عمر الشطرنجي
هو ابو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس وكان أبوه من موالي المنصور وكان اسمه اسماً أعجمياً فلما نشأ أبو حفص وتأدب غيّره وسماه عبد العزيز.
نشأ أبو حفص في دار المهدي ومع أولاد الخلفاء وكان كأحدهم وتأدب وكان لاعباً بالشطرنج مشغوفاً به فلقب به لغلبته عليه.
اتخذته علية بنت الخليفة المهدي شاعرا لها فلما مات المهدي انقطع إلى علية وخرج معها لما زوجت وعاد معها لما عادت إلى القصر وكان يكتب لها الأشعار وينطق به بدلاى عنها وفيما يخالج نفسها وفيما تريده من الأمور بينها وبين إخوتها وبني أخيها من الخفاء فكانت تنتحل بعضا من ذلك الشعر وتترك بعضه وكانت تأمره أن يقول الشعر في المعاني التي تريد فيقولها وتغني فيها.
.
وكانوا يخلعون عليه أحب الأوصاف وقد وصفه الحسن بن علي الخفاف عن محمد ابن الجهم البرمكي قال: (رأيت أبا حفص الشطرنجي الشاعر فرأيت منه إنساناً يلهيك حضوره عن كل غائب وتسليك مجالسته عن هموم المصائب قربه عرس وحديثه أنس جده لعب ولعبه جد دين ماجد إن لبسته على ظاهره لبست مرموقا لا تمله وإن تتبعته لتستبطن خبرته وقفت على مؤوة لا تطير الفواحش بجنباتها وكان فيما علمته أقل ما فيه الشعر )
ومما تغنت به علية بنت المهدي من شعره قولها :
تحبب فإن الحب داعـية الـحـب
وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
إذا لم يكن في الحب عتب ولا رضاً
فأين حلاوات الرسائل والكـتـب؟
تفكر فإن حدثـت أن أخـا هـوى
نجا سالماً فارج النجاة من الكـرب
وأطيب أيام الهـوى يومـك الـذي
توّرع بالتحريش فيه وبالـعـتـب
ومنها هذه ايضا :
عرضن للذي تحـب بـحـب
ثم دعـه يروضـه إبـلـيس
فلعل الزمـان يدنـيك مـنـه
إن هذا الهوى جليل نـفـيس
صابر الحب لا يصرفك فـيه
من حبيب تجهـم وعـبـوس
وأقل اللجاج واصبر على الجه
د فإن الهوى نعـيم وبـوس
وقيل ايضا :
كان الرشيد يحب (ماردة) جاريته وكان قد خلفها بالرقة فلما قدم
إلى بغداد مدينة السلام اشتاق اليها فكتب إليها:
سلام على النازح المغتـرب
تحية صب بـه مـكـتـئب
غزال مراتعه بـالـبـلـيخ
إلى دير زكي فقصر الخشب
أيا من أعان على نـفـسـه
بتخليفه طائعـاً مـن أحـب
سأستر والستر من شيمـتـي
هوى من أحب بمن لا أحب
فلما ورد كتاب الرشيد عليها أمرت أبا حفص الشطرنجي صاحب علية بنت المهدي ان يجيب الخليفة على ابياته اليها فأجاب الرشيد عنها بهذه الأبيات فقال:
أتانـي كـتـابـك يا سـيدي
وفيه العجائب كل العجـب
أتزعم أنـك لـي عـاشـق
وأنك بي مستهـام وصـب
فلو كان هذا كذا لـم تـكـن
لتتركني نهزة لـلـكـرب
وأنت ببغداد ترعـى بـهـا
نبات اللذاذة مع من تـحـب
فيا من جفاني ولـم أجـفـه
ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادنـي صـبـوة
وأسعر قلبي بحر اللـهـب
فهبني نعم قد كتمت الهـوى
فكيف بكتمان دمـع سـرب
ولـولا اتـقـاؤك يا سـيدي
لوافتك بي الناجيات النجـب
وقيل أن الخليفة الرشيد غضب مرة على علية بنت المهدي فأمرت أبا حفص الشطرنجي شاعرها أن يقول شعراً يعتذر فيه عنها إلى الرشيد ويسأله الرضا عنها فيستعطفه لها فقال:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه
من أن يكون له ذنب إلى أحـد
كانت علية أبرا الناس كـلـهـم
من أن تكافا بسوء آخـر الأبـد
مالي إذا غبت لم أذكر بـواحـدة
وإن سقمت فطال السقم لم أعـد
ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه
قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فأتاها بهذه الابيات فاستحسنتها وغنت فيها وألقت الغناء على جماعة من جواري الرشيد فغنينه إياه في أول مجلس جلس فيه معهن فطرب طرباً شديداً وسألهن عن القصة فأخبرنه بها فبعث إلى عليه بنت المهدي فلما حضرت قبّل رأسها واعتذرت منه فقبل عذرها وسألها إعادة الصوت، فأعادته عليه فبكى
وقال: لا جرم أني لا أغضب أبداً عليك ما عشت.
ومن اخبار ه ايضا :
قيل دخل أبو حفص الشطرنجي على يحيى بن خالد البرمكي وعنده ابن جامع وهو يلقي على (دنانير ودنانير جاريته ) صوتاً أمره يحيى بإلقائه عليها وقال لأبي حفص:
- قل في دنانير بيتين يغني فيهما ابن جامع ولك بكل بيت مائة دينار إن جاءت كما أريد
فقال أبو حفص:
أشبهك المسك وأشبهته
قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد
أنكما من طينة واحدة
قال: فأمر له يحيى بمائة دينار .
وقيل ايضا كان أبو حفص الشطرنجي ينادم أبا عيسى بن الرشيد ويقول له الشعر فينتحله ويفعل مثل ذلك بأخيه صالح وأخته وكذلك بعلية عمتهم وكان بنو الرشيد جميعاً يزورونه ويأنسون به فمرض مرة فعادوه جميعاً الا أبي عيسى فكتب إليه يعاتبه لأنه لم
يعده في مرضه:
إخاء أبي عيسى إخاء ابن ضرة
وودي ود لابـن أم ووالــد
ألم يأته أن الـتـأدب نـسـبة
تلاصق أهواء الرجال الأباعد
فما باله مستعذباً من جفـائنـا
موارد لم تعذب لنا من موارد
أقمت ثلاثاً حلف حمى مضرة
فلم أره في أهل ودي وعائدي
سلام هي الدنيا قروض وإنمـا
أخوك مديم الوصل عند الشدائد
ويقول في نعمةالشكر :
دعيني أسيّر شكره وثناءه
إذا لم يكن لي بالجزاء يدان
وإنّي إذا أوفى الصنيعة حقّها
وهيهات لا تجزى يد بلسان
وقال أبو حفص الشطرنجي:
- قال لي الرشيد يوماً:
- يا حبيبي لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما .
قلت: ما هما يا سيدي فمن شرفهما استحسانك لهما
فقال: قولك:
لم ألق ذا شجن يبوح بحبه
إلا حسبتك ذلك المحبوبـا
حذراً عليك وإنني بك واثق
ألا ينال سواي منك نصيبا
فقلت: يا أمير المؤمنين، ليسا لي هما للعباس بن الأحنف
فقال: صدقك والله أعجب إلي وأحسن منهما بيتاك
حيث تقول:
إذا سرها أمر وفيه مسـاءتـي
قضيت لها فيما تريد على نفسي
وما مر يوم أرتجي فـيه راحة
فأذكره إلا بكيت على امسي
وذكر الصولي ان عبد الله بن الفضل اخبره قائلا:
دخلت على أبي حفص الشطرنجي شاعر علية بنت المهدي أعوده في علته التي مات فيها فجلست عنده فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشـيب
ونادتك باسم سواك الخطـوب
فكن مستعداً لداعي الـفـنـاء
فإن الـذي هـو آت قـريب
ألسنا نرى شهوات الـنـفـو
س تفنى وتبقى عليها الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب
فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه مـن يتـوب
فكيف ترى حال من لا يتوب؟
توفي الشاعر ابو حفص عمر بن عبد العزيز الشطرنجي في بغداد عام \210 للهجرة المباركة الموافق للعام \ 824 الميلادي
***********************************************
هو ابو حفص عمر بن عبد العزيز مولى بني العباس وكان أبوه من موالي المنصور وكان اسمه اسماً أعجمياً فلما نشأ أبو حفص وتأدب غيّره وسماه عبد العزيز.
نشأ أبو حفص في دار المهدي ومع أولاد الخلفاء وكان كأحدهم وتأدب وكان لاعباً بالشطرنج مشغوفاً به فلقب به لغلبته عليه.
اتخذته علية بنت الخليفة المهدي شاعرا لها فلما مات المهدي انقطع إلى علية وخرج معها لما زوجت وعاد معها لما عادت إلى القصر وكان يكتب لها الأشعار وينطق به بدلاى عنها وفيما يخالج نفسها وفيما تريده من الأمور بينها وبين إخوتها وبني أخيها من الخفاء فكانت تنتحل بعضا من ذلك الشعر وتترك بعضه وكانت تأمره أن يقول الشعر في المعاني التي تريد فيقولها وتغني فيها.
.
وكانوا يخلعون عليه أحب الأوصاف وقد وصفه الحسن بن علي الخفاف عن محمد ابن الجهم البرمكي قال: (رأيت أبا حفص الشطرنجي الشاعر فرأيت منه إنساناً يلهيك حضوره عن كل غائب وتسليك مجالسته عن هموم المصائب قربه عرس وحديثه أنس جده لعب ولعبه جد دين ماجد إن لبسته على ظاهره لبست مرموقا لا تمله وإن تتبعته لتستبطن خبرته وقفت على مؤوة لا تطير الفواحش بجنباتها وكان فيما علمته أقل ما فيه الشعر )
ومما تغنت به علية بنت المهدي من شعره قولها :
تحبب فإن الحب داعـية الـحـب
وكم من بعيد الدار مستوجب القرب
إذا لم يكن في الحب عتب ولا رضاً
فأين حلاوات الرسائل والكـتـب؟
تفكر فإن حدثـت أن أخـا هـوى
نجا سالماً فارج النجاة من الكـرب
وأطيب أيام الهـوى يومـك الـذي
توّرع بالتحريش فيه وبالـعـتـب
ومنها هذه ايضا :
عرضن للذي تحـب بـحـب
ثم دعـه يروضـه إبـلـيس
فلعل الزمـان يدنـيك مـنـه
إن هذا الهوى جليل نـفـيس
صابر الحب لا يصرفك فـيه
من حبيب تجهـم وعـبـوس
وأقل اللجاج واصبر على الجه
د فإن الهوى نعـيم وبـوس
وقيل ايضا :
كان الرشيد يحب (ماردة) جاريته وكان قد خلفها بالرقة فلما قدم
إلى بغداد مدينة السلام اشتاق اليها فكتب إليها:
سلام على النازح المغتـرب
تحية صب بـه مـكـتـئب
غزال مراتعه بـالـبـلـيخ
إلى دير زكي فقصر الخشب
أيا من أعان على نـفـسـه
بتخليفه طائعـاً مـن أحـب
سأستر والستر من شيمـتـي
هوى من أحب بمن لا أحب
فلما ورد كتاب الرشيد عليها أمرت أبا حفص الشطرنجي صاحب علية بنت المهدي ان يجيب الخليفة على ابياته اليها فأجاب الرشيد عنها بهذه الأبيات فقال:
أتانـي كـتـابـك يا سـيدي
وفيه العجائب كل العجـب
أتزعم أنـك لـي عـاشـق
وأنك بي مستهـام وصـب
فلو كان هذا كذا لـم تـكـن
لتتركني نهزة لـلـكـرب
وأنت ببغداد ترعـى بـهـا
نبات اللذاذة مع من تـحـب
فيا من جفاني ولـم أجـفـه
ويا من شجاني بما في الكتب
كتابك قد زادنـي صـبـوة
وأسعر قلبي بحر اللـهـب
فهبني نعم قد كتمت الهـوى
فكيف بكتمان دمـع سـرب
ولـولا اتـقـاؤك يا سـيدي
لوافتك بي الناجيات النجـب
وقيل أن الخليفة الرشيد غضب مرة على علية بنت المهدي فأمرت أبا حفص الشطرنجي شاعرها أن يقول شعراً يعتذر فيه عنها إلى الرشيد ويسأله الرضا عنها فيستعطفه لها فقال:
لو كان يمنع حسن العقل صاحبه
من أن يكون له ذنب إلى أحـد
كانت علية أبرا الناس كـلـهـم
من أن تكافا بسوء آخـر الأبـد
مالي إذا غبت لم أذكر بـواحـدة
وإن سقمت فطال السقم لم أعـد
ما أعجب الشيء ترجوه فتحرمه
قد كنت أحسب أني قد ملأت يدي
فأتاها بهذه الابيات فاستحسنتها وغنت فيها وألقت الغناء على جماعة من جواري الرشيد فغنينه إياه في أول مجلس جلس فيه معهن فطرب طرباً شديداً وسألهن عن القصة فأخبرنه بها فبعث إلى عليه بنت المهدي فلما حضرت قبّل رأسها واعتذرت منه فقبل عذرها وسألها إعادة الصوت، فأعادته عليه فبكى
وقال: لا جرم أني لا أغضب أبداً عليك ما عشت.
ومن اخبار ه ايضا :
قيل دخل أبو حفص الشطرنجي على يحيى بن خالد البرمكي وعنده ابن جامع وهو يلقي على (دنانير ودنانير جاريته ) صوتاً أمره يحيى بإلقائه عليها وقال لأبي حفص:
- قل في دنانير بيتين يغني فيهما ابن جامع ولك بكل بيت مائة دينار إن جاءت كما أريد
فقال أبو حفص:
أشبهك المسك وأشبهته
قائمة في لونه قاعده
لا شك إذ لونكما واحد
أنكما من طينة واحدة
قال: فأمر له يحيى بمائة دينار .
وقيل ايضا كان أبو حفص الشطرنجي ينادم أبا عيسى بن الرشيد ويقول له الشعر فينتحله ويفعل مثل ذلك بأخيه صالح وأخته وكذلك بعلية عمتهم وكان بنو الرشيد جميعاً يزورونه ويأنسون به فمرض مرة فعادوه جميعاً الا أبي عيسى فكتب إليه يعاتبه لأنه لم
يعده في مرضه:
إخاء أبي عيسى إخاء ابن ضرة
وودي ود لابـن أم ووالــد
ألم يأته أن الـتـأدب نـسـبة
تلاصق أهواء الرجال الأباعد
فما باله مستعذباً من جفـائنـا
موارد لم تعذب لنا من موارد
أقمت ثلاثاً حلف حمى مضرة
فلم أره في أهل ودي وعائدي
سلام هي الدنيا قروض وإنمـا
أخوك مديم الوصل عند الشدائد
ويقول في نعمةالشكر :
دعيني أسيّر شكره وثناءه
إذا لم يكن لي بالجزاء يدان
وإنّي إذا أوفى الصنيعة حقّها
وهيهات لا تجزى يد بلسان
وقال أبو حفص الشطرنجي:
- قال لي الرشيد يوماً:
- يا حبيبي لقد أحسنت ما شئت في بيتين قلتهما .
قلت: ما هما يا سيدي فمن شرفهما استحسانك لهما
فقال: قولك:
لم ألق ذا شجن يبوح بحبه
إلا حسبتك ذلك المحبوبـا
حذراً عليك وإنني بك واثق
ألا ينال سواي منك نصيبا
فقلت: يا أمير المؤمنين، ليسا لي هما للعباس بن الأحنف
فقال: صدقك والله أعجب إلي وأحسن منهما بيتاك
حيث تقول:
إذا سرها أمر وفيه مسـاءتـي
قضيت لها فيما تريد على نفسي
وما مر يوم أرتجي فـيه راحة
فأذكره إلا بكيت على امسي
وذكر الصولي ان عبد الله بن الفضل اخبره قائلا:
دخلت على أبي حفص الشطرنجي شاعر علية بنت المهدي أعوده في علته التي مات فيها فجلست عنده فأنشدني لنفسه:
نعى لك ظل الشباب المشـيب
ونادتك باسم سواك الخطـوب
فكن مستعداً لداعي الـفـنـاء
فإن الـذي هـو آت قـريب
ألسنا نرى شهوات الـنـفـو
س تفنى وتبقى عليها الذنوب
وقبلك داوى المريض الطبيب
فعاش المريض ومات الطبيب
يخاف على نفسه مـن يتـوب
فكيف ترى حال من لا يتوب؟
توفي الشاعر ابو حفص عمر بن عبد العزيز الشطرنجي في بغداد عام \210 للهجرة المباركة الموافق للعام \ 824 الميلادي
***********************************************