الشعرالعربي والذكاء الاصطناعي -- نشرت في مجلة همس الحواتر لندن
.بقلم : د . فالح الكيـــلاني
من المعلوم ان الابداع يختلف بين مبدع وآخر في اي حقل من الحقول الابداعية الانسانية . الشعر والقصة والمقالة وما اليها فمن أبدع في واحدة منها قد يقصر إبداعه في غيرها حسب ما وهبه الله تعالى المقدرة في هذا المجال فابدع وأجاد .
والموهبة هي مقدرة الانسان على الابداع والسمو في المجال الانساني الواسع وكل حسب كفاءته وما أودعه الخالق في خلقه .
وهذا الذكاء لو تعمقنا في ماهيته لوجدنا انه أما يكون طبيعيا او يكون مكتسبا او صناعيا . فأما موهبة من الخالق العظيم فيكون طبيعيا وغير مكتسب . واما ان يكون طبيعا و مكتسبا نتيجة المدارسة والمطالعة وهو الاسمى والافضل اي جمع بين موهبة الذكاء وصقلها بما اكتسبه نتيجة المدارسة والمطالعة والتتبع .
وهناك نوع من الذكاء الجديد يسمى الذكاء الاصطناعي وهذا الذكاء – وربي - لا يحل مكان الذكاء الطبيعي ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الكتابة الإبداعية. بينما يمكن للذكاء الاصطناعي ذلك اذا تم برمجته من قبل الانسان ذاته فهو إنشاء نص وفق الأنماط التي تعلمها . إلا أنه أي الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على فهم المشاعر والتجارب ووجهات النظر البشرية والتعبير عنها حقاً، والتي تعتبر ضرورية للكتابة الإبداعية.
تتطلب الكتابة الإبداعية خيالاً واسعا وإبداعاً وخبرات شخصية لا يمكن أن تأتي إلا من كاتب بشري. فيمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة، لكنه لا يمكنه أن يحل محل اللمسة الشخصية الفريدة التي يمكن للكاتب البشري أن يجلبها إلى قطعة فنية من الكتابة.
واذا كان الذكاء الاصطناعي قد غزا العالم في كل محتوياته وامكاناته ونجح في كثير من الامور وخاصة في مجال العلم والمعرفة فأقول ان الذكاء الاصطناعي لا يمكنه خلق ادب إبداعي يصدر عن قلب مفعم بالانسانية والمحبة والوداد او الهواجس الوطنية المتمثلة في الشاعرالعربي عندما ينشد لوطنه وأمته في لوعة حرى وجمال فياض يقول الشاعر احمد شوقي :
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني اليه في الخلد نفسي
فهل يا ترى ان الذكاء الاصطناعي يمكنه إختراق كل كينونات الانسان وياتي بافضل ما ياتي به الانسان !! .
الذكاء الاصطناعي ذكاء آلي مقدور ومقصود ذكاء آلة خلقها العقل البشري فلا تاتي بافضل ما ياتي به العقل البشري فما جاء به الذكاء الاصطناعي لا يتعدى فهم الانسان الذي صنعه ويكمن في ارادته وحسب مزاجه او أحتياجه . فالتعجب والجمال الذي ينشده القلب البشري لا تاتي به الالة الصماء .
صحيح ان الذكاء الاصطناعي ( إبداع غريب وضخم، أعجوبة التكنولوجيا لكنه بقيادة الإنسان، بالدوائر الكهربائية والأسلاك والعقول المشفرة يعمل ويفكر بسرعة البرق. يحاكي الفكر البشري بكياسة غريبة، ويحل المشاكل بكفاءة وسرعة.)
ولكنه لا يمتلك الروح او القلب اللذين يجعلاننا بشراً ويميزاننا عنه .بل ويفتقر إلى المشاعر التي تقود أحلامنا والشغف الذي يغذي مكنون كياننا. فلا يستطيع أن يحب مثلما نحب ولا يكره ولا يشعر بالفرح او بالألم الذي في نفوسنا وقلوبنا .
وربما يدخل الذكاء الاصطناعي الشعرالعربي والحديث واللغة العربية وقواعدها وبلاغتها وطرق مسامعي انه ادخل في شعر نزار قباني ومحمود درويش وهما الشاعران العربيان اللذان كتبا قصائدهما او اغلبها في الشعرالحر او قصيدة النثر. لكنني اجزم ان هذا الذكاء الاصطناعي لا يمكنه النجاح في مجال الشعر العربي وخاصة في مجال الشعرالعمودي الذي نظم منذ العصرالجاهلي وحتى اليوم متخذا من قاعدة العمود الشعري في بحورها الستة عشر والتي لا تزال قائمة منذ عشرات القرون ولا زلنا نكتب ونشعر بها فلا يستطيع الذكاء الاصطناعي النظم او الايتاء بالقوافي والاوزان او الموسيقى الشعرية للشعرالعربي مثل اي شاعر بشري .
ولعلنا ربما ندرك حجم الكارثة فعلا عن الذكاء الاصطناعي ان نجح في قول الشعر وفق التنظيم العمودي و يمكنه أن يرمي بقصائد امرؤ القيس او طرفة بن العبد أو لبيد بن ربيعة او أي شاعر اخر مثلا عرض الحائط، او ياتي باعتباره نموذجا لغويا سيفعل ذلك أفضل من أي فعل بشري . فحبطت نواياه .
. وفي الدراسات الشعرية يوجد صراع قديم جدا عن الشعر هل يمكن لأي شخص أن يكون شاعرا أصيلا ؟
وتميل أغلبية الأراء إلى أن الشعر العربي لا يقدر عليه او يتمكن منه وإلا من وُهب نبوغا في الشعر وحتى من خلقوا ليكونوا شعراء وكانت عندهم ملكة الشعر عالية . هذه المقدرة تختلف بين شاعر واخر إلا في ظروف معينة وازمنة محددة ، فقد قيل ان النابغة الذبياني مثلا لم يكتب الشعر إلا بعد أن بلغ الستين من العمر فنبغ به نبوغا ومن شعره :
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة
تمد بها أيد إليك نوازع
فهل يصح ان ينطلق هذا القول على الذكاء الاصطناعي ؟
ولو افترضنا ان الذكاءالاصطناعي نبغ شعرا وانشده فاي المواضيع تتطلب منه أن يكتبها ؟ و ماهو الأسلوب الذي سوف نرغب في أن يكتب لنا الشعر به، عمودي أم شعر حر أم قصيدة نثر؟ وبأي الاغراض الشعرية يمكنه ان يكتب ومن هو الشاعر الذي يمكنه هذا الذكاء الاصطناعي أن يحاكيه وياتي بقصيدة او قصائد مثل شعره وباي مواضيع ؟ وقد تطول قائمة الاختيارات . اقول :
إنّ النّفـوسَ تَسامَحَت في جَنبِـها
تَشـــدو العَـدالَـةَ . وَالحُقـوقُ رِداؤهــا
.
فَنُفوسُ أهلُ الحَقِّ يَملَـؤها الـرِّضــا
تَـزِنُ الجِبـالَ .رَجـاحـــة أنــداؤُهــــــا
.
وَالعَـدلُ فيهــا بَالأ ســاسِ فَضـــائِـلٌ
وَتَـأنـّقـَـت روحُ الشّــبـابِ بَهـاؤهــا
.
هُم ناهِضونَ الى العُـلى أ نـفُاسُــهُم
عَـزمٌ وَحَـزمٌ في القُـلوبِ دَواؤهـــا
.
إ نّي عَشِــقـتُ العَــد لَ أَســـلُكُ دَ ربَـهُ
وَالنّفسُ تُـبـدي للحَيـــاةِ : رَجاؤهــــا
حتما سيفشل الذكاء الاصطناعي عن ذلك لان الشعر تجربة انسانية فذة وفريدة وأراها صعبة المحاكاة .
. امير البيـــــان العربي
د . فالح نصيف الكيلاني
العراق – ديالى – بلــد روز
*****************************
.بقلم : د . فالح الكيـــلاني
من المعلوم ان الابداع يختلف بين مبدع وآخر في اي حقل من الحقول الابداعية الانسانية . الشعر والقصة والمقالة وما اليها فمن أبدع في واحدة منها قد يقصر إبداعه في غيرها حسب ما وهبه الله تعالى المقدرة في هذا المجال فابدع وأجاد .
والموهبة هي مقدرة الانسان على الابداع والسمو في المجال الانساني الواسع وكل حسب كفاءته وما أودعه الخالق في خلقه .
وهذا الذكاء لو تعمقنا في ماهيته لوجدنا انه أما يكون طبيعيا او يكون مكتسبا او صناعيا . فأما موهبة من الخالق العظيم فيكون طبيعيا وغير مكتسب . واما ان يكون طبيعا و مكتسبا نتيجة المدارسة والمطالعة وهو الاسمى والافضل اي جمع بين موهبة الذكاء وصقلها بما اكتسبه نتيجة المدارسة والمطالعة والتتبع .
وهناك نوع من الذكاء الجديد يسمى الذكاء الاصطناعي وهذا الذكاء – وربي - لا يحل مكان الذكاء الطبيعي ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الكتابة الإبداعية. بينما يمكن للذكاء الاصطناعي ذلك اذا تم برمجته من قبل الانسان ذاته فهو إنشاء نص وفق الأنماط التي تعلمها . إلا أنه أي الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى القدرة على فهم المشاعر والتجارب ووجهات النظر البشرية والتعبير عنها حقاً، والتي تعتبر ضرورية للكتابة الإبداعية.
تتطلب الكتابة الإبداعية خيالاً واسعا وإبداعاً وخبرات شخصية لا يمكن أن تأتي إلا من كاتب بشري. فيمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في عملية الكتابة، لكنه لا يمكنه أن يحل محل اللمسة الشخصية الفريدة التي يمكن للكاتب البشري أن يجلبها إلى قطعة فنية من الكتابة.
واذا كان الذكاء الاصطناعي قد غزا العالم في كل محتوياته وامكاناته ونجح في كثير من الامور وخاصة في مجال العلم والمعرفة فأقول ان الذكاء الاصطناعي لا يمكنه خلق ادب إبداعي يصدر عن قلب مفعم بالانسانية والمحبة والوداد او الهواجس الوطنية المتمثلة في الشاعرالعربي عندما ينشد لوطنه وأمته في لوعة حرى وجمال فياض يقول الشاعر احمد شوقي :
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني اليه في الخلد نفسي
فهل يا ترى ان الذكاء الاصطناعي يمكنه إختراق كل كينونات الانسان وياتي بافضل ما ياتي به الانسان !! .
الذكاء الاصطناعي ذكاء آلي مقدور ومقصود ذكاء آلة خلقها العقل البشري فلا تاتي بافضل ما ياتي به العقل البشري فما جاء به الذكاء الاصطناعي لا يتعدى فهم الانسان الذي صنعه ويكمن في ارادته وحسب مزاجه او أحتياجه . فالتعجب والجمال الذي ينشده القلب البشري لا تاتي به الالة الصماء .
صحيح ان الذكاء الاصطناعي ( إبداع غريب وضخم، أعجوبة التكنولوجيا لكنه بقيادة الإنسان، بالدوائر الكهربائية والأسلاك والعقول المشفرة يعمل ويفكر بسرعة البرق. يحاكي الفكر البشري بكياسة غريبة، ويحل المشاكل بكفاءة وسرعة.)
ولكنه لا يمتلك الروح او القلب اللذين يجعلاننا بشراً ويميزاننا عنه .بل ويفتقر إلى المشاعر التي تقود أحلامنا والشغف الذي يغذي مكنون كياننا. فلا يستطيع أن يحب مثلما نحب ولا يكره ولا يشعر بالفرح او بالألم الذي في نفوسنا وقلوبنا .
وربما يدخل الذكاء الاصطناعي الشعرالعربي والحديث واللغة العربية وقواعدها وبلاغتها وطرق مسامعي انه ادخل في شعر نزار قباني ومحمود درويش وهما الشاعران العربيان اللذان كتبا قصائدهما او اغلبها في الشعرالحر او قصيدة النثر. لكنني اجزم ان هذا الذكاء الاصطناعي لا يمكنه النجاح في مجال الشعر العربي وخاصة في مجال الشعرالعمودي الذي نظم منذ العصرالجاهلي وحتى اليوم متخذا من قاعدة العمود الشعري في بحورها الستة عشر والتي لا تزال قائمة منذ عشرات القرون ولا زلنا نكتب ونشعر بها فلا يستطيع الذكاء الاصطناعي النظم او الايتاء بالقوافي والاوزان او الموسيقى الشعرية للشعرالعربي مثل اي شاعر بشري .
ولعلنا ربما ندرك حجم الكارثة فعلا عن الذكاء الاصطناعي ان نجح في قول الشعر وفق التنظيم العمودي و يمكنه أن يرمي بقصائد امرؤ القيس او طرفة بن العبد أو لبيد بن ربيعة او أي شاعر اخر مثلا عرض الحائط، او ياتي باعتباره نموذجا لغويا سيفعل ذلك أفضل من أي فعل بشري . فحبطت نواياه .
. وفي الدراسات الشعرية يوجد صراع قديم جدا عن الشعر هل يمكن لأي شخص أن يكون شاعرا أصيلا ؟
وتميل أغلبية الأراء إلى أن الشعر العربي لا يقدر عليه او يتمكن منه وإلا من وُهب نبوغا في الشعر وحتى من خلقوا ليكونوا شعراء وكانت عندهم ملكة الشعر عالية . هذه المقدرة تختلف بين شاعر واخر إلا في ظروف معينة وازمنة محددة ، فقد قيل ان النابغة الذبياني مثلا لم يكتب الشعر إلا بعد أن بلغ الستين من العمر فنبغ به نبوغا ومن شعره :
فإنك كالليل الذي هو مدركي
وإن خلت أن المنأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة
تمد بها أيد إليك نوازع
فهل يصح ان ينطلق هذا القول على الذكاء الاصطناعي ؟
ولو افترضنا ان الذكاءالاصطناعي نبغ شعرا وانشده فاي المواضيع تتطلب منه أن يكتبها ؟ و ماهو الأسلوب الذي سوف نرغب في أن يكتب لنا الشعر به، عمودي أم شعر حر أم قصيدة نثر؟ وبأي الاغراض الشعرية يمكنه ان يكتب ومن هو الشاعر الذي يمكنه هذا الذكاء الاصطناعي أن يحاكيه وياتي بقصيدة او قصائد مثل شعره وباي مواضيع ؟ وقد تطول قائمة الاختيارات . اقول :
إنّ النّفـوسَ تَسامَحَت في جَنبِـها
تَشـــدو العَـدالَـةَ . وَالحُقـوقُ رِداؤهــا
.
فَنُفوسُ أهلُ الحَقِّ يَملَـؤها الـرِّضــا
تَـزِنُ الجِبـالَ .رَجـاحـــة أنــداؤُهــــــا
.
وَالعَـدلُ فيهــا بَالأ ســاسِ فَضـــائِـلٌ
وَتَـأنـّقـَـت روحُ الشّــبـابِ بَهـاؤهــا
.
هُم ناهِضونَ الى العُـلى أ نـفُاسُــهُم
عَـزمٌ وَحَـزمٌ في القُـلوبِ دَواؤهـــا
.
إ نّي عَشِــقـتُ العَــد لَ أَســـلُكُ دَ ربَـهُ
وَالنّفسُ تُـبـدي للحَيـــاةِ : رَجاؤهــــا
حتما سيفشل الذكاء الاصطناعي عن ذلك لان الشعر تجربة انسانية فذة وفريدة وأراها صعبة المحاكاة .
. امير البيـــــان العربي
د . فالح نصيف الكيلاني
العراق – ديالى – بلــد روز
*****************************