( النرجسية او عظمة الانا )
نشرت في مجلة النيل والفرات - القاهرة في العدد 42
بقلم : فالح الكيـــــلاني
من المعلوم ان سكولوجية الحياة الحديثة والاعتزاز بالنفس ولدت ظاهرة النرجسية او شعور النفس بالاعتزاز وحب الذات بشكل مفرط وكلما اعتز المرء بنفسه ارتفع هاجس النرجسية في سلوكه وتفخيم النفسية وميلها الى الافراط في العظمة وحب الذات .
والنرجسية تبدا من تربية البيت في مرحلة الطفولة والاهتمام المفرط باحد آباء الاسرة وتفضيل احد اولادها على الاخرين فينشا معتدا بنفسه محبا لها وتفضلها على الاخرين حتى تصل درجة الميل إلى الافتخار بالذات واستعراض كل يبهر النفس ويزيد من عظمتها في القوّة والشهرة .
وتذكر الاسطورة اليونانية القديمة ان(نرسيوس) كان فتى وسيما كثيرالجمال ، خلب قلوب العذارى ، ومنهن ( ايكو ) الفتاة الجميلة الرائعة الجمال احبته وعشقته لكنه لم يبادلها حبا بحب . فحكمت عليه إلهة الجزاء والحساب انذاك أن يتعذب كما تعذبت عشيقته بأن يفتتن بجمال صورته في الماء فاخذ يفتتن بجمال صورته لنفسه في الماء حتى ذوى جسده تدريجيًا و تلاشى لهفة وشوقًا إلى صورته . وتقول الاسطورة عندما ذهبت عرائس الماء تطلب رفاته لم يكن هناك إلا نرجسة مطرقة ترنو إلى الماء( .
ولهذا فان زهر النرجس يكون مفتوح العينين ولا يشبع من النظر إلى خياله بالماء على حوافي مجمعات المياه .
وهذه الحالة قديمة وليست جديدة في الانسان ولو تتبعنا موضوع النرجسية عبرالتاريخ لوجدنا انها موجودة في العظماء واصحاب الجاه والسلطان والادباء والشعراء وارباب القلم ومن تبعهم واعتز بنفسه وانفتها وفضلها على الاخرين ونظر الى الناس نظرة استعلاء ومكابرة فتصيبه عظمة الغرور النفسية يميل إلى الغرور والتباهي والكبرياء ومحاولة لفت الأنظار بأي إنجاز يقوم به واستعراضه مهما كان تافها اومهما وربما واذا ما أصيب فنّان أو كاتب أو شاعر بهذا المرض يستبدّ به الوهم بأنه البداية والنهاية ويصبح مشحونا بالاحساس بالتعالي والرجعية وقيادة الاخرين بسبب هذا الوهم بالعظمة الذي يسيطر عليه وعلى سلوكه العام والخاص في جميع اعماله وسلوكيته ومهما ارتقى فيطمح للارتقاء الاعلى والدرجة الاسمى . الا ان مثل هذا الانسان حتما يعاني من الاضطرابات النفسية ويعتمل في نفسه شعوربالخوف والوهم وخشية السّقوط من برجه العالي ومكانته الوهمية فاذا مانهشته الغيرة وافسدت منامه وصعدت انانيته وخشيته خاصّة من الأشخاص الّذين ربما يراهم في قرارة نفسه اكفأ منه واقدر عند ذلك يغلب مرضه النفسي على حالته ويصبح كل اهتمامه منصبّا على محاولة الحطّ من شأن غيره والسّخرية ممن هو افضل منه فجنون العظمة يستبدّ حتّى أنه يرى أنّ الاعجاب المفرط بشخصه وابداعه حقّ من حقوقه وواجب مفروض على المحيطين به فيظهر تزمته من الاخرين ومجافاته لهم وربما تقوده هواجسه ربما الى الانتقام ممن انتقده بسلوكية متعجرفة ..
وفي الشعر العربي نماذج كثيرة لشعراء ومن فحول الشعراء منهم من اصيب بنرجسية عالية فاثارها في شعره وكشف عن نفسيته المتعالية قديما وحديثا منذ العصر الجاهلي ولحد الان يقول الشاعر عنترة بن شداد فارس بني عبس :
ورمحي ما طعنت به طعـــينـاً
فعــــاد بعينـــه نَظَــرَ الرشــادا
ولولا صارمي وســنان رمحي
لما رفعت بنو عـــبسٍ عمـــادا
و قول المتنبي :
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبـــي
وأسمعت كلماتي مــن بـه صمــم
الخيل والليــــل والبيــداء تعرفـني
والسـيف والرمح والقرطاس والقلم
ســيعلم الجمــع ممن ضم مجلســـنا
بأنني خيــر من تسـعى بــه قـــــدم
ويقول ايضا معتدا بنفسه :
أَيَّ مَــحَــلٍّ أَرتَــقــي أَيَّ عَظيمٍ أَتَّقـي
وَكُلُّ ما قَد خَلَقَ الـلـ ـهُ وَما لَم يَخــلُقِ
مُحتَـقَـرٌ فـي هِـمَّـتـي كَشَعرَةٍ في مَفرِقي
ومن شعر المحدثين يقول الشاعر: عمر ابو ريشة :
شاعر لو شـكـا الحيـاة لكانــت
سروات الملوك من ندمـــانـــه
أقسم المجد أن يمر على الأرض
ونجوى الإباء خلف لســانـــــه
عاد للروح عندليبك يا شـــــعــر
ومات النعيــب في غـربـــانـــه
ومن الشعرالمعاصر يقول اشتهر هاشم الوتري في قصيدته الطويلة :
وتقول كيف يظـــل نجــم ساطع
ملء العيــــون عن المحافــل غائبا
كذبوا فملء فـــم الزمــان قصـائدي
أبـــــداً تجــوب مشـارقاً ومغــــاربا
واقول في قصيدتي مفتخرا :
سنون الحرب خضنا ها
وكنا الما رد المقد ا م
وحتى الطفل مشدو د
ومشبوب فلا ينضا م
فكان الطفـــل كا لليـــث
وما زالــت لنا ايــــا م
على المـــو ت تحا لفنــا
وا لّا النصر والاقــــدا م
فكــلٌ منــــا كالنمــــر
وكلّ منــا كا الضرغــا م
عِــراقـــيّ وعُربـــيّ
ودين الله . ف(الاسلا م)
امير البيـــــــان العـــــربي
د. فالح نصيف الكيـــلاني
_____________________________