ولادة بنت المستكفي
هي ولاّدة بنت الامير( المستكفي بالله محمد) بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الناصر بن عبد الرحمن بن محمد المرواني شاعرة أندلسية، من بيت الخلافة الاموية . كانت أمها جارية إسبانية اسمها ( سكرى ) و قد ورثت منها بشرتها الناعمة البيضاء وشعرها الاصهب وعينيها الزرقاوتين. وكانت تخالط الشعراء وتجالسهم بل وتنافسهم في قول الشعر ونقده .
ولدت بمدينة ( قرطبة ) سنة \385 هجرية – 994 ميلادية وتربت في بيت ابيها امير الاندلس من بيت الخلافة الاموية في المشرق . وتعلمت ودرست على ايدي افاضل العلماء في الفقه والادب والشعر فنبغت فيه . فهي اميرة اندلسية شاعرة تربت في بيت الخلافة وتدل أوصاف ابن زيدون لها في شعره على أنها كانت بيضاء البشرة ، ذات شعر أشقر وجمال فتان.وكانت تجمع إلى جمالها الفتان وثقافتها الواسعة ذكاءً وقاداً وروحاً مرحة فنيةً موهوبة وسرعة بديهة ورقة وعذوبة في الحديث تمتلك سامعيها اذا تحدثت اليهم .
وكانت من الأدب والظرف وتنعيم السمع والطرف بحيث تختلس عواطف القلوب والألباب وقد اعتنى بها أبوها فأحضر لها المعلمين والمثقفين وبعد وفاة أبيها صار بيتها قبلة الأدباء والمثقفين فقد حولت مجلسها ب( قرطبة ) الى منتدى للأحرار وفناؤه لجياد النظم والنثر وقد حار المؤرخون في أمرها فبدت لهم حيناً ممتنعة بجلال نسبها وعزة جمالها وطهرها وحيناً آخر مبتذلة مستهترة سهلة الحجاب مجاهرة باللذات وقيل فيها انها :
(كانت في نساء أهل زمانها واحدة أقرانها حضور شاهد وحرارة أوابد وحسن منظر ومخبر وحلاوة مورد ومصدر وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر وفناؤها ملعباً لجياد النظم والنثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك الشعراء والكتاب إلى حلاوة عشرتها إلى سهولة حجابها وكثرة منتابها ولم تكن تصنع ذلك بوقار بل كانت تخلطه بدل وعبث واستهتار).
ويذكرذلك ابن بسام فيقول :
( على أنها سمح الله لها وتغمد زللها أطرحت التحصيل وأوجدت إلى القول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها ... )
فأغلب المصادر ذكرت أنها كانت مستهترة كأبيها وكذلك تذكربعض المصادر ان في سلوكها تناقضا بين عفتها ومجاهرتها بلذاتها.
بعد مقتل ابيها ( المستكفي بالله ) جعلت ولاّدة من دارها منتدى لرجال الأدب والشعر يحضره الاعيان والامراء و الادباء والشعراء و لم يحضره أديب أو شاعر إلا هام بها لروعة جمالها وخصالها وروحها الخفيفة الرائعة و عاشت بسعادة ومرح وإثارة فقد كانت ابنة حاكم قرطبة ، وهام بها كثيرون و انصرفت إلى اللهو والغناء . وتعرف عليها الشاعر ابن زيدون أحبها بكل جوارحه. اشتهرا بقصة حب رائعة خلدها الادب والشعر وكل نظم في حبيبه قصائد واشعارا كثيرة فمن شعرها فيه كتبت اليه بعد طول تمنع تقول :
ترقب إذا جن الظلام زيارتي
فإني رأيت الليل أكتم للسرِّ
وبي منك ما لو كان بالشمس لم تلح
وبالبدر لم يطلع، وبالنجم لم يسرِ
ووفت له بما وعدت، ولما أرادت الانصراف ودعها بهذه الأبيات:
ودع الصبر محب ودعك
ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن
زاد في تلك الخطا إذا شيعك
يا أخا البدر سناء وسناً
حفظ الله زماناً أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم
بت أشكو قصر الليل معك
: وقد اهداها اروع قصائده فقال في مطلع احداها
إني ذكرتك بالزهراء مشتاقاً
والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا
الا ان هذا الحب لم يكتب به البقاء فقيل ان ابن زيدون اعجبته احدى وصيفاتها وطلب منها ان ان تعيدا مقطعا غنته دون اخذ موافقة ولادة فزعلت عليه وكتبت اليه تقول :
لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا
لم تهو جاريتي ولم تتخيرِّ
وتركت غصناً مثمراً بجماله
وجنحت للغصن الذي لم يثمر
ِولقد علمت بأنني بدر السما
لكن ولعت لشقوتي بالمشتري
فكتب لها قصيدته :
ودّع الصبر محبٌ ودّعك
ذائع من سرِّه ماستودعك
أميرة َ القصْر ِ هل ما زال َ مَجلِسُنا
. يَحُف ّ ُ بالنُّخبة ِ الواشين َ مِن رَصَدِكْ؟
وَشَوا إليـك ِ بأني غير ُ ذي وَلَـه ٍ
وأنَّـني سادر ٌ ساع ٍ إلـى كَـمَدِكْ
جَلَّ الذي زعموا في الحب وانتقدوا
.. ليتَ الهُيـام َ طَغَى في قلب ِ مُنـتقدِكْ
ويعلمون َ بأنَّ القلب َ ذو أَحَـد ٍ
فصارَ كلّ ٌ يُمنِّي النفس َ في أحَـدِكْ
كنت ِ ابتدعت ِ جمال َ الروح ِ بارعة ً
ثـمَّ اختصرت ِ جمالَ الكون ِ في جَسَدِكْ
تَعَلَّم َ النايُ مِن نَجواك ِ بُحَّـتَهُ
فَـتاه َ في شَجَن ِ الألحان ِ مِنْ وَلَدِكْ
فاجابته بقصيدتها قائلة:
ألا هل لنا من بعد هذا التفرق
سبيل؛ فيشكو كل صب بما لقي
وقد كنت أوقات التزاور في الشتا
أبيت على جمر من الشوق محرقِ
فكيف وقد أمسيت في حال قطعة
لقد عجل المقدار ما كنت أتقي
تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
ولا الصبر من رق التشوق معتقي
سقى الله أرضاً قد غدت لك منزلاً
بكل سكوب هاطل الوبل مغدق
الا ان ميل ابن زيدون الى جاريتها ودخول شخص اخر في قلبها فارادت ان تجازي ابن زيدون غيظاً فألقت شباكها على رجل قليل الذكاء وواسع الثراء هو الوزير أبو عامر( بن عبدوس) ولما اثمر حبها له قطعت علاقتها بابن زيدون ونشأت بينه وبين ابن عبدوس عداوة كبيرة دفعت ابن زيدون لإنشاء رسالته الهزلية الشهيرة وركضت ولادة وراء هواها فكتبت اليه ما ليس فيه ومما كتبت اليه و قد اسمته ( المسدس) فقالت فيه :
ولقبت المسدس وهو نعت
تفارقك الحياة ولا يفارق
فلوطي ، ومأبون ، وزان
وديوث، وقواد، وسارق
الا ان ابن زيدون بقي علي حبه ووفائه لها فحبر لها قصيدته النونية الرائعة في ذكرى حبه وشوقه لها والتي تعتبر من روائع الشعرالعربي :
اضحى التنائي بديلا عن تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تحافينا
وقيل انها كتبت بالذهب على طرازها الأيمن :
أنا والله أصلح للمعالي وأمشي مشيتي وأتيه تيهاً
وكتبت على الطراز الأيسر:
أمكن عاشقي من صحن خدي وأعطى قبلة من يشتهيها
وكانت مع ذلك مشهورة بالصيانة والعفاف واغلب ظني ان هذين البيتين منحولان عليها .
توفيت بمدينة ( قرطبة) في الثاني من صفر من سنة \480 هجرية\ السادس والعشرين من مارس اذار سنة \ 1091ميلادية عن عمريناهز السابعة والتسعين وقيل في رواية اخرى انها توفيت في سنة 484 هجرية .
وكانت مشهود لها بالصيانة والعفاف، فهي اديبة شاعرة وأديبة من شواعر الأندلس وكان في شعرها حسن القول وجزل الألفاظ، وأنها كانت تناضل الشعراء، وتساجل الأدباء وتفوق البراعة ، فكان مجلسها في ( قرطبة ) عامرا بالنظم والنثر يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها ويتهالك الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها وعلى سهولة حجابها وكثرة منتا بها ،كانت تخلط ذلك بعلو همة و نصاب وكرم نسب وطهارة ثوب على أنها اوجدت للقول المتهالك فيها السبيل لقلة مبالاتها ومجاهدتها. اعجب الشعراء والأدباء في شعرها حيث كانت لها مكانة متميزة في الشعر، وقد ترك موتها فراغا كبيرا في نفوس محبيها وقد عمرت عمرا طويلا، ولم تتزوج.
***********************************