محمد العيد المناصيري
شاعرثورة الجزائر
هو محمد العيد بن محمد علي بن خليفة من محاميد (سوف )المعروفين( بالمناصير) من أولاد ( سوف) من شرق الصحراء، ولد في مدينة _(عين البيضاء )وهي مدينة بأقصى الشرق الجزائري) بتاريخ \ 1904 وينتسب الى قبيلة المحاميد الليبية اصلا والمهاجر بعض ابنائها الى الجزائر
حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة وسنه دون الثانية عشر من العمر ودرس الحديث وأصول الدين و اللغة العربية وادابها على يد الشيخين محمد الكامل بن عزوز و أحمد بن ناجي
انتقل مع أسرته إلى مدينة(بسكرة )– التي تعتبر بوابة الصحراء الجزائرية - سنة 1918 وعمره اربعة عشر عاما واصل دراسته بها على ايدي المشايخ علي بن إبراهيم العقبي الشريف واحمد مكي الجنيدي والمختار بن عمر اليعلاوي .
غادر الشاعر إلى_( تونس) في عام \ 1921 حيث التحق بجامع الزيتونة الذي يعتبر بمثابة جامعة اسلامية عربية ودرس فيها على ايدي مجموعة من العلماء لمدة سنتين عاد بعدها الى مدينة(بسكرة) ليشارك في حركة الإصلاح عن طريق التعليم و النشر في الصحف و المجلات منها ( صدى الصحراء ) للشيخ أحمد بن العابد العقبي و ( المنتقد ) و (الشهاب ) للشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس المصلح الكبير والذي ترجمت حياته فيث هذا الكتاب و (الإصلاح ) للشيخ الطيب العقبي.
دعي إلى العاصمة (الجزائر )في عام\1927 للتعليم بمدرسة الشبيبة الإسلامية الحرة حيث عين مدرسا فيها ثم اصبح مديرا لها مدة اثني عشر عاما
وفي هذه الفترة أسهم في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و كان من أعضائها النشطين وضلك في عام\ 1931 .
و قد تمكن من نشر الكثير من قصائده في صحف الجمعية مثل (البصائر) و (السنّة) و(الشريعة) و (الصراط ) و كذلك في صحيفتي (المرصاد) و (الثبات) التابعتين للشيخ محمد عبابسة
الأخضري . وكان دائما بجانب الحق يقول \
ما أجدر الحقّ ّأن تُحنى الرؤوس له
وأن يُشال على الاعناق كالعلم
الحق ثوب تعالى الله ناسجه
تبّت يدا كل عاث فيه بالجلم
فمل الى الحق في الدنيا تُصب أملا
يُنسيك ما قد يشوب الحقّ من ألم
وكن على البغي حربا لا تكن سلما
فالنّصر للحرب ليس النصر للسّلم
لا تخش سيفا من الباغي ولا قلما
فغارة الله فوق السيف والقلم
الظّلم في الارض سار كالظّلام بها
وكاشف الظُّلْم فيها كاشف الظُّلَم
في سنة 1940 بعد نشوب الحرب العالمية الثانية غادر العاصمة الجزائر إلى مدينة( بسكرة) و ثم إلى مدينة( باتنة )- في شرق الجزائر والتي تعتبر عاصمة الاوراس بالشرق الجزائري -للإشراف على مدرسة التربية و التعليم حيث بقي فيها قرابة سبع سنين ثم انتقل إلى مدينة (عين مليلة) التي تبعد عن مدينة (قسنطينة) بحوالي 50 كم ) للإشراف على الإدارة و التدريس بمدرسة العرفان الإسلامية وبقي فيها إلى سنة 1954 حيث اندلعت الثورة الجزائرية المباركة في وجه الاستدمار الفرنسي الغاشم. وكانت شرارتها من الاوراس يقول \
قف حيث شعبك مهما كان موقفه
َوْلاَ فانك عضو منه منحسمُ
تقول أضحى شتيت الرّأي منقسما
وأنت عنه شتيت الرأي منقسم
فكن مع الشعب في قول وعمل
ان كنت بالرّجل الشّعبي تتّسم
ولا يَرُقك شفيف الذات مائعها
كالماء في وجوه الناس ترتسم
أعدى عدى القوم من يُعزى لهم نسبا
ويسمع القدح فيهم وهو يبتسم
أغلقت المدرسة المذكورة كغيرها من مدارس جمعية العلماء المسلمين بعد اندلاع الثورة في الجزائر و ألقي القبض عليه و زج الشاعر محمد العيد في السجن وذاق مرارة التعذيب الاانه صبر محتسبا مثله مثل اخوانه المجاهدين و لما لم تنفع معه جميع أساليب الضغط و الترهيب بادرت السلطة الاستعمارية بإطلاق سراحه و فرضت عليه الإقامة الإجبارية في مدينة بسكرة فلبث معزولا عن المجتمع تحت رقابة مشددة إلى أن فرج الله عليه و على الشعب الجزائري بالتحرر و الاستقلال. ومن قصائده يعبر عن احساسه ازاء مأساة الثامن من مايس 1945 الدامية:
فظائع ماي كذّبت كل مزّعم
لهم ورمت ماروّجوه بافلاس
ديار من السكان تخلى نكاية
وعسفاواحياء تساق لأرماس
وشيب وشبّان يسامون ذلة
بأنواع مكرلا تحدّ بمقياس
وغيد من البيض الحسان أوانس
تهان على أيدي أراذل أنكاس
ويسلبن من حلي لهنّ مرصع
بكل كريم من جمان وألماس
ويُنكبن في عرض لهنّ مطهر
مصون الحواشي طيّب العرف كالآس
قام احد تلامذته يجمع قصائد الديوان سنة 1952 م, وتم طبعه سنة 1967 م, ثم قام الاخر من تلامذته ايضاغ بلالتعرف على قصائد الشاعر التي لم تنشر فقام بجمعها من الصحف الوطنية القديمة، ومن النسخة المخطوطة من ديوان الشاعر، ومن أسرته ومعارفه, فجمع العديد من القصائد وتعتبر بذلك تكملة واستدراك على الديوان،ونشرها في كتاب اسماه بـ (العيديات المجهولة).
بعد استقلال الجزائر واحداث الثورة وملابساتها آثر شاعرالجزائر الكبير وشاعرالثورة الجزائرية الانزواء حيث لم ينصفه رجال الثورة والسن جاؤوا من بعدهم فتفرغ للعبادة والاعتكاف للتعبد حتى توفّاه الله تعالى في رمضان 1399هـ (يوليو 1979م)منفيا فارا بدينه في(تونس) ومن ثم شيع جثمانه الى الجزائر و دفن في مدينة ( بسكرة) التي قضى بها اغلي مدة طفولته وشبابه بالجنوب الشرقي من الجزائر
يُعدّ محمد العيد آل خليفة من رواد الشعر العربي الحديث والمعاصر ويقول فيه رئيس العلماء وشيخ الأدباء محمد البشير الإبراهيمي : (رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها, وله في كل نواحيها, وفي كل طور من أطوارها، وفي كل سجل صادق لهذه النهضة وعرض رائع لأطوارها ).
وبعد استقلال الجزائر آثر شاعرنا الانزواء، والتفرغ للعبادة، إلى أن توفّاه الله في رمضان 1399هـ الموافق (يوليو1979م)منفيا فارا بدينه في تونس و دفن في بسكرة بالجنوب الجزائري.
يُعدّ محمد العيد آل خليفة من رواد الشعر العربي الحديث والمعاصر ومهما اجتهدنا في تبيان أهمية شعره فلن نقول أكثر مما شهد به رئيس العلماء وشيخ الأدباء محمد البشير الإبراهيمي
(1965 م) الذي قال : (رافق شعره النهضة الجزائرية في جميع مراحلها, وله في كل نواحيها, وفي كل طور من أطوارها، وفي كل سجل صادق لهذه النهضة وعرض رائع لأطوارها ).
الشاعر محمد العيد ينطلق في شعره بتصوُّر واضح لفكره الإصلاحي، واتّجاهه الإسلامي من أربع كليات هي : الإسلام ، الوطن ، العروبة والإنسانية يقول \
قف حيث شعبك مهما كان موقفه
أ َوْلاَ فانك عضو منه منحسمُ
تقول أضحى شتيت الرّأي منقسما
وأنت عنه شتيت الرأي منقسم
فكن مع الشعب في قول وعمل
ان كنت بالرّجل الشّعبي تتّسم
ولا يَرُقك شفيف الذات مائعها
كالماء في وجوه الناس ترتسم
أعدى عدى القوم من يُعزى لهم نسبا
ويسمع القدح فيهم وهو يبتسم
فكان سجلا أمينا لأحداث الوطن الصغير والكبير على السواء, ومعبرا عن آمال الأمة وآلامها ولا تكاد تخلو قصيدة من الطابع الديني حتى في القصائد الذاتية وقصائد الرثاء والوصف.يقول في احدى قصائده\
يسائلني عن نسـبتي كلُّ وافِدٍ
عليَّ، وعنْ شعري، وعنْ كُنهِ مطْلبي
فقلتُ لهمْ: أرْضٌ العروبةِ موْطِني
وديـني هُو الإسلامُ، والقدوةُ النَّبي
من آثاره
: أنشودة الوليد
رواية بلال بن رباح (مسرحية شعرية)
ديوان محمد العيد.
العيديا ت المجهولة
يقودنا إلى الحديث عن الشعر الإسلامي الحديث في الجزائر , في هذا المقام يقول الدكتور الشاعر صالح الخرفي في دراسة عن شعر محمد العيد : (يحلق محمد العيد في الأفاق البعيدة للرسالة السماوية والمواقف البطولية لظهور الإسلام, والتركيز في حياة *محمد صلى الله عليه وسلم* على جانب الجهاد, والوقوف مليا عند فتوحاته, وتلك هي مطامح الشعب الجزائري, وهو يعاني من التحكم الأجنبي).
كان لمحمد العيد حوليات شعرية اعتاد إلقاءها في المناسبات الخاصة بجمعية العلماء، وفيها تنويه بالقيم السامية للدين الإسلامي، .يقول الشيخ محمد العيد بقصيدة عصماء يدحض فيها اباطيل احد الفرنسيين والذي تجاوز على المصحف الشريف ومنافحا فيها عن كتاب الله عز و جل القرآن الكريم ، و منوها فيها بموقف الإمام عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الذي كتب سلسلة من المقالات في مجلة البصائر فند فيها أكاذيب و أباطيل المُستعمِر الفرنسي .
. هيهات لا يعتري القرآن تبديل
وإن تبدل توراة وإنجيل
قل للذين رموا هذا الكتاب بما
لم يتفق معه شرح وتأويل
هل تشبهون ذوي الألباب في خلق
إلا كما تشبه الناس التماثيل
فاعزوا الأباطيل لقرآن وابتدعوا
في القول هيهات لا تجدي الأباطيل
وازروا عليه كما شاءت حلومكم
فإنه فوق هام الحق إكليل
ماذا تقولون في آي مفصلة
يزينها من فم الأيام ترتيل
ماذا تقولون في سفر صحائفه
هدى من الله ممض فيه جبريل
آياته بهدى الإسلام ما برحت
تهدي المماليك جيلا بعده جيل
فآية ملؤها ذكرى وتبصرة
وآية ملؤها حكم وتفصيل
فليس فيه لا على الناس منزلة
(عدن) وفيه لأدنى الناس سجيل
ولا احتيال ولا غمص ولا مطل
ولا اغتيال ولا نغص وتنكيل
إن هو إلا هدى للناس منبلج
ضاحي المسمى أغر الاسم تنزيل
لئن مضت عنه أجيال وأزمنة
تترى فهل سامه نقض وتحويل
ما بال (آشيل) في (الدبيش) يسخر.
.من آيات محكمة لا كان (آشيل)
ما بال (آشيل) يهذي في مقالته
كحالم راعه في النوم تخييل
ما بال (آشيل) يزري المسلمين وهم
غر العرائك انجاب بهاليل
أفكارهم بهدى القرآن ثاقبة –
فلا يخامرها في الرأي تضليل
وأمرهم بينهم شورى ودينهم
فتح من الله, لا قتل وتمثيل
لا يعدم الحق أنصارا تحيط به
سورا ولو كثرت فينا الأضاليل
------
هذا ابن باديس يحمي الحق متئدا
كذاك يتئد الشم الأماثل
(عبد الحميد) رعاك الله من بطل
ماضي الشكيمة لا يلويك تهويل
دمغت أقوال (آشيل) كما دمغت
أبطال (أبرهة) الطير الأبابيل
عليك مني, وإن قصرت في كلمي
تحية ملؤها بشر وتحليل
ضحت الجزائر في سبيل حريتها تضحية يعتز بها التاريخ .وكانت جبال الاوراس من المراكز المهمة و الاساسية التي انطلقت منها اول شرارة الثورة وقدمت عشرات الآلاف من أبنائها الابطال ضحايا في سبيل تحرير الجزائر واستقلالها فوقف الشاعر على قبورهم في عيد الاضحى1965 وجاشت عواطفه بالقصيدة التالية يقول فيها\
رحم الله معشر الشهداء
و جزاهم عنّا كريم الجزاء
وسقى بالنعيم منهم ترابا
مستطابا معطر الارجاء
هذه في الثرى قبور حوَتْهم
أم قصور تسمو على الجوزاء
أيها الزائرون ساحة الطهر
قدسي وعزة القعساء
إنّهم عند ربّهم حول رزق
منه في نعمة و في سرّّاء
هكذا أخبر الإله فصدَّق
نبأ الله أصدق الأنبـــــــــــاء
شهداء التمدين في كل عصر
سرج الأرض بل نجوم السماء
لم أجد في الرجال أعلى وساماً
من شهيد مخضّب بالدّماء
إنَّ ذكرى الشهيد أرفع من أن
ترفعوها بالصّخرة الصمّاء
واقتدوا وائتسوا بهم في المزايا
انهم أهل قدوة وائتساء
واخلفوهم بالصدق في خدمة
الشعب و في أهلهم وفي الأبناء
إنهم قادة الفيالق في الزحــف
لخوض المعارك الحمراء
انهم رادة البطولة في النصر
وعزّالحمى ورفع اللواء
إنهم أوفوا العهود فهل أنـتم
لميثاقهم من الأوفياء
إنهم تربة الجزائر مهد
عبقري لثورة العظماء
وهي أرض الإسلام ذي المبدأ
السمـح وأرض العروبة العرباء .
هكذا كانت الجزائرميعا
دا كريما لأقدس الايحاء
تتعالى منائر الحق فيها
من بعيد لخائضي الظلماء
ثورة الشِّعر أنتجت ثورة
الشعب وعادت عليه بالآلاء
كل من لم يثر على الهون
والذلة داسته أرجل الأقوياء
أيها الشعب أنت ملهم شعري
في كفاحي وملهب الاحشاء
أين منا ما سامنا من عذاب
أين منّا ما ساءنا من شقاء
جلّ من أخضع الطّغاة فذلوا
وعليهم قضى بحكم الجلاء
أصبحت أرضنا مثالا من الفر
دوس في أمن شعبها والهناء
*****************************