ابراهيم ناجي
شاعرالاطلال
ولد إبراهيم ناجي بن أحمد ناجي بن إبراهيم ناجي القصبجي في حي شبرا بالقاهرة في الحادي والثلاثين من شهر كانون الاول من عام \1898، لأسرة القصبجي المعروفة بتجارة الخيوط المذهبة، عمل والده في شركة البرق (التلغراف)، وهي شركة إنجليزية، اذ كانت مصر تحت الهيمنة البريطانية، فأجاد اللغة الإنجليزية، وتمكن من الفرنسية والإيطالية، وكان شغوفاً بالمطالعة، وامتلك في بيته مكتبة حافلة بأمهات الكتب، فنشأ ابنه إبراهيم على حب المطالعة، وشجعه على القراءة، وكان يهدي إليه الكتب، فأتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، وأمه هي السيدة بهية بنت مصطفى سعودي التي ينتهي نسبها إلى الحسين السبط بن علي بن ابي طالب عليه السلام، وتمت بصلة قربى من جهة الأخوال إلى الشيخ عبدالله الشرقاوي
حصل ناجي على شهادة الدراسة الثانوية سنة \ 1917 ثم انتسب إلى كلية الطب، وتخرج فيها سنة 1923، وافتتح عيادة بميدان العتبة بالقاهرة، وكان يعامل مرضاه معاملة طيبة، وفي كثير من الحالات بدون أجرة معاينة ، بل يدفع لبعضهم ثمن الدواء، ثم شغل عدة مناصب في وزارات مختلفة، فقد نقل إلى سوهاج ثم المنيا ثم المنصورة، واستقر فيها من عام\ 1927 إلى عام\ 1931 عاد إلى القاهرة وسكن فيها
. عاش في بلدته المنصورة في بداية حياته وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفى. وكان قد نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين اشهر الشعراءالمتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
بدأ حياته الشعرية حوالي عام 1926 عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه و توماس مور شعراً وينشرها في مجلة (السياسة) الأسبوعية ، وانضم إلى مدرسة أبولو عام 1932م التي أفرزت نخبة من الشعراء المصريين والعرب استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة .
تفتحت موهبة إبراهيم ناجي الشعرية مبكرا فقد نظم الشعر وهو في الثانية عشرة من العمر، وشجعه والده علي ذلك وفتح له خزائن مكتبته، وأهداه ديوان شوقي ثم ديوان حافظ وديوان الشريف الرضي، ومن شعره في الصبا قصيدة قالها وهو في الثالثة عشرة من عمره، عنوانها \على البحر، وفيها يقول
إني ذكرتك باكيا
والأفق مغبر الجبين
والشمس تبدو وهي
تغرب شبه دامعة العيون
والبحر مجنون العباب
يهيج ثائره جنوني
ابراهيم ناجي يميل الى الرومانسية، ، كما اشتهر بشعره الوجداني . وكان وكيلا لمدرسة أبولو الشعرية وترأس من بعدها رابطة الأدباء في الأربعينيات من القرن الماضي .
ترجم إبراهيم ناجي بعض الأشعار عن الفرنسية لبودلير تحت عنوان( أزهار الشر )، وترجم عن الإنجليزية رواية( الجريمة والعقاب) لديستوفسكي ، وعن الإيطالية رواية( الموت في إجازة )، كما نشر دراسة عن شكسبير وكتب الكثير من الكتب الأدبية مثل (مدينة الأحلام و عالم الأسرة) . وقام بإصدار مجلة (حكيم البيت) . ومن أشهر قصائده قصيدة الأطلال التي تغنت بها أم كلثوم. و لقب بشاعر الأطلال .عام \ 1953ولهذه القصيدة قصة في حياته مؤلمة .
فقد احب فتاة أيام كان في الدراسة الثانوية كانت زميلته وتعلق بها الا أنها تزوجت بغيره فتهدمت مشاعره وكتب أكثر قصائده شهرة عن نظرته لهذه التجربة مصوراً أن ما بقي من عمره مجرد أطلال لروحه ولكنه عاد في نهاية القصيدة يستسلم للقدر ، و القصيدة عنوانها (الأطلال) وتقع في أكثر من مائة وثلاثين بيتاً على شكل مقاطع شعرية يتألف كل مقطع من أربعة أبيات، نظمها على بحرالرمل وبتصرف وقد غنت أم كلثوم مقاطع منها مع بعض التعديل في الألفاظ و بعد ضم مقاطع من قصيدة أخرى عنوانها (الوداع)
. يا فؤادي لا تسل أين الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
. في شهرايلول من عام \1932 صدر العدد الأول من مجلة جمعية أبولو، وكان رئيس تحريرها\ أحمد زكي أبو شادي، وقد اشترك إبراهيم ناجي مع أحمد زكي أبو شادي في إصدار المجلة، وفي العدد الثاني من المجلة تم الإعلان عن تأسيس جمعية أبوللو الشعرية
في تشرين الثاني من نفس العام اجتمع لفيف من الأدباء في كرمة ابن هانئ، وفيهم إبراهيم ناجي، وانتخب أحمد شوقي رئيساً للجمعية، ولكنه توفي بعد أربعة أيام، فخلفه نائبه مطران خليل مطران، وكان إبراهيم ناجي من الأعضاء المؤسسين لها ، وبعد أقل من عام جرت انتخابات جديدة في 22 سبتمبر ايلول عام \1933 وانتخب مطران رئيساً وأحمد محرم وإبراهيم ناجي وكيلين وأحمد زكي أبو شادي سكرتيراً.
هدفت هذه الجماعة إلى البعد عن الأغراض التقليدية وادب المناسبا ت وتوجهت لتوغل في الاتجاه الذاتي أي تعبير الشاعر عن مكنونات نفسه وما يعتلج في قلبه ويحس به حقا وصدقا بصورة اكثر انفتاحا وقربا من الادب الغربي اضافة الى التحرر من الصنعة والتكلف،
نشر إبراهيم ناجي معظم ما كتب من شعر وما ترجم على صفحات مجلة ابوللو ، وكان من أشهر ما ترجمه قصيدة (البحيرة) للشاعر الفرنسي لامارتين وقصيدة (أغنية الريح الغربية) للشاعر الإنجليزي الروما نتيكي شيلي، وقد صدر من المجلة خمسة وعشرون عدداً من ايلول \1932 إلى كانون الاول\1934، ثم توقفت عن الصدور.
اشتهر ناجي بشعره الوجداني ورأس رابطة الأدباء في مصر في الأربعينيات من القرن الماضي وعرف عنه تأثره بالشاعرين رفيقيه مطران خليل مطران وأحمد شوقي.
سام الحياة فاخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك، و يترجم ويكتب القصص، فكتب قصة (مدينة الأحلام)، تحدث فيها عن حبه الطفولي الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: (وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر).
نقل الشاعر إلى وزارة الأوقاف، حيث عيّن رئيس القسم الطبي، فاطمأنت نفسه، لما وجد فيها من تقدير وتكريم، وقد عاصر ثلاثة وزراء كانوا يقدرون الشعر والشعرا ء، وهم عبد الهادي الجندي وإبراهيم الدسوقي وعبد الحميد عبد الحق وفي هذه المرحلة أخذ يمدح كل من ساعده ومد له يد العون وكان من أبرز من مدحهم إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف، وفي الاحتفال الطبي الذي عقد عام \ 1937الذي حضره العديد من الوفود من الاقطار العربية قا ل قصيدته التالية مرحبا \
يا شاعرَ الوادي وغرّيد الرّبى
قُلْ للضيوفِ تحيّةً وسلاما
مصرالعريقُ وفادُها حفَظْتُ
لكُم َهْداً على طُول المَدى وزِمَاما
لستُمْ بها غُرَباءَ, أَنْتُمْ أَهْلُها
أَنّى حَللَتُم تَنّزِلُون كِراما
الشّرْقُ مَهْدٌ للنبوغِ ومَوْلدٌ
للمجْدِ فيه رَبَا وشَبّ غُلاما
زَكَت النبوّة في حِمَاهُ ورعْرعتْ
وتألّقت كالفرقديّنِ نِظَاما
مُوسى الذي شَقّ العُبابَ وفجّر
الصخّر العنيدَ سواكباً تترامى
عيسى الذي فدّى الوجودَ وعلم
الغفّران والإحسانَ والإكراما
ومحمّدٌ يَكْفيكَ أنّ محمّداَ
بيّن البريّةِ أَوْجَدَ الإسلاما
هذا هو الشّرْقُ العظيم لم يزل
نوراً لمن رَام الهدى وإماما
أخرج من وظيفته عام 1952، ولم يكن يدخر شيئا فعاش في ضنك وتنكر له أقرب الناس إليه، بمن فيهم زوجته، لذا تغيرت حاله وأخذ ينغمس في السهر، وفي هذه المرحلة تعرف إلى الممثلة زازا وأحبها ، ونظم فيها قصيدة مطولة باسمها مصوراً إياها بالربيع الذي حل على خريف حياته و في قصيدته (أنوار المدينة) يقول\
ضحكت لعيني المصابيح التي
تعلو رؤوس النيل كالتيجان
ورأيت أنوار المدينة بعدما
طال المسير وكلت القدمان
وحسبت أن طاب القرار لمتعب
في ظل تحنان وركن آمان
فإذا المدينة كالضباب تبخرت
وتكشفت لي عن كذوب اماني
قدر جرى لم يجر في الحسبان
لا أنت ظالمة ولا انا جاني
اهمل ابراهيم ناجي صحته في اواخرايامه وكان مصابا بداء السكري ، ولا يأخذ العلاج، فاشتد عليه المرض داء السكري،
توفي في 25 مارس 1953 عن عمر ناهز الخامسة والخمسين، ودفن إلى جوار جده لأمه الشيخ عبد الله الشرقاوي، في مسجده بجوار مقام الحسين رضي الله عنه
صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها:
إبراهيم ناجي للشاعر صالح جودت
وناجي للدكتورة نعمات أحمد فؤاد
كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية . الأ
ابراهيم ناجي مر بظروف عصيبة في حياته وتخلى عنه الأقارب والأحباب في أحيان كثيرة لذا جاء شعره معبرا عن نزوع فردي رومانسي حزين، فشعره ذاتي، يكاد يكون خالصاً للحب والوجدان، للقهر والحرمان، فهو يعبر عن قلب محروم، ويصدر عن رؤية متشائمة، ونظرة حزينة، وروح مكتئبة. فانت تشعر وانت تقرا شعره بنوع من العذاب اوالفرقة عن الحبيب 0
كتب يقول :
سألتك يا صخرة الملتقى متى
يجمع الدهر ما فرقا
إذا نشر الغرب أثوابه
وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيب الفؤاد الشهيد
والشيب ما كلل المفرقا
الشاعر رومانسي يجد ضالته و سعادته في ظلال الحب الخالدة باعتباره يحمل عاطفة قد تضم الكون بأسره فهو دائما وأبدا حزين يبحث عن عوالم المثل الانسانية التي ينشدها ليغرق
فيها يقول:
إني امرؤ عشت زما ني حائرا معذبا
أمشي بمصباحي وحيداً في الرياح متعبا
أمشي به وزيته كاد به ان ينضبا
عشت زماني لا أرى لخافقي متقلبا
الا ان شعره لايخلو من الأبيات المتفائلة بالطبيعة مثل قصيدته (الربيع) والتي يخاطبه فيها بقوله:
مرحى ومرحى يا ربيع العام
أشرق فدتك مشارق الأيام
بعد الشتاء وبعد طول عبوسه
أرنا بشاشة ثغرك البسام
وابعث لنا أرج النسيم معطراً
متخطراً كخواطر الأحلام
وغيرها قصيدة لإبنيه عماد وأميرة:
يا ابنتي إني لأشعر أني
ملأت مهجتي شموس منيرة
أشرقت فرحتان عندي
فهذي لعماد وهذه لأميرة
أنتما فرقدان ، وهو جديد
بالذي ناله وأنت جديرة
اغنما كل ما يطيب وفوزا
بالمسرات والأماني الوفيرة
وافرحا بالذي يطيب ويرجى
عيشة نضرة وعين قريرة
ومن قصيدة بعنوان مصر يفتتحها بقوله:
أجل إن ذا يوم لمن يفتدي مصرا
فمصر هي المحراب والجنة الكبرى
أجل عن ماء النيل قد مر طعمه
تناوشه الفتاك لم يدعو شبرا
فهلا وقفتم دونها تمنحوها
أكفاً كماء المزن تمطر خيرا
سلاما شباب النيل في كل موقف
على الدهر يجني المجد أو يجلب الفخرا
تعالوا فقد حانت أمور عظيمة
فلا كان منا غافل يصم العصرا
شباب نزلنا حومة المجد كلنا
ومن يغتدي للنصر ينتزع النصرا
واختم الشاعرابراهيم ناجي بقصيدة الاطلال التي لاتزال نرددها على شفاهنا وسيرددها الاجيال بعدنا وتعد من
روائع الشعرالعربي \
يا فؤادي، رحم الله الهوى
كان صرحا من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله
وارو عني، طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبرا
ً وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطاً من ندامى حلم
هم تواروا أبداً، وهو انطوى
*****************
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها
نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا
وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره لا
الهوى مال، ولا الجفن غفا
وإذا القلب - على غفرانه –
كلما غار به النصل عفا
***************
يا غراماً كان مني في دمي
قدراً كالموت، أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمه من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه ؟
***************
لست أنساك وقد ناديتني
بفم عذب المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي، كيد
من خلال الموج مدت لغريق
آه يا قبلة أقدامي، إذا
شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له
أين في عينينك ذياك البريق ؟
******************
لست أنساك، وقد أغريتني
بالذرى الشم،فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي، وأنا
لك أعلو، فكأني محض روح
يا لها من قمم كنا بها
نتلاقى، وبسرينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها
ونرى الناس ظلال في السفوح
****************
أنت حسن في ضحاه لم يزل
وأنا عندي أحزان الطفل
وبقايا الظل من ركب رحل
وخيوط النور من نجم أفل
ألمح الدنيا بعيني سئم
وأرى حولي أشباح الملل
راقصات فوق أشلاء الهوى
معولات فوق أجداث الأمل
********************
ذهب العمر هباء، فاذهبي
لم يكن وعدك إلا شبحا
صفحة قد ذهب الدهر بها
أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضحكي ورقصي
فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا
ويراني الناس روحا طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحى
******************
كنت تمثال خيالي، فهوى
المقادير أرادت لا يدي
ويحها، لم تدر ماذا حطمت
حطمت تاجي، وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرد
يا يباباً ما به من أحد
يا قفاراً لافحات ما بها
من نجي، يا سكون الأبد
************************
أين من عيني حبيب ساحر
فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكاً
ظالم الحسن، شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى
ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة، في منطقه
لغة النور، وتعبير السماء
*******************
أين مني مجلس أنت به
فتنة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودم
وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا
ونديم قدم الكأس لنا
وسقانا، فانتفضنا لحظة
لغبار آدمي مسنا !
**********************
قد عرفنا صولة الجسم التي
تحكم الحي، وتطغى في دماه
وسمعنا صرخة في رعدها
سوط جلاد، وتعذيب إله
أمرتنا، فعصينا أمرها
وأبينا الذل أن يغشى الجباه
حكم الطاغي، فكنا في العصاة
وطردنا خلف أسوار الحياه
******************
يا لمنفيين ضلا في الوعور
دميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي، عرفا
روعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبير
للحظوظ السود، والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهما
كلما قد ضنت الدنيا بنور
******************
أنت قد صيرت أمري عجبا
ثرت حولي أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعة
قم نغرد لسوى ليلى أبى
حجب تأبى لعيني مأربا
غير عينيك، ولا مطلبا
أنت من أسدلها، لا تدعي
أنني أسدلت هذي الحجبا
*********************
ولكم صاح بي اليأس انتزعها
فيرد القدر الساخر : دعها
يا لها من خطة عمياء، لو
أنني أبصر شيئاً لم أطعها
ولي الويل إذا لبيتها
ولي الويل إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي، ولو كل القوى
تشتري عزة نفسي، لم أبعها
********************
يا حبيباً زرت يوماً أيكه
طائر الشوق، أغني ألمي
لك إبطاء الدلال المنعم
وتجني القادر المحتكم
وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي
مرهف السمع لوقع القدم
**************
قدم تخطو، وقلبي مشبه
موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم : بالله إلى كم
أسفح الدمع على موطئها
رحمه أنت، فهل من رحمة
لغريب الروح أو ظامئها
يا شفاء الروح، روحي تشتكي
ظلم آسيها، إلى بارئها
*******************
أعطني حريتي واطلق يديّ
إنني أعطيت ما استبقيت شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي
لم أبقيه، وما أبقى علي ؟
ما احتفاظي بعهود لم تصنها
وإلام الأسر، والدنيا لدي !
ها أنا جفت دموعي فاعف
عنها إنها قبلك لم تبذل لحي
*********************
وهب الطائر من عشك طارا
جفت الغدران، والثلج أغارا
هذه الدنيا قلوب جمدت
خبت الشعلة، والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدا من
رماد، لا تسله كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطلي
وهو يذكيه فلا يقبس نارا
*******************
لا رعى الله مساء قاسياً
قد أراني كل أحلامي سدى
وأراني قلب من أعبده ساخراً
من مدمعي سخر العدا
ليت شعري، أي أحداث جرت
أنزلت روحك سجناً موصدا!
صدئت روحك في غيهبها
وكذا الأرواح يعلوها الصدا
************************
قد رأيت الكون قبراً ضيقاً
خيم اليأس عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوى
واهيات كخيوط العنكبوت
كنت ترثي لي، وتدري ألمي
لو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي
وعلى بابك آمال تموت
*******************
كنت تدعوني طفلا، كلما
ثار حبي، وتندت مقلي
ولك الحق، لقد عاش الهوى
في طفلا، ونما لم يعقل
وأرى الطعنة إذ صوبتها
فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفل، فأدمت قلبه
وأصابت كبرياء الرجل
******************
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا
عجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت ناره
تأكل الركع فيه والسجودا
يتمنى لي وفائي عودة والهوى
المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به
لفتة العود إذا صار وقودا
********************
لست أنس أبداً ساعة في العمر
تحت ريح صفقت لارتقاص المطر
نوحت للذكر وشكت للقمر
وإذاما طربت عربدت في الشجر
****************
أيها الشاعر تغفو
تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرح
جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى
وتعلم كيف تمحو
أو كـل الحب في
رأيـك غفـران وصفح ؟
***************
هاك فانظر عدد الرمـــــل
قلوباً ونساء
فتخير ما تشاء
ذهب العمر هباء
ضل في الأرض الذي
ينشد أبناء السماء
أي روحانية تعـــــصر
من طين وماء؟
***************
أيها الريح أجل، لكنما
هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقت
أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عيني
وعلى تذكارها وسدت رأسي
***************
جنت الريح ونادتــــــــــه
شياطين الظلام
أختاماً ! كيف يحلو لك
في البدء الختام ؟
*************
يا جريحاً أسلم الــــــــــجرح
حبيباً نكأة
هو لا يبكي إذا النـــــــــــاعي
بهذا نبأه
أيها الجبار هل تصــــــــرع
من أجل امرأه ؟
*******************
يا لها من صيحة ما بعثت
عنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه، فاستيقظت
كبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه له
فمضى منحدرا للنهر
ناضب الزاد، وما من سفر
دون زاد غير هذا السفر
**********************
يا حبيبي كل شيء بقضاء
ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا
ذات يوم بعدما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله
وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلي غايته
لا تقل شئنا،وقل لي الحظ شاء !
********************
يا مغني الخلد، ضيعت العمر
في أناشيد تغنى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعنا
ما لنا لسنا نغني للحجر !
للجمادات التي ليست تعي
والرميمات البوالي في الحفر
غنها، سوف تراها انتفضت
ترحم الشادي وتبكي للوتر
**********************
يا نداء كلما أرسلته
رد مقهوراً وبالحظ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى
عاد لي وهو نواح وندم
رب تمثال جمال وسنا
لاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثياً
ليس يدري أنه حسن أصم
*******************
هدأ الليل ولا قلب له
أيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتك
غن أشجانك واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم له
وغزا السحب وبالنجم فتك
غنه، حتى ترى ستر الدجى
طلع الفجر عليه فانهتك
************************
وإذا ما زهرات ذعرت
ورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد واعزف لها
من رقيق اللحن، وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى
وبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر، كم من زهرة
عوقبت، لم تدر يوماً ذنبها !
***************