جرير بن عطية الخطفي
امير الشعراء في العصر الاموي
هو ابو حرزة جرير بن عطية بن حذيفة الخطفي بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم من قبيلة يربوع ومن رهط كليب من تميم .
ولد سنة\ 33 هجرية – 653 ميلادية في خلافة عثمان بن عفان في نجد ونشأ في بيت فقير, ، وكان والده علي قدر كبير من الفقر، ولكن جده حذيفة بن بدر الملقب بالخطفي كان يملك قطيعا كبيرا من الجمال و الغنم وكان ينظم الشعر وكذلك كانت أمه كانت تقول الشعر وعندما ولد جرير وضعته أمه لسبعة أشهر من حملها به ورأت رؤيا مفزعة في منامها فذهبت إلي العراف كي يفسر الرؤيا فعادت تقول:
قصصتُ رؤياي علي ذاك الرّجل
فقال لي قولاً، وليت لم يقل
لـتَلِدنّ عـضلة مـن الــعضل
ذا منـطق جزلٍ إذا قال فصل
قضى طفولته وصباه في بادية نجد يرعى الاغنام وقال الشعر منذ صغره متحديا كل الظروف الملمة به .
قضى جرير فترة شبابه باليمامة وتهاجى في الشعر مع الفرزدق الشاعر البصري ثم انتقل الى البصرة بعد سيطرة الامويين عليها بعد القضاء على ثورة مصعب بن الزبير وظل يتهاجى مع الفرزدق الذي كان ساكنا فيها ومن أبنائها وقد مدح جرير فيها بشر بن مروان والحجاج بن يوسف الثقفي وغيرهما وقد طالت علاقته مع الحجاج اكثر من عشرين سنة وكانا هذين من ولاة الامويين على البصرة وكان الحجاج سببا في وصول جرير الى الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان لمدحه ثم مدح الخلفاء الامويين الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك بن مروان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبدالملك وهشام بن عبد الملك وعد من شعراء الخلافة والبيت الاموي في وقت كانت قبيلته ضد الحكم الاموي .
بقى جرير ينافس الاخطل والفرزدق بمدحه لخلفاء بني امية حتى نشبت بين الفريقين مهاجاة عنيفة ازدادت عنفا بمرور الزمن وقد ولدت هذه الحالة شعر النقائض في الادب العربي .
توفي جرير سنة \110 هجرية أي سنة \728 ميلادية وقيل سنة \ 114 هجرية.
اشتهر جرير بالهجاء والمديح حتى عد من اشهر شعراء العصر الاموي واشهر شعراء الهجاء في العربية ويتميز هجاؤه بالبذاءة والسب والمهاترة وتقصي عيوب خصومه ومثالبهم ومثالب اقوامهم وفضحها وخاصة المخزية منها بسخرية لاذعة وتهكم مقذع وقد تكالب على هجائه الشعراء مثل الاخطل والفرزدق والراعي النميري حتى وصل عدد خصومه من الشعراء اكثرمن ثمانين شاعرا كلهم افحمهم واسكتهم الا الفرزدق والاخطل ولعل ذلك يرجع الى نشوئه في بيت وضيع واشتداد العصبية القبلية والخصوما ت السياسية في زمنه والتي كان طرفا في كل منها اضافة الى شاعريته الفذة. وقد هجا جرير الراعي النميري بقصيدة قالها في سوق المربد وكان الاخير قد هجاه :
أعد الله للشعراء مني
صواعق يخضعون لها الرقابا
أنا البازي المدل علي نمير
اتحت من السماء لها انصبابا
إذا علقت مخالبه بقرن
اصاب القلب أو هتك الحجابا
تري الطير العتاق تظل منه
جوانح للكلاكل ان تصابا
فلا صلي الإله علي نمير
ولا سقيت قبورهم السحابا
ولو وزنت حلوم بني نمير
علي الميزان ما بلغت ذبابا
ستهدم حائطي قرماء مني
قواف لا اريد بها عتابا
أعد لهم مواسم حاميات
فيشفي حر شعلتها الجرابا
فغض الطرف انك من نمير
فلا كعب بلغت ولا كلابا
أتعدل دمنة قلت وخبثت
إلي فرعين قد كثرا وطابا
اذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهم غضابا
لنا البطحاء تفعمها السواقي
ولم يكن سيل أوديتي شعابا
ستعلم من اعز حمي بنجد
وأعضمنا بغائرها هضابا
شياطين البلاد يخفن زأري
وحية أريحاء لي استجابا
وقد خص في هجائه الشاعرين الاخطل والفرزدق اكثر من غيرهما لهذه الاسباب ولوجود المنافسة بينهم على مدح الخلافة الاموية والتقرب من الخلفاء فكان يعيب على الفرزدق تهكمه وفسقه ومجونه وعلى الاخطل نصرانيته وشربه الخمرة وانتصار قيس على تغلب وما صب عليهما في النقائض من سباب وهجاء مقذع وشديد يؤيد ما قلناه في الهجاء .
بالاضافة الى الهجاء برع جرير في المدح وخص به الخلافة الاموية وامراءها وكان مدحه للتكسب والحصول على المال لمعالجة فقر حالته وافضل بيت قاله في المدح :
ألستم خير من ركب المطايا
وأندى العالمين بطون راح
وكذلك اشتهر بالفخر وافضل بيت قاله في الفخر بقومه :
إذا غضبت عليك بنو تميم
حسبت الناس كلهم غضابا
وكذلك اشتهر بالرثاء والوصف
ومن خلال تتبعي لشعر جرير لاحظت ثلاثة امور لم اجدها عند غيره من الشعراء :-
الاول - ان جرير قال بيتين في شعر الغزل يعدان من افضل ما قيل في الغزل بالعربية- رغم كونه ليست من شعراء العشق و الغزل ولم يتوله بأحدى النساء ولم تكن له معشوقة او حبيبة - ولم يقل الشعراء مثليهما في الشعر العربي على مدى العصور:
ان العيون التي في طرفها حور ه قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن اضعف خلق الله انسانا
والثاني - تكالب عليه الشعراء في النقائض والهجاء فأفحمهم واسكت اغلبهم ونقض قصائدهم بقصا ئد افضل منها واشد معنى واقوى اسلوبا وكان سببا من اسباب ايجاد شعر النقائض في العربية.
والثالث - كان طيب النفس . طيبة نفس جرير جعلته ينسى كل ما قاله فيه الفرزدق من هجاء مقذع في قصائده اذ انه لما سمع بوفاة الفرزدق اشتد حزنه عليه وقام برثائه افضل رثاء في قصيدة رائعة تعد من روائع الشعر العربي و تنم عن الخلق العربي الاصيل.
شعر جرير من الطبقة الاولى واني لأعتبره اشهر شعراء العربية في العصر الاموي فهو بحق امير للشعراء في العصر الاموي وان ينازعه فيها الاخطل الا ان شعره اسمى واقوم والغلبة له . كان شعره مفهوم اللفظ سهل العبارة واضح المعاني جيد المباني شديد المتانة قوي البلاغة خال من التعقيد عندما تقرأه تنسجم معه وتنفتح اليه النفس كأنه قاله الان او ا نشده حاضرا . فقد أوتي جرير موهبة شعرية ثرة وحسا موسيقيا شاع أثرهما في هذه الموسيقي العذبة التي تشيع في شعره كله وكان له من طبعه الفياض خير معين للإتيان بالتراكيب السهلة التي لا تعقيد فيها ولا التواء .
فاعتماد جرير علي الطبع وانسياقه مع فطرته الشعرية من الأمورالتي أدت أيضا إلي سهولة شعره وسلاسة أسلوبه ورقة ألفاظه إذ يحس القارئ لشعره بموسيقي تطرب لها النفس ويهتز لها المتذوق العربي الذي يعجب بجمال الصيغة وسوامق الشكل و بأناقة التعبير وحلاوة الجرس أكثر مما يؤخذ بعمق الفكرة والغوص في المعاني فله مقدرته علي انتقاء اللفظ الجزل ومتانة النسج وقوته وحلاوة العبارة واللحن الموسيقي المؤثر ... وخاصة في غزلياته حيث العاطفة الصادقة تتألم وتتنفس في تعبير رقيق .
وفي مدحه الأمويين بالغ في وصفهم بصفات الشرف وعلو المنزلة والسطوة وشدة البطش ويلح إلحاحا شديدا في وصفهم بالجود والسخاء ليهز أريحيتهم وعواطفهم وقد يسرف في الاستجداء وما يعانيه من الفاقة والحرمان .
يقول في قصيدة في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان شارحا حالته المالية وكأنه مستجديا :
اشكو اليك فاشتكي ذرية
لا يشبعون وامهم لاتشبع
كثر و اعلي فما يموت كبيرهم
حتى الحساب ولا الصغير المرضع
واذا نظرت يريبني من امهم
عين مهجة وخد اسفع
من روائع شعره في الغزل –
ياأم عمـرو جـزاك الله مغفـرة
ردي علي فؤادي كالـذي كانـا
ألست أملح من يمشي علـى قـدم
يا أملح الناس كل النـاس انسانـا
يلقى غريمكم من غير عسرتكـم
بالبذل بخلا و بالاحسـان حرمانـا
قد خنت من لم يكن يخشى خيانتكم
ما كنت أول موثـوق بـه خانـا
لقد كتمت الهوى حتـى تهيجنـي
لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانـا
كاد الهوى يوم سلمانيـن يقتلنـي
وكـاد يقتلنـي يومـا ببيـدانـا
لابارك الله في من كان يحسبكـم
الا على العهد حتى كانـا ماكانـا
لابارك الله في الدنيا اذا انقطعـت
أسباب دنياك من اسبـاب دنيانـا
مااحدث الدهـر مماتعلميـن لكـم
للحبل صرما ولا للعهـد نسيانـا
ان العيون التي في طرفها حـور
قتلننـا ثـم لـم يحيـن قتـلانـا *
يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به
وهن اضعـف خلـق الله انسانا *
ياحبذا جبل الريـان مـن جبـل
وحبذا ساكن الريـان مـن كانـا
* وهذين البيتين من اجود ماقالته العرب في الغزل
اما في رثاء الفرزدق فقد قال: -
لعمري لقد أشجى تميمـاً وهدهـا
على نكبات الدهر موت الفرزدق
عشيـة راحـوا للفـراق بنعشـه
إلى جدثٍ في هوة الأرض معمـقِ
لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي
إلى كل نجم فـي السمـاء محلـقِ
ثوى حامل الأثقال عن كل مُغـرمٍ
ودامغ شيطان الغشـوم السملـقِ
عمـاد تميـم كلهـا ولسانـهـا
وناطقها البذاخ فـي كـل منطـقِ
فمن لذوي الأرحام بعد أبن غالبٍ
لجارٍ وعانٍ في السلاسـل موثـقِ
ومن ليتيم بعد موت ابـن غالـب
وأم عـيـال ساغبـيـن ودردقِ
ومن يطلق الأسرى ومن يحقن الدما
يداه ويشفي صدر حـران مُحنَـقِ
وكم من دمٍ غـالٍ تحمـل ثقلـه
وكان حمولاً في وفـاءٍ ومصـدقِ
وكم حصن جبار هُمـامٍ وسوقـةٍ
إذا مـا أتـى أبوابـه لـم تغلـق
تفتـح أبـواب الملـوك لوجهـه
بغيـر حجـاب دونـه أو تملُـقِ
لتبكِ عليه الأنس والجن إذ ثـوى
فتى مُضرٍ في كل غربٍ ومشـرقِ
فتىً عاش يبني المجد تسعين حجـةً
وكان إلى الخيرات والمجـد يرتقـي
فما مات حتى لـم يُخلـف وراءه
بحيلة وادٍ صولـةً غيـر مصعـقِ
واختم في هجاء جرير للاخطل التغلبي :
إنّي حَلَفْتُ، فَلَنْ أُعَافيَ تَغْلِباً
للظّالِمِينَ عُقُوبَةً، وَنَكالا
قَبَحَ الإلهُ وُجُوهَ تَغْلِبَ، إنّها
هَانَتْ عليّ مَعَاطِساً وَسِبالا
المُعْرِسُونَ إذا انْتَشَوْا بِبِنَاتِهِمْ
وَالدّائِبِينَ إجَارَةً وَسُؤالا
وَالتّغْلِبيّ إذا تَنَحْنحَ للقِرَى
حَكّ اسْتَهُ وَتَمَثّلَ الأمْثَالا
عَبَدوا الصّليبَ، وَكَذّبوا بِمُحَمّدٍ،
وَبِجِبرِئيلَ، وَكذّبوا مِيكالا
لا تَطْلُبَنّ خُؤولَةً مِنْ تَغْلِبٍ،
فَالزّنْج أَكْرَمُ مِنْهُمُ أَخْوالا
خَلِّ الطّرِيقَ لَقَدْ لَقيتُ قُرُومَنا،
تنفي القرومَ تخمّطاً وصِيالا
أَنسيتَ قَوْمَك بالجَزِيَرةِ بَعْدَمَا
كَانَتْ عُقُوبَتُهُ عَلَيْكَ نَكَالا
أَلاَ سَأَلْتَ غُثاءَ دِجْلَةَ عَنْكُمُ،
وَالخامِعَاتُ تُجَرِّرُ الأوْصالا
حَمَلَتْ عَلَيْكَ حُماةُ قيس خَيلَهم،
شُعْثاً عَوَابِسَ، تَحْمُلُ الأبطالا
ما زِلْتَ تَحْسِبُ كلَّ شَيْءٍ بعدَها
خَيْلاً تَشُدّ عَلَيْكُمُ وَرِجالا
زُفَرُ الرّئِيسُ، أَبو الهُذَيلِ، أَتَاكُمُ،
فسبى النّساءَ، وأَحْرَزَ الأمْوالا
قَالَ الأُخَيْطِلُ، إذْ رأَى رَاياتِهمْ:
يا مَارَ سَرْجِسَ لا أُريدُ قِتالا
ترَكَ الأُخَيْطِلُ أُمَّهُ، وَكَأَنّها
مَنحاةُ سانيةٍ تُريد عِجالا
وَرَجَا الأُخيطِلُ من سَفَاهَةِ رَأْيِهِ،
مَا لم يَكُنْ وأبٌ لَهُ لِيُنالا
تَمّتْ تميمي، يا أُخيطلُ، فاحْتَجِزْ،
خَزِيَ الأُخَيْطِلُ حِينَ قُلْتُ وقالا
د
وَرَمَيْتَ هَضْبَتَنَا بِأَفْوَقَ ناصِلٍ،
تَبْغي النّضال، فقد لَقِيتَ نِضالا
وَلَقِيتَ دوني من خُزَيمةَ باذخاً،
وَشقاشقاً، بَذخَتْ عَلَيْكَ طِوالا
وَلَوْ أَنّ خِنْدِفَ زَاحَمَتْ أَرْكَانُها
جَبَلاً أَشَمَّ مِنَ الجِبالِ لَزالا
إنَّ القوافيَ قدْ أُمِرّ مَريرُها
لبني فَدَوكسَ إذْ جَدَعْنَ عِقالا
قَيسٌ وَخِنْدَفُ، إنْ عَدَدْتَ فِعَالَهم
خَيْرٌ وَأَكْرَمُ من أَبِيكَ فَعالا
رَاحت خُزيمةُ بالجياد، كأَنّها
عِقْبَانُ عاديةٍ يَصِدْنَ صِلالا
هَلْ تَمْلِكُونَ مِنَ المشاعر مَشعراً،
أَوْ تَنْزِلُونَ من الأرَاكِ ظِلالا
فَلَنَحْنُ أَكْرَمُ في المنازل مِنْكُم
خَيلاً، وأَطْوَلُ في الحِبالِ حِبالا
ا كان يُوجَدُ في اللّقاءِ فوارسي م مِيلاً، إذا فزعوا، ولا أَكْفَالا
ومن خلال كل ما تقدم وما قاله النقاد ومؤرخو الادب العربي ومما تقدم من شعره ارى انه الافضل بين شعراء عصره وشعره الاسمى لذا يعد جرير هو اميرالشعر واميرالشعراء في العصر الاموي .
***************************************************