تفسير سورة الانشقاق
بقلم - فالح الحجية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الارْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5) يَا أَيُّهَا الانْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 25))
سورة الانشقاق\ كاملة
الحمد لله:
الله سبحانه وتعالى يبين لخلقه انه اذا انتهى امر الحياة الدنيا فستنشق السماء وتزال بما فيها من كواكب ونجوم وانتثارها وتعاليها وتساقطها وارتطامها ببعضها وسقوطها طاعة لامر الله تعالى وانقادا اليه وكان انقيادها لازما قال الله تعالى :
( ثم استوى الى الاسماء فقال لها وللارض اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين ) سورة فصّلت الاية \ 11
و اما الارض فقد مدت اي انبسط سطحها ود كت جبالها فيها فاصبحت هباءا منثورا وخرج ما في باطنها وظهر . واتقدت البحار وارتفعت درجاتها الحرارية للماء وتخلت عن كل ما في باطنها فاصبحت ارضا منبسطة بحيث اصبحت مهيأة لقيام حدث عظيم .
اما الانسان بطبيعته فعندما يشعر بالضيق والحرج يلتجئ الى الله تعالى ويكدح في ذلك اي يتعب نفسه في سبيل لقاء ربه تعالى بالحسنى و ويعتقد حقا انه سوف يلاقيه في يوم القيامة . فاذا كان مؤمنا فيكون عمله لما يؤكد معتقده فيحبس نفسه على فعل الخير والصلاح وما امر الله تعالى وما جاء به الانبياء والمرسلون ففي يوم القيامة سوف يحاسب حسابا يسيرا هينا لينا فيدخل الجنة ويذهب الى اهله وهم اصحاب الجنة مسرورا فرحا مبتهجا .
واما من أ وتي كتابه وراء ظهره وهي كناية عن عدم اطاعة الله تعالى وتجاوز هذا الانسان على حقوق الاخرين من الناس اي كان كافرا في الحياة الدنيا وهم الكفار والعصاة فانه يعلم ان مصيره في الاخرة هو الاعسر والاضل لذا سيدعو لنفسه بالويل والثبور لانه سيصلى سعيرا في نار جهنم . والسبب انه كان في دنياه مسرورا بشهواته وتكبره وتجبره على الاخرين بحيث اعمت هذه الامور بصيرته وبصره فلم يفكر في الحياة الاخرة ولا في يوم القيامة ولا يؤمن بالله العلي العظيم وكان ظنه مقصورا ان لا حياة من بعد الموت ولا حساب .
فالله تعالى يؤكد انه تعالى سميعا لاخبار الناس بصيرا بكل ما يعمل الخلق وما يتجاوز به الظالمون لا تخفى عليه خافية ويؤكد ذلك انه تعالى يقسم بالشفق وهو وقت غروب الشمس حيث يكسو السماء احمرار في الايام الصاحية يستمر من وقت انتهاء وقت صلاة العصر وحتى قبيل صلاة العشاء .
ويقسم مرة اخرى ب(الليل وما وسق) وهو اتساق المخلوقات وهدأتها او رغبتها بالهدوء بعد تعب ونصب النهار بما فيها الا نسان و الحشرات والدواب .
ويقسم الله تعالى ثالثة ب( والقمر اذا اتسق) اي وقت اتصاله ذروة نوره في الايام التي يتبدر فيها وهي ثلاثة ايام من كل شهر الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وتسمى ايام التشريق ومنهم من يضيف اليها الثاني عشر والسادس عشر لتكون خمسة ايام . المهم ان القسم يقع على القمر في حال كونه بدرا وهذا القسم بالثلاثة اعلاه يقع على ( لتركبن طبقا عن طبق ) اي لتكونن في رخاء ورخاء اوشدة وشدة وربما المراد به الانسان واحواله فمراتب الرخاء كثيرة بنعم الله تعالى وآلائه وربما تكون المراتب العاليةفي ذاتها التي يستقلها الانسان .
ومراتب الشدة كثيرة ايضا ومنها المرض والفقر والذل والغربة و الكرب والاذى والنصب والتنشيب . وقيل هي نزلت في احوال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في تقوية دواعي تأييده ومعنوياته في خدمة الايمان والاسلام وسبل انتشارها كأنما يقول الله تعالى له - كلما مر عليك وقت فانت احسن حالا وافضل سبيلا - بدليل ما جاء بعده ( فمالهم) أي فمالهؤلاء الكفرة والمشركين لا يؤمنون بالقرآن الكريم واذا تلي عليهم لا يخرون سجدا تعظيما لله تعالى عند سماعهم لاياته وهو يتلى عليهم مبينا سبل الخير وسبل الشر . وقيل المراد بهذه الاية السجود عند سماع ايات السجود .
بل هؤلاء وهم الذين يكذبون بيوم القيامة هذا اليوم العظيم الذي بينه الله تعالى في القران الكريم وفيه احياؤهم من بعد الموت وحشرهم للحساب ولينال كل منهم الجزاء الاوفي والاتم فمن عمل صالحا فهو في خير ونعيم ومن عمل طالحا فهو في عذاب اليم فالكفار لا يفهمون ما فيه ولا يعون ما يسمو اليه و ما سيصيرون اليه من عذاب واحراق فيامر الله تعالى حبيبه :
يا حبيبي يا محمد صلى الله عليه وسلم بان لهم عذاب اليم يأتيهم من الله تعالى في يوم القيامة جزاء ما اقترفوا من موبقات وكفر واشراك . ويستثني الله تعالى المؤمنين بان لهم اجر غير ممنون اي بلا منة من احد وانما كان نتيجة ثواب اعمالهم وافعالهم الصالحة في الحياة الدنيا فاستحقوا الاجر والثواب وادخلوا الجنة كما وعدهم الله تعالى وهو العزيز الحكيم .
والله تعالى اعلم
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز
******************************