شذ رات من السيرة النبوية المعطرة
28
بسم الله الرحمن الرحيم
من فضائل صلح الحديبية على المؤمنين انهم تفرغوا واستراحوا من اكبر واعظم عدو لهم في الجزيرة العربية وهم قريش حيث تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم لأخبث عدو للاسلام وهم اليهود وكانوا يسكنون في ( خيبر ) وما خلفها من جهة الشام .
فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعد للخروج الى( خيبر ) حدثت معركة جديدة هي( معركة الغابة ) .
وسببها ان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل ا بلا لقاحا ترعى في جهة الغابة بناحية جبل ( احد) ومعها غلامه رباح وكان راعي الابل سلمة بن الاكوع فأغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري في بني عبد الله بن غطفان على الابل اللقاح للنبي صلى الله عليه وسلم التي ترعى بالغابة فاستاقها واعطى الراعي فرسه الى رباح ليسرع الى المدينة فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالامر وقام الراعي على اكمة واخذ يصيح باعلى صوته :
- ياصباحاه .. ياصباحاه .. ياصباحاه..
ثم خرج في اثارالقوم وهو يرميهم النبال ويرتجز :
خذها انا ابن الاكوع اليوم يوم الرضّع
واستمر في رميه عليهم حتى رجع اليه احدهم فجلس الى اصل شجرة ورماه ثم دخلوا في مضيق جبل فاصبح سلمة فوق الجبل وهو مستمر في رميهم بالنبال وفي رواية اخرى في النبل والحجارة حتى تركوا الابل كلها ولم يزل يتبعهم حتى ألقوا ثلاثين بردا وثلاثين رمحا فاضطر اربعة منهم ان يصعدوا اليه وهو يجمع الحجار ة ليرميهم بها فجلسوا في ثنية لا يراهم فجلس سلمة بن الاكوع على راس قرن في الجبل فقال لهم :
- هل تعرفونني ؟؟ انا سلمة بن الاكوع لا اطلب منكم رجلا الا ادركته ولا يطلبني احد فيدركني .
فرجعوا عنه.
ثم التفت صوب المدينة فراى فرسان النبي صلى الله عليه وسلم قادمون اليه وفيهم الاخرم وقتادة و المقداد والتقى اخرم وعبد الرحمن الفزاري فعقر اخرم فرس عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله فلحقه ابو قتادة فقتله طعنا . وانهزم رجاله . فطاردهم الفوارس وسلمة معهم يركض برجليه حتى وصلوا قبيل الغروب الى ماء يسمى ( ذي قرد) حيث نزل عليه فرسان العدو ليشربوا منه لعطشهم فاجلاهم سلمة بنبله ولحق بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال سلمة ابن الاكوع للنبي صلى الله عليه وسلم :
- يارسول الله القوم عطاشى فلو بعثتني في مائة رجل اخذت باعناقهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ملكت فاسجع ) - تريث
ثم قال صلى الله عليه وسلم انهم ليقرون الان في بني غطفان) واعطاه سهم الفارس والراجل واردفه العضباء وقال صلى الله عليه وسلم خير فرساننا اليوم ابو قتادة وخير رجالتنا سلمة)
وفي رواية اخرى قال النبي صلى الله عليه وسلم
-( ياخيل الله اركبي ..)
ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقنعا في الحديد فكان أول من قدم إليه المقداد بن عمرو في الدرع والمغفر. فعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء في رمحه وقال :
( امض حتى تلحقك الخيول إنا على أثرك قادمون )
واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ثم أدرك سلمة بن الأكوع القوم وهو على رجليه فجعل يرميهم بالنبل ويقول:
( خذوها وانا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع )
حتى انتهى إلى( ذي قرد) وقد استنقذ منهم جميع اللقاح وثلاثين بردة . و قال سلمة :
فلحقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفوارسه ينوون فتحاً لحِصْون ( خَيْبَر)
بعد أن نقض اليهود العهد مع المسلمين في معركة الخندق وعاقبهم رسول الله في غزوة بني قريظة وتم طردهم خارج المدينة فاتجه أغلبهم إلى (خيبر)
ما كاد رسول الله عليه وسلم يعود من صلح الحديبية ، ويستريح بالمدينة حتى أمر بالخروج إلى (خيبر) وليتخلص من هذه البؤرة الوسخة فاليهود اظهروا العداء للاسلام من اول يوم ولد فيه وهم يعلمون انه الحق من ربهم وكان سلاحهم الاقوي المكائد والحيل والنفاق ولا يزالون لحد الان فقد كان يهود خيبر يعادون المسلمين وقد بذلوا جهدهم في جمع الأحزاب في غزوة( الخندق) لمحاربة المسلمين يوم خرج رسول الله صلى الله عليه الصلاة والسلام للقتال .
ففي مطلع محرم الحرام من السنة السابعة للهجرة المباركة وبعد ثلاثة ايام من انتهاء معركة( الغابة ) استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري ونادى في الناس الا يخرجوا معه الا رغبة في الجها د اما الغنيمة فلا يعطي لهم منها شيئ فلم يخرج للقتال الا اصحاب الشجرة وكان عددهم الف واربعمائة مقاتل .
كانت( خيبر) مدينة يهودية تبعد عن المدينة المنورة قرابة \ مائة وسبعين كيلومترا باتجاه الشام شمال المدينة متكونة من عدة محلات اهمها ثلاث: الكتيبة والنطاة والشق وكل منها مكون من عدة حصون وقلاع
فالكتبية متكونة من : حصن القموص وحصن السلالم ومحصن النزار
والنطاة متكونة من : حصن ناعم وحصن الصعب بن معاذ وحصن قلعة الزبير.
والشق متكونة من : حصن القموص وحصن الوطيح وحصن السلالم
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم لغزو ( خيبر ) وسلك الطريق الموصل اليها حتى وصل الى منتصف الطريق ثم غير طريقه باخر يوصله الى ( خيبر ) من جهة الشام ليحول بينهم وبين هروبهم الى الشام . وفي الطريق اليها قال رجل لعامر بن الاكوع الا تسمعنا من هنياتك فنزل يحدو ويقول :
لاهم لولا انت ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فانزلن سكينة علينا
وثبت الاقدام ان لاقينا
انا اذا صيح بنا اتينا
وبالصيح عولوا علينا
وان ارادوا فتنة ابينا
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من هذا السائق؟؟ )
قالوا: عامر بن الاكوع
فقال صلى الله عليه وسلمرحمه الله)
فقال رجل من القوم : وجبت يارسول الله لولا متنعا به ؟
فلما وصلوا الى خيبر باتوا ليلتهم قريبا منها ولم تشعر اليهود بهم فلما فجرالفجر اقام صلاة الفجر صلى الله عليه وسلم بغلس ثم ركب بالمسلمين متجهين الى مساكن( خيبر) فلما وصلوها كان اليهود يهمون بالذهاب كل الى عمله الاعتيادي فلما رأؤا الجيش رجعوا هاربين وهم يرددون بخوف وفزع : محمد محمد الله محمد والخميس . ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله اكبر انا اذا نزلنا بساحة فساء صباح المنذرين )
ولما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من (خيبر) قال للجيش (قفوا ) فوقف الجيش فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه الى السماء قائلا
( اللهم رب السموات السبع وما اظللن ورب الارضين السبع وما اقللن ورب الشياطين وما اضللن ورب الرياح وما اذرين فانا نسألك خير هذه القرية وخير اهلها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر اهلها وشر مافيها . اقدموا باسم الله ..)
فحاصر المسلمون اليهود في( خيبر ) عشرين ليلة وكانت ارضا وخمة شديدة الحر فجهد المسلمون جهدا وتعبا شديدا فقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم فوعظهم وحرضهم على القتال ( وحرض المؤمنين على القتال ) وكان بين المسلمين عبد اسود فقال :
- يارسول الله اني رجل اسود اللون قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي فان قاتلت هؤلاء حتى اقتل ادخل الجنة ؟؟)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم له نعم )
فقاتل حتى قتل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما راه قد قتل:
( لقد حسن الله وجهك وطيب ريحك وكثر مالك ) وقال ايضا ( لقد رايت زوجتيه من الحور العين تتنازعان جبة عليه وتدخلان بين جلده وجبته )
وكانت حصون (خيبر ) صعبة المرتقي و فيهم مرحب فارس يعد بالف رجل فوقعت بينهم المراماة عدة ايام ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين بعد ان بشرهم بالفتح :
( لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) فبات المسلمون يتشوقون اليها وكل يتمنى ان يعطيها له فلما اصبح الصباح قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اين علي ؟؟)
قالوا : هو يشتكي عينيه...
فارسل اليه فلما حضر فبصق خفيفا في عينيه ودعا له فبرئ وكانه لم يكن فيه وجع او الم من ذي قبل فاعطاه الراية امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم . وكان اليهود قد نقلوا نساءهم واولادهم الى حصن اخر ليلا فلما ذهب اليهم علي بن ابي طالب ودعاهم للاسلام رفضوا بشده ودعا مرحب- وهو مقاتل يهودي يعد بالف فارس- الى المبارزة وهو يلاعب سيفه ويقول :
قد علمت خيبر اني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
اذا الحروب اقبلت تلهب
فنزل اليه عامر بن الاكوع وهو يرتجز :
قد علمت خيبر اني عامر
شاكي السلاح بطل مغامر
ثم اشتبكا بضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر فعضه فذهب عامر يسفل له- وكان سيفه قصيرا- فرجع اليه سيف فاصاب ركبته فمات فيها فقال سلمة بن الاكوع للنبي صلى الله عليه وسلم :
- زعموا ان عامرا حبط عمله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كذب من قال ذلك ان له اجران-وجمع بين اصبعيه- انه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله )
فنزل علي بن ابي طالب لمبارزة مرحب وهو يرتجز:
انا الذي سمتني امي حيدرة
كليث غابات كريمه منظره
اوفيهم بالصاع كيل السندرة
ثم ضرب راس مرحب فقتله شر قتلة ثم خرج اخو مرحب واسمه ياسر يدعو المبارزة فبرز له الزبير بن العوام والحقه باخيه ثم دارالقتال المرير فقتل فيه عدد من فرسان اليهود فانهارت قواهم فانهزموا من حصن الى حصن اخر والمسلمون يتبعونهم ويغنمون كثيرا من الطعام والسلاح والتمر .
فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ايقنوا بالهول والفجيعة فسالوه الصلح ونزل اليه سلام بن ابي الحقيق . فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على حقن الدماء وعلى الذرية ويخرجون من( خيبر) ويتركون ماكان لهم من مال وارض وعلى الصفراء والبيضاء والحلقة الا ثوبا على ظهر انسان اي يخرجون بثيابهم التي عليهم ولا يحملون شيئا .
فغنم المسلمون مائة درع واربعمائة سيف والف رمح وخمسمائة درع وصحفا كثيرة من التوراة وزعوها على من ارادها وكان ان غدر كل ابن ابي الحقيق واخوه حيث اخفوا الذهب والفضة والجواهر فبرئت منهما الذمة فقتلا لغدرهما . فلما اراد النبي صلى الله عليه وسلم ان يجليهم منها قالوا : نحن اعلم بهذه الارض منكم فدعنا نكون فيها. فاعطاها لهم على شرط مناصفة الغلة او شطر ما يخرج من ثمارها وزرعها
وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة ثلاثة وتسعين رجلا وقتلى المسلمين خمسة عشر شهيدا وقيل ثمانية عشر .
وفي هذا الوقت عاد المسلمون المهاجرون الى الحبشة الى المدينة المنورة صحبة عمرو بن امية الضمري حامل كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشي ملك الحبشة فاتجه طائفة منهم الى ( خيبر) وهم ستة عشر رجلا فيهم جعفر بن ابي طالب وابو موسى الاشعري لموافاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين فتح ( خيبر) وقبل ان يقسم الغنائم فقبل النبي صلى الله عليه وسلم جعفرا وقال :
-( والله ما ادري بأيهما افرح ؟؟ بفتح خيبر ام بقدوم جعفر فلما قسم الغنائم اعطاهم منها وكذلك وافي النبي( بخيبر ) صلى الله عليه وسلم بعد فتحها ابو ذرالغفاري فاسلم واستاذن النبي صلى الله عليه وسلم فاعطاه المصطفى صلى الله عليه وسلم من غنائم( خيبر) اما ابان بن سعيد الذي كان قد خرج بسرية الى نجد فقد عاد بعد انجاز مهمته ووافى النبي صلى الله علبيه وسلم ا لا ان( خيبر) كانت قد فتحت . واما القسم الاخر من مهاجري الحبشة فذهبوا مع نسائهم وذراريهم الى المدينة المنورة فدخلوها مرحب بهم من قبل الانصار المهاجرين كثيرا .
قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم ( خيبر ) الى ستة وثلاثين سهما كل سهم مجموع مائة سهم ثم قسمها الى قسمين فاخذ ثمانية عشر سهما الى امور المسلمين عامة بما فيها احتياجات الفقراء والنوائب التي تصيبهم والنصف الاخر قسمه على الغزاة فاعطى للراجل سهما واحدا والفارس اعطاه ثلاثة اسهم اثنين لفرسه وواحد له وكان عدد الفوارس مائتي فارس فكان نصيبهم ستة اسهم والراجلة الفا ومائتين فكان نصيبهم اثنا عشر سهما .
يتبع
فالح نصيف الحجية
الكيلاني
6\4\2012
*************************************************************