ملامح التـجـديـد
في الشعـرالعــربي
الجزء الاول
امـيـــر البيــــان العـــربي
الدكتور فالح نصيف الكيــــلاني
ملامح التجديد
في الشـــعـرالجاهـــــلي
مما لاشك فيه ان الشعر العربي في الجاهلية كان هو الفن الوحيد - او يكاد يكون كذلك - الذي اجتمعت فيه ثقافة العرب وفيه تنامت ثقافتهم وعرفت عبقريتهم من خلاله ، وكان هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة بين القبائل، ينشر أمجادها ويُشيد بأحسابها وانسابها ويسجّل للأجيال ايامهم ومفاخرهم ، بحيث اضحت موضوعاته مرآة لحياتهم البدوية والحضرية التي عاشوها ، فكانت تقليديّة يتناولها جميع الشعراء على نفس النسق والأسلوب .
الشاعرالعربي في الجاهلية يتميز بمكانته العالية المرموقة ويعتد بنفسه حامي العشيرة ولسان حالها في ايامها المعروفة .
والشعرالجاهلي الواصل الينا شعر ذو قوة وصلابة وخيال واسع وبلاغة عفوية ونغمات شعرية متناسقة كامل البناء اللغوي . واللغة العربية تمتاز بقواعدها وبلاغتها مما يثبت ويدلل على انها وصلت الينا متكاملة في كل وجوهها تطفح بالنضج والاستواء والتكامل وقد حددت فترة تكاملها ونضوجها بفترة زمنية تقدر بماءتي سنة قبل الهجرة النبوية ويؤيد قولي هذا الشعرالذي قيل فيها ووصل الينا بقوته وبلاغته وتصويره الشعري لحياة البادية والقبلية . وشاعريته البليغة وقد حدد مؤرخو الادب العربي واخص الشعر انه قيل فيها في فترة زمنية تقدر بقرن ونصف او لا تتجاوز القرنين في كل الاحوال وهذ ه الفترة هي التي شهدت تكامل اللغة العربية وفيها نضج الشعر واستوى على سوقه،
وقال الجاحظ عمرو بن عثمان :
(فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى أن جاء بالإسلام خمسين ومائة عام )
ان الوزن سمة قاهرة من سمات الشعر ،ولئن لم يركز الرومانسيون والرمزيون على البعد الإيقاعي ،فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون ان العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الاظهر من مكونات الشعر،فالنص الشعري حقيقة هو نوع من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته وخاصة بين حروف اللغة وابراز ذات الصوت المتشكل من الحروف اللغوية ومخارجها اتصالها باخرى وفقا لامكانية الشاعر ومقدرته على الاتياء بالافضل ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية ،الا ان لقصيدة المعاصرة واقصد قصيدة الشعر الحر التزمت عن بعد بحور الشعر الصافية مع ايغالها المفرط في الزحافات عند اغلب شعرائها اوقصيدة النثر الرافضة لكل المفاهيم الشعرية القديمة والثائرة على كل الاوضاع الموروثة سائرة في خط الحاضر ا والمستقبل .
.
والشعرعلى العموم بجماليته وقوته وطموحه وأحلامه ،يبقى بماهيته شكلا ومضمونا ومنابعه الصافية محيراً للعقول ويظل جمال ماهيته شيئا مثيراً جاذباً للنفوس وعواطفها معبرا عن خوالجها يكتسب جماليته من وظيفته الإيحائية الغامضة فنياً . صائغا ماهيته من انبثاق عالم مكبوت في داخله ذات الشاعر الثائر وعلى هذا انبثقت جمالية هذا الفن من روحية عالية ونفسية شاعرة ملهمة .
ومن الغرابة ان يظهرالتجديد في حياة العرب اينما وجد في الشعرالعربي فالشعرالعربي بالتجديد قديم … فهناك تجديد قد لا نحسن الحديث عنه لأننا لا نعرف أصوله، ولا نكاد نحس شيئًا من تاريخه، وإنما نرى مظاهره تأتي بين حينٍ وحين في الشعر العربي الجاهلي قبل ظهور الإسلام، وهذا التجديد إنما وصل للأدب العربي عندما انتشر العرب في جاهليتهم حول الجزيرة في الشام وفي العراق، واتصلوا بالحضارة اليونانية والرومانية من ناحية والحضارة الفارسية من ناحية أخرى، ولسنا نعرف بالضبط متى كان هذا الاتصال، ولسنا نعرف بالضبط إلى أي حد بلغ تأثير هذا الاتصال في الحياة العربية، ولكننا نعرف شيئًا أيسره انتشار بعض الديانات التي كانت معروفة وشائعة في البلاد الأجنبية؛ كالمسيحية واليهودية … نعرف ايضا انتشار هذه الديانات في جزيرة العرب ونعرف كذلك انتقال بعض مظاهر الحضارة الأجنبية الفارسية واليونانية والرومانية إلى الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، فالعرب قد أخذوا عن الفرس كما أخذوا عن الروم أشياء كثيرة في جاهليتهم، وظهر لهذا كله صدًى في الشعر العربي القديم نراه عندما نرى الأعشى يصف الخمر، وعندما نراه ونرى غيره من الشعراء يصفون أدوات الشراب ومجالس الشراب . يقول الاعشى :
وصهباء صرف كلون الفصو.
.. ص باكرت في الصبح سوّارها
فطورا تميــــل بنا مـــــــرّة..
. وطــــورا نعالج إمرارهــــــا
تكاد تنشــــــــّي ولما تــــذق..
. وتغشي المفاصـــــل إفتارهـــا
تدبّ لها فترة في العظـــــــام.
.. وتغشي الذوائـــب فـــوّارهــــا
تمزّزتـــها في بني قابــــــــيا...
وكنت على العـــلم مختارهـــا
فكل هذه الأشياء إنما انتقلت لهم من هذه البلاد التي اتصلوا بها والتي انتقلت إليهم بعض مظاهرها وبعض مظاهر الحضارة فيها، وانتقلت إليهم انتقالًا غير منظم؛ لظروف الحياة في ذلك الوقت فهذا التجديد نُحِس به وبهذا لا نستطيع ان نحدد له تأريخًا معينا .
وسُميَّ هذا العصر بالعصر الجاهلي لما شاع فيه من الجهل والامية في الاغلب كما جاء في القرآن الكريم الذي يمثل دستور الاسلام - الدين الجديد وروحه فكلمة الإسلام تدلّ على الخضوع والاستسلام لله تعالى وحده وربما كانت الجاهلية ليست مشتقة من الجهل الذي هو خلاف المعرفة و العلم، حيث علمنا ان العرب عرفوا في جاهليتهم كثير من العلوم الفلكية ومواقع النجوم بما فيها الاهتداء بها والعلوم الطبية وعرفوا ايضا اقتفاء الأثر والادب والشعر والخطابة وكثير غيرها ..
وكانت وحدة القبيلة هي المرتكز الاساسي في العصر الجاهلي، وكل قبيلة تشكل وحدة انتمائية تشبه الدولة في الوقت الحاضر، لها حدودها الاعتبارية وقوتها الذاتية وسعتها على الارض ، وكان الشاعر يمثل الجهة الإعلامية التي تنقل مفاخرها وتصور امكاناتها ومقدراتها الحربية والفكرية للآخرين، فالعرب كانوا يهتمون بالشاعراهتمامهم بالفارس المغوارفهذا يذب عن حياض القبيلة بشجاعته وامكاناته القتالية وذاك يذب عن حياضها بشاعريته واقواله وخاصة اذا ما علمنا ان الشعر كان سلاحا رائجا وقويا في ذلك الوقت، وتهتم القبائل العربية بالشاعر تبعًا لذلك فالشاعر يعبر عن أمجاد القبيلة ويصور مفاخرها وايامها وقدرتها ، ويستطيع محو وطمس سوءاتها بقدرته الشعرية.
ولعل في قصة الشاعر من بني أنف الناقة الذين كانوا يتوارون خجلاً من اسم قبيلتهم، ومروا بظرف مخجل حتى العصر الأموي فجاءهم الشاعر الأموي الحطيئة وقال فيهم قصيدته المشهورة التي مطلعها :
طافت أُمامة ُ بالرُكبان آوِنَة ً يا حسنهُ مِن قوام ما و منتقبا
ومنها هذه الابيات :
سيري أُمامَ فإنَّ الأكثرين حصَى
و الأَكْرَمين إذا ما يُنْسَبُونَ أبـــا
قومٌ همُ الأنفُ والأذاب غيرهمُ
و منْ يسوِّي بأنف الناقة ِ الذّنبا
قَوْمٌ إذا عَقَدوا عَقْداً لِجَارِهِمُ
شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فوقه الكَرَبا
أَبلِغْ سَرَاة َ بني سعدٍ مغلغلة ً
جهدَ الرِّســــــالة ِ لا ألتاً ولا كذبا
ما كان ذَنْبُ بَغِيضٍ لا أَبَا لَكُمُ
في بائسٍ جاء يحدو أَيْنُقاً شُسُبَا
حَطَّتْ به من بلاد الطَّوْدِ عارية ٌ
حَصَّاءُ لم تَتَّرِكْ دون العَصَا شَذَبا
ماكان ذَنْبُكَ في جارٍ جَعَلْتَ له
عيشاً وقد كان ذاق الموت أو كربا
جارٍ أبيتَ لعوفٍ أن يُسبَّ به
أَلْقَاهُ قَوْمٌ جُفَاة ٌ ضَيَّعُوا الحَسَـــبَا
أَخْرَجْتَ جارَهُمُ من قَعْرِ مُظْلِمَة ٍ لَو لم تُغِثْهُ ثَوَى في قَعْرِهَا حِقَبا
فأصبحوا بعد هذه الحادثة يسيرون في الناس وهم رافعوا رؤوسهم بقبيلتهم واسمها، فكانت هذه الامور تؤكد قدرات الشعر الخارقة في الانتصار وقلب الموازين اللغوية والعرفية والاجتماعية لصالح الهدف المرجو ، بحيث يلتقى ذلك مع حب العربي للشعر والبيان.
فالشعر العربي انبعاث لحالة القبيلة العربية في العمل الشعري الجاهلي، وتؤكد أنها كانت المحرك الأساس للشعر الجاهلي في مجتمع سادت فيه القبلية .ولو تتبعنا الشعر الجاهلي لوجدناه ينهل من هذا الأفق القبلي الواسع فأغلب قصائد المعلقات في العصر الجاهلي نجد فيها اغلب المسارات الشعرية الوجدانية تتوارى وراء الافتخار بالقبيلة وتكتسب الصدارة في كل فنونها الشعرية .
لاحظ قول الشاعر عمرو بن كلثوم يقول :
إِذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسفـــاً
أَبَينــــا أَن نُقِـــرَّ الـــذُلَّ فينـــا
مَلَأنــــا البَرَّ حَتّى ضـــــاقَ عَنّا
وَنَحنُ البَـــحرُ نَمــــلأُهُ ســـَفينا
إَذا بَلَغَ الفِطـــــامَ لَنــــا وصبيٌ
تَخِرُّ لَــهُ الجَبـــــابِرُ ســــاجِدينا
إِذا صَمَـــدَت حُمَيّـــاهـــــا أَريــب
مِنَ الفِتيـــــانِ خِلـــتَ بِهِ جُنونا
فَما بَرِحَت مَجالَ الشِـــربِ حَتّى
تَغالوهــــا وَقالـــوا قَد رَوينــــــا
واهم ما يميز الشعر العربي أنه قد التزم بالوزن والقافية، في مجمل أنماطه، وفي مختلف أجياله فأن أبرز ما يفرق الشعر العربي في العصرالجاهلي والعصور التالية له عن النثر هو الوزن والقافية والتصور الشعري وما عدا ذلك فهي عناصر مشتركة بين الشعر والنثر:
كان للشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، وهو يتطور حسب تطور الشعوب العربية وحسب علاقاتها بالشعوب الأخرى المجاورة لها مثل الفرس والروم التي كانت لها حضارات قائمة . وبرزت في الشعر العربي فنون شعرية جديدة متطورة، من حيث الشكل او المضمون، ومن حيث الأسلوب واللغة، ومن حيث الأوزان والقوافي..
.
عندما جاء الاسلام اعتبر الامة العربية او العرب الذين يسكنون الجزيرة العربية امة جاهلية للتفريق بينها بين الامم الاخرى المحيطة بها مثل الهندية و الفارسية والروما نية واليونانية وما اليها وما كانت عليه من حضارة عالية وادب رفيع .فاطلق القرا ن الكريم اسم الجاهلية على كل العرب الذين يسكنون الجزيرة العربية قبل الاسلام وعلى غيرالمسلمين ممن عاشوا فيها في زمن قبل الاسلام او في صدر الاسلام لكنهم لم يؤمنوا بالاسلام وظلوا على جاهليتهم .
وقد وصف القران الكريم الجاهلية في بعض الايات في سوره المباركة منها :
( ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*)
سورة ال عمران الاية\154
(اَفَحُكْمَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍۢ يوقنون )
سورة المائدة الاية\ 50
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ *
سورة الاحزاب\ الاية 33
فالجاهلية اسم أطلقه القرآن الكريم على العصور التي سبقت مجيء الإسلام وهذه الفترة هي التي شهدت تكامل اللغة العربية بعد ان كانت لهجات العربية لهجات متعدد ة ومختلفة كل لهجة عن الاخرى تقريبا وكل قبيلة تختلف لهجتها عن الاخرى لكنها قريبة منها وبمرور الزمن والتقارب السكني والامتزاج السكاني سواء في الاسواق او التجارة او الحج . تجمعت كل هذه اللهجات في لغة واحدة فكانت لغة قريش هي التي نزل فيها القران الكريم فكانت اساسا للغة العربية واصولها .
وسُميَّ هذا العصر الذي سبق الاسلام بالعصر الجاهلي لما شاع فيه من الجهل ويعنى السَّفه والغضب والتعصب وادت الى اشتعال نار الحروب بين القبائل العربية مع بعضها الاخر لسنوات طويلة ولم تكن كلمة الجاهلية مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم، ولا من الامية ذلك لأن العرب في جاهليتهم كان بينهم من يقرأ ويكتب وعرفوا بعض العلوم كالفلك والطب والادب والشعر واقتفاء الأثر. وكانت لهم حضارة وعلوم في مناطق سكناهم في الجزيرة العربية وخاصة في الحجاز واليمن واليمامة والبحرين وارض السواد كالحيرة وتدمر ومناطق اخرى .
وسمى القران الكريم العرب بالاميين اذ قال الله تعالى :
)هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين * )
سورة الجمعة الاية \2
والامية في العرب كانت متفشية. فاغلب العرب كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة الا القليل منهم . لذا قيل فيهم اميون نسبة للاغلبية الساحقة . فالله تعالى بعث في هذه الامة الامية رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويرشدهم الى الحق وطريق مستقيم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم اي نبي عربي وهو امي ايضا قال الله تعالى :
) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * ل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون (
سورة الاعراف - الايتان \157 و158
اذ اختاره الله من افضل القبائل العربية محتدا وا صلا ومن شأفتها فكان من قريش ومن افضل العوائل فيها فهو من بني هاشم ويرجع بنسبه الى نبي الله اسماعيل بن ابي الانبياء ابراهيم الخليل صلوات الله عليهم وسلامه .
راجع كتابي شذرات من السيرة النبوية المعطرة
وهذه الامية ذكرت في القران الكريم بعدة ايات مباركات وتبين ان العرب امة امية وان النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان اميا ايضا وتعني عدم معرفة الكتابة وليس لشيء اخر . بدليل النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه كان قارئا للقران الكريم ويعلمهم الكتاب والحكمة الا انه يجهل الكتابة .
والشعر الجاهلي هو ديوان العرب وهو الشعر الذي قيل قبل الإسلام بمائتي سنة او اقل بقليل وقيل بمائة وخمسين سنة.
يقول الجاحظ رحمه الله :
(فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى أن جاء بالإسلام خمسين ومائة عام)
وقيل غير ذلك :
راجع كتابي -الموجز في الشعرالعربي المجلد الاول - الجزء الاول .
وحيث تكامل الشعر واصبح شعرا ناضجا ومن أشهر الشعر الجاهلي المعلّقات وهي تلك القصائد السبع التي علقت في جوف الكعبة المشرفة في مكة وجمع العلماء والرواة مادّة الشعر الجاهلي، التي توزّعت في مصادر متعدّدة ومنها التي تبدأ بالمعلقات وهي سبع قصائد معتبرة لشعراء اشتهروا بقول الشعر في العصر الجاهلي وهم :
أمرئ القيس، وزهير بن ابي سلمى ، ولبيد، وطرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وعنترة العبسي .
واضيف لها ثلاث قصائد اخرى لتكون القصائد العشر للشعراء الاعشى والنابغة الذبياني وعروة بن الورد شيخ الشعراء الصعاليك.
وقد جمعت هذه القصائد في كتب عديدة في اواخر العصر الاموي كالمفضليات نسبة إلى جامعها المفضل الضبّي، والأصمعيات وتُنسب إلى العالم الفقيه والشاعر الأصمعي الكبير : وتبلغ اثنتين وتسعين قصيدة ومقطوعة شعرية .
والمصدر الثاني : دوواين الشعر الجاهلي، وهي نوعان :
1- الدواوين الشعرية المفردة ومن هذه الدواوين المفردة ديوان زهير بن ابي سلمى وديوان طرفة بن العبد وعلقمة الفحل غيرهم ايضا .
2- القبائل التي جمع منها الشيباني نيفاً وثمانين، ولم يبق منها إلا قطع من ديوان هُذيل نشرت في خمس مجموعات.
.
وهكذا وجد الشعر الجاهلي وتناقلت قصائده وابياتها وكانت محل علم وثقافة وادب وكثيرا ما ذكرت بها ايام العرب وملاحمهم ومناطق سكناهم وطبيعة معيشتهم وعلاقاتهم فيما بينهم .
فهذا عنترة العبسي يقول:–
هل غادر الشراء من مترد م
ام هل عرفت الدار بعد توهم
وامرؤ القيس يقول:–
عوجا على الطلل المحيل لعلنا
نبكي الديار كما بكى ابن حزام
وزهير بن ابي سلمى يقول: –
ما ارانا نقول الا معارا
او معادا من قولنا مكرورا
مما يدلل ان الشعر قيل قبل مدة طويلة وان الشعراء ذكروا بعض اسماء شعراء جاهليين اندثر شعرهم ولم يصل الينا او ان بعضهم قال ان لكثرة الشعراء فانه ربما يقولون معادا اومكرورا .
راجع كتابي ( الموجز في الشعرالعربي ) المجلد الاول – الجزء الاول
وفي الشعرالجاهلي في اواخر العصر الجا هلي نجد انه اكتمل بكل الوجوه من حيث الخصائص الادبية والثقافية والمعنوية واللفظية وفنون الاغراض الشعرية الختلفة التي قيل هذا الشعر فيها مما تمس الحاجة اليه وما يقوله الشاعر وما يجيش في صدره من معان او امور توجب التحدث بها فينشدها شعرا .
وكذلك نلاحظ ان الشعرالجاهلي الذي بين ايدينا انه كامل الصياغة ، فالتراكيب تامة متكاملة ، ولها من المدلولات ما يعبر عنه الشاعر ، وهي في الأغلب مدلولات حسية ، والعبارة تامة مستوفاة فلا قصور فيها ولا عجز او اعوجاج . وتكاد تكون الخصائص اللفظية للشعر الجاهلي في حد ذاتها الاتجاه إلى التعبير القريب وتجزئة الأوزان واستخدام الجزالة الكلاميةالمصوغة في الشعر واستخدام المحسنات البديعية اللفظية والمعنوية لكنها قد تاتي بقلة وعفوية واستخدام التشبيه بشكل ملحوظ ومباشر .
ولعل أول ما نلاحظ على الشاعر الجاهلي معانيه في قصيدته فنلاحظ فيها معان واضحة بسيطة ليس فيها تكلف ولا إغراق في الخيال ولا بعد عن الواقع المعاش سواء في أحاسيسه أو حين ما يصور ما حوله في من محدثات الطبيعة ، فلم يكن الشاعر الجاهلي يعرف الغلو ولا المغالاة ، ولا المبالغة التي قد تخرج به عن الحدود المعتدلة الا نادرا ، ونلاحظ ايضا ان الشاعرالجاهلي يستقي أخيلته مما حوله من المعلوم الحسي المترامي . ربما يحكي الشاعر مغامرات أو يصف ما يقوم به او يراه من معارك او غارات او ملاحم ، فيحاول سردها سردا تتماشى فيه روح الحكاية في القصة وفي الأغلب الشعراء الصعاليك ممن يتحسسون هذه القصص او الحكايات ويكونون ابطالها .
ومن المهم ان نثبت انه ليس بين أيدينا شيء من وزن أو غير وزن يدل على طفولة الشعر الجاهلي في حقبه الأولى حتى انتهى إلى هذه الصورة الرائعة من النغمية التي عرفناها في الشعرالجاهلي واستسغناها وبنينا عليها قصائدنا منذ أوائل العصر الجاهلي حتى يومنا هذا وهذا لا يعني ان الشعرالعربي في العصرالجاهلي جاء مباشرة بهذه القوة والمتانة ولا يعقل ذلك . ولا اتي هكذا مباشرة انما حتما هناك فترات طويلة مر بها الشعرالجاهلي حتى استقام بهذه الصيغة العالية التي وصل فيها او عليها .كما نجد الشعراء موزعين على هذه الانغام او الموازين وكل يقول فيها بما يستهويه النغم الذي يريد دون الاكتراث بنسب الى قبيلة معينة او مكان معروف فمنهم من نسب إلى القبائل القحطانية مثل امرئ القيس الكندي ، وعدى الغساني ، والحارث القضاعي ، ومالك بن حريم الهمداني ، وعبد يغوث الحارثي والشنفري الأزدي ، وعمرو بن معد يكرب المذحجي،وغيرهم ممن انتسب الى القبائل القحطانية او الجنوبية اليمانية .
أما من انتسب الى القبائل العدنانية او مضر وربيعة فكثير جدا وكثير على شاكلتهم ممن انتسبوا الى قبائل الأوس و الخزرج القحطانيتين في مدينة( يثرب ) و شاركتهم النساء الشاعرات في الجاهلية ايضا مثل عفيرة بنت عثمان والخرنق البكرية وجليلة الشيبانية و جنوب بنت عجلان النهدي وهند بنت النعمان بن المنذر و الخنساء ( تماضر بنت عمرو بن الشريد) .
راجع كتابي ( المراة العربية في الشعرالجاهلي ) طبع عمان – الاردن .
وكانت كل قبيلة تعتزُّ بشاعرها أو شعرائها، فهي تحرص على أن يكون شعر قبيلتهم له راوٍ أو رواة يَحفظونه ويُؤدُّونه أداءً حسنًا يُحبِّب للناس الاستماع إليه وحفظه، وكأنهم في ذلك يستعينون على ذلك الكلام الذي مِن شأنه حين يفقد القدرة أن يطير مع الهواء - يستعينون عليه بوسائل التثبيت من موسيقى اللغة وموسيقى الأداء الشعري ونغميته حتى يستقرَّ في النفوس والعقول والأفهام، فيتحقَّق جزءٌ مِن معنى رسالة الفن في السعي نحو الدوام والخُلود.
وربما يخيل لاي احد أن الشعر لم يكن يستعصي لمن يريد ان يقوله لكثرة الشعراء وحاجة المجتمع اليهم الا انه عصي على من لم تكن له موهبة شعرية او خبرة وربما احدهم يقول البيت والبيتين او القصيدة ويقول اخرى يكتسبها في التعلم والدراسة ولكن الشعر في حقيقة الامر ما هو الا الهام تخبره المدارسة والتعلم وتشد من عضد الشاعر اليه .
************************
اغراض الشعر الجاهلي
اما اغراض الشعر في الجاهلية فكثيرة اذكر منها اشهرها ما يلي :
1- الحماسة والفخر :
وتعني ذكر الشاعر الصفات التي تنبئ عن الحنكة والقوة و الشجاعة في قومه وقبيلته وخوض غمار الحروب والاستهانة بالامور الصعبة ,والتغني بكل الصفات الانسانية واغاثة المحتاج والشهامة والكرم وسداد القول والحلم والأناة الا انها في الاغلب تنطوي على التفاخر وقد خرج بعض القصائد عن الحد المعقول الى المبالغة مثل قول الشاعر عامر بن طفيل العامري يبالغ مفتخرا بقبيلته قيس عيلان فيقول :-
وما الارض الا قيس عيلان اهلها
لهم ساحتاها سهلها وحزونها
وقد نال افاق السموات مجدنا
لنا الصحو في افاقها وغيومها
او مثل قول عنترة بن شداد من معلقته :
هلاَّ سألتِ الخيلَ يـا ابنـةَ مالـكٍ
إن كنـــــتِ بمـــــا لـم تعلمـي
يخبركِ مـن شهـدِ الوقيعـةَ أننـي
أغشى الوغى وأعِفُّ عِندَ المَغنَمِ
ومـدجَّــجٍ كَـــرِهَ الـكـمـاةُ نـزالــه
لا ممـعـنٍ هـربــاً ولا مستـسـلـمِ
جـادت لـه كفـي بعـاجـل طعـنـةٍ
بمثّقـف صَــدقِ الكـعـوبُ مـقـوَّمِ
فشككـتُ بالرمـحِ الأصــمِّ ثيـابـهُ
ليـس الكريـمُ علـى القنـا بمُحـرَّمِ
او قول الشاعر عمرو بن كلثوم في قصيدته المعلقة :
ملأنـــا البــــر حتى ضــــاق عنــــا
ومــاء البحـــر نملــؤه ســــفينــــا
اذا بلـــــغ الفطــــام لنـــــــا صبي
تـخــــر له الجبـــابـر ســــــــاجدينا
2- المديح :
يعدد الشاعر في المديح جل الصفات الموجودة في الفخر والحماسة الا ان الشاعر يتحدث في المديح عن صفات الممدوح الحسنة ويثني عليها بينما في الفخر يتحدث عن نفسه او عن الممدوح او قومه ومحامدهم ومفاخرهم .
والمديح الجاهلي يمتاز بالصدق في القول فيما يصف به ويتحدث عن الممدوح وربما يخرج في بعض الاحيان عن المالوف الى حد المبالغة كما فعل الشاعر زهير بن ابي سلمى في مدحه _ الا انه صدح في من يستحق المدح والثناء وصدق لما فيهم من خصال حميدة وانسانية عالية ومرؤة كبيرة .
يقول في مدح هرم بن سنان والحارث بن عوف :_
عظيمين في عليا معد هديتما
ومن يستبح كنزا من المال يعظم
فاصبح يجري فيهم من تلادكم
مغانم شتى بين افال ومزنم
ومن المدح هناك المدح الحقيقي الذي ليس فيه مبالغة والمدح لطلب العفو والمغفرة اواستجدائها وقد خرج النابغة الذبياني والاعشى في مدحهما عن المالوف الى حد كبير باتخاذهم المدح وسيلة للتكسب بالشعر و معيشة لهم ومهنة . وقد جاب كل منهم مناطق عديدة لمدح الاشخاص وكسب المال وتجلى في هذا النوع من المدح المبالغة فيه الى حد الاستجداء وطلب المال والتكسب لاجل العيش وهذا يتجلى في شعر النابغة الذياني في مدح الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة انذاك فيقول:
فانك شمس والملوك كواكب
اذا طلعت لم يبد منهن كوكب
فان اك مظلوما فعبد ظلمته
وان تك ذا عتبى فمثلك يعتب
والعتبى= الرضا ويعتب : يصفح ويتجاوز عن ذنب معين
3- الرثاء :
والرثاء ذكرالميت وصفاته الحسنة ونعته بكل الصفات الحميدة الموجودة فيه من شجاعة واقدام وعزيمة وكرم ووفاء وحماية للجار ونسب عال وصواب الراي باسلوب ينم عن التاثر بحادثة الموت وعاطفته اتجاه الميت مع الاسف عليه و استظهار الغم والحزن والهم الذي يلحق الشاعر جراء الفقد وقد يكون عزيزا عليه او في قومه .
ومن اشهر شعراء الرثاء الجاهليين لبيد والمهلهل الذي رثى اخاه كليب حين قتل’ لاحظه يقول:
كليب لاخير في الدنيا ومن فيها
ان انت خليتهــــا فيمن يخليها
ومن أمثلة الرثاء ايضا قول متمم بن نويرة في رثاء أخيه مالك :
لقد لامني عند القبور علـى البكـا
صديقي لتذرافِ الدموع السوافكِ
فـقـالَ أتبـكـي كــل قـبــرٍ رأيـتــهُ
لقبرُ ثوى بيـن اللـوى فالدكادكـكِ
فقلتُ له: إنَّ الشجا يبعثُ الشجـا
فدعـنـي فـهـذا كـلـه قـبــرُ مـالــكِ
4- الغزل والتشبيب :
وفيه الشاعر يتغزل بمن يحب ويهوى فيذكر حبه وغرامه وهيامه بمن يحب والام الفراق ويذكر الشوق والبين والوله القاتل ومنها الوقوف على الاطلال وبكاء الحبيب وذكراه ويمتاز هذا الغرض بالعاطفة الصادقة المتدفقة من قلب المحب كالشلال المتناثر المياه شعرا فياضا وبالاحاسيس النبيلة المعبرة عما في قلب الشاعر من حب لمن يحب وقد دأب شعراء العربية وخاصة في العصر الجاهلي ان يستفتحوا قصدائدهم بالغزل فهذا الشاعر الحارث يقول في مطلع قصيدته او معلقته: :
اذنتنا ببينها اســـــماء رب ثاو يمل منه الثواء
الا ان بعض الشعراء اتخذوا هذا الشعر للهو وسرد المغامرات ومطارة النساء فكان ان ظهر في شعرهم شئ من المجون والخلاعة لاحظ قول الشاعر امرىء القيس يتغزل فيقول :-
افاطم بعض هـــــــذا التدلل
ان كنت ازمعت هجري فاجملي
اغرك مني ان حبــــك قاتلي
وانك مهما تامري القلب يفعل
وما ذرفت عيناك الا لتضربي
بسهميك في اعشار قلب مقتل
اوقول الشاعر المنخل اليشكري في الغزل الحسي :
ولـقـد دخـلـتُ عـلـى الفـتـاة الخــــــدرَ في اليوم المطير
الكاعـب الحسـنـاء تـرفـلُفي الدمســـــــتقِ وفـي الحريـرِ
فدفعتهـــــا.. فتدافعت مشــــــى القـطــــاة إلـى الغديــر
ولثمتهـــا فتنفـست كتنفـس الظبــى الغريـــــر
فدنت.. وقـالت: يا منخَّـل ما بجســـمك من حرور؟
ما شف جسمى غير جسمك ، فاهدئى عنى وسيرى
مع العلم ان بعض الشعراء اختص في قول الشعر الغزلي بمن احب ولم يقل في غيره وهم الشعراء العاشقون ومنهم الشاعر عبد الله بن عجلان النهدي يقول في شعره لحبيبته هند :
الاَ أَبلِغَا هِنداً سَلامِي وَإِن نَأ ت
قَلبِي بِها مُذ شَطَّتِ الدَّارُ مُدنَفُ
وَلَم أَرَ هِنداً بَعدَ مَوقِفِ سَاعَةٍ
بأَنعَمَ من أهلِ الدِّيَــــــارِ تُطَوِّفُ
أَتَتَ بَينَ أَترَابٍ تمايَسُ إِذ مَشَت
دَبِيبَ القَطَا أَوهُنَّ مِنهُن وألطف
يَبَاكِــــرنَ مِرآت جَلِيًّـــــــا وَدارَه
ذَكِيًّا وبالأَيدِي مداك وَمِســـــوَفُ
أَشَارَت إلَينَا في حَيَاءٍ ورَاعَهَا
سَراةَ الضُّحَى مِنِّي عَلَى الحَيّ مَوقِفُ
وقالت تَبَاعَد يَا ابن عَمِّي فَإِنَّنِي
مُنيِتُ بِذِي صَــــولٍ يغــــتارُ ويَعنُفُ
5- الهجاء:
الهجاء هو تجريد الشخص المهجو من كل صفة انسانية نبييلة ووصفه بكل صفة نابية او بكل رذيلة وغير مشرفة كالبخل والجبن ووضاعة النسب وكل امر لا يحبونه او يعتبرونه منقصة ومهانة بين الناس .
واشتهر في الهجاء الشاعر طرفة بن العبد والشاعر امية بن الصلت وقد هجا طرفة بن العبد ملك المناذرة عمرو بن هند واخاه واقاربه في قصيدة يقول فيها :
فليت لنا مكان مكان الملك عمرو
رغوثا حـــــول قبتنــــا نخور
وقول زهير بن أبي سلمى :
وما أدري ولست أخال أدري أقـــومٌ آل حـصــنٍ أم نــســاءُ
او هجاء الشاعر الشاب طرفة بن العبد لملك الحيرة واخاه قابوس اذ يقول:
فليت لنا مكان الملك عمرو
رغوثا حول قبتنا تخور
من الزمرات اسبل قادساها
وضرتها مركنة درور
لعمرك ان قابوس بن هند
ليخلط ملكه نوك كثير
قسمت الدهر في زمن رضي
كذاك الحكم يقصد او يجور
6- الوصف :
وهو وصف ما يلاحظ الشاعر من صور ومشاهد حية وتجربته بين الاحياءوالناس وما تمر به من احوال وخواطـــــــــــر ومواقف وامور يقف الشاعر ازاءها موقف امام مناظر يراها بالعين تؤثر في نفسيته فتهز شعوره وتحــــــــــرك عاطفته فتأتــــــي القصيدة بما توحيه نفسه اليه وتؤثر فيه فتهز شعوره وما يعتلـج في قلبه من مشاعر ازاء هـــــــذا الموقف وربما جاءت وصفا لاحيــا ء فتكون كصور مشكلة مؤثرة ملونة بمقدار تأثر الشاعر بها او وصفا لاحوال الشاعر فتكون الصور متغيرة بتغير الـوان الشعور الشعري والعاطفي لديه لذلك تعتمد القيادة الوصفية على الدوافع النفسيــة وتاثيراتها في الاستعـــــــــــــــارات والتشبيهات البلاغية وتجد في القصيدة ان يد الشاعر الفنان مزخرفة ومؤطرة للقصيدة ويعمد الـــــــى صقلها بما اوتي من شاعرية فـــــذة حتى لتبدو كمرأة صافية ترى فيهــــا خيال الموصوف وروح الشاعر واضحة بينــــــــــة وقد اشــتهر بالوصـف اغلب الشعراء في هذا العصر كامرىء القيس وزهير بن ابي سلمى ولبيد والنابغة .
ومما يقوله عنترة العبسي في وصف معركة من معاركه :-
مازلت ارميهم بشفرة نحره
ولبانه حتـى تســـربل بالدم
فازور عن وقع القنا بلبانه
وشــــــكا الي بعبرة وتحمــــــــــم
اوما يقوله امرؤ القيس في وصف فرسه :
وقـد أغتـدي والطيـرُ فــي وكناتـهـا
بـمـنـجـردٍ قــيــد الأوابــــد هـيــكــلِ
مـكــرٍ مـفــرٍ مـقـبـلٍ مــدبــرٍ مــعــاً
كجلمودِ صخرٍ حطهُ السيلُ منْ علِ
مِسحٍ إذا ما السابحـات علـى الونـى
أثـــرن الـغـبـار بالـكـديـد الـمـركــلِ
لــه أيـطـلا ظـبـيٍِ وسـاقـا نعـامـةٍ
وإرخــاءُ سـرحـانٍ وتقـريـبُ تتـفـلِ
7- الحكمة :
وفي الحكمة يسمو الشاعر في اجواء نفسه ويطل علـــــــى الحياة من الاعلى ثم ينحدر متغلغلا في معانيها لحد دقائق امورها ويحف با طرافها مسيطرا على عواطفه واحاسيـــــــــه متعقلا ثم يوجه نظرتـــــه الكاشفة متفحصا فتظهر له الحياة على حقيقتها واضحة جلية تنبعث نظرته من العقـــــــل الواعي لا الخيال فياتي شعـــره مهيمنا على الموضوع متجردا عن المكان والزمان وهذا سر مطابقته لكل الأوقـــــات والازمنة وينحدر في النفس المتلقية كالماء العذب . انظر لهذا البيت للشاعر زهيربن ابي سلمى يقول؛_
ومن يجعل المعروف في غير اهله
يكن حمــــده ذ ما عليه ويندم
لسانُ الفتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُهُ
فلم يَبْقَ إلا صـورةُ اللحمِ والدمِ
وطرفة بن العبد يقول :
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة
على المرء من حد الحسام المهند
الا ان الحكمة جاء ت كمضرب مثل في الشعر الجاهلي وضمن القصيدة الواحدة وليست منفصلة بغرض منفرد الا نادرا .
8- الخمرة :
الخمرة والشراب كثيرا ما تغنى الشعراء بها ووصفوا ادواتها وتاثيرها على النفس ومجالسها ومنهم من استهل قصيدته بها كما يقول الشاعر عمرو بن كلثوم في مطلع معلقته :_
الا هبي بصحنك فاصبحينــــــا
ولا تبقي خمــــــور الاندرينــــــــا
ومن شعراء الخمرة ايضا المنخل اليشكري و الاعشى وامرؤ القيس وكثير غيرهم.
راجع كتابي (دراسات في الشعر العربي ) العصر الجاهلي
لاحظ موسوعتي (موسوعة شعراء العربية ) المجلد الاول ( شعراء جاهليون )– الجزء الاول .
وفي أواخر العصر الجاهلي بدأت ملامح جديدة تظهرفي القصيدة الجاهلية نتيجة حنكة الشاعر او ميله لتحسين شعره او قصائده خاصة عندما يلقى قصائده في مجالس الملوك والامراء او نتيجة الاحتكاك بالحضارات والأمم الأخرى فنلاحظ ملامح تجديدية او نعتبرها كذلك . بدأت تدخل الى القصيدة الجاهلية ونذكر منها من هذه الامور :
1- اتسمت القصيدة ببعض اليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتميّز بالصلابة والألفاظ الغريبة الوحشية وتميزت بانتقاء الكلمات السهلة المعبرة عما يروم ااشاعر ومثال ذلك قول عنترة:
ولقد ذكرتك والرمــــاح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّــــــيُـوفِ لأَنَّهَا
لَمَعَـــتْ كَبــَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِـــــــّـمِ
2- اتسمت القصيدة الجاهلية المتجددة بالاقتصار على موضوع واحد من بداية القصيدة حتى نهايتها، بعدما كانت مقسّمة إلى أجزاء كلّ جزء منها يتحدّث عن موضوع مُستقل بذاته، بذلك ظهرت في القصيدة الوحدة الموضوعية.لدى بعض الشعراء وخاصة في قصائد الغزل مثل قول الشاعر عبد الله النهدي في حبيبته هند :
خليليّ زورا قبل شحط النوى هندا
ولا تأمنا من دار ذي لطف بعـدا
ولا تعجلا لم يدر صاحب حاجـة
أغيّا يلاقي في التعجل أم رشـدا
ومرا عليهـا بـارك الله فيكمـا
وإن لم تكن هند لوجهيكما قصـدا
وقولا لها ليس الضـلال أجازنـا
ولكننـا جزنـا لنلقاكمـا عمـدا
غدا يكثر الباكـون منـا ومنكـم
وتزداد داري من دياركـم بعـدا
3- اتسم الشعرالجاهلي في دخول موضوعات جديدة إلى شعر القصيدة الجاهلية كالحكمة والمنطق والفلسفة.
والحكمة: قول موجز مشهور فكرته صائبة رائع التعبير، يتضمن معنى او كلاما مسلماً به، بهدف الخير والقول الحسن اوالصواب او هو تعبير عن خلاصة خبرات وتجارب قائلها في الحياة.
وتأتي الحِكَمة في بعض أبيات النص الشعري ، وتمتزج بالإحساس والعاطفة المؤثرة. قد شاعت الحكمة على ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص المعنى او العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة وتمكن الشاعر من ناحية البلاغة في شعره .
ومن الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة، وروعة التعبير، وقوة اللفظ، ودقة التشبيه، وسلامة الفكرة مع الإيجاز.
فهي اذن تمثل صوت العقل عند قائلها لأنها قول موجز يقوم علي فكرة سديدة بعد التأمل والتفكير وموازنة الامور فيها واستخلاص العبرة منها ولذلك فهي تعبير حاذق في الرأي والعقل.
ومن الحكمة يقول الشاعر زهير بن ابي سلمى :
ومَن لم يُصانِعْ في أمـــورٍ كثيرةٍ
يُضرَّسْ بأنيابٍ ويُوطَأ بمَنسِمِ
ومَن يَجعلِ المعروف مِن دون عِرضِه
يَفِرْهُ ومَن لا يتَّقِ الشَّتمَ يُشتَمِ
ومَن يكُ ذا فَضْلٍ فيَبخَلْ بفَضلِه
على قومِهِ يُسْتَغْنَ عنه ويُذمَمِ
ومَن يُوفِ لا يُذمَمْ ومَن يُهدَ قَلبُهُ
إلى مُطمئنِّ البــرِّ لا يَتجَمْجَمِ
ومَن هاب أســــبابَ المَنايا يَنَلْنَهُ
وإن يَرقَ أسباب السماءِ بسُلَّمِ
ومَن يَجعل المعروف في غيرِ أهلِه
يَكُن حَمدُه ذمًّا عليه ويَندَمِ
لسانُ الفتى نِصفٌ ونِصفٌ فؤادُهُ
فلم يَبْقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ
وقد اكثر منها في قصائد اخرى له كثير ة .
4- ارتقاء لغة القصيدة من حيث ألفاظها وتراكيبها فكان الشعراء الجاهليون يغرقون قصائدهم بالألفاظ الخشنة الفخمة والكلمات الصعبة ، بينما نجد بعضهم اخذ يميل إلى الرقّة والسهولة والكلمة الاسمى والافضل بانتقاء الفاظ اسهل قولا واسنى نوعا وافضل اتساقا فظهرت ملامح جديدة في الشعر الجاهلي نتيجة تطلع بعض الشعراء الى حضارات الأمم المجاورة لهم وتمازجها فاتسمت القصيدة العربية باليسر والسهولة والبعد عن التعقيد، بعدما كانت صعبة تتسم بالشدة والألفاظ الغريبة الوحشية او الصعبة واخذت القصيدة تعتمد موضوعا واحدا بعد ما كانت تعتمد مواضيع شتى .
لاحظ قول الشاعرالنابغة الذبياني :
اتاني ابيت اللعن انك لمتني
وتلك التي اغتم منها وانصب
فبت كأن العـــائدات فرشنني
هراسا به يعلى فراشي ويقشب
حلفت فلم اترك لنفسك ريبة
وليس وراء الله للمرء مطلب
لأن كنت قد بلغت عني وشاية
لمبلغك الواشي اغش واكذب
ولكنني كنت امرءا لي جانب
في الارض فيه مستراد ومذهب
ملوك واخــــوان اذا ما اتيتهم
احكم في احوالهم واقرب
فانك شمس والملوك كواكب
اذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ولست بمستبق اخا لا تلمه
على شعث أي الرجال المهذب
فا ن اك مظلوما فعبد ظلمته
وان تك ذا عتبى فمثلك يعتب.
5- وكانت القصائد الجاهلية بعيدة عن البلاغة والمحسنات البديعية الا ما جاء عفويا بينما اصبحت في نهاية العصر الجاهلي غنية بالبلاغة وبالمحسنات البديعيّة، كالطباق والجناس .فكان الجاحظ يعجب إعجابًا شديدًا بوصف عنترة لبعض الرياض وتصويره للذباب وحركة جناحيه حين يسقط، حيث يقول:
جادَت عليهـــــا كلُّ عَيْـــــنٍ ثَرَّةٍ
فتركْنَ كلَّ حديقــــــةٍ كالــــــدِّرْهَم
فترى الــذبابَ بِها يُغَنِّي وحــــده
هَزِجًا كفعل الشـــارب المترنـــــــم
غَرِدًا يَحُــــــكُّ ذِرَاعَه بذراعـــــهِ
فعل المُكِــــبِّ على الزِّنادِ الأَجْـــذم
6- اتجهت القصيدة الجاهلية لتكون وليدة الطبع والموهبة وهي في اغلبها وليدة الطبع والموهبة ، كقول طرفة بن العبد:
وتبســـــمُ عن ألمَى كأنَّ مُنوراً
تَخَلّلَ حُرَّ الرّمْلِ دِعْصٌ له نَدي
سقتهُ إياة ُ الشمس إلا لثاتهُ
أُســـــف ولم تكدم عليه بإثمدِ
ووجهٌ كأنَّ الشمس ألقت رداءها
عليه، نَقِيَّ اللّــــــونِ لمْ يَتَخَدّدِ
7- ظهر لدى بعض الشعراء من اهتم بشعره كثيرا فكان يراجع قصائده وشعره على مدار السنة فسميت هذه القصائد بالحوليات حيث يبدأ بتنقيح القصائد من حيث اللغة والصورة الشعرية والاسلوب والمعاني الجميلة ورقة ودقة كلماتها بحيث تعتبر مستحدثة كلما روجعت وجددت كما كا ن يفعل الشاعر زهير بن ابي سلمى في شعره وقصيده يقول في احدى قصائده :
.وَلا تُكْثِرْ على ذي الضّعْفِ عَتْباً
وَلا ذِكْرَ التّجَرّم للذّنـــــُوبِ
وَلا تَسْألْهُ عَمّا سَوْفَ يُبدي
وَلا عَنْ عَيْبِهِ لكَ بالمَغيبِ
مَتى تَكُ في صَديقٍ أوْ عَدُوٍّ
تُخَبّرْكَ الوُجُوهُ عنِ القلوبِ
اما من حيث الوزن فقد انحرف بعض الشعراء في بعض قصيده عن الوزن فكان الشاعر منهم ان وقع في سهوة او هفوة ساهية كما فعل الشاعر عبيد بن الابرص في قصيدته :
أقفـرَ من أهلهِ مَلْحـوبُ فالقُطبيَّــات فالذَّنــــوبُ
فَراكِــــسٌ فثُعَيـلٍبــاتٌ فَـذاتَ فَـرقَـينِ فالقَـلِيبُ
فَعَـــرْدةٌ، فـَـقـَفــا حِـبِرٍّ لَيـس بِها مِنهُــمُ عَـريــــبُ
أرضٌ تَوارَثَهـا الجُدو بُفَكُـلُّ من حَلَّــــهأأأـ ا مَحْـروبُ
إمَّـا قَتيـلاً وإمَّـا هَلْكـًا الشَّيــــــــْبُ شَـيْنٌ لِمَنْ يَشِـيبُ
وبُـدِّلَـت أَهـلُـهـا وُحــوشـاًوَغَيَّـرَت حالَهـا الخُـطـوبُ
أَرضٌ تَـوارَثَـهـا الـجُـدودُ فَكُـلُّ مَـن حَلَّهـا مَحـروبُ
عَيـنـاكَ دَمعُهُـمـا سَـروبُ كَـأَنَّ شَـأنَيهِمـا شَـعـيـبُ
فَكُـلّ ُ ذي نِعمَـةٍ مَخـلـوسٌ وَكُـلُّ ذي أَمَـلٍ مَــكــذوبُ
وَكُـلُّ ذي إِبِــلٍ مَــوروثٌ وَكُـلُّ ذي سَلَـبٍ مَسـلـوبُ
وَكُـلُّ ذي غَـيـبَـةٍ يَـؤوبُ وَغـائِـبُ الـمَوتِ لا يَـؤوبُ
وَالمَـرءُ مَا عَـاشَ فِي تَكذِيـبٍطـولُ الحَـيــاةِ لَــهُ تَـعــذيـبُ
حيث حيرت العروضيين والنقاد في وزنها وانتقاء موسيقاها وتحديد البحرالذي جاءت فيه . فكان شطرها الاول على وزن :
مستفعلن \فاعلن \فعولن
اما عجز البيت فكان على وزن :
متفعلن- فاعلن – فعولن
اضافة الى دخول الزحافات الكثيرة اليها وقد حذا حذوه غيره من الشعراء مثل المرقش والمهلهل وعلقمة بن عبدة والاسود النهشلي وغيرهم .
واما القافية فقد ولدت مع الحداء وتقطيعاته ونهاياته المترقبة من مستمعيه، ومن بعد كست الشعر بهاءً ورونقاً ونغماً جميلا..
بذلك اتسمت القصيدة الجاهلية الجديدة بالوحدة الموضوعية. و دخول موضوعات جديدة إلى الشعر الجاهليّ، كالمنطق والفلسفة. وارتقت لغة القصيدة من حيث ألفاظها وتراكيبها الى الرقة والسهولة وغنى القصيدة الجاهلية بالمحسنات البديعيّة كالطباق والجناس وجاءت وليدة الطبع والموهبة لاحظ قول الشاعر السموأل :
إنّ امرَأً أمِنَ الحوادثَ جاهِلٌ
ير جو الخلودَ كضاربٍ بقداحٍ
منْ بعدِ عاديَّ الدهورِ ومآربٍ
ومَقاوِلٍ بِيضِ الوجوه صِباحِ
وإذا عمدتُ لصخرة ٍ أسهلتها
أدعو بأفلحْ مـــــــرة ً ورباحِ
لا تَبعَدَنّ فكُلُّ حيّ هالِكٌ
لا بدّ من تلفِ فبنْ بفـــــلاحِ
إنّ امرأً أمِنَ الحوادثَ جاهلاً
ورجا الخلودَ كضاربِ بقداحِ
ولقدْ أخذتُ الحقَّ غيرَ مخاصمٍ
ولقدْ بذ لتُ الحقَّ غيرَ ملاحِ
ولقدْ ضربتُ بفضلِ مالي حقهُ
عندَ الشتاءِ وهبة ِ الأرواحِ
****************************************