مـحـمـد جـربـوعـة
ولد الشاعر الجزائري محمد جربوعة سنة \ 1967 بقرية (الثنايا ) تقع بين مدينتي ( صالح باي ) و(عين آزال ) من محافظة ( سطيف ) في شرق القطر الجزائري .
عاش طفولته وصباه في مدينة (عين أزال ) حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي والجامعي في مدارسها،
مال للادب والشعر في صباه وكتبه وهو في المرحلة الثانوية ثم عمل في مجال الاعلام والثقافة. وترك الجزائر ليتنقل في العديد من الاقطار العربية و عين مذيعا في العديد من الاذاعات العربية لهذا اشتهر رغم حداثة سنه .
فهو كاتب ومفكر جزائري له من الأعمالالادبية والثقافية في المجال الإعلامي والفكري ما يحق للفكر العربي أن يفخر به. فقد عمل في عدد من الإذاعات العربية, ونجده يحط رحاله في( دمشق) العاصمة السورية التي احتضنت الكثير من الادباء والشعراء ولا تزال وكتب في العديد من الصحف والمجلات العربية في الجزائر او في الاقطار العربية الاخرى إلى جانب العدد الكبير من الكتب والمؤلفات والدراسات والتي ربما تتجاوز الخمسين,وكذلك قام بتسجيل مجموعة من المحاضرات الصوتية, وفي مجال الشعر كان لهكم كبير من الأزاهير والقصائد الشعرية التي يحق للروح أن تعبق بشذى معانيها يقول في قصيدته ( العابدة ):
تَـغُـضّ الـطـرفَ...مُسْبَلةُ الـخــمارِ
تــقــوم الـلـيـلَ...صـائمة الـنــهـارِ
تـصلي الـفرضَ ..حـجتْ منــذ عامِ
تــــحـــبّ الله... طــــاهـــرة الإزارِ
تـصـومُ (الـبِيضَ) نـفلا كــلّ شـهرٍ
وإن غــنّــتْ فـبـالـسُّـوَر الــقِـصـارِ
مـدلّـلةٌ ، وتـشـهق حـيـن تـــــبـكي
وتــعــقـد حـاجـبـيـهـا كــالــصـغـارِ
وتـطـلبُ مــا تـشـاءُ..يجيء فــورا
عـلى الـترحيب ، لـو لَبَنَ الكنـاري
تُـراعى حـين تـغضبُ .. بـنـتُ عـزٍّ
تُـجـارَى فــي الأمـور ولا تُـجـاري
نـمتْ فـي القطنِ ليّنةً ، وعــــاشتْ
مـــخــبّــأة كــلــؤلــؤة الــمــــحــارِ
لــهـا رمـــشٌ (يــهـوديٌّ) جـمـــيلٌ
يـــدمّـر حــيـن تــنـظـر بــــازورارِ
وأقسى الفتكِ في النسوان عـــــينٌ
كــمـثـل الـمـنـجـنيقِ، وذاتُ نـــــارِ
وتُـذهـل حـين تـمشي فـــــــي دلال
وتَـخجل حـين تَـخجل في احــمرارِ
زمـــرّدة مــن الـذهـب الـمـصـــفى
ثــمـيـنِ الــنـوع، مـرتـفِـع الـعـيـار
ولـــولا الـشـرك أقـسـمَ والــــداهـا
بـمـعصمها الـمـنعّم فـي الـــــسوارِ
تـخـاف الـشِّـعرَ..تكرهني، ولـــكـنْ
تـمرّ عـلى الـقصائد فـي جــــداري
وتَـدخُل صـفحتي فـي الـــــسرّ ليلا
عـلـى الأمـشاط بـاسمٍ مـســــــتعارِ
تُــهــرّبُ قـلـبـهـا عــنّــي كــــرئــمٍ
يـخاف الـصيدَ يـهرب فـي البراري
وتـحـضن جـرّةً فـي الـصدر خوفا
مـــن الـمـجـنون كــسّـار الــجـرارِ
وتـعـرف أنّ أشــعــاري رصـــاصٌ
وبــــــارودٌ شـــديـــد الانـــفــجــارِ
إذا أحــــرقـــتُ قــلــبــا زيــنــبـــيـا
فــلا أبـقـي ســوى بـعـض الـغــبارِ
وتــنـصـحُ قـلـبَـها قـلَـقـا كـطــــفـلٍ
سـيـقطَعُ مـاشـيا سـكــــــك الـقطارِ
تـقـبّـلـه ، وتــوصـيـهِ : (( تـلـفّـتْ
بــــربّـــكَ لــلـيـمـيـن ولــلــيـــسـارِ
فـهـذا الـشـعرُ (مـلـعونٌ) ويـــكوي
فــشــمَّ زهـــوره ، لــكــــن حـــذارِ
وخَـفْ رَبّـي ، ولا تُـشمتْ بـحــالي
عـدوّاتـي ، الـحـرائـرَ والــجـواري
ولـيـس الأمـر سـهـــلا ..كـلّ أنـثى
تـحـبُّ، تـصـيـرُ مـشـروع انـتـحارِ
أنـــا إن صـــرتُ مـدمـنـةً كـغـيري
عــلــى أشــعــاره خــرّبــــتُ داري
سـأفـقـدُ مــن قـصـائده هـــــدوئـي
ويـخـرجُ مــن يــدي فـيـه قــراري
وأدري أن واحــــــدةً ســتــبــــقـى
وبـاقـي الـمـعجبات إلــى دمــارِ
كان أكبر أعماله (الموسوعة الحمراء ) تقع في عشرة مجلدات توثق الجرائم الأمريكية والتي انتقاها من خلال كونه مذيعا . و يعد شاعرنا محمد المحررالرئيسي لها . واستطاع خلال سنوات شبابه والتي سبقت بلوغه الأربعين من العمر أن يصدر أكثر من أربعين كتابا في السياسة والرواية والأدب ويؤسس عدة منابر إعلامية منها قناة اللافتة الفضائية التي يرأس مجلس إدارتها .
اما في مجال الشعر- وهو المقصود هنا فقد كان يتبع مدرسة شعرية اسماها هو (المدرسة الكعبية ) نسبة الى الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى من حيث التنسيق والعودة الى القصيدة مرات ومرات لاجل اخراجها بحلتها الاخيرة تزهو بثوب مزكش قشيب فهو ممن يعتني بشعره كثيرا مثلما كان زهير يعتني بشعره وله قصائد تسمى ( الحوليات )فكان يعد المؤسس لهذه المدرسة ورائدها . وتتميز بالجمع بين الغزل العفيف والموضوع الديني الملتزم، الا أن ما يميّزه عن غيره ممن كتب في الشعر الملتزم، هو الصورة الجديدة للقصيدة في هذا المجال، فمثلا في اغلب قصائده نلحظ خروجه بقصيدته من كل المعتاد منذ قرون ، ليعطيها الصبغة الشعرية العالمية، ويجعلها في خط المنافسة مع أي موضوع آخر، لذا كانت قصائده عالية الجودة في اسلوبيتها معانيها وانتقاء كلماتها وحروفها او في تشكيلها فهو ينتقي في شعره كلمات لؤلؤية السناء ويكثرالبهرجة فيسمو من رحييقها العبق والشذى
فشعره نسيج من الصّور الفنيّة البديعة لما أبعدنا ،و قد تجد في قصائد ه جملة من الصّور الفنيّة التي تنهض بقصائده وتطرّز جوانبها ومعانيها المختلفة، حيث تتزاحم هذه الصّور الفنيّة في القصيدة الواحدة ،و قصيدته حول( دمشق ) تعتبر لازمة من لوازم فيها لوحات صارخة تزاحمت فيها الظلال والأضواء ، حيث رضع لبان الجمال والبهاء والسناء كلّه، وعبّ مما شاهده حقيقة من خلال معايشته الاحداث في هذه المدينة يقول :
قالت (هلكْنا).. لم نجدْ ما نأكلُ
ضاقت علينا الحالُ .. ماذا نفعلُ؟
أفبَعدَ عزّ الشامِ نرجع هكذا
نقتاتُ عُشْبَ الأرضِ أو نتسوّلُ ؟
جاوزتُ سبعيني .. تعِبْتُ..مريضةٌ
والقلبُ لحمٌ .. كم تُرى يتحمّلُ ؟
أوَهكذا أُنْهِي حَيَاتِي … حسرتي
جوعانةً ومريضةً أتوسّلُ ؟
لَوْلا المُكابَرةُ التي في داخِلِي
لمدْدتُ كفّي للذي قد يبذلُ
الشيبُ يمنعني .. وذِكرى عزّنا
وعيون أبنائي .. وذلٌّ يقتلُ
في الليل ألقي الرأس فوق وسادتي
وأروحُ أُصْعِدُ في الخيالِ وأُنزلُ
وأقول: ( يا الله شيبي متعَبٌ )
ويسيل من عينيّ ماء أكحلُ
أمُّ الرجال أنا، أأُصبحُ هكذا
مسكينةً في شيبتي ( أتبهدلُ )؟
لا دفءَ يغمرني .. فقدتُ مكانتي
والشيء إن فقدَ المكانةَ يُهمَلُ
ماذا سأُنزلُ يا ترى عن كاهلي
ليخفّ حملي ؟..كل جسمي مُثقَلُ
أنا لم أكن أدري بأنّ حياتنا
سَتُدِيْرُ ظَهْرَ الصَّفْوِ أو تَتَبَدّلُ
ضَاعَتْ دِمَشْقُ وضِعتُ بين خرابها
وتفرّقَ الشملُ الجميل الأوّلُ
ومن مؤلفاته المطبوعة:
- تبرئة هتلر من تهمة الهولوكوست (وهو كتاب أثار ضجة كبيرة في أوساط اليهود في فرنسا).
- الغرفة الأمريكية السوداء – وكالة الاستخبارات الأمريكية تحت المجهر.
- غوانتنامو – أسرار خلف أسوار العار.
- مهلاً هنتنغتون.. مهلاً فوكوياما (وهي نظرية تدور حول صراع الثقافات وتُرجمت للغتين الإنكليزية والفرنسية).
- آفاق لجزائر عظمى في المشهد الاقليمي والعالمي
- الجماعات الإسلامية وتحديات الخروج من الزوايا المعتمة.
- نقد التجربة الإعلامية الإسلامية.
- التيارات الإسلامية – من الهجرة إلى الحبشة إلى الهجرة إلى لعبة المصالح والنفط.
اما في مجال الرواية الإسلامية فكتب سبع روايات, هي:
- اليتيم.
- المجنون.
- غريب.
- خيول الشوق.
- فانوس الحي القديم.
- صاحب الوجه الشريد.
- دماء جزائرية في الضباب.
أما سلسلة محاضراته الصوتية فتضم مجموعة من الأشرطة التي تنقسم موضوعاتها ما بين الاستراتيجيا والأدب, ومنها:
- الأيدي السوداء.
- أسئلة النفق.
- قبة السماء لا البرلمان.
- صراع الحضارات.
- عِبر لأوقات الحاجة.
- قلاع الإعلام.
- أمامنا كتلة جليد.
- مقطوع الرأس يفكر.
- الكهف الأخضر.
- الحبيب مهدور الدم.
- الصروح المنخورة.
- تفاؤل.
- رحمة الرعب.
- بيادر الهشيم.
- الآفاق الحالمة.
- فراشات العمر.
- زهرة القلب الحمراء.
واختم بحثي بقصيدته الرائعة في الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم يقول فيها :
طبشورةٌ صغيرةٌ
ينفخها غلامْ
يكتب في سبورةٍ:
(الله والرسول والإسلامْ )
يحبه الغلاْم
وتهمس الشفاه في حرارةٍ
تحرقها الدموع في تشهّد السلامْ
تحبه الصفوف في صلاتها
يحبه المؤتم في ماليزيا
وفي جوار البيت في مكّتهِ
يحبه الإمامْ
تحبه صبيةٌ
تنضّد العقيق في أفريقيا
يحبه مزارع يحفر في نخلته (محمدٌ)
في شاطئ الفرات في ابتسامْ
تحبه فلاحة ملامح الصعيد في سحنتها
تَذْكره وهي تذرّ قمحها لتطعم الحمام
يحبه مولّهٌ
على جبال الألب والأنديزفي زقْروسَ
في جليد القطبِ في تجمّد العظامْ
يذكره مستقبِلا
تخرج من شفافه الحروف في بخارها
تختال في تكبيرة الإحرامْ
تحبه صغيرة من القوقازِ
في عيونها الزرقاء مثل بركةٍ
يسرح في ضفافها اليمامْ
يحبه مشرّد مُسترجعٌ
ينظر من خيمتهِ
لبائس الخيامْ
تحبه أرملة تبلل الرغيف من دموعها
في ليلة الصيامْ
تحبه تلميذة (شطّورةٌ) في (عين أزال) عندنا
تكتب في دفترها:
"إلا الرسول أحمدا
وصحبه الكرامْ"
وتسأل الدمية في أحضانها:
تهوينهُ ؟
تهزها من رأسها لكي تقول:إي نعمْ
وبعدها تنامْ
يحبه الحمام في قبابهِ
يطير في ارتفاعة الأذان في أسرابهِ
ليدهش الأنظارْ
تحبه منابر حطّمها الغزاة في آهاتها
في بصرة العراقِ
أو في غروزَني
أو غزةِ الحصارْ
يحبّهُ من عبَدَ الأحجارَ في ضلالهِ
وبعدها كسّرها وعلق الفؤوس في رقابهاَ
وخلفه استدارْ
لعالم الأنوارْ
يحبه لأنّه أخرجه من معبد الأحجارْ
لمسجد القهارْ
يحبّه من يكثر الأسفارْ
يراه في تكسر الأهوار والأمواج في البحار
يراه في أجوائه مهيمنا
فيرسل العيون في اندهاشها
ويرسل الشفاه في همساتها:
"الله يا قهار!"
وشاعر يحبّهُ
يعصره في ليله الإلهامُ في رهبتهِ
فتشرق العيون والشفاه بالأنوارْ
فتولد الأشعارْ
ضوئيةَ العيون في مديحهِ
من عسجدٍ حروفها
ونقط الحروف في جمالها
كأنها أقمارْ
يحبه في غربة الأوطان في ضياعها الثوارْ
يستخرجون سيفهُ من غمدهِ
لينصروا الضعيفَ في ارتجافهِ
ويقطعوا الأسلاك في دوائر الحصارْ
تحبه صبية تذهب في صويحباتها
لتملأ الجرارْ
تقول في حيائها
"أنقذنا من وأدنا"
وتمسح الدموع بالخمارْ
تحبه نفسٌ هنا منفوسةٌ
تحفر في زنزانةٍ
بحرقة الأظفارْ:
"محمدٌ لم يأتِ بالسجون للأحرارْ.."
تنكسر الأظفار في نقوشها
ويخجل الجدارْ
تحبه قبائلٌ
كانت هنا ظلالها
تدور حول النارْ
ترقص في طبولها وبينها
كؤوسها برغوة تدارْ
قلائد العظام في رقابها
والمعبد الصخريُّ في بخورهِ
همهمة الأحبارْ
تحبه لأنهُ
أخرجها من ليلها
لروعة النهارْ
تحبه الصحراء في رمالها
ما كانت الصحراءُ في مضارب الأعرابِ في سباسب القفارْ ؟
ما كانت الصحراء في أولها ؟
هل غير لاتٍ وهوى
والغدرِ بالجوارْ ؟
هل غير سيفٍ جائرٍ
وغارةٍ وثارْ ؟
تحبه القلوبُ في نبضاتها
ما كانت القلوب في أهوائها من قبلهِ ؟
ليلى وهندا والتي (.....)
مهتوكة الأستارْ
وقربة الخمور في تمايلِ الخمّارْ ؟!
تحبه الزهور والنجوم والأفعال والأسماء والإعرابُ
والسطور والأقلام والأفكارْ
يحبه الجوريّ والنسرين والنوارْ
يحبه النخيل والصفصاف والعرعارْ
يحبهُ الهواء والخريف والرماد والتراب والغبارْ
تحبه البهائم العجماء في رحمتهِ
يحبه الكفارْ
لكنهم يكابرون حبهُ
ويدفنون الحب في جوانح الأسرارْ
تحبهُ..
يحبه..
نحبه..
لأننا نستنشق الهواء من أنفاسهِ
ودورة الدماء في عروقنا
من قلبه الكبير في عروقنا تُدارْ
نحبهُ
لأنه الهواء والأنفاس والنبضات والعيون والأرواح والأعمارْ
نحبه لأنه بجملة بسيطة:
من أروع الأقدار في حياتنا
من أروع الأقدارْ
ونحن في إسلامنا عقيدة
نسلّم القلوب للأقدارْ
***************************