36
عمرو بنِ قُمَيئَة
هو الشاعر عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك الثعلبي من بكر بن وائل بن نزار
نشأ يتيماً وأقام في الحيرة مدة ثم صحب حجراً ملك كندة في نجد وحجدر هذا هو والد امرئ القيس الشاعر المعروف وعندما قتل حجرا خرج مع امرئ القيس عند خروجه للمطالبة بثأر ابيه ودمه قاصدين قيصر ملك الروم في القسطينية يستتنجدونه على قاتليه فمات في الطريق فكان يقال له (الضائع وهو المراد به بقول امرئ القيس في قصيدته :
(بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه)،
.
قال ابن الكلبي: ليس من العرب من له ولدٌ كل واحد منهم قبيلة مفردة قائمة بنفسها غير ثعلبة بن عكابة فإن له أربعةً اولاد كل واحد منهم قبيلة:
شيبان بن ثعلبة وهو أبو قبيلة
وقيس بن ثعلبة وهو أبو قبيلة
وذهل بن ثعلبة وهو أبو قبيلة
وتيم الله بن ثعلبة وهو أبو قبيلة.
ومات أبوه وخلفه صغيراً فكفله عمه واسمه مرثد بن سعد وكانت سبابتا قدميه ووسطياهما ملتصقتين وكان عمه محباً له معجباً
به رقيقاً عليه
.
وتذكر اغلب الروايات أن مرثد بن سعد بن مالك عم عمرو بن قميئة كانت عنده امرأةٌ ذات جمال فهويت عمراً وشغفت به ولم تظهر له ذلك فغاب مرثد لبعض أمره – وقال لقيط في خبره:
مضى يضرب بالقداح – فبعثت امرأته إلى عمرو تدعوه على لسان عمه
وقالت للرسول: ائتني به من وراء البيوت ففعل فلما دخل أنكر شأنها فوقف ساعة ثم راودته عن نفسه
فقال:- لقد جئت بأمر عظيم وما كان مثلي ليدعى لمثل هذا والله لو لم أمتنع من ذلك وفاءً لأمتنعن منه خوف الدناءة والذكر القبيح الشائع عني في العرب
قالت:- والله لتفعلن أو لأسوأنك
- قال: إلى المساءة تدعينني.
- ثم قام فخرج من عندها وخافت أن يخبر عمه بما جرى فأمرت بجفنة فكفئت على أثر عمرو فلما رجع عمه وجدها متغضبة
- فقال لها:- ما لك ؟؟
- قالت: إن رجلاً من قومك قريب القرابة جاء يستامني نفسي ويريد فراشك منذ خرجت.
- - قال: من هو؟؟
- قالت: أما أنا فلا أسميه ولكن قم فافتقد أثره تحت الجفنة
- فلما رأى الأثر عرفه وكان لمرثد سيفٌ يسمى( ذو الفقار) فأتى ليضربه به فهرب فأتى الحيرة فكان عند اللخميين ولم يكن يقوى على بني مرثد لكثرتهم
- وقال لعمرو بن هند:- إن القوم طردوني
- فقال له: ما فعلوا إلا وقد أجرمت وأنا أفحص عن أمرك فإن كنت مجرماً ما رددتك إلى قومك.
- فغضب وهم بهجائه وهجاء مرثد ثم أعرض عن ذلك ومدح عمه واعتذر إليه.
.
وأما عمرو فإنه لما سمع مرثد بذلك هجر عمراً وأعرض عنه ولم يعاقبه لموضعه من قلبه
- فقال عمرو يعتذر إلى عمه::
فما لبثي يوماً بسائق مغنمٍ
ولا سرعـتـي يومـاً بـسـائقة الـردى
وإن تنظراني اليوم أقض لبانةً
وتستوجبا منـي عـلـي وتـحـمـدا
لعمرك ما نفسٌ بجد رشيدةٍ
تؤامـرنـي سـوءاً لأصـرم مـرثـدا
وإن ظهرت مني قوارص جمةٌ
وأفرع من لومي مزاراً وأصـعـدا
على غير جرمٍ أن أكون جنيته
سوى قول باغٍ كادنـي فـتـجـهـدا
لعمري لنعم المرء تدعو بخيله
إذا ما المنادي في الـمـقـامة نـددا
عظيم رماد القدر لا متعبسٌ
ولا مـؤيسٌ مـنـهـا إذا هـو أوقـدا
وإن صرحت كحلٌ وهبت عريةٌ
من الريح لم تترك من المال مرفدا
صبرت على وطء الموالي وخطبهم
إذا ضن ذو القربي عليهم وأخمدا
.
ولم يحم فرج الحي إلا محافظٌ
كريم المحيا ماجدٌ غير أجردا
.
وكان عمرو بن قميئة من قدماء الشعراء في الجاهلية حتى قيل:
إنه أول من قال الشعر من نزار وهو أقدم من امرىء القيس
وتذكر بعض الرويات انه كان قد صاحب اباه حجرا ملك كندة ولما قتل حجر والد امرئ القيس نزل ولده الشاعر امرؤ القيس بن حجر بن بكر بن وائل وضرب قبته وجلس إليه وجوه بكر بن وائل فقال لهم:
هل فيكم أحد يقول الشعر؟
فقالوا: ما فينا شاعر إلا شيخ قد خلا من عمره وكبر.
قال: فأتوني به
فأتوه بعمرو بن قميئة وهو شيخ فأنشده فأعجب به فخرج به معه إلى قيصر
وقيل إن امرأ القيس قال لعمرو بن قميئة في سفره:
ألا تركب إلى الصيد
فانشد عمرو::
شكوت إليه أنني ذو جلالةٍ
وأني كبـيرٌ ذو عـيالٍ مـجـنـب
فقال لنا: أهلاً وسهلاً ومرحباً
إذا سركم لحمٌ من الوحش فاركبوا
وفيه يقول امرؤ القيس:::
بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان بقيصرا
فقلت له: لا تبك عينك إنما
نحاول ملكاً أو نموت فنـعـذرا
لما توجه الى القصطنطينية مات في الطريق قبل ان يصلا الى قيصر لذلك سمته العرب (عمراً الضائع) كون موته في غربة وفي غير أربٍ ولا مطلب وقيل فيه :
كان عمرو بن قميئة شاعراً فحلاً متقدماً وكان شاباً جميلاً حسن الوجه مديد القامة حسن الشعر.
وقيل: سأل رجلٌ حمادعجردً الراوية بالبصرة: من أشعر الناس
قال الذي يقول::
رمتني بنات الدهر من حيث لاارى
فما بال من يرمى وليس برام
قال: الشعر لعمرو بن قميئة.
قال ابن الكلبي: وعمّر ابن قميئة طويلا فقيل لما بلغ عمره تسعين سنة فقال :
كأني وقد جاوزت تسعين حجةً
خلعت بها عني عنان لـجـامـي
على الراحتين مرةً وعلى العصا
أنوء ثلاثاً بـعـدهـن قـيامـي
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى
فما بال من يرمى وليس برام
!
فلو أن ما أرمى بنبلٍ رميتها
ولكنـمـا أرمـى بـغـير سـهـام
إذا ما رآني الناس قالوا: ألم يكن
حديثاً جديد البري غـير كـهـام!
وأهلكني تأميل يومٍ وليلةٍ
وتأميل عامٍ بعد ذاك وعام
قيل انه توفي عام \85 قبل الهجرة أي في عام\ 448 ميلادية
قيل في رواية اخرى انه توفي في عام\ 179 قبل الهجرة أي في عام\ 540 ميلادية
ومن روائع شعره هذه الابيات
أرى جارتي خَفّتْ، وخفّ نَصيحُها
وحبّ بها، لولا النّوى ، وطُمُوحها
فَبِينيِ عَلَى نَجْمٍ شَخِيسٍ نُحُوسُهُ؛
وَأَشْأَمُ طَيْرِ الزَّاجِرِينَ سَنِيحُهَا
فَإنْ تَشْغَيِ فَالشَّغْبُ مِنِّي سَجِبَّة ٌ
إذا شِيمتي لم يُؤتَ منها سَجِيحُها
أُقَارِضُ أَقْوَاماً ، فَأُوْفِي قُرُوضَهُمْ
وعَفٌّ إذَا أَرْدَى النُّفُوسَ شَحِيحُهَا
على أنّ قومي أَشْقذوني فأصبحت
دياري بأرض غيرِ دانٍ نُبُوحُها
تَنفَّذَ مِنْهُمْ نافِذَاتٌ فَسُؤْنَنِي
واَضْمَرَ أَضْغاناً عَلَى َّ كُشُوحُهَا
فقلت: فراقُ الدارِ أجملُ بينِنا
وقضدْ يَنْتَئِ عن دَارِ سَوْءٍ نَزِيحُهَا
على أنني قد أدّعي بأبيهم إذا
عَمّتِ الدّعوى وثابَ صَريحُها
وأني أرى دِيني يُوافق دِينَهُم
إذا نسكوا أفراعُها وذَبيحُها
ومَنْزِلَة ٍ بالَحْجِّ أُخْرَى عَرَفْتُهَا
نَقِيلة ُ نَعلٍ بانَ منها سَريحُها
بِوُدِّكِ ما قَوْمِي علَى أَنْ تَركْتِهِمْ
سُلَيُمَي إذَل هَبَّتْ شَمَالٌ وريِحُهَا
وغَابَ شُعَاعُ الشَّمْسِ في غيْرِ جُلْبَة ٍ
ولا غَمْرَة ٍ إلاَّ وَشِيكاً مُصُوحُهَا
إذا عُدم المحلوبُ عادت عليهمُ
قدورٌ كثيرٌ في القِصاع قَدِيحها
يثوبُ عليهم كلُّ ضيفٍ وجانبٍ
كما ردَّ دَهداه القلاص نضيحُهَا
بأيديهم مقرومة ٌ ومغالقٌ
يعود بأرزاق العِيال مَنيحها
وملومة ٍ لا يخرقُ الطرفُ عرضها
لها كوكبٌ فخمٌ شديدٌ وُضوحُها
تسيرُ وتُزجي السّمَ تحت نُحورها
كريهٌ إلى مَنْ فاجأته صَبوحُها
على مُقذحِرَّاتٍ وهنَّ عوابسٌ
ضبائرُ موتٍ لا يُراح مُريحا
نَبذنا إليهم دعوة ً يالَ مالك
لها إربة ٌ إن لم تجد مَنْ يُريحُهَا
فسُرنا عليهم سَورَة ً ثعلبيَّة ً
وأسيافنا يجري عليهم نضوُحُهَا
وأرماحُنَا ينهزنهُمْ نَهْزَ جُمَّة ٍ
يعود عليهم وِرْدُنا فَنَميحُها
فَدَارَتْ رحَانَا ساعة ً ورحاهُمُ
ودرّت طِباقاً بعد بكءٍ لُقُوحُها
فَمَا أتلفتْ أيديهمُ من نُفوسنا
وإنْ كرُمتْ فإنَّنا لا ننوُحها
وكنا إذا أحلام قوم تَغيبتْ
وكانت حمى ً ما قَبْلنا فنُبيحُها
فَأُبْنا وآبوا كلّنا بمَضيضة ٍ
مُهملَة ٍ أجراحُنا وجُرُوحُهَا
**************************************