أبو دُلف العجلي
هو ابو دلف القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل
بن عمير بن شيخ بن معاوية بن خزاعي بن عبد العزيز بن دلف بن جشم بن قيس بن سعد بن عجل بن لحيم الأمير .
و دلف بضم الدال المهملة وفتح اللام وبعدها فاء وهو اسم علم لا ينصرف لاجتماع العلمية والعدل فإنه معدول عن دالف.
أبو دلف العجلي أحد قواد المأمون والمعتصم وإليه ينتسب الأمير أبو نصر بن ماكولا صاحب كتاب (الإكمال). وهو شاعر وأديب. وكان القاضي جلال الدين خطيب دمشق القزويني يزعم أنه من سلالته، ويذكر نسبه إليه.
وكان أبوه قد شرع في عمارة مدينة الكرج وأتمها وكان بها أهله وعشيرته وأولاده وكان قد مدحه ابو بكر النطاح فلم يحصل له منه ما في نفسه فانفصل عنه
وهو يقول –
دعيني أجوب الأرض في فلواتها
فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم
وقال في مدح ابي دلف ايضا :
مثال أبي دُلف أمَّة
وخلق أبي دُلف عسكر
وأن المنايا إلى الدارعين
بعيني أبي دلف تنظر
وروي أن الأمير علي بن عيسى بن ماهان صنع مأدبة لما قدم أبو دلف من (الكرج) ودعاه إليها وكان قد احتفل بها غاية الاحتفال فجاء بعض الشعراء ليدخل دار علي بن عيسى فمنعه البواب فتعرض الشاعر لأبي دلف وقد قصد دار علي بن عيسى، وبيده جزازة فناوله إياها فإذا فيها مكتوب:
قل له إن لـقـيتـه
متـأن بـلا وهـج
جئت في ألف فارس
لغداء من الـكـرج
ما على الناس بعدهـا
في الدنيات من حرج
فرجع أبو دلف وحلف أنه لا يدخل الدار ولا يأكل شيئا من الطعام.
كان أبو دلف كريما جوادا ممدوحا و قد قصده الشعراء من كل أوب وصوب وكان أبو تمام الطائي من جملة من يغشاه ويمدحه وكانت لديه فضيلة او باع طويل في الأدب والغناء ومما قال فيه بكر بن النطاع الشاعر:
يا طالبا للكيمياء وعلمه
مدح ابن عيسى الكيمياء الأعظم
لو لم يكن في الأرض إلا درهم
ومدحته لأتاك ذاك الدرهم
فيقال: إنه أعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم.
وكان شجاعا فاتكا، وكان يستدين ويعطي،
و مدحه الشاعر علي بن جبلة ايضا :
صاغَكَ اللَهُ أَبا دُلَفٍ
صِبغَةً في الخَلقِ مِن خِيَرِه
أَيّ يَومَيكَ اِعتَزَيتَ لَهُ
اِستَضاءَ المَجدُ مِن قُتُرِه
لَو رَمَيتَ الدهرَ عَن عُرُض
ثَلَّمَت كَفّاكَ مِن حَجَرِه
رُبَّ ضافي الأَمنِ في وَزَرٍ
قَد أَبَتَّ الخَوفَ في وَزَرِه
وَاِبنِ خَوفٍ في حَشا خَمَرٍ
نُشتَه بِالأَمنِ مِن خَمَرِه
وَزَحوفٍ في صَواهِلِهِ
كَصِياحِ الحَشرِ في أَمَرِه
قَدتَهُ وَالمَوتُ مَـكتَمِنٌ
في مذاكيهِ ومُشتَجِرِه
وقد استاء المأمون من علي بن جبلة عندما مدح أبا دلف ومبالغته في مدحه وقيل ان وهذين البيتين أحفظا المأمون على علي بن جبلة حتى سل لسانه من قفاه.
وقوله فيه:
أنت الذي تنزل الأيام منزلها
وتنقل الدهر من حالٍ إلى حال
وما مددت مدى طرفٍ إلى أحدٍ
إلاّ قضيت بأرزاقٍ وآجال
تزورّ سخطاً فتضحى البيض ضاحكةً
وتستهلّ فتبكي أعين المال
الا ان أبا دلف قال للمأمون لعله يخفف من استيائه :
- أنا الذي قيل فيه:
أبا دلف ما كذب الناس كلهم
سواي فإني في مديحك أكذبُ
وقيل ان المأمون قتل الشاعر علي بن جبله لمدحه ابا دلف وقيل مات الشاعر حتف انفه .
وعندما مدح الشاعر بكر بن النطاح ابا دلف أعطاه عشرة آلاف درهم وكان بن النطاح قد اشترى بهذه الاموال قرية في نهر الإبلة وكان هناك قرية مجاورة معروضة للبيع فأراد أن يشتريها ايضا فعاد إلى أبي دلف وأنشد:
بك ابتعت في نهر الأبلة قرية
عليها قصير بالرخام مشـيد
إلى جنبها أخت لها يعرضونها
وعندك مال للهبات عـتـيد
فأعطاه المال اللازم لشرائها .
وابو دلف كان كريما معطاءا وكرمه الكثير هذا تسبب في أثقال الدين عليه وقيل عندما أثقله الدّين أتاه رجل يطلب منهُ مالاً و لما علم أن أبا دلف قد أثقله الدين أنشد الرجل:
أيا رب المنائح والعطايا
ويا طلق المحيا واليدين
لقد خبرت أن عليك ديناً
فزد في رقم دينك واقضِ ديني
مدح أبو دلف أمير خراسان طاهر بن الحسين
وقال فيه :
أرى ودكم كالورد ليس بدائم
ولا خير فيمن لا يدوم له عهـد
وحبي لكم كالآس حسنا ونضرة
له زهرة تبقى إذا فني الورد
و عندما قتل محمد بن حميد الطوسي ورثاه أبو تمام بقصيدته الشهيره ومنها:
كذا فليجل الخطب وليفدح الامرُ
فليس لعين لم يفض مائها عذرُ
فتى مات بين الضرب والطعن ميتةً
تقوم مقام النصر ان فاتها النصرُ
قال أبو دلف كلمته الشهيره :
(لم يمت من رثي بمثل هذا)
وكان أبو عبد الله أحمد بن أبي فنن صالح مولى بني هاشم أسودا مشوه الخلق وكان فقيرا فقالت له امرأته:
- يا هذا إن الأدب أراه قد سقط نجمه وطاش سهمه فاعمد إلى سيفك ورمحك وقوسك وادخل مع الناس في غزواتهم عسى الله أن ينفلك من الغنيمة شيئا، فأنشد:
ما لي وما لك قد كلفتني شططـا
حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتنـي رجـلا
أمسي وأصبح مشتاقا إلى التلـف
تمشي المنايا إلى غيري فأكرهها
فكيف أمشي إليها بارز الكتـف
ظننت أن نزال القرن من خلقـي
أو أن قلبي في جنبي أبي دلـف
فبلغ خبره أبا دلف فوجه إليه ألف دينار.
وقيل أن دلف بن أبي دلف قال:
- رأيت في المنام آتيا أتاني فقال لي:
- أجب الأمير قمت معه، فأدخلني دارا وحشة وعرة سوداء الحيطان مقلعة السقوف والأبواب وأصعدني على درج منها ثم أدخلني غرفة في حيطانها أثر النيران وفي أرضها أثر الرماد وإذا بأبي وهو عريان واضع رأسه بين ركبتيه فقال لي كالمستفهم:
- دلف؟
- قلت: دلف
- فأنشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنـهـم
ما لقينا في البرزخ الخـنـاق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلـنـا
فارحموا وحشتي وما قد ألاقي
ثم قال: فهمت؟
قلت: نعم
ثم أنشد:
فلو كنا إذا متنا تـركـنـا
لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنـا بـعـثـنـا
ونسأل بعده عن كل شـي
ثم قال: أفهمت؟
قلت: نعم وانتبهت.
اما آثاره ومؤلفاته:
كتاب السلاح
كتاب الصيد
كتاب سياسة الملوك
كتاب النزه
توفي في بغداد سنة\ 225 هجرية.
ومن شعره هذه الابيات :
أحبك يا جنان وأنت مني
مكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحي
خشيت عليك بادرة الزمان
لإقدامي إذا ما الخيل كرت
وهاب كماتها حرَّ الطعان
ويقول ايضا :
ألا أيها الزوار لا يد عندكم
أياديكم عندي أجل وأكبر
وإن كنتم أفردتموني للرجا
فشكري لكم من شكركم لي أكثر
وإني للمعروف أهل وموضع
ينال الرضا عندي وعرضي موفّر
فما حكم الزوار فيه تحكَّموا
وكلهم عندي أمير موقّر
كفاني من مالي دلاص وسابح
وأبيض من صاف الحديد ومغفر
*****************************************