا سحابـة ممحـل
رجاهـا فلمـا جاوزتـه استهلـت
فان سأل الواشون فيما هجرتها
فقـل نفـس حـر سليـت فتسلـت
وقال كثيّر في عزته متغزلا:
ولقد لقيت على الدُريجة ليلة
كانت عليك أيامنا و سعودا
لاتغدرنّ بوصل عزة بعدما
أخذت عليك مواثق و عهودا
إن المحب إذا أحب حبيبه
صدَق الصفاء و أنجز الموعودا
رُهبان مَديَنَ و الذين عهدتهم
يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها
خروا لعزة ركعا ً و سجودا
وقال ايضا فيها :
يزهدني في حب عزة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي و ما اختار و ارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
و ما تبصر العينين في موضع الهوى
و لا تسمع الأذنان إلا من القلب
ومما يروى ان عزة خرجت يوما ً مع زوجها إلى مكة و اتفق أن مرت أثناء الطريق بجمل له فسلمت على الجمال فعرف كثيّر بالأمر فجاء إلى الجمل فحله و أطلقه من الحمل و أنشد :
حيتك عزة بعد الهجر و انصرفت
فحي ويحك من حياك يا جمل
ليت التحية كانت لي فأردها
مكان يا جمل حييت يا رجل