ملامح التجديد في عصر الدويلات المتتابعة والعثماني ( الفترة المظلمة )
الاستحداث والتغيير في الشعرالعربي وجد منذ العصر العباسي حيث وجدت انواع من الشعر قريبة من الاصل في الوزن او الموسيقى وكذلك في المعنى والاسلوب لكنها اسهل في استخدام الغناء واللحن واستحدثت الوان من الشعر خلال هذه السنين الطويلة . واستمر التغيير في ايجاد انواع من الشعر وفق الفترات الزمنية ومتطلبات الحياة ومتغييراتها ومنها مايلي :
1- الدوبيت
والدوبيت اسم اعجمي فارسي استحدث في الشعرالعربي بعد دخول الموالي الى البلاد الاسلامية وسيطرتهم على حكم البلاد وحاجة الحاكمين الى هذا النوع من الشعر .والدوبيت يعني باللغة الفارسية البيت المزدوج او البيت المشطور الى اثنين ينظم بيتين بيتين من الشعر ويعد من المربعات ايضا , و شعر الدوبيت ظهر في القرن الثاني الهجري – لدى بعض المتصوفة والزهاد ثم انتشرت ويعد تطورها ونضجها وانتشار الرباعيات التي نظمت في العربية كانت لأبي العباس (الباخرزي) وهو من شيوخ الحاكم النيسابوري، المتوفي سنة 405هـجرية ، ومن رباعياته يقول في احداها :
قد صيرني الهوى أسير الذلة
واستأصل هجره بصبري كله
واستنهكني وما بجسميَ عِلّة
لا حــــــــول ولا قـــــوة إلا بالله
ومن ثم انتشر او كتب فيه الشاعر بها الدين زهير ونصير الدين الطوسي وجلال الدين الرومي الذي كان له الفضل في إيصالها إلى بلاد الروم، ومنهم سعد الدينر بن عمر وكذلك الشاعرالفارسي عمرالخيام ورباعياته الجميلة وهو صاحب ( رباعيات الخيام) المشهورة. الرباعيات هي عبارة عن مقطعات متكونة من أربعة أشطر، الشطر الثالث مطلق بينما الثلاثة الأخرى مقيدة، وهي تعرف باسم الدوبيت بالفارسية، وقد نظمها بالفارسية رغم أنه كان يستطيع أن يصوغها بالعربية لكنه نظمها بالفارسية انتصارا للغته الاصلية التي بدت باستعادة موقعها بهذا الوقت بعد كادت تضمحل .
كان في أوقات فراغه يتغنى برباعيات في خلوته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن. ويرى البعض أنها لا تنادي إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وهذه وجهة نظر معينة ، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها هذه الرباعيات، بالإضافة إلى الإضافات، بعد أن ضاع أغلبها.
من جهة أخرى هناك اختلاف على كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلا، فهي قد تدعو بجملتها إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة عمر الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية، لذلك اعتبر بعض المؤرخين أن الرباعيات نسبت اليه بطريقة الخطأ ومن هذه الرباعيات المقاطع الرائعة التالية التي ترجمها للعربية الشاعر احمد رامي حديثا انقلها كما حفظتها :
سمــعت صـوتا هاتــفا فى السحـــر
نادى من الغــــيب غفاة البشـــــــر
هبوا املأوا كــأس المــــنى قبل أن
تملأ كأس العـــمر كف القــــــــدر
****************
لا تشـــغل الـــــبال بماضى الزمان
ولا بـــــآت العيش قبـــــــل الأوان
واغنم من الحـــــاضـــر لــــــــذاته
فلـــيس فى طبع الليالى الأمــــــــان
**************
غد بظـــهر الغـــيب والــــيوم لــى
وكم يخيب الظـــــــن فى المقــــبل
ولســــــت بالغافـــل حـــــتى أرى
جمــــــــال دنـــــــياى ولا أجتـــــلى
*******************
القـــلب قـــد أضناه عشق الجــمال
والصدر قد ضــــــاق بما لا يقــال
يـــــارب هل يرضـــيك هذا الظما
والماء يــــــنساب أمــــامى زلال
***************************
أولى بهذا القـــلب أن يخفــــــــــق
وفى ضـــرام الحــــب أن يحــــرق
ما أضيع الـــيوم الذى مـــر بــــى
من غير أن أهوى وأن أعـشـــــق
********************
أفـــق خفـــيف الــظل هذا السـحر
نادى دع الـــــــنوم وناغ الوتـــــر
فــــما أطـــال الـنوم عـــــمرا ولا
قصر فى الأعمار طول الســــــهر
************************
فـــــكم تــوالى اللــــيل بعد النهـار
وطال بالأنــــــــجم هذا المــــــدار
فامش الهـــوينا ان هـــــــذا الثرى
من أعين ساحـــــرة الإحـــــــورار
*******************
لا توحش النــــفس بخوف الظنون
واغنم من الحاضر أمن اليقيــــــن
فقد تســـاوى فى الثرى راحل غدا
وماض من الــــوف الســـــــنين
*********************
أطفىء لظى القلب بشهد الرضاب
فإنما الايـــــــام مثل الســــــحاب
وعــــيشنا طيف خيال فنل حظك
مــــــنه قبل فـــــوت الشــــــباب
*************************
لبست ثوب العيش لم استشـــــــر
وحــــــرت فيه بين شتى الفــــــكر
وسوف انــــضو الثوب عنى ولم
ادرك لمــــــاذا جئت اين المفـــــر
*************************
يا من يحـــــــار الفهم فى قدرتك
وتطلب النفس حــــمى طاعـــتك
اســــكرنى الإثـــــــــــــم ولكننى
صـــحوت بالآمال فى رحمتـــــك
******************
إن لم أكن اخلصـــت فى طاعتك
فإننى أطمــــع فى رحمــــــــــتك
وانمــــــــــا يشـــــفع لى اننى قد
عـــــشت لا أشرك فى وحدتـــــك
********************
تخفى عن الـــــناس سنى طلعتك
وكل ما فى الـكون من صنعتـــــك
فأنت محـــلاه وأنت الــــــــــذى
تـــرى بديــع الصنع فى آيــتك
************************
ياعالم الأســـــــرار علم الـــيقين
ياكاشف الضر عن البــــائسيــــن
ياقابل الأعـــــذار عدنـــا الى ظلك
فاقـــــــبل توبـــــة التائبيـــــــــن
وكذلك الشاعر نظام الدين الاصفهاني الذي نظم ديوانًا في الدوبيت يتضمن ألف بيت من هذه الرباعيات .وكذلك كتب فيها الشاعر صفي الدين الحلي والذي يقول في رباعياته :
العيد أتـــى ومن تعشقت بعــــــــــــيد
ما العيش كذا لكن من عاش رغيــــد
ما اصنع بعد! منية القلــب بعيــد
من غازل غزلانا أو عاشـــر غيد
وعلى العموم فالرباعية أو الدوبيت قالب شعري مستحدث مؤلف من أربعة مصاريع يسمى رباعية لكنه يمثل ايضا بيتين من الشعر لذا سمي بالدوبيت بحسب مايقال له بالفارسية . يراعي في المصراع الأول والثاني والرابع انتهاءه بقافية واحدة والثالث ربما يكون بقافية اخرى او بنفس القافية
ويقول الشاعر سلطان العاشقين شرف الدين بن الفارض:
نفسي لك زائرًا وفي الهجر فدا
إن كان فراقنا مع الصبح بًـــدا
يا مؤنس وحدتي إذا اليل هَـــدا
لا اسفرَ بعد ذاكَ صبحٌ ابــــــدا
فتكون قافيته في الرباعية واحدة ويمكن ان تكون الثالثة على غير قافية وتسمى ( العرجاء ) مثال ذلك قول ابن الفارض :
أهوى رشأ ليَ الأسى قد بعثا
مذ عاينه تصبري مـــــا لبثا
ناديت وقد فكــرت في خلقته
سبحانك ما خلقـت هذا عبثا
وقد انتشر مؤخرا في السودان وهو ضرب شعري غنائي اشتهر بين ابناء المناطق الزراعية في السودان ومنه هذه الرباعية :
الناس العلي الساحر بشــــقّوا الصيّ
أمسوا الليلة فوق راياً نجيض ما نيّ
ناس أب ترمة جاموس النحاس أب ديّ
عقدوا الشورة ميعادهم جبـــــال كربيّ
وربما جاء على شطر البيت الشعري وبنفس الامور اعلاه فيكون بيتين بيتين وهذا ما اكتسب التسمية من الفارسية اذ يقولون دوبيت لكل بيتين .
*******************************
2- الكان كان :-
والكان كان فن اخر اخترعه العراقيون في بغداد وظهر في القرن الخامس الهجري وشاع بعد ذلك وسمي بالكان وكان لأن العراقيين يحكون حكاياتهم ويبدأن بقولهم كان يا ماكان في قديم الزمان ... وقد سمعناها من ابائنا واجدادنا وهم يحكون لنا الحكايا ت في العقد الرابع والخامس من القرن الماضي وقبل ان يبصل الينا الراديو والتلفاز .. وكانت للدلالة على أنها روايات لا أصل لها ولا سند .
ويذكر الدكتور كامل مصطفى الشبيبي في الحديث عن وجه الشبه بين الكان كان وفن أخر شاع انذاك ويطلق عليه ( الفلك المحملة بأصناف بحر السلسلة ) او ما يعرف ( السلسلة ) بان هذا الفن من الشعر الملحون وينظم بأربعة إقفال مختلفة ويكون القفل الأخير منه (الرابع) مردفا بحرف علة وتسمى الأقفال الأربعة بيتا حيث يمكن للشاعر نظم أبيات عدة على قافية القفل الرابع وعليه يكون لهذا النوع من الشعر او الفن وزن واحد هو :
مستفعلن فاعلاتن مستفعلن مستفعلن
مستفعلن فاعلاتن مستفعـلن فـعــــلان
ويعتمد هذا الفن على القول بالحكم والأمثال والمواعظ والزهد ،ومما يذكره الشاعرالعراقي الشاعر صفي الدين الحلي في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي ) واتبع طريق النظم فيه ومنه هذه الابيات :
وأطلق الطير فيها سجع منطقه
ما بين مختلف منه ومتفق
والظل يسرق بين الدوح خطوته
وللمياه دبيب غير مسترق
وقد بدا الورد مفتراً مباسمه
والنرجس الغض فيها شاخص الحدق
والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم
والطير تسجع من تيه ومن أنق
فالطير في طرب والسحب في حرب
والماء في هرب والغصن في قلق
وظهر كذلك العلامة (جمال الدين بن الجوزي) يقول :
اذا قنعت بميسور من القوت
بقيت في الناس حرا غير ممقوت
ياقوت يومي اذا مادر لي
فلست اسى على ما در ياقوت
و(الشيخ شمس الدين بن الكوفي) ،فنظموا فيه المواعظ والحكم والأمثال وغيرها ومنها :
يادهر قد مسنا من بعدهم حرق من الفراق إلى التكفين تكفينا
وعدتنا بالتلاقي ثم تخلفنـــــا فكم نرى منك تلوينا وتلوينا
ديارهم درست من بعدما درست نفسي بها من تلاقينا تلاقينا
وانتقل فن الكان كان إلى مصر وسمي (الزكالش) والعراقيون يسمونه (الكان كان) ،وأما في الشام فلم يكن له اثر بارز. ومما قيل فيه ما جاء في ( كتاب الكشكول ) لبهاء الدين العاملي في مخاطبة الغافلين عن ذكر الله تعالى فيقول :
إلى من غفل وتوانى الركب فاتـــك صحبته
وفي الدجى حدا بيهم الــحادي وحث النوق
حث الــمطايا لعــلك بـمــن تـــقدم تلحـــــــق
من لا يحث المطايـا ما يبصر المعشـــــــوق
فناقتـــك تتضــــــمخ من شــدة السيـــر بالدما
تصـــل إلى مواطنها مضمـــخــه بخـــــــلوق
ياذا مطلب قد بلغت الارب وقد زال التعب
إلف الفت فالناقــــة لها عليك حقــــــــوق
يا بدر ثـم تجلــــــى وتيم الخلـــق منظره
جميع من في العالم الــى لقاك مشـــــوق
فبالنبي محمــــــد وحــق مولانـــــا علي
ما تيـــــــم القلــب الا قوامـــك المشـــوق
ومما قيل فيه من المصريين قيل في مجلس الامير( الصالح بن روبك ) يقول فيه :
النار بين ضلوعي ونا غريق في دموعي
كني فتيلة قنديــــل أموت غريق وحريــق
وقول إبراهيم المعمارفي ذلك : -
شكوت للحب دائــــي وما ألاقي من الهوى
وقلـت :يا نــور عيني قد شفنــي التبريــــح
قال تدعي الحب تكذب مـــارا عليك دلائله
قلت :اكتمه في فـؤادي فقــال: هــذا ريــح
****************************
5- المسمط :
المسمطات نظم شعري جديد على وزن بحر الرجز في الغالب . وهي قصائد تتألف من أدوار وكل دور يتكون من أربعة أشطر أو أكثر، تتفق كلها في القافية، ما عدا الشطر الأخير. الذي يستقل بقافية مغايرة، ويتحد في ذات القوت مع الشطور الأخيرة في الأدوار المختلفة. ولذلك يسمى عمود المسمطة أي محوره الذي يرتكز عليه.
ومن السهولة يمكن ترتيب هذه المسمطات ترتيباً آخر تخرج
به عن المسمطات، إلى وزن عادي يتضمن قواف داخلية، فتصبح وقد اكتسبت لوناً آخر من الوان التجديد لمسناه عند كثير من الشعراء العباسيين:
سلاف دن كشمس دجن
كدمع جفن كخمر عدن
طبيخ شمس كلون ورس
ربيب فرس حليف سجن
يا من لحاني على زماني
اللهو شاني فلا تلمني
ويقول الشيخ عبد القادر الكيلاني :
الهي قد انبت بباب عطفك سائلا
مع ذلة والدمع مني سائلا
وعلمت اني كم سألت مسائــلا
حاشا لجودك ان تجنب سائلا
امازال في احسا ن عفوك يطمع
********************
ادعوك يارحمن غير مشبــــــه
مستشفعا بالمصطفى وبولـده
فعفو لعبدك ماجنى من ذنبـــــه
يارب ان فرج فعجل لي بــــه
لم يبق في قوس التجلد مدفع
***********************************
6- المــــواليـــــــا :-
وهذا النظم او هذا اللون الجديد من الشعر يسمى ( الموالي ) ،نشا في واسط من اعمال الكوت في العراق واخترعه أصحاب البرامكة بعد نكبتهم لان الخليفة العباسي هارون الرشيد بعد ان قتلهم او نكبهم ( نكبة الرامكة )حرم على الشعراء رثاءهم باللغة الفصحى فراح الشعراء يرثونهم بلهجة عامية وتنتهي عبارة رثاء الشعراء بكلمة (يا مواليا) أي ( يا مولاي ) وهي لهجة فارسية او اقرب اليها فعرف هذا الشعر بهذا الاسم . وهذا اللون هو من جراء تزايدات الشعوبيين الذين عز عليهم مصرع البرامكة والقضاء عليهم ،أو أن سبب التسمية كما يذكر لنا الدكتور صفاء خاوصي في كتابه( علم القافية ) موالاة قوافيه بعضها بعضا .
ويتكون المواليا من أربعة مصاريع متشابهه الأواخر ساكنة الروي وعلى بحر البسيط :
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن ) ( مستفعلن فأعلن مستفعلن فعلن)
أي تام البسيط وبعضهم نظمه على مجزوء البسيط اوربما جاء من مخلع البسيط فهو من وزن واحد فقط ، وفي كتاب ( وفيات الأعيان ) الجزء الاول قال ابن خلكان فيه :
( ان البغداديين لا يتقيدون بالاعراب في المواليا ،فهم ينظمونه كيفما اتفق )
ومن المواليا قول الشاعر صفي الدين الحلي :
يا طاعنَ الخيْلَ والأبطالُ قد غارتْ
والمُخْصِبَ الربْعَ والأمواهُ قد غارتْ
هَواطلُ السحْب ِمن كفَّيكَ قد غارتْ
والشهبُ مذْ شاهدتْ أضواكَ قد غارتْ
وقيل أن أول من نظم هذا الفن جارية كانت من جواري البرامكة ترثيهم فقالت فيهم :
يا دار أين الملوك الفرس أين الفرسْ
أين الذينَ حموهــــــا بالقنا والترس ْ
قالت تراهم رمم تحت الاراضي الدرس
خفوت بعد الفصاحــــة ألسنتهم خرسْ
وقال بعضهم :
منازل كنت فيها بعـــــدك د رسْ
خراب لا للعزا تصلح ولا للعرسْ
فأين عينيك تنظر فيها الفــــرس ْ
تحكم وألسنة المدّاح فيها خرس ْ
ومنه قول احد البغداديين ولم يذكر اسمه :
ظفرت ليلة بليلى ظفرة المجنــــــــــون
وقلت وافى لحظي طالع ميمــــــــــــون
تبسمت فأضاء اللؤلؤ المكــــــــــــنون
صار الدجى كالضحى فاستيقظ الواشون
ومن المعلوم ان المواليا شاع في نهاية الدولة العباسية ثم انتشر في زمن دويلات التتابع او مانسميه الفترة المظلمة ومن الذين نظموا فيه:
حسام الدين الحاجري الاربلي
ومجد الدين النشابي
وعز الدين الموصلي
وعلي بن ابراهيم بن معتوق الواسطي
وصفي الدين الحلي
ومن المواليا ما قاله (البدر الزيتوني ) بعد القرن التاسع حيث قال في مدح الرسول الكريم :
امــــــدح لامة محمد يظهر الإينـــــاس
وحده في المدح واخزي الحاسد الخناس
منهم ورب الفلق في ســــــائر الأجناس
من القدم خير امـــــــــــة أخرجت للناس
ومنه قول (حسام الدين الحاجري الاربلي) مواليا وقد قاله في حبيبته التي رآها في المنام وكأنها قد عادت اليه بعد قطيعة وجفوة يقول :
يامن ملكني وعن طرف الوفا عرج
اطلق رقادي وجفني بالسهر زوج
ومن لحسنك بتاج الحسن قد توج
عيد الوصال فبحر الشوق قد موج
وجاء في وفيات الاعيان لابن خلكان مواليا ينسبها الى (عمر ابن الفارض ) الصوفي المعروف وكان يتميز بان ما كتبه المصريون اصطلاح لا يراعون فيه الاعراب ولا ضبط اللغة ويجوزون اللحن فيه فجاء اكثره ملحونا لانهم لا يؤاخذون على اللحن او الضبط ويتبين ان اغلب الصوفيين كانوا يستخدمونه في مدائحهم واغانيهم او تراتيلهم الدينية يقول فيها :
لم تدعي الذوق والوجدان والاحوال
وانت خالي من الاخلاص في الاعمال
ارجع لجســمك فــسم البين لك قتــال
ترمي حجر مايشيلة خمسميت عـتال
اما في الشام فقد رغب الشاميون في المواليا وشاع بينهم ومن الذين نظموا في هذا الفن (عز الدين إبراهيم بن محمد ) المعروف ( ابن السويدي) و (علي بن مقاتل الحموي) و(صلاح الدين ألصفدي ) ومن المواليا لابن السويدي حيث يقول:
البدر والسـعـد :ذا شهبــك وذا نجمــك
والقد واللحظ: ذا رمحـك وذا سهمــك
والبغض والحب :ذا قسـمي وذا قســمك
والمسك والحـسن : ذا خـالك وذا عمــك
وكان للمواليا في مصر والشام تقارب عجيب والسبب في نوعية وطبيعة الحكم حيث ان المصرين قد خضعا للحكم الأيوبي وأدى ذلك إلى التشابه بين موالي أهل الشام ومواليا أهل مصر ويسمى عندهم ( الدوبيت ) أي البيتين اما في المغرب العربي فقد شاع بينهم وعرف هذا النوع من النظم عندهم وكانوا يسمونه (العيطة) وهو اقرب ما يكون في تركيبه إلى المواليا القديمة الرباعية وغالبا ما تنتهي هذه المنظومة بكلمة (يا سيدي.. ) .
************************
7- البنــــــــــــــد :-
فن أدبي نشا في العراق في أواخر القرن الحادي عشر الهجري ثم انتقل إلى منطقة الخليج العربي وشاع فيها مدة ثلاثة قرون كما يذكر الاستاذ (عبد الكريم الدجيلي) في كتابه (البند في الأدب العربي ).
والبند يكتب على شكل نثر فهو يشبه النثر في كتابته وياتي على وزن بحر الهزج ( مفاعيلن مفاعلين مفاعيلن ) مكررة وكفها جيد وحسن والكف هو حذف نون مفاعيلن لتصبح مفاعيل ، ويجوز في اول التفعيلة الحزم وهو زيادة في اول التفعيلة ولا يعتد بها في المقطع ويغلب الحذف في اخرها بحيث تكون (مفاعي ) وكذلك الخرم وهو حذف اول متحرك من الوتد المجموع بحيث ( مفاعيلن) تصبح (فاعيلن) وأما الحزم فهو زيادة في أول التفعيلة لا يعتد بها في المقطع ،ويغلب في آخر جزء منه الحذف فتاتي تفعيلته (مفاعي) .
والبند اشبه بالشعر الحر من حيث إقامة الوزن على التفعيلة دون الاشطر ،ولقد اشتهر الكثيرون في نظم البند منهم ( شهاب الدين بن معتوق البغدادي ) و(عبد الرؤوف الحسين الحسني ) و( محمد بن احمد الزيني ) و(عبد الغفار الأخرس وغيرهم وجاء في كتاب ( ميزان البند ) للاستاذ جميل الملائكة :
ان العراقيين ينشدون البند بطريقتين :
الأولى/ الوقوف اختيارا في مواضع القوافي حيثما يمكن الوقف لأجل الموسيقى وهذا هو الشائع في الانشاد .
الثانية / إعراب أخر الكلمات كما في التلاوة السريعة.
وقد نظم البند في المدح كما قال الشاعر (عبد الغفار الأخرس) يمدح فيه السيد سلمان بن السيد علي القادري الكيلاني متولي الاوقاف القادرية فيقول فيه :
محب ذائب الدمع
رماه البين بالصدع
بكى من حرقة الوجد
على من حفظ العهد
وخشف ناعم الخد
مليح عبل الردف
صبيح لين الوطف
أدار الكأس والطاس
وحاكى الورد والأس
لعمري منه خدا وعذارا
ولقد طالت عليه حسراتي
بعدما كانت قصارا
فهل يرجع ما فات
وهيهات وهيهات
فلو تنظر أشياء نظرناها
بأيام قضيناها
بحيث ابتسم الزهر
وقد بلله القطر.
********************
7- القـــومــــا :-
ظهر هذا الفن في بغداد في أواخر الدولة العباسية وقد اخترعه ( أبو بكر محمد بن عبد الغني) الملقب (ابن نقطة) ويذكر الشاعر (صفي الدين الحلي ) فيقول:
( ان القوما ياتي سهلا ومأنوسا )
ان البغداديين قد اخترعوه في شهر رمضان واصله ( قوما على السحور ) ويأتي على بحر الرمل أو الزجل حيث نظموا فيه الغزل والعتاب وقد شجعه الخليفة الناصر العباسي وأجزل العطاء للشعراء الذين نظموا فيه وخاصة الشاعر ابن نقطة ومن بعده ابنه .
وياتي نظم هذا الفن المستحدث سهلا ومأنوساعلى شكل أربعة إقفال ثلاثة منها تأتي على روي واحد وقافية واحدة وهي الأول والثاني والرابع وأما القفل الثالث فأطولها وهو مهمل القافية. ومجموع الأقفال الأربعة تسمى بيتا ووزنه (مستفعلن. فعلان .أو فاعلان )،ومن القوما ما نقله لنا ( ابن حجة الحموي )في كتابه ( بلوغ الأمل) في فن الزجل والمنسوب الى (غلى ) الولد الصغير لابن نقطة يقول فيه:
يــا ســـيد الســـــادات
لك بالكـــرم عـــادات
أنا بنـــي ابـــن نقطــه
وأبي تعيش أنت مات
ومن القوما قول صفي الدين الحلي في الملك (المؤيد إسماعيل بن علي بن محمود صاحب) والمنشور في ديوان الشاعر صفي الدين الحلي المسمى (العاطل الحالي والمرخص الغالي)حيث يقول:
لازال سعدك جديد
دايم وجدك ســعيد
ولا برحـــت مهنا
بكل صــوم وعيد
في الدهر أنت فريد
وفي صفاتك وحيد
فالخلق شعر منقح
وأنت بيت القصيد
ويتضح عند قراءة هذا القوما فيها سمات اسلوب الشاعر الحلي واضحة :فغرضه المدح في شهر رمضان .ونعت الملك المؤيد بنعوت العظمة والجلال. وقد تم وصف الملك بالجود والكرم دعا له بالعمر المديد وبالعيد السعيد .
وهذه الالوان من الفنون الشعبية او بصيغتها المحلية ولدت في العصرالعباسي الاول ومنها في العصر العباسي الاخير ثم استمرت في ديمومتها عبر فترة الركود ( الفترة المظلمة ) ولسهولتها وقربها من امزجة ونفوس الناس او عامة الشعب لذا رغبها الاهالي وابناء العامة ونظموا فيها واختلطت لغتها الفصحى بالعامية في اغلب انواعها وكانت هذه نتيجة تدهور وانحطاط الاوضاع العامة في عموم البلاد العربية.
**************************