شهاب الدين ابن معتوق الحويزي
بقلم د فالح الكيلاني
هو السيد شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن المحسن من ذرية الامام موسى بن جعفر (الكاظم ) رضي الله عنهم وكني( ابن معتوق ) ولم يكن في آبائه من اسمه معتوق بل كان ابنه اسمه (معتوق) وقد جمع ديوانه الشعري فقيل ديوان ( ابي معتوق) بمرور الزمن غيّر ديوان ( ابي معتوق ) ليقال ديوان (ابن معتوق ) لانها اسهل لفظة على اللسان واسلس .
ولد في البصرة وقيل قرب هور( الحويزة ) قرب البصرة عام 1025هجرية - 1616ميلادية .وفي البصرة تعلم وتأدب ، وقال الشعر وأجاده ، وكان في نشأته فقيرا ، فاتصل بالسيد (علي خان أحد ) أمراء البصرة من قبل الدولة الصفوية الإيرانية ، وكانت وقتذاك تملك العراق والبحرين ، ومدحه مدحا رقيقا، وأكثرمن مدحه في شعره وعلى آل بيته فغمره باحسانه ويمتاز شعره بالرقة وكثرة الاستعارات والتشبيهات والتورية .
وفي مدحه يقول :
أَلْمُلْكُ جِيدٌ أَنْتَ حِلْيَة ُ نَحْرِهِ
وَالْمَجْدُ جِسْمٌ أَنْتَ جَنَّة ُ خُلْدِهِ
هُنِّئْتَ في عِيدِ الصِّيَامِ وَفِطْرِهِ
أبداً وقابلكَ الهلالُ بسعدهِ
العيدُ يومٌ في الزَّمانِ وأنتَ للـ
إسلامِ عيد ٌ لم تزل من بعدهِ
جمع ديوانه ولده السيد معتوق والذي اشتهر باسمه والصواب ديوان (أبي معتوق) لأنه ليس في آبائه و أجداده من اسمه معتوق، نعم كان يكنى بأبي معتوق فكأنه كان يسمى في الأصل ديوان أبي معتوق ثم قيل ابن معتوق لأنه أخف على اللسان كما جاء في كتاب محسن الأمين (أعيان الشيعة) وكتاب الأنوار .
وقد استهل قصائد ديوانه في مديح النبي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مطلعها:
هذا العقيق وتلك ثم رعانه
فأفرج لجين الدمع من عقيانه
وقد نظمها في مكة المكرمة والمدينة المنورة اثاء وجوده فيهما ومنها هذه الابيات:
أمّلت فيك وزرت قبرك مادحاً
لأفوز عند الله في رضوانه
عبدٌ أتاك يقوده حسن الرجا
حاشا نداك يعود في حرمانه
فاقبل إنابته إليك فإنه بك
يستقيل الله في عصيانه
فاشفع له ولآله يوم الجزا
ولوالديه وصالحي إخوانه
صلى الإله عليك يا مولى الورى
ما حنّ مغتربٌ الى أوطانه
وكان كثير الاعتناء بقصائده وتهذيبها وتنقيحها حتى تصبح محكمة البناء قوية السبك واضحة المعاني وكان أبرز ما يميزها هو طول النفس عنده والمقدمات الطويلة فيجيدها .
استغرقت مدائح الرسول الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام الطاهرين الجزء الأكبر من ديوانه ومن هذه القصائد قصيدة تجاوزت المئة بيت عارض بها قصيدة (البوصيري) المشهورة بالبُردة قال فيها:
يا جيرة البان لا بنتم ولا برحت
تبكي عليكم سروراً أعين الديمِ
ولا إنجلى عنكمُ ليل الشباب ولا
أفلتمُ يا بدور الحي من أضمِ
ما أحرم النوم أجفاني وحرّمه
إلا تغيّبكم يا حاضري الحرمِ
غبتم فغيّبتم صبحي فلست أرى
إلا بقايا المت في هوى لممي
صبراً على كل مرٍّ في محبتكم
يا أملح الناس ما أحلى بكم ألمي
رفقاً بصب غدت فيكم شمائله
مشمولة منذ أخذ العهد بالقدمِ
حليف وجد إذا هاجت بلابله
ناجى الحَمام فداوى الغم بالنغمِ
يشكو الظما فإذا ما مرَّ ذكركمُ
أنساه ذكر ورود البان والعلمِ
وله عدة قصائد في مدح أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه منها جيميته الشهيرة مطلعها:
خلط الغرام الشجو في أمشاجه
فبكى فخلت بكاه من أوداجه
الى أن يقول:
نور مبين قد أنار دجى الهدى
ظلم الضلالة في ضياء سراجه
أمطرته بسحابة سميتها خير
المقال وضاق في أمواجه
وأبنت في نكت البيان عن الهدى
فأريتنا المطموس من منهاجه
وكذاك منتخب من التفسير
لم تنسج يدا أحد على منساجه
وله قصيدة من عجائب نظمه تقرأ من الامام اومن الخلف اومن اي موقع فالمعنى والبخر فيها لايتغير وهي من الالغاز الشعرية التي ظهرت في ذلك الوقت.يقول فيها :
علي نجم السهى فلكيات مراتبه
مأوى السنانير إذ يسمو على زحلِ
ليث الشرى قبس تهمى أنامله
غيث الندى مورد أشهى من العسلِ
بدر البها أفقٌ تبدو كواكبه
شمس الدنى صبح ليل الحادث الجللِ
طود النهى عند بيت المال صاحبه
سمط الثنا زينة الأجيال والدول
وله شعر رقيق في عتاب أحد أولاده وكان قد خاصمه وأراد السفر فقال :
جعلتك بالسويدا من فؤادي
ومن حدقي فديتُك بالسوادِ
هويتك واصطفيتك دون رهطي
وأولادي فكنت من الأعادي
جهلت أبوتي وجحدت حقي
وقابلت المودة بالعنادِ
أتنسى حسن تربيتي ولطفي
وما سبقت إليك من الأيادي
رجوتك كالعصا لأوان شيبي
ومعتمدي إذا مالت عمادي
وإن كسرت يد الحدثان عظمي
ترى منه بمنزلة الضمادِ
ولست أخال فيك يخيب ظني
ويخطئ سهم حدسي واجتهادي
عساك عليّ تعطف يا حبيبي
وتهجر ما تروم من البعادِ
ومن رقيق غزله قوله :
ولي قمر منير ضاع مني
بنقطة خاله المسكي نسكي
تقبأ بالظلام لأجل خذلي
وعمم بالصباح لأجل هتكي
كما اشتهر شاعرنا بنظم المواليا و البند والسلسلة – وهي من الفنون الشعرية الشعبية المستحدثة – وأبدع فيها
قال عنه ضامن بن شدقم صاحب تحفة الازهار:
(كان سيداً جليلاً، حسن الأخلاق، كريم الأعراق، فصيحاً أديباً شاعراً )
وذكره البستاني في دائرة المعارف الاسلامية في الجزء العاشرصفحة\589 قائلا :
(كان من أعيان القرن الحادي عشر وكان له شعر رقيق وشعر منسجم).
توفي ابن معتوق بمدينة البصرة مسقط راسه في شهر شوال من عام 1087هجرية - 1676ميلادية اثراصابته بالفالج .
ومن روائع شعره هذه الابيات :
نَبَتَتْ رَيَاحِينُ الْعِذَارِ بِوَرْدِهِ
فكسا زمرّدها عقيقة ُ خدّهِ
وبدا فلاحَ لنا الهلالُ بتاجهِ
وسعى فمرَّ بنا القضيبُ ببردهِ
واستلَّ مرهفَ جفنهِ أو ما ترى
بصفاءِ وجنتيهِ خيالَ فرندهِ
وسرت أساورُ طرّنيهِ فغوّرت
في الخصرِ منهُ وأنجدت في نهدهِ
وَافْتَرَّ مَبْسِمُهُ فَشَوَّقَنَا سَنَا
بَرْقِ الْعَقِيقِ إِلَى الْعُذَيْبِ وَوِرْدِهِ
روحي فدا الرّشا الّذي بكناسهِ
أَبَداً تُظَلِّلُهُ أَسِنَّة ُ أُسْدِهِ
ظبيٌ تكسّبتِ النصالُ بطرفهِ
شرفاً إذا انتسبت لفتكة ِ جدّهِ
حَازَتْ نَضَارَة ُ خَدّهِ رَوْضَ الرُّبَا
فثنت شقائقها أعنّة ٌ رندهِ
وَسَطَتْ عَلَى حَرْبِ الرِّمَاحِ مَعَاشِرُ الْـ
أغصانِ فانتصرت بدولة ِ قدّهِ
قِرْنٌ أَشَدُّ لَدَى الوَغَى مِنْ لَحْظِهِ
نبلاً وأفتكَ صارمٍ من صدّهِ
فَالشُّهْبُ تَغْرُبُ فِي كِنَانة ِ نَبْلِهِ
والفجرُ يشرقُ في دجنّة ِ غمدهِ
تَهْوَى مُهَنَّدَهُ النُّفُوسُ كَأَنَّهُ
بَرْقٌ تَأَلَّقَ مِنْ مَبَاسِمِ رَعْدِهِ
وتودُّ أسهمهُ القلوبُ كأنما
صيغت نصالُ نبالهِ من وِردهِ
يَسْطُو فَيُشْهِدُنَا السِّمَاكَ بِسَرْجِهِ
والبدرُ مكتملاً بنثرة ِ سردهِ
فإلى مَ يطمع في جنانِ وصالهِ
خَلَدٌ تَخَلَّدَ فِي جَهَنَّمِ بُعْدِهِ
ومتى يؤمنُ راحة ً من حبّهِ
دَنِفٌ يُكِلِّفُهُ مَشَقَّة َ وَجْدِهِ
وَمُقَرْطَقٍ كَافُورُ فَجْرِ جَبِينِه
ينشقُّ عنهُ عنبرَ جعدهِ
مُتَمَنِّعٍ لِلْفَتْكِ جَرَّدَ نَاظِراً
حرست قلائدهُ بصارمِ هندهِ
بادرته والغربُ قد ألقى على
وَرْدِ الأَصِيلِ رَمَادَ مِجْمَرِ نَدِّهِ
والليلُ قد سحبت فصولَ خمارها
ليلاهُ وانسدلت ذوائبُ هندهِ
لَمَّا وَلَجْتُ إِلَيهِ خِدْراً ضَمَّ في
جنباتهِ صنماً فتنتُ بوردهِ
زنظرتُ وجهاً راقَ منظرُ وردهِ
وشهدتُ ثغراً طابَ موردُ شهدهِ
نهض الغزالُ منهُ إليَّ مسلّماً
فزعاً وطوّفني الهلالُ بزندهِ
وغدا يزفُّ إلي كأسَ مدامة
لَوْلاَهُ مَا عُرِفَ النَّوالُ وَلاَ اهْتَدَى
نَارٌ يَزِيدُ الماءُ حَرَّ لَهِيبِهَا
لَمَّا يُخَالِطُهَا الْمِزَاجُ بِبَرْدِهِ
شَمْطَاءُ قَدْ رَأَتِ الْخَلِيلَ وَخَاطَبَتْ
موسى وكلّمتِ المسيحَ بمهدهِ
روحٌ فلو ولجت بأحشاء الدّجى
لتلقّبت بالفجرِ طلعة َ عبدهِ
فَظَلَلْتُ طَوْراً مِنْ خَلاَعَة ِ هَزْلِه
أجني العقودَ وتارة ً من جدّهِ
حَتَّى جَلَتْ شَفَقَ الدُّجَى وَتَوَقَدَّتْ
في أبنسيِّ الليلِ شعلة ُ زندهِ
يا حبّذا عيشٌ تقلَّص ظلّهُ
هَيْهَاتَ أَنْ سَمَحَ الزَّمَانُ بِرَدِّهِ
للهِ مغنى ً باليمامة ِ عاطلٌ
خلعَ الغمامُ عليهِ حلية عقدهِ
وسقى الحياحيَّ العقيقِ وباعدت
بعروضها الأعراضُ جوهرَ قدّهِ
وَغدَا الْمُحَصَّبُ حَاصِبَ الْبَلْوَى
وَلاَ خفرت عهاد العزِّ ذمة عهدهِ
رَعْياً لِمَأْلفِهَا الْقَدِيمِ وَجَادَهَا
كفُّ ابنِ منصورَ الكريمِ برفدهِ
بركاتُ لابرح العلا بوجودهِ
فرحاً ولا فجعَ الزمانُ بفقدهِ
بَحْرٌ تَدَفَّقَ بِالنُّضارِ فَأَغْرَقَ الْسَـ
ـبعَ البحارَ بلجِّ زاخرِ مدِّهِ
أسدٌ تشيّعه النسورُ إذا غزا
حَتَّى وَثِقْنَا أَنَّهَا مِنْ جُنْدِهِ
لَوْ رَامَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بَعْضَ سَدَادِهِ
لَمْ يَمْضِ يَاجُوجٌ غَداً مِنْ سَدِّهِ
أَوْ حَازَ قُوَّتَهُ الْكَلِيمُ لَمَا دَعَا
هارونه يماً لشدّة ِ عضدْهِ
ملكٌ يريكَ ندى مباركِ عمّهِ
وعفافَ والدهِ وغيرة َ جدّهِ
لولاه ما عرفَ النَّوالُ وما اهتدى
أَهْلُ السُّؤَالِ إِلَى مَعَالِمِ نَجْدِهِ
قد خصّنا الرحمنُ منّه بماجدٍ
ودَّ الهلالُ حلولَ هامة ِ مجدهِ
أفنى وأغنى بالشّجاعة ِ والنّدى
فمماتنا وحياتنا من عندهِ
الرِّزْقُ يُرْجَى مِنْ مَخَايِل سُحْبِهِ
والموت يخشى من صواعقِ رعدهِ
يَجْزي الَّذِي يُهْدِي الْمَدِيحَ بِبِرِّهِ
كرواً فيعطي وسقه من مدّهِ
بَغْيُ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ مَصْلَحَة ٌ لَهُ
والمسكُ تصلحهُ مفاسدُ ضدّهِ
هَجَمَتْ عَلَى الأُمَمِ الْخُطُوبُ وَمَانَشَا
ذَهَبَتْ كَمَا ذَهَبَ الأَسِيْرُ بِقَيْدِهِ
فالحتفُ يهجمُ فوقَ قائمِ سيفهِ
وَالنَّصْرُ يَخْدِمُ تَحْتَ صَعْدَة ِ بِنْدِهِ
قنصت ثعالبهُ البزاة َ وصادتْ الـ
أسدَ الكماة َ قشاعمٌ من جردهِ
مَازَال يُعْطِي الدُّرَّ حَتَّى خَافَتِ الْـ
ـشهبُ الدّراري من مسائلِ وفدهِ
وَيَسِيرُ نَحْوَ الْمَجْدِ حَتَّى ظَنَّهُ
نَهْرُ الْمَجَرَّة ِ طَامِعاً فِي عَدِّهِ
هل من فريسة ِ مفخرٍ إلا وقد
نَشِبَتْ حُشَاشَتُهَا بِمَخْلبِ وَرْدِهِ
فَضَحَ الْعُقُودَ نِظَامُ نَاظِمِ فَضْلِهِ
وسما النّضارُ نثارُ ناترِ نقدِهِ
قَمَرٌ بِهِ صُغْتُ الْقَرِيضَ فَزُيّنَتْ
آفاقُ نظمي في أهلّة ِ حمدهِ
حَسُنَتْ بِهِ حَالِي فَوَاصَلَ نَاظِرِي
طيبُ الكرى وجفتهُ زورة ُ سهدهِ
فهو الذي بنداهُ أكبتَ حاسدي
وَأَذَابَ مُهْجَتَهُ بِجِذَوْة ِ حِقْدِهِ
يَا أَيُّهَا الرُّكْنُ الَّذِي قَدْ شُرِّفَتْ
كلُّ البرية ِ من تيمنِ قصدهِ
والماجدُ البطلُ الذي طلبَ العلا
فسرى إليهِ فوقَ صهوة ِ جدهِ
لو تنصفُ الدنيا وقتك بنفسها
وفداكَ آدمُ في بقية ِ ولدهِ
لا زالتِ الأقدارُ نافذة ً بما
تنوي ومتّعكَ الزّمانُ بخلدهِ
اميرالبيان العربي
د فالح نصيف الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
***************************