الشعر في العصر العباسي الاول \ القسم الثاني
وهذه هي اذكرها مع تفاعليها:
1- الطويل : وأصل تفاعيله:
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعل .
2- المديد : وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن .
3- البسيط : وأصل تفاعيله:
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن .
4- الوافر : وأصل تفاعيله:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن .
5- الكامل : وأصل تفاعيله:
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
6- الهزج وأصل تفاعيله:
مفاعيلن مفاعلين مفاعلين .
7- الرجز وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن .
8- الرمل وأصل تفاعيله:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن .
9- السريع وأصل تفاعيله:
مستفعلن مستفعلن مفعولات.
10- المنسرح وأصل تفاعيله:
مستفعلن مفعولات مستفعلن .
11- الخفيف وأصل تفاعيله:
فاعلاتن مستفع لن فاعلاتن.
12 - المضارع وأصل تفاعيله:
مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن .
13- المقتضب وأصل تفاعيله:
مفعولات مستفعلن مستفعلن .
14- المجتث وأصل تفاعيله:
مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن
15- المتقارب وأصل تفاعيله:
فعولن فعولن فعولن فعولن .
16- المتدارك ( ويسمى الخبب أو المحدث )
وأصل تفاعيله:
فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن .
الا ان هذه البحور لم تبق على حالها فقد اجتزئت ونهكت ولحقها التغيير او انشطرت فنظمت القصائد بمجزوء البحر اومشطوره ودخلت اليها بعض الامراض العروضية مثل الخبن والطي والزحاف و...
لاحظ الشاعر صريع الغواني في الغزل يقول :
يا أيها المعمود قد شفك الصدود
فأنت مستهام خالفك السهود
تبيت ساهرًا قد ودعك الهجود
وفي الفؤاد نار ليس لها خمود
تشبها النيران من الهوى وقود
إذا أقول يومًا قد أطفئت تزيد
يا عاذلي كفى فإنني معمود
وقد ألمّ الشعراء العباسيون بالأوزان التي أخرجها الخليل ونظموا في تفعيلاتها وكان افضلها واقربها واطوعها للغناء هي الأوزان القصيرة كالمجتث والقتضب ومجزؤء الكامل والهزج وغيرها من البحور المجزوءة التي تستدعي الرشاقة والعذوبة وتلائم حياة القصور والحانات والخمائل وساعات الانس والطرب وما يحبب النغم إلى النفسِ او أكثر استجابتها للغناء وطواعية للنغم الموسيقي.
لاحظ ابا نؤاس حيث يقول :
حامل الهوى تعب يستخفه الطرب
إنْ بكى يحقُ لـه ليسَ ما به لعبُ
تضحكين لاهية والمحب ينتحبُ
كلما انقضى سببٌ منكِ عاد لي سببُ .
وكذلك الاوزان الشعرية وبحور الشعر العربي ازدادت وتطورت فظهرت انغام جديدة واوزان لم تكن معروفة من ذي قبل مثل الموشح والزجل اللذان ظهرا لاؤل مرة في بلاد الاندلس ثم انتشرا في المشرق بعد ذلك ثم المواليا والمزدوج والمسمط والمربع والمخمس تبعا لتطور حالة المجتمع وحاجته للنغم والغنائية . هذا بالاضافة الى التغيير في الفاظ الشعر واساليبه . فقد افتتح الشعراء قصائدهم بالغرض الذي نظمت القصيدة من اجله في بعض الاحيان عازفين عما كان الشعراء يسيرون عليه من استهلال القصيدة بالغزل ا و البكاء على الاطلال ولو ان بعضا منهم ظل ينشد على هذه الطريقة المالوفة.
كما تصرف بعض الشعراء بالأوزان كما ذكرت واستحدثوا أوزاناً أخرى تنسجم مع روح العصر مثل أبي العتاهية الذي كان من أشهر الذين ابتكروا في الأوزان الشعرية لما يقول من الشعر .
وقد قال ابن قتيبة فيه :
( وكان لسرعته وسهولة الشعر عليه ربما قال شعراً موزونا يخرج به عن أعاريض الشعر وأوزان العرب )
اما القوافي فهي تعتمد على الحرف الاخير من البيت الشعري وحركته وحركة الحرف الذي قبله ويسمى الروي فقديما كانت القصيدة نهاية ابياتها كائنة على وتيرة واحدة ونسق واحد وروي واحد مهما طالت القصيدة او قصرت فهي من بحر واحد وقافية واحدة ويشكل الحرف الاخير قافية القصيدة فيقال هذه قصيدة بائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الباء ورائية اذا كانت قافيتها منتهية بحرف الراء وهكذا يقال ميمية ونونية ولامية.......
اما في العصرالعباسي فقد اوجد التطور انواعا اخرى من القصيد منها المربع ومنها المخمس والمشطور ومنها ما يسمى الموشح والمواليا وهكذا الا ان الجميع كانت تحتكم الى البحور الشعرية العربية الستة عشر ولا تخرج منها الا نادرا وحسب مقتضات القصيدة والضرورة الشعرية التي اجازت للشاعر ما لم تجزه لغيره.
اما فيما يخص الفنون الشعرية واغراضها وكيفية تطورها فاقول:
مما لاشك فيه ان الأغراض الشعرية في العصر العباسي هي امتداد للأغراض الشعرية في العصور السابقة و لكنَّ هذا لا يعني عدم بروز موضوعات جديدة فقد تطورت الموضوعات التقليدية في العصر العباسي في الشعر و برزت موضوعات جديدة في هذا العصر واهمها مايلي :
واول هذه الفنون الفخر و المدح وهي اغراض شعرية معروفة
منذ العصر الجاهلي ومتداخلة بين الفخر والمدح و في العصر العباسي اشتق فن المدح لنفسه مضامين جديدة فقد برز الإلحاح في هذا العصر على المعاني الإسلامية خاصةً في مدح الخلفاء و الوزراء على نحو لم يُعهد مِنْ قبل. فالخليفة في نظر الشعراء هو إمام المسلمين و حامي حمى الإسلام و قد بالغ الشعراء في وصف مكانة الممدوح الدينية لاحظ قول أبي نؤاس في مدح الخليفة هارون الرشيد وهي حالة جديدة لم يسبق لها مثيل :
لقـد اتقيتَ الله حقَّ تُقـاتـه
و جَهَدْتَ نفسك فوق جُهدِ المُتقي
وَ أَخفْتَ أهلَ الشِرك حتى أَنَّه
لَتخَافكَ النُطف التي لَمْ تُخلقِ
كمَا قام الشعراء بتصوير الأحداث و الحروب في قصائد المدح والفخر و بذلك أصحبت قصائد المدح وثائق تاريخية تُصوَّر البطولات العربية. وافضل ما قيل بهذا المعنى قصيدة أبي تمام في فتح مدينة عمورية :
السيف أصدق إنباءً من الكتب
في حدَّهِ الحَدُّ بينَ الجد و اللعبٍ
وبروز حالات التجديد في هذا الفن مثل مدح المدن و التعصب لها
و الإفاضة في تعداد محاسنها و أشهر المدن التي مُدحت الكوفة و البصرة و بغداد باعتبار هذه المدن مراكز رئيسية للحياة الفكرية
و الاجتماعية و الاقتصادية في العالم الاسلامي او الدولة العربية . لاحظ قول عمارة بن عقيل في مدح بغداد:
أعاينت في طول من الأرض أو
عرض كبغداد داراً إنها جنة الأرضِ
صفا العيش في بغداد واخضر عوده
وعيش سواها غير صاف ولا غض
تطول بها الأعمار إن غذاءها مريء
وبعض الأرض أمرؤ من بعض
والغزل من الفنون المعروفة منذ القدم في العصر الجاهلي و قد تميز فيه عدة اتجاهات الاول التغزل بالمرأة وفيه اتجاهين الغزل الحسي الجسدي والثاني الغزل العفيف - لاحظ كتابي ( الغزل في الشعرالعربي ) و قد أدَّ ت طبيعة الحياة في العصر العباسي إلى ازدهار فن الغزل فبرزت فيه أنواع من الغزل كالغزل القصصي و هو امتداد لما كان معروفًا في العصور السابقة وكذلك الغزل الحسي او الجسدي و لكنه صار أكثر مجونًا وخلاعة و تعابثًا. و للزندقة والشعوبية دور كبير في شيوع هذا الغزل وانتشاره و تعدد الملاهي وذيوع الآراء والافكار الإباحية التي نشرها الموالي .
لاحظ قول حماد عجرد في الغزل :
أني لأهوى (جوهراً) ويحب قلبي قلبها
وأحب من حبّي لها من ودَّها وأحبها
وأحب جارية لها تخفي وتكتم ذنبها
ومن الغزل العفيف وهو امتداد للغزل العذري في العصرالاموي قول العباس بن الاحنف يتغزل في حبيبته :
ألم تعلمي يا فوز أني معـــــــــــــذب ُ
بحبكم , والحين للمرء يجلــــــــــــــــب ُ
وقد كنت أبكيكم بيثرب مـــــــــــــــــرة ً
وكانت منى نفسي من الأرض ِ يثـــرب ُ
أُؤملكم حتى إذا ما رجعتمـــــــــــــــــــوا
أتاني صدود ٌ منكم ُ وتجنــــــــــــــــــب ُ
فان ساءكم ما بي من الصبر , فارحموا
وان سرّكم هذا العذاب , فعذّبــــــــــــوا
فأصبحت ُ فيما كان بيني وبينكـــــــــــم
أحدّث عنكم من لقيت ُ فيعجـــــــــــــب
ولون جديد او اخر ظهرَ في الشعر العباسي هو الغزل بالغلمان أو الغزل بالمذكر. على ايدي نخبة من الشعراء المجان مثل والبة بن الحباب وابي نؤاس والحسين بن الضحاك وغيرهم .
يقول والبة بن الحباب في غلام متغزلا به :
ﻗﻠﺕ ﻟﺴﺎﻗﻴﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺨﻠﻭﺓ
ﺃﺩﻥ ﻜﺫﺍ ﺭﺃﺴﻙ ﻤﻥ ﺭﺃﺴﻲ
ﻭﻨﻡ ﻋﻠﻰ ﻭﺠﻬﻙ ﻟﻲ ﺴﺎﻋﺔ
ﺇﻨﻲ ﺍﻤﺭﺅ ﺃﻨﻜﺢ ﺠﻼسي
وهناك نوع اخر من الغزل هو الغزل الصوفي وهو نوع جديد
وقد تطرّق الصوفيون إلى الحب فجعلوا منه النور الذي يُستضاء به والسر الذي يتكئ عليه والمشعل الذي يسير الصوفي على هداه ليؤكدوا قاعدة اساسية هي ( أن الحب هو طريق الوصول إلى الله ) وهذا يعني أن غاية الحب القصوى هي حب الله تعالى او الاتصال بالله مما يمهد الطريق للمعارف والإشراقات والفتوحات وتلازم الأقوال والأفعال مع بعضها ليكون الحب الإلهي قمة السلوك البشري الرفيع كالتوبة والإنابة والورع والزهد ، والتوكل والرضى .. وما إلى ذلك مما يدعو إلى التحرر من صرخة الجسد وطغيان الرغبات الحسية او الجنسية والترفع إلى المعاني الراقية والمراتب الذوقية التي تنأى في كل الأحوال عن شؤون المعرفة العقلية حيث الذوقُ والكشفُ وميلُ القلب إلى الله وليس لسواه ، فيطيب عيشه فالحب الصوفي فناء مطلق يجعل من الحب والمحبوب كُلاً موحِّداً – لاحظ كتابي ( شرح ديوان الشيخ عبد القادرالكيلاني وشئ في تصوفه ) الجزء الاول الصفحات \ 93-104 .
فالحب الروحي المثالي المجرد عن رغبة الجسد ونزوة الغريزة ، يجعل من صاحبه في حالة اندماج و التصاق حقيقي بالمحبوب فتتألق النزعة الوجدانية الصافية في شعر الحب الصوفي .
ولاحظ قول السهروردي :
لمعت نارهم وقد عسـعس
الليل وملّ الحادي وحار الدليل
فتأملتها وفكري من البيـن
علـيل ، ولحظ الغرام الدخيلُ
وفؤادي ذاك الفؤاد المعنّى
وغـرامي ذاك الغرام الدخيلُ
ثم مالوا إلى الملام فقالوا :
خُلَّبٌ مـا رأيـت أم تـخييلُ
اما في فن الوصف فالشعراء بطبيعة انفسهم ودواخلهم وصّافون وبسبب اتساع خيالهم و دقة ملاحظتهم فالشعر العربي زاخر بفن الوصف ابتداءا من العصر الجاهلي وحتى الشعرالمعاصر في هذا الوقت. اما في العصر العباسي فنظرا للتطور الحضاري و النمو الاقتصادي فقد اتسع مجال الوصف وظهرت عدة اتجاهات في الوصف اهمها الاتجاه القديم وقد امتدت يد الحضارة لهذا الاتجاه بالتهذيب والتطوير وفقا للتطور الزمني والحضاري وفيه وصف الشعراء الرحلة في الصحراء ووصف الناقة و الفرس و الليل و النجوم و وصف المعارك و الحروب ومن ثم الاتجاه اتجديدي في العصرالعباسي ويتمثل في الابتكار الجديد اذ كان نتاج التطور الحضاري و النمو الاقتصادي و شيوع الترف والاسراف , وفيه وصفوا المظاهر الحضارية كالجسور والحدائق والبساتين والرياض والحدائق والزهور والموائد والقصور والمآكل والمشارب.
لاحظ قول ابي الفرج في وصف جسر جديد شيد
على نهر دجلة:
أيا حبذا جسراً على متن دجلة
بإتقان تأسيس وحسنٍ ورونق
جمالٌ وفخر للعراق ونزهة
وسلوة من أضناه فرط التشوق
كما وصفوا القصور وما فيها من فرش وأثاث ورياش وما يحيط بها من حدائق غنّاء تتغني فيها الطيور وتلعب فيها الظباء والغزلان و وصفوا الآلات الموسيقية والنغمية والألعاب ورحلات الصيد والطرد ووصفوا الخمرة ومجالسها وأدواتها وسقاتها وغلمانها وما يتردد فيها من أصوات المغنين والمغنيات.
اما فن الهجاء فنلاحظ فيه في العصر العباسي اتجاهين الهجاء السياسي والهجاء الشخصي وقد امتاز اللونان معاً بالسخرية الشديدة والإيذاء المؤلم فالهجاء السياسي في الاغلب اتجه نحو التركيز على الإنحراف الديني و نسب الشذوذ و الزندقة للمهجوين .
و مِنْ الهجاء السياسي او الهجاء العام قول دعبل الخُزاعي في هجاء المعتصم و الواثق:
خليفةٌ ماتَ لمْ يَحزنْ لهُ أحدُ
و آخرٌ قامَ لمْ يفرح به أحدُ
فَمَرَّ هَذا وَمَرَّ الشُؤمُ يَتبَعُهُ
وَقامَ هَذا فَقامَ الشُؤمُ وَالنَكَدُ
و الهجاء الشخصي اتجه نحو السخرية ورسم الصورالهزلية المضحكة والمعيبة للمهجو. مثال ذلك :
قول ابن الرومي في الهجاء :
ولحية يحملها مـائق
مثل الشراعين إذا أشرعا
تقوده الريح بها صاغرا
قودا عنيفا يتعب الأخدعا
فإن عدا والريح في وجهه
لم ينبعث في وجهه إصبعا
لو غاص في البحر بها غوصة
صـاد بها حيتانه أجمعا
والزهد ليس ظاهرةً جديدة على العصر العباسي إنما هو من عصر الصحابة او التابعين ثمّ العصر الأموي الذي برز فيه الكثير من الشعراء في أشعارهم بوادر للزهد والتصوف مثل الحسن البصري وقطع الأسباب المتصلة بالقلوب .لذا أصبح الشعر الذي ينظم في الامور الزهدية والدينية بذاته اصبح سلاحا حادا يواجه تيار الزندقة و الإنحرافْ و المجون.
و الزهد بحد ذاته يعتبر سلوكية يهدف للابتعاد عن الدنيا وهجرها والالتزام بالعبادات والطاعات الربانية .
أما التصوف فهو نزعة روحية خالصة اساسها المجاهدة والرياضة الروحية والوصول للكشف عن الذات الالهية. وقد ظهر من الرجال المتصوفين واشتهر : الشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي والحلاج والقاضي الفاضل وابن الفارض والشيخ عبد القادرالكيلاني والسهروردي .
لاحظ الشيخ عبد القادرالكيلاني يقول:
مافي الصبابة منهل مستعـــــــــــذب
الا ولي فيه الالذ الاطيــــــــب
اوفي الوصال مكانة مخصوصــــــة
الا اومنزلتي اعز واقـــــــرب
وهبت لي الايام ر ونق صفوهـــــــا
فغلا مناهلها وطاب المشرب
اضحت جيوش الحب تحت مشيئتي
طوعا ومهما رمته لايغـــــرب
راجع كتابي ( الغزل في الشعر العربي ) صفحة 233- 258.
ومن النساءِ المشهوراتِ بالعبادة والاستغراق في الذات العلية الشاعرة رابعة العدوية و قد نادت بالحب الإلهي .
لاحظ قولها تناجي حبيبها الله تعالى :
أحبك حبين حب الهوى
وحبـًا لأنك أهلاً لذاكـا
فأما الذي هو حبّ الهوى
فشغلي بذكرك عمن سواكا
وأما الذي أنت أهل له
فكشفك للحجبِ حتى أراكا
و شعر الزهد الخالي من الغلو يتجلى في شعر أبي العتاهية وشعر أبي نواس الشاعر الماجن بعد توبته في شيخوخته فله أبيات في الزهد تعد من روائع الشعرالعربي وقيل انه قالها في اخريات ايامه بعد أنَ تيقظ من غفلته و تاب إلى الله.
لاحظ قوله في الزهد :
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً
فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ
أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحمْ
إنْ كانَ لا يرجوك إلا مُحسنٌ
فبمن يلوذ و يستجيـر المجرم
مالي إليكَ وسيلةً إلا الرجــا
و جميل ظني ثمَّ إني مسلـمُ
اما في شعرالحكمة - وكانت هذه في الجاهلية ايضا قالها كثير من شعراء الجاهلية مثل زهير بن ابي سلمى ولبيد – وقد أثرَّت حركة الترجمة الواسعة في شعر الحكمة فنجد أن بعض الشعراء في العصر العباسي استوعبوا الحكم اليونانية والفارسية و الهندية التي ترجمت للفارسية ثم نقلها ابن المقفع وغيره إلى العربية فتمثلوا بها شعراً ، وضمنوا بعضها أبياتهم مثل كتاب ( كليلة ودمنة ) ذي الاصول الهندية او كتاب( الأدب الكبير) وكتاب ( الأدب الصغير) اللذين نقل فيهما ابن المقفع من تجارب الفرس وحكمهم الكثير .
لاحظ قول صالح عبد القدوس يقول :
المرء يجمع و الزمان يفـرق
ويظـل يرقع و الخطوب تمزق
ولأن يعادي عاقلا خيـر له
مـن أن يكون له صديق أحمق
فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا
إن الصديق علي الصديق مصدق
وزن الكلام إذا نطقت فإنما
يبدي عيوب ذوي العقول المنطق
اما في الرثاء فقد أثرَّت الحضارة فيه فبعدَ أن كان الشعراء العرب ينظمونه في البحور الطويلة اصبح الشعراء في هذا العصر ينظمونه في البحور الخفيفة. وفي رثاء الخلفاء وليس جديدا على الشعر العربي رثاؤهم . لاحظ قول ابي نؤاس في رثاء الامين :
طوى الموت ما بيني وبين محمّد
وليس لما تطوي المنية ناشر
وكنت عليه أحذر الموت وحده
فلم يبق لي شئ عليه أحاذر
كما بكى شعراء هذا العصر أبنائهم ورثوهم مثلما فعل الشعراء في العصور المتقدمة قبلهم و مِنْ ذلك رثاء ابن الرومي لأ بنه محمد حين توفاه الموت اوخطفته يد المنون :
بكاؤكما يُشفي و إنْ كانَ لا يُجدي
فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بُنيَّ الذي أهدتـهُ كفاي للثـرى
فيا عزَّة المَهديّ يا حسرةَ المُهدي
ألا قاتل الله المنايا ورميـها
من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي
فللَّه كيف اختار واسطة العقد
الا ان من جديد رثاء العصر العباسي رثاء المغنين والاحبة والاصدقاء و تضمن هذا الرثاء أوصافًا لم يعرفها الرثاء العربي.
و من ذلك قول أحدهم في رثاء المغني إبراهيم الموصلي:
بكت المسمعات حزناً عليه
وبكاه الهوى وصفو الشراب
وبكت آلة المجالس حتى
رحم العود دمعة المضراب
اما الخمرة فهي فنٌ أدبيٌ ليسَ بجديدٍ على الشعر العربي وإنما هو قديم ابتدأ قبلَ الإسلامْ ومن أشهرالشعراء في العصرالجاهلي في وصفِ الخمرة الاعشى وعمرو بن كلثوم ولما جاء الإسلام أمر بتحريمها وحدّ شاربيها وصانعيها وبائعيها وحامليها . ولذا قلت معاقرتها والقول فيها واقتصر على نفرٍ قليل . وفي العصر الاموي انبعثت من جديد على ايدي عدد من الشعراء اغلبهم من غير المسلمين مثل الاخطل .
اما في العصر العباسي فقد شاعت الخمرة وتوسعت مجالسها وكثرت حاناتها وزاد الإقبال عليها نتيجة الترف وكثرة اللهو والمجون ي هذا العصر وانفتاحه ويبدو أن الحرية وراء هذا الإقبال. وفي كل هذا قال الشعراء وانشدوا ومن اشهر من قال فيها الشاعر ابو نؤاس والشاعر غالب عبد القد وس الذي يقول فيها :
أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها
كما فقد المفطوم درّ المراضعِ
و قول ابي نؤاس هذه الابيات :
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء
وداوني بالتي كانت هي الداء
صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها
لو مسها حجر مسته سراء
قامت بإبريقها والليل معتكر
فلاح من وجهها في البيت لألاء
فأرسلت من فم الإبريق صافية
كأنما أخذها بالعين إغفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها
لطافة وجفا عن شكلها الماء
فلو مزجت بها نوراً لمازجها
حتى تولد أنواراً وأضواء
دارت على فتية دان الزمن لهم
فما يصيبهم إلا بما شاؤوا
لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة
كانت تحل بها هند وأسماء
اما الفترة الزمنية التي تحدثت عن شعرائها فتشمل القرنين الثاني والثالث أي من \ 132هجرية - 746 ميلادية وحتى بداية القرن الرابع الهجري أي لسنة \400 هجرية .
فالشعراء الذين عاشوا في هذه الفترة الزمنية من الدولة العباسية هم من تحدثت عن اشهرهم وهو مانسميه بالعصر العباسي الاول - واهم شعراء هذا العصر بشار بن برد شيخ المجددين و ابو تمام والبحتري وابر نؤاس وابو العتاهية وابن المعتز وصريع الغواني والمتنبي وكشاجم وابو فراس الحمداني وغيرهم كثير وقد كان افضل شعراء هذا العصر ابو تمام الطائي والبحتري ومن خلال دراستي لشعرهم والاستيناس باراء النقاد ومؤرخي الشعرالعربي والمهتمين به نقر حقيقة ان ابا تمام هو امير شعراء هذا العصر . اما ابو الطيب المتنبي فهو شاعر العربية الاول الذي لم تلد النساء العربيات شاعر مثله منذ ان نشأ الشعر في الجاهلية ولحد كتابة هذه الحروف فهو ملك الشعر العربي وملك الشعراءالعرب جميعا فهو مالئ الدنيا وشاغل الناس ويحق للعربية ان تفخر به شاعرا عظيما لذا يكون لنا في هذا العصر وهو العصرالذهبي للغة العربية وعلومها وصفاء آدابها وبلاغتها ونحوها وتمام قواعدها شاعران :
الاول ابو الطيب المتنبي وهو ملك الشعر وملك الشعراء على مر الدهور والعصور
والثاني ابو تمام الطائي وهو امير الشعر والشعراء في هذا العصر
**********************************************