الشاعر حبيب فارس
.
هو فليكس بن حبيب بن فارس، ولد في صليما من اعمال (لبنان) سنة 1882 من أب محام دكتور في الحقوق وأم مثقّفة هي لويز شفاليه سويسرية بأمِّها فرنسيّة لأبيها.
كان حبيب - والد فليكس - كاتباً تَرَسَّل لقضايا أُمَّته نشد الحُرّية والإصلاح ما أغضب الدولة العثمانية، فاضطهدته. فسافر قسراً إلى مصر حيث أصدر مجلّة "صدى الشَّرق" سنة 1891. فتأثر فليكس بثقافة والده العربيّة وتحرّره كما تأثر بثقافة أُمِّه الفرنسّية.
لم يُمضِ فليكس فارس أكثر من سنة ونصف في المدارس، منها سنة في مدرسة صليما وستة أشهر في المدرسة الوطنيّة لنعيم صوايا في بعبدات التي تأسّست سنة 1888. وقد أكَّد بنفسه مُدَّة دراسته هذه بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس المدرسة الوطنيّة، فقال سنة 1898 في قصيدته بهذه المناسبة:
سنة بالدروس مرّت سريعاً
وهي تحكي أحلامنا الذهبيّة
وقد كفتني عِلماً وكانت ختاما
وهي كانت حياتي المدرسيّة
ولكن فليكس فارس انصرف إلى تثقيف نفسه فأخذ العلم على والده وتأثّرَه بوالدته وجدَّتهِ لأُمِّه. وأخذ روح النِّضال وحُبّ الحرّية عن والده الذي دافع عن قضايا لبنان الوطنيّة في مجلّته "صدى الشّرق" التي توقفت عن الصدور سنة 1917 بعد ثمانية وعشرين عاماً من صدورها سنة 1889.
أمّا والدة فليكس فقد أثَّرت فيه شفافيتها وحبّبت اليه اللّغة الفرنسيّة والفنّ والموسيقى. كما أن جدَّته لوالدته نمَّت فيه حُبّ اللغّة الفرنسّية وساعدته على اتقانها.
واتقاء للاضطهاد هربت العائلة إلى المريجات، وبدلاً من خباء الذهن فقد شحذ الاضطهاد ذكاء فليكس فإندمج بجوِّ العائلة الثقافي وأحبّ الشِّعر الفرنسّي ونَظمهُ، كما أحبَّ اللُّغة العربيّة وأتقنها، حتى صار لقبه "أمير المنابر" كما نظم الشّعر، وكانت بواكيره في المريجات. أما سنة انتقال العائلة إلى المريجات فليست معروفة بالضبط. وربما كانت 1894 بعد سفره مع والده إلى اسطنبول. وكان فليكس جريئاً شجاعاً. يظهر في المناسبات فيخطب أو يقول الشِّعر وقد بدأ الانشاد وهو في الرابعة عشرة من عمره. وكانت غالبية قصائده التي قالها بين 1896 و1898 قصائد مناسبات جمعها باسم "زهّر الرُّبا في شِّعر الصِّبا"، وبدأ بعد هذا التاريخ بالترجمات، ويتبدى من بواكير ترجماته ميله إلى محاسن الأخلاق والإصلاح الاجتماعيّ.
المعلم
في التاسعة عشرة من عمره (1901) درس اللغة والأدب بالعربيّة والفرنسيّة، تملأه الثقة بالنفس والرغبة في نقل ما ثقَّف نفسه به إلى مجتمعه وخدمة هذا المجتمع. فدرَّس لدى الكبوشيين في عبيه وفي مدرسة الآداب الوطنيّة في الشبانية. أحبَّ التعليم وباشر بتأليف كتاب القراءة سبق نصوصه المختارة والمُعرّبة بمقدمة طويلة بيّن فيها ما يراه لازماً في تعليم المواد المختلفة ؛ لأنّه لم ينسجم مع الفوضى السائدة في التعليم، فقد ترك هذا الحقل إلى حقلٍ آخر كان ميالاً إليه هو الخطابة وكتابة المسرحيات وأخذ منذ سنة 1902 ينشر في مجلّتي "أنيس الجليس" و"لويتس" المصريتين لصاحبتهما الكسندرا افبيرينو. ساعده في ذلك معرفة والده بالسيدة المذكورة. وألَّف رواية "القضاء أو نُصرة العُرفان" و"العدل والحب أو رواية الحبُّ الصادق". وباكراً إشتهر فليكس بقصائده بناظم باشا والي الشام فلقّب بشاعر دولتلو "ناظم باشا" (1902 - 1908) وبلغ من تقدير ناظم باشا وإحترامه له وإعترافه بإستقامته أن التقاه يوماً ويدهُ مُلطَّخة بالطّين فأبى أن يُسلِّم عليه إلاّ وهي كذلك وقال له : "إنّ يداً ملوّثة بهذا الطّين لهي أنظف من أيدي الوزراء والأُمراء" على ما رواه مارون عبّود.
ولكن التعليم لم يكن مدراراً فيكيفه، فترك المهنة إلى أعمال أخرى. لم يلقَ صعوبة في ولوج أيّ منها. لما كان عليه هو من جرأة ووالده من إحترام
كانت الإدارة العامة الفرنسيّة للسِّكك الحديديّة تمدُّ الخطوط الحديديّة بين حماه وحلب، فاتَّصل بها والده وطلب قبول ابنه ليعمل فيها. فقُبل فوراً في تشرين الأول 1905. وكان حسن السيرة في العمل قويّ الشخصيّة فصيح اللسان، شاعراً، رقيق العاطفة، رزين الكلمة فرض إحترامه ومحبَّته، فكوَّن صداقات في بعلبك بينه وبين أهلها وبينه وبين رؤسائه في العمل، وبرزت موهبته الشعريّة وكثر طالبو سماع شعره أو ذكِرهم في قصيدة، ولم يكُ مقتراً أو بخيلاً ؛ ولكن الأجر لم يكُ كافياً وهو لم يعتدّ التكسُّب، فترك بعلبك والعمل فيها سنة 1907.
شهد فليكس ما أصاب والده حبيب من مصائب واضطهاد من الوُلاة والمتُصرّفين، فلم يتعاطَ السياسة حتى سنة 1908، ولكنّه كان يراقب وتختمر في نفسه مآخذه وملاحظاته على الأوضاع المُضّطربة القائمة، وابتداء من سنة 1908 أخذ فليكس - من المريجات - يزوّد الصُّحف والمجلاّت بالقصائد والمقالات. في لبنان وفي المهاجر والمغتربات ؛ فراسل مجلّة "الجامعة" و"جريدة الهُدى" لنعوم مكرزل في المهاجر الأميركية. وجريدة "النَّصير" في لبنان.
يعد الشاعر فيلكس حبيب واحد من اللبنانيين المتحّمسين للعروّبة، الذين لمع نجمهم في عالم الأدب والصحافة والمحاماة والفلسفة شعراً ونثراً وترجمة وتأليفاً وخطابة ومرافعات.
وبعد شفائه من حادث تعرض له بحريق منزله في المريجات انتمى الى جمعية "الاتحاد والترقّي" العاملة سرِّاً على الإصلاح في السلطنة العثمانيّة وعلى التخلُّص من عبد الحميد الظَّالم وإستمالت إليها ضباطاً من الجيش لخلع عبد الحميد واستبداله بشقيقه محمد رشاد، ووضعت دستوراً للسلطنة مُستمداً من الدُّستور الفرنسيّ ونشأ مجلس "المبعوثان" ومجلس شيوخ، ولكن تعصُّب هذه الجمعية للقوميّة التُركيّة جعل الشعوب غير التُركيّة في السلطنة تتكتَّل ضِدَّها وساندتهم المعارضة فتأسس حزب الائتلاف ؛ وامتد الانقسام إلى لبنان بين الحزبين.
وكان فليكس فارس تعلَّم أُسس الثورة الفرنسيّة : حُريَّة - مساواة - إخاء، فإعتلى المنابر دون أن يخشى أخصامه ودافع عن جمعية "الاتحاد والترقّي" ومبادئها.
وكان فليكس فارس يسعى للتقّرِيب وشَّدِ الأواصر بين الأديان وكُرهِ التعصُّب فأحبّه المسلمون والمسيحيّون على حدّ سواء وأعجبوا بحُسن بيانه وبهيّ طلعتِه.
سنة 1909 أصدر فارس في بيروت صحيفة "لسان الاتحاد" وقد توقفت سنة 1911 وقد شاركه العمل فيها : أمين الريحاني وحبيب فارس وماري عجمي الأديبة السوريّة صاحبة مجلة "العروس" وولي الدين يكنّ، إلاَّ أن حاله مع العثمانيين ساءت.
وبأثناء صدور "لسان الاتحاد" سافر فارس إلى الاستانة سنة 1910 ليحضر احدى جلسات مجلس "المبعوثان". ومن الاستانة إستدّعى لتدريس الآداب واللّغة الفرنسيّة في المدرسة السُلطانيّة، وبقي فيها حتّى أواخر الحرب العالمية الأولى (1917) وبأثناء وجوده في الاستانة أتقن اللغة الترُّكيَّة، سنة 1912 عُيّن تُرجماناً لولاية بيروت، ولم يعمل بهذه الوظيفة الا أربعة أشهر عاد بعدها إلى حلب وكتب في مجلّتي "العروس" و"المراقب" السوريتين، ولقي نجاحاً باهراً وانهمرت عليه رسائل الشُّكر والتقدير من الاهلين ومن الأدباء.
أواخر العقد الثاني ومطلع العشرينات من هذا القرن
بعد الحرب العالمية الأولى، أي بعد 1918، جرت محاولة توحيدية للدول العربية بقيادة الأمير فيصل، وكان لصوت فارس على المنابر آذان تسمع ونظرات ترنو، وقد أعجب به سامعوه في خطاب ألقاه سنة 1919 وفتحت أمامه كل الدوائر وسعت إليه الوظائف، غير أن إخلاصه لوظيفته وامتناعه عن المحاماة، كل ذلك، كان سبباً في إنهاء وظيفته في دائرة إنحصار التّبغ، فغيره كان أسلم تعاملاً مع المهرّبين. وهو الذي رفض دائماً التفاهم معهم : فعاد فارس الى لبنان سنة 1920، وأعجب فارس، كما الغالبية اللبنانية، بجرأة الجنرال غورو، وقامت صداقة وإحترام بين الرَّجلين كان من نتيجتهما أن سمح الجنرال غورو لأمين الريحاني بالعودة الى البلاد على مسؤولية فليكس فارس.
سنة 1921 سعى فارس لتأسيس رابطة فنيّة تجمع بين أبناء الوطن من مختلف الطوائف وتُقاتل التعصُّب والتّفرِيق وانحدار الأخلاق وتعزُّز مكانة الآداب والفنّون، وقد أراد بيروت مركزاً لها، ولكنّه كان مريضاً وسافر إلى الولايات المتّحدة (1921 - 1922) برفقة جان والياس الدبس، بهدف العمل على توحيد المهاجرين.
وتعدّدت خطبه فيهم في أميركا وعرض عليهم مصائب المجاعة وأحيا فيهم الحنين إلى وطنهم. فإعتقل ستة عشر يوماً مع رفيقيه في جزيرة الليس قبل الوصول إلى أميركا لأن الإنكليز كانوا غير موافقين على هذه السَّفرة فجاء دور أمين الريحاني في إنقاذهم، وساءت صحة فارس وحُطِّمت تماثيل المجاعة التي كان يحملها.
وفي الولايات المتّحدة تمتَّنت أواصر الصداقة بينه وبين المهاجرين، وبخاصة الادباء منهم وفي مقدمهم جبران خليل جبران ونعوم مكرزل وميخائيل نعيمة ورشيد أيوب وقد سُلّم مفاتيح مدينة ديترويت. وأعجب جبران بفارس الخطيب والشاعر وكتب عنه في جريدة "السائح"، وقد بقي الإثنان يتبادلان الرسائل، وكان فارس عندما إشتدَّ به المرض في أميركا أوصى بقلمه لجبران.
وفي شباط 1922 كان فارس من خطباء المنتدى السوريّ في لورنس ماسّ الذي يرأسه الأديب فادي مراد. وفي الشهر اللاحق (أذار) إنتخبته الجمعيّة السوريّة التهذيبيّة عضو شرف فيها وفي نيسان خطب في المنتدى اللبنانيّ وفي أيار خطب في جمعية الصليب الاحمر الفرنسيّة اللبنانيّة وفي تموز إتصل به أحد كبار السياسيين في نيويورك الفونس تونيتي وطلب مقابلته لإجراء حديث معه عن أوضاع وأحداث الوطن كما يراها فارس وذلك بعد أن قرأ مقالاً له في "التايمز". وكان لفارس نشاط في الصحف. فاضافة الى التايمز كتب في جريدة "فري" و"الجورنال" و"السائح" و"الهُّدى" و"الأخلاق"، وعن لقائه بجبران يقول فارس : "جالست جبران ساعات طويلة تركت في نفسي أثراً لم تترك مثله أيّة شخصيّة كبيرة عرفتها في حياتي". أما جبران فقد ترجم قصيدتين لفارس الى الإنكليزيّة.
عاد فارس الى لبنان سنة 1922 ولكنه لم ينقطع عن مراسلة الصُّحف الأميركيّة.أما مع الجنرال ويغان فالأمر في المعاملة إختلف عما كان عليه مع الجنرال غورو، ففضَّل فليكس المهنة الحرَّة ودرس المحاماة على والده المحامي المشهور حبيب وقد زكَّاه عدد كبير من المحامين لممارسة المهنة ونشرت مرافعات عديدة له في الصُّحف.
و بعد مُدّة قصيرة من العمل في لبنان ، فكَّر بالسفر إلى مصر والعمل في صحُفها، وبعد استشارة أصدقائه الخُلَّص فضَّل العمل في الترّجمة في بلدية الاسكندريّة حيث أختير على إثر مباراة دخلها أربعون متبارياً"..وكان فارس ينقل بترجمة فوريّة وبتعريب فورّي باللغّة الفُصحى مع الحفاظ على النَّص وترجمته حرفياً.
ولم يكتف بالترجمة في مصر، بل حاضر وخطب بعنوان "الخُطابة والخطيب وتأثيرهما في الأُمَم" و"الجنون الاختياري" في حرب المسّكرات، و"صلاح المجتمع بصلاح الأُسرة" و"الثقافة الشرقيّة". ويطول بنا السرد ما يستوجب دراسات وكتباً".
وأثناء وجوده في مصر راسل صُحفاً أفريقيّة ومجلاّت برازيليّة ونشرت له رسالة إلى ميّ زيادة ورسالة إلى جبران، وتوثّقت عُرى الصداقة بين فارس وبين ميّ زيادة ودامت هذه الصداقة طويلاً وبينهما رسائل متبادلة في التشجّيع والنّقد والصَّحافة، ولم يتركها في محنها حتى يوم إتَّهمتْ بالجنُّون، وكاتب مصطفى صادق الرافعي وتعرّف إليه كما أن أحمد حسن الزيّات زاره وغيرهما.
مؤلـفـاته
كما يقول فليكس فارس في مستهلِّ كتابه "هكذا تكلّم زرادشت" المطبوع في الاسكندرية سنة 1938 فانّ مؤلفاته هي :
1 - رسالة المنّبر الى الشرق العربي.
2 - هكذا تكلّم زرادشت - تأليف الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه - مترجمة.
3 - اعترافات فتى العصر، تأليف الفرد دي موسّيه - مُترجمة وقد أُعيد طبعها.
4 - رواية الحبُّ الصادق -
5 - شرف وهيام -
6 - النجوى إلى نساء سوريا
وأما ما ينتظر النشر فهو
1 - المراحل : سياسة وأدب واجتماع.
2 - القيثارة : ديوان شعر.
3 - قلعة حلب - وكتب أخرى.
4 - الأحرار في الشّرق - بالعربيّة.
5 - الأحرار في الشرق - بالفرنسية.
6 - رؤى متصوِّف عربّي - بالفرنسيّة.
7 - من إلهام الشّرق - بالفرنسيّة.
8 - من حدائق الغرب - مُختارات - مُتّرجمة.
9 - بين عهدين. قبل الاحتلال وبعده.
10 - أمام المحاكم : الإجرام والقانون.
11 - الأغلال : مسرحية متّرجمة.
12 - ثورة أثينا : مسرحية شعريّة نثريّة.
13 - حديث الأزهار
توفي فليكس فارس في 27 حزيران 1939 بمصر على اثر مرض أصابه، ونقل جثمانه إلى لبنان في 12 تموز من السنة ذاتها ودفن في لبنان
*******************************
.
هو فليكس بن حبيب بن فارس، ولد في صليما من اعمال (لبنان) سنة 1882 من أب محام دكتور في الحقوق وأم مثقّفة هي لويز شفاليه سويسرية بأمِّها فرنسيّة لأبيها.
كان حبيب - والد فليكس - كاتباً تَرَسَّل لقضايا أُمَّته نشد الحُرّية والإصلاح ما أغضب الدولة العثمانية، فاضطهدته. فسافر قسراً إلى مصر حيث أصدر مجلّة "صدى الشَّرق" سنة 1891. فتأثر فليكس بثقافة والده العربيّة وتحرّره كما تأثر بثقافة أُمِّه الفرنسّية.
لم يُمضِ فليكس فارس أكثر من سنة ونصف في المدارس، منها سنة في مدرسة صليما وستة أشهر في المدرسة الوطنيّة لنعيم صوايا في بعبدات التي تأسّست سنة 1888. وقد أكَّد بنفسه مُدَّة دراسته هذه بمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس المدرسة الوطنيّة، فقال سنة 1898 في قصيدته بهذه المناسبة:
سنة بالدروس مرّت سريعاً
وهي تحكي أحلامنا الذهبيّة
وقد كفتني عِلماً وكانت ختاما
وهي كانت حياتي المدرسيّة
ولكن فليكس فارس انصرف إلى تثقيف نفسه فأخذ العلم على والده وتأثّرَه بوالدته وجدَّتهِ لأُمِّه. وأخذ روح النِّضال وحُبّ الحرّية عن والده الذي دافع عن قضايا لبنان الوطنيّة في مجلّته "صدى الشّرق" التي توقفت عن الصدور سنة 1917 بعد ثمانية وعشرين عاماً من صدورها سنة 1889.
أمّا والدة فليكس فقد أثَّرت فيه شفافيتها وحبّبت اليه اللّغة الفرنسيّة والفنّ والموسيقى. كما أن جدَّته لوالدته نمَّت فيه حُبّ اللغّة الفرنسّية وساعدته على اتقانها.
واتقاء للاضطهاد هربت العائلة إلى المريجات، وبدلاً من خباء الذهن فقد شحذ الاضطهاد ذكاء فليكس فإندمج بجوِّ العائلة الثقافي وأحبّ الشِّعر الفرنسّي ونَظمهُ، كما أحبَّ اللُّغة العربيّة وأتقنها، حتى صار لقبه "أمير المنابر" كما نظم الشّعر، وكانت بواكيره في المريجات. أما سنة انتقال العائلة إلى المريجات فليست معروفة بالضبط. وربما كانت 1894 بعد سفره مع والده إلى اسطنبول. وكان فليكس جريئاً شجاعاً. يظهر في المناسبات فيخطب أو يقول الشِّعر وقد بدأ الانشاد وهو في الرابعة عشرة من عمره. وكانت غالبية قصائده التي قالها بين 1896 و1898 قصائد مناسبات جمعها باسم "زهّر الرُّبا في شِّعر الصِّبا"، وبدأ بعد هذا التاريخ بالترجمات، ويتبدى من بواكير ترجماته ميله إلى محاسن الأخلاق والإصلاح الاجتماعيّ.
المعلم
في التاسعة عشرة من عمره (1901) درس اللغة والأدب بالعربيّة والفرنسيّة، تملأه الثقة بالنفس والرغبة في نقل ما ثقَّف نفسه به إلى مجتمعه وخدمة هذا المجتمع. فدرَّس لدى الكبوشيين في عبيه وفي مدرسة الآداب الوطنيّة في الشبانية. أحبَّ التعليم وباشر بتأليف كتاب القراءة سبق نصوصه المختارة والمُعرّبة بمقدمة طويلة بيّن فيها ما يراه لازماً في تعليم المواد المختلفة ؛ لأنّه لم ينسجم مع الفوضى السائدة في التعليم، فقد ترك هذا الحقل إلى حقلٍ آخر كان ميالاً إليه هو الخطابة وكتابة المسرحيات وأخذ منذ سنة 1902 ينشر في مجلّتي "أنيس الجليس" و"لويتس" المصريتين لصاحبتهما الكسندرا افبيرينو. ساعده في ذلك معرفة والده بالسيدة المذكورة. وألَّف رواية "القضاء أو نُصرة العُرفان" و"العدل والحب أو رواية الحبُّ الصادق". وباكراً إشتهر فليكس بقصائده بناظم باشا والي الشام فلقّب بشاعر دولتلو "ناظم باشا" (1902 - 1908) وبلغ من تقدير ناظم باشا وإحترامه له وإعترافه بإستقامته أن التقاه يوماً ويدهُ مُلطَّخة بالطّين فأبى أن يُسلِّم عليه إلاّ وهي كذلك وقال له : "إنّ يداً ملوّثة بهذا الطّين لهي أنظف من أيدي الوزراء والأُمراء" على ما رواه مارون عبّود.
ولكن التعليم لم يكن مدراراً فيكيفه، فترك المهنة إلى أعمال أخرى. لم يلقَ صعوبة في ولوج أيّ منها. لما كان عليه هو من جرأة ووالده من إحترام
كانت الإدارة العامة الفرنسيّة للسِّكك الحديديّة تمدُّ الخطوط الحديديّة بين حماه وحلب، فاتَّصل بها والده وطلب قبول ابنه ليعمل فيها. فقُبل فوراً في تشرين الأول 1905. وكان حسن السيرة في العمل قويّ الشخصيّة فصيح اللسان، شاعراً، رقيق العاطفة، رزين الكلمة فرض إحترامه ومحبَّته، فكوَّن صداقات في بعلبك بينه وبين أهلها وبينه وبين رؤسائه في العمل، وبرزت موهبته الشعريّة وكثر طالبو سماع شعره أو ذكِرهم في قصيدة، ولم يكُ مقتراً أو بخيلاً ؛ ولكن الأجر لم يكُ كافياً وهو لم يعتدّ التكسُّب، فترك بعلبك والعمل فيها سنة 1907.
شهد فليكس ما أصاب والده حبيب من مصائب واضطهاد من الوُلاة والمتُصرّفين، فلم يتعاطَ السياسة حتى سنة 1908، ولكنّه كان يراقب وتختمر في نفسه مآخذه وملاحظاته على الأوضاع المُضّطربة القائمة، وابتداء من سنة 1908 أخذ فليكس - من المريجات - يزوّد الصُّحف والمجلاّت بالقصائد والمقالات. في لبنان وفي المهاجر والمغتربات ؛ فراسل مجلّة "الجامعة" و"جريدة الهُدى" لنعوم مكرزل في المهاجر الأميركية. وجريدة "النَّصير" في لبنان.
يعد الشاعر فيلكس حبيب واحد من اللبنانيين المتحّمسين للعروّبة، الذين لمع نجمهم في عالم الأدب والصحافة والمحاماة والفلسفة شعراً ونثراً وترجمة وتأليفاً وخطابة ومرافعات.
وبعد شفائه من حادث تعرض له بحريق منزله في المريجات انتمى الى جمعية "الاتحاد والترقّي" العاملة سرِّاً على الإصلاح في السلطنة العثمانيّة وعلى التخلُّص من عبد الحميد الظَّالم وإستمالت إليها ضباطاً من الجيش لخلع عبد الحميد واستبداله بشقيقه محمد رشاد، ووضعت دستوراً للسلطنة مُستمداً من الدُّستور الفرنسيّ ونشأ مجلس "المبعوثان" ومجلس شيوخ، ولكن تعصُّب هذه الجمعية للقوميّة التُركيّة جعل الشعوب غير التُركيّة في السلطنة تتكتَّل ضِدَّها وساندتهم المعارضة فتأسس حزب الائتلاف ؛ وامتد الانقسام إلى لبنان بين الحزبين.
وكان فليكس فارس تعلَّم أُسس الثورة الفرنسيّة : حُريَّة - مساواة - إخاء، فإعتلى المنابر دون أن يخشى أخصامه ودافع عن جمعية "الاتحاد والترقّي" ومبادئها.
وكان فليكس فارس يسعى للتقّرِيب وشَّدِ الأواصر بين الأديان وكُرهِ التعصُّب فأحبّه المسلمون والمسيحيّون على حدّ سواء وأعجبوا بحُسن بيانه وبهيّ طلعتِه.
سنة 1909 أصدر فارس في بيروت صحيفة "لسان الاتحاد" وقد توقفت سنة 1911 وقد شاركه العمل فيها : أمين الريحاني وحبيب فارس وماري عجمي الأديبة السوريّة صاحبة مجلة "العروس" وولي الدين يكنّ، إلاَّ أن حاله مع العثمانيين ساءت.
وبأثناء صدور "لسان الاتحاد" سافر فارس إلى الاستانة سنة 1910 ليحضر احدى جلسات مجلس "المبعوثان". ومن الاستانة إستدّعى لتدريس الآداب واللّغة الفرنسيّة في المدرسة السُلطانيّة، وبقي فيها حتّى أواخر الحرب العالمية الأولى (1917) وبأثناء وجوده في الاستانة أتقن اللغة الترُّكيَّة، سنة 1912 عُيّن تُرجماناً لولاية بيروت، ولم يعمل بهذه الوظيفة الا أربعة أشهر عاد بعدها إلى حلب وكتب في مجلّتي "العروس" و"المراقب" السوريتين، ولقي نجاحاً باهراً وانهمرت عليه رسائل الشُّكر والتقدير من الاهلين ومن الأدباء.
أواخر العقد الثاني ومطلع العشرينات من هذا القرن
بعد الحرب العالمية الأولى، أي بعد 1918، جرت محاولة توحيدية للدول العربية بقيادة الأمير فيصل، وكان لصوت فارس على المنابر آذان تسمع ونظرات ترنو، وقد أعجب به سامعوه في خطاب ألقاه سنة 1919 وفتحت أمامه كل الدوائر وسعت إليه الوظائف، غير أن إخلاصه لوظيفته وامتناعه عن المحاماة، كل ذلك، كان سبباً في إنهاء وظيفته في دائرة إنحصار التّبغ، فغيره كان أسلم تعاملاً مع المهرّبين. وهو الذي رفض دائماً التفاهم معهم : فعاد فارس الى لبنان سنة 1920، وأعجب فارس، كما الغالبية اللبنانية، بجرأة الجنرال غورو، وقامت صداقة وإحترام بين الرَّجلين كان من نتيجتهما أن سمح الجنرال غورو لأمين الريحاني بالعودة الى البلاد على مسؤولية فليكس فارس.
سنة 1921 سعى فارس لتأسيس رابطة فنيّة تجمع بين أبناء الوطن من مختلف الطوائف وتُقاتل التعصُّب والتّفرِيق وانحدار الأخلاق وتعزُّز مكانة الآداب والفنّون، وقد أراد بيروت مركزاً لها، ولكنّه كان مريضاً وسافر إلى الولايات المتّحدة (1921 - 1922) برفقة جان والياس الدبس، بهدف العمل على توحيد المهاجرين.
وتعدّدت خطبه فيهم في أميركا وعرض عليهم مصائب المجاعة وأحيا فيهم الحنين إلى وطنهم. فإعتقل ستة عشر يوماً مع رفيقيه في جزيرة الليس قبل الوصول إلى أميركا لأن الإنكليز كانوا غير موافقين على هذه السَّفرة فجاء دور أمين الريحاني في إنقاذهم، وساءت صحة فارس وحُطِّمت تماثيل المجاعة التي كان يحملها.
وفي الولايات المتّحدة تمتَّنت أواصر الصداقة بينه وبين المهاجرين، وبخاصة الادباء منهم وفي مقدمهم جبران خليل جبران ونعوم مكرزل وميخائيل نعيمة ورشيد أيوب وقد سُلّم مفاتيح مدينة ديترويت. وأعجب جبران بفارس الخطيب والشاعر وكتب عنه في جريدة "السائح"، وقد بقي الإثنان يتبادلان الرسائل، وكان فارس عندما إشتدَّ به المرض في أميركا أوصى بقلمه لجبران.
وفي شباط 1922 كان فارس من خطباء المنتدى السوريّ في لورنس ماسّ الذي يرأسه الأديب فادي مراد. وفي الشهر اللاحق (أذار) إنتخبته الجمعيّة السوريّة التهذيبيّة عضو شرف فيها وفي نيسان خطب في المنتدى اللبنانيّ وفي أيار خطب في جمعية الصليب الاحمر الفرنسيّة اللبنانيّة وفي تموز إتصل به أحد كبار السياسيين في نيويورك الفونس تونيتي وطلب مقابلته لإجراء حديث معه عن أوضاع وأحداث الوطن كما يراها فارس وذلك بعد أن قرأ مقالاً له في "التايمز". وكان لفارس نشاط في الصحف. فاضافة الى التايمز كتب في جريدة "فري" و"الجورنال" و"السائح" و"الهُّدى" و"الأخلاق"، وعن لقائه بجبران يقول فارس : "جالست جبران ساعات طويلة تركت في نفسي أثراً لم تترك مثله أيّة شخصيّة كبيرة عرفتها في حياتي". أما جبران فقد ترجم قصيدتين لفارس الى الإنكليزيّة.
عاد فارس الى لبنان سنة 1922 ولكنه لم ينقطع عن مراسلة الصُّحف الأميركيّة.أما مع الجنرال ويغان فالأمر في المعاملة إختلف عما كان عليه مع الجنرال غورو، ففضَّل فليكس المهنة الحرَّة ودرس المحاماة على والده المحامي المشهور حبيب وقد زكَّاه عدد كبير من المحامين لممارسة المهنة ونشرت مرافعات عديدة له في الصُّحف.
و بعد مُدّة قصيرة من العمل في لبنان ، فكَّر بالسفر إلى مصر والعمل في صحُفها، وبعد استشارة أصدقائه الخُلَّص فضَّل العمل في الترّجمة في بلدية الاسكندريّة حيث أختير على إثر مباراة دخلها أربعون متبارياً"..وكان فارس ينقل بترجمة فوريّة وبتعريب فورّي باللغّة الفُصحى مع الحفاظ على النَّص وترجمته حرفياً.
ولم يكتف بالترجمة في مصر، بل حاضر وخطب بعنوان "الخُطابة والخطيب وتأثيرهما في الأُمَم" و"الجنون الاختياري" في حرب المسّكرات، و"صلاح المجتمع بصلاح الأُسرة" و"الثقافة الشرقيّة". ويطول بنا السرد ما يستوجب دراسات وكتباً".
وأثناء وجوده في مصر راسل صُحفاً أفريقيّة ومجلاّت برازيليّة ونشرت له رسالة إلى ميّ زيادة ورسالة إلى جبران، وتوثّقت عُرى الصداقة بين فارس وبين ميّ زيادة ودامت هذه الصداقة طويلاً وبينهما رسائل متبادلة في التشجّيع والنّقد والصَّحافة، ولم يتركها في محنها حتى يوم إتَّهمتْ بالجنُّون، وكاتب مصطفى صادق الرافعي وتعرّف إليه كما أن أحمد حسن الزيّات زاره وغيرهما.
مؤلـفـاته
كما يقول فليكس فارس في مستهلِّ كتابه "هكذا تكلّم زرادشت" المطبوع في الاسكندرية سنة 1938 فانّ مؤلفاته هي :
1 - رسالة المنّبر الى الشرق العربي.
2 - هكذا تكلّم زرادشت - تأليف الفيلسوف الالماني فريدريك نيتشه - مترجمة.
3 - اعترافات فتى العصر، تأليف الفرد دي موسّيه - مُترجمة وقد أُعيد طبعها.
4 - رواية الحبُّ الصادق -
5 - شرف وهيام -
6 - النجوى إلى نساء سوريا
وأما ما ينتظر النشر فهو
1 - المراحل : سياسة وأدب واجتماع.
2 - القيثارة : ديوان شعر.
3 - قلعة حلب - وكتب أخرى.
4 - الأحرار في الشّرق - بالعربيّة.
5 - الأحرار في الشرق - بالفرنسية.
6 - رؤى متصوِّف عربّي - بالفرنسيّة.
7 - من إلهام الشّرق - بالفرنسيّة.
8 - من حدائق الغرب - مُختارات - مُتّرجمة.
9 - بين عهدين. قبل الاحتلال وبعده.
10 - أمام المحاكم : الإجرام والقانون.
11 - الأغلال : مسرحية متّرجمة.
12 - ثورة أثينا : مسرحية شعريّة نثريّة.
13 - حديث الأزهار
توفي فليكس فارس في 27 حزيران 1939 بمصر على اثر مرض أصابه، ونقل جثمانه إلى لبنان في 12 تموز من السنة ذاتها ودفن في لبنان
*******************************