من مشاهد يوم القيامة في سورة الصافات
بقلم - فالح الحجية
بسم الله الرحمن الرحيم
( فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32 ) إِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا
قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37) إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلا مَوْتَتَنَا الاُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
سورة الصافات الايات \19-61
الحمد لله :
في المصحف الشريف تتعدد مشاهد يوم القيامة وتتنوع وفي هذه الايات المباركة مشهد اخر يبدؤها بمصير الكافرين و جدالهم فيما بينهم في هذا اليوم العظيم .
فما ان ينفخ الملك اسرافيل في الصور النفخة الثانية – وهي نفخة الاحياء والبعث من بعد الموت حتى يهب البشر من مراقدهم في قبورهم الى الحياة الاخرى فيهب الكافرون الى الجدال والملاومة فيما بينهم فهم ينظرون الى حالهم السيئة ومكانتهم المهينة في يوم الحساب فيقولون ياويلنا صحيح هذا يوم الحساب كنا نكذب بحدوثه ولا نتيقن انه سياتي وترد عليهم الملائكة هذا اليوم الذي كنتم تكذبون به وبحقيقة حدوثه . فياتيهم الامر من الله العلي العظيم فيخاطبهم ان احشروا الكافرين والذين ظلموا انفسهم وازاجهم اي امثالهم واشباههم في الكفر وفي بعض كتب التفسير ازواجهم اي زوجاتهم التي عاشرنهم ووافقنهم على الشرك والكفر وكذلك اصنامهم الذين عبدوهم بل اوقفوهم او احبسوهم في ارض المحشر او الموقف فانهم مسؤولون عن كفرهم وشركهم ودعوتهم الاخرين الى الشرك فعرفوهم طريق النار ا و احشروهم اليه .
وقد جاء في الحديث الشريف ( لاتزول قدما عبد حتى يسال عن اربع : عن شبابه فيم ابلاه وعن عمره فيم افناه وعن ماله مم كسبه وفيما انفقه وعن علمه ماذا عمل به )
وتخاطبهم الملائكة ما لكم لا تتناصرون بينكم اي ينصر بعضكم بعضا او يعين بعضكم الاخر لكنهم سيطر عليهم الذل والهوان فاستسلموا منقادين عاجزين متكاسلين حتى عن الاجابة .
ثم اقبل بعض هؤلاء وهم ضعفاء المشركين والكافرين على البعض الاخر من الكبراء والذين كانوا متكابرين في الحيا ة الدنيا يسالونهم و يستفسرون منهم فيقولون لهم انكم كنتم تاتوننا بقوتكم وتكابركم ورئاستكم وتدعوننا الى عدم الايمان بالله تعالى وبرسوله الكريم فيجيبونهم الذين كانوا اعزة في الحياة الدنيا واصبحوا اذلاء في هذا اليوم يقولون لهم : بل لم تكونوا مؤمنين في كل تصرفاتكم فاطعتمونا وما كان لنا عليكم من قوة او سلطة نجبركم فيها على الكفر او سماع قولنا في الكفر وا نما كنتم كافرين وانفسكم في حد ذاتها على الكفر والطغيان وقد اختارت نفوسكم العصيان والكفر فحق عليكم وعلينا العذاب على حد سواء وورودنا واياكم النار فحق علينا نحن وانتم وثبت علينا قول الله تعالى اننا في العذاب مشتركون وفي جهنم خالد ون وهذه هي الحقيقة فقد دعى المتكبرون الضعفاء فاطاعوهم على الغواية والعصيان فاستحقوا الشراكة معهم في العذاب فهم به مشتركون .
وهكذا كان امر الله تعالى وما يفعله بالمجرمين الكافرين وما اقتضت به حكمته سبحانه وتعالى لان هؤلاء اذا قيل لهم لا اله الا
الله كانوا يستكبرون عن عبادته ويستنكفون عن توحيده والانصياع الى مادعاهم اليه الانبياء والمرسلون او الى ما ر دعاهم به الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . ويقولون في انفسهم او الى جماعاتهم كيف نترك الهتنا واصنامنا لاجل قول شاعر قد تلبسه الجنون هنا تقع الصاعقة عليهم حين يخاطبهم الله تعالى ( انكم لذائقوا العذاب الاليم ) اي العذاب الاكبر الذي ما بعده ولا مثله عذاب بسبب عنادهم ومكابرتهم وهذا هو الحق والعدل فانما جزاهم الله تعالى هذا العذاب بما كانوا يعملون وما هم فيه من كفر والحاد فهو استحقاقهم في الاخرة .
واستثنى الله تعالى عباده المؤمنين من العذاب لوجود الايمان مغروس في نفوسهم وقلوبهم فجعل لهم - جزاء ايمانهم وعبوديتهم لله تعالى – رزق معلوم ومن هذا الرزق الفواكه التي خلقها الله تعالى للتلذذ بها فان اصحاب الجنة لا يشعرون بجوع او عطش وانما هذه الفاكهة لزيادة التلذذ والمتعة وهم فيها مكرمون ا ي في الجنة وقد وصف الله حالهم في الجنة بانهم مكرمون بنعمة من الله وفضل . وهم على اسرة متقابلين ويطوف عليهم غلمان مخلدون باكواب واباريق وكاس من معين و ذكر الكاس كناية عن الخمرة لانهم في الجنة يسقون من خمر لذة للشاربين للتلذذ والتمتع فقط وهذه الخمرة كانها الفضة في لونها الابيض خالية من الاذى والضرر الذي يصيب الانسان جراء شربه الخمرة الدنيوية وقد حرمها الله تعالى على المؤمنين فهذه الخمرة لا تسكرهم ولاتذهب بعقولهم وحباهم الله تعالى في الجنة بحور عين اي حوريات قاصرات اطرافهن على ازواجهن فاتنات بجمالهن مفتونات بهم وبمحبتهم كانهن بيض مكنون بياضا ونقاءا وعفة .
ومن مشاهد يوم القيامة ان هؤلاء المؤمنين يقبل احدهم على الاخر ليتسامروا او يتحادثوا او يتذاكروا بينهم وهو على موائد الشراب كعادة النا س المجتمعين في موضع واحد فيتساءلون بينهم فيقول بعض منهم للاخرين :
- اني كان لي قرين في الحيا ة الدنيا كان يقول لي مستنكرا ايماني بالله تعالى اانك لمن المصدقين اي هل انت تصدق من يقول ان البشر سيبعث من بعد الموت وكيف نبعث اذا متنا فاكلت الارض اجسادنا واصبحنا ترابا وعظاما نخرة فكيف يتم احياؤنا ونحاسب على افعالنا واعمالنا في الحياة الدنيا يوم القيامة ثم يقول هذا المؤمن المتحدث لقرينه الذي اصبح في النار :
- حمدا لله وشكرا الذي هداني لعبادته ولولا نعمته واحسانه بي لكنت اوقعتني بالعذاب المهين .
ثم يلتفت لجلسائه ورفاقه في الجنة فيقول لهم :
- هل صحيح لسنا بميتين الا موتة واحدة حين انقضاء اجلنا وما نحن بمبعوثين للحساب والجزاء يوم القيامة كما يقول هذا القرين ؟
- ثم يقول لهم : هل انتم مطلعون اي هل يعجبكم ان ترون مصير هذا القرين ؟؟
فينظرون اليه فيرونه في جهنم يتعذب وتحرقه النار
فيخاطبه:
- لقد حاولت ان تهلكني معك وتجعلني من اصحاب النار لولا نعمة الله وهدايته لي لكنت الان من المحضرين للعذاب اي لو اطعتك ياصديق السوء لكنت معك الان في جهنم وفي العذاب الاليم لكني خالفتك واطعت ربي فجعلني الله من المؤمنين المكرمين .
وهذا هو الحق وهذا هو الفوز الذي هدانا الله تعالى اليه فادخلنا الجنة فانعم علينا بخيرها وعطائها . ولمثل هذا العمل فيعمل العاملون من البشر .
************************