(الحب والجمال في الشعر الصوفي )
بقلم : د. فالح الكيـــــــلاني
من المعلوم لدينا ان الشعر الصوفي هو امتداد لشعر الزهد الذي ظهر في بدايات العصر الاموي فقد ا نحدر شعر الزهد والشعر الصوفي في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان في مصب واحد . فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا ملئ بألفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنيا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب يوم القيامة او في الحياة الاخرة وما يعزز الرغبة والرهبة وهاجس الخوف من العقاب والعذاب .
اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والوجد والشوق والوله والعشق والود الخالص لخالقهم فهو الحبيب الذي عشقوه وذابت ارواحهم في حبه وفي كيفية الوصول اليه لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى . وشتان بين الخوف والرهبة وبين الحب والشوق فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوله والفنا ء بالحبيب واليه والوصول اليه .
والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية وبلاغة وموسيقى ونحوا وبلاغة في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها ابتداءا من مطلعها الى خاتمتها .
والقصائد الصوفية امتازت بين الطول والقصر فهناك مقطوعات نظمت في بيتين او ثلاثة وقصائد بين عشرات الابيات الى جانب مطولات كانت قمة في الالق و الرقي الشعري وان السمة الجامعة لهذه القصائد او المقطوعات انها في ذاتها في التصوف والحب الالهي . واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على الغزل العذرى وما فيه من الفاظ في الود والحب والشوق والوجد والوله والفناء في داخل المحب وما تعتمل في نفسه منها ازاء من تهواه نفسه وقد اضافوا اليها احدى طرق التعبير الصوفي ماثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومئ او يستثير به لها . ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله ومن العناية الشعرية وجودة الصياغة وحسن اختيار الالفاظ حيث كان دقيقا في اختيار الالفاظ الشعرية في ظل الرمز في استعمال الالفاظ السهلة وانتقاء الكلمات الانيقة التي تظهرما يتمتع به الشاعر من قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مأ لوفة يلبسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها فتأتي بين الرقة والعذوبة وربما الخطابية ايضا.
اما الموسيقى الشعرية فانها تنبع من احساس الشاعر وما يتأجج في نفسه من احوال ومواجيد وقد ارتبط بالموسيقى مظهران اساسيان احدهما يتمم الاخر وهما الاوزان والقوافي:
ففي مجال الاوزان الشعرية - والوزن هو قالب موسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي اوهو مصطلح الايقاع واللحن الحادث من تجمع اصوات الحروف وتجاوبها بنغمية معينة مع بعضها تنسيقا واداءا من خلال مقدرة الشاعر على الصياغة وانتقا ء الشاعر لها - فنلاحظ الاوزان ذات النغمات الطويلة والمؤثرة في المتلقي لذا جاء ت هذه القصائد تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر.
اما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين ابيات القصيدة الواحدة وتبرز اهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في الشعرالصوفي معظم قوافيه منسجمة مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متالقا متصاعدا متفاعلا مع العواطف المتلقية حتى تصل الى الانبهار في بعضها.
اما فى موضوع الفنون الشعرية فاقول ان الصوفي ولد في احضان حركة الزهد الاسلامي وتطور من خلالها . والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني في ا لاسلام وترعرع فيه وقد عبر هذا الشعر الصوفي بأمانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند الشدائد والنوازل والشكر لنعم الله تعالى والتوكل عليه في السراء والضراء وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عز وجل والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما يأتيـه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى . مع فرض الاتيان بكل التكاليف الشرعية والتأكيد على . اما الصورة الفنيــة فهي اللمحة او الحالة التي يسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساسيس ومدارك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع وافضل – والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر- فهي بحر يسبح فيه وسماء يعرج فيها وارض يتنزه عليها وفيها.
اتجه الشعر الصوفي وجهة متميزة قد اختلفت عن مسالك الفخر المعروف فلم نجد فيه مديحا للملوك والامراء والاشخاص ولم يقصد فيه الى التباهي والتفاخر والتعظيم بما يمتلكه الصوفي او بما كان له من ماثر الاجــــــــداد والامجاد وانما فخر ينبع من عقيدته ومنزلته الدينية وما تفرضه عليه الحدود الدينية التي وصل اليها في العبادة ومن خلالها وفي حب الله تعالى ومن الصور الفنية الجميلة في شعره اعتماد اسلوب التشبيه بحيث يشبه الشاعر الصوفي المحسوسات ببعضها فهو يشبه محسوسا باخر محسوس مثله او معنوي ينبثق من محسوس مثله .
ويعتبر الحب الالهي حجر الزاوية في الرؤية الصوفية وقيل هو الذى اخرج الكون من . والارادة فمحبة الحق تعالى للعبد ارادته لانعام مخصوص عليه وهي حالة تلاحظ في قلبه بلطف من العبارة وقد تحمله هذه الحالة على التعظيم له وايثار رضاه تعالى وقلة الصبر عنه وللاهتياج اليه وعدم الاقرار من دونه مع وجود الا ستيناس بدوام ذكره في قلبه .
لقد وردت كلمة الحب في القران الكريم في عدة مواضع مما يدل على انه عاطفة صافية من الله تعالى نحو عبده غرسها فيه واخرى صاعدة من العبد نحو ربه حالة متبادلة بين العبد وربه فالمحبة منه اليه اودع بذورها قلوب محبيه وان الروح فيض منه تعالى وهبة منه اليهم فالحب تعبير عن وفاء الروح لخالقها وليس جميع الارواح قادرة على الوفاء بالحب عن منة الله اليها ,لذا اصبح اهل المحبة مخصوصين بهذه النعمة اصطفاهم ربهم عن سائر خلقه وقد تصل درجة المحبة فيهم الى حد الوجد فتكون مكاشفات من الحق تعالى تثير الزفير المرهق والشهيق المؤرق والبكاء والانين والصعقة والصيحة وربما تصل الى الصراخ ويكون ذلك اذا انقطعت الاسباب وخلص الذكر وحي القلب ورق وصفى وغرست فيه الموعظة والذكر فانبتت واورقت واثمرت وحل الذكر من المناجاة في محل قريب وخوطب الصوفي فسمع الخطاب باذن واعية وقلب شاهد وسر طاهر فشاهد ما كان فيه ان التصوف بني على الحب الصادق العفيف فهو سمة بارزة للتصوف التزمه الصوفيون ايمانا بقدسيته حيث ورد كما اشرنا انفا في المصحف الشريف:
( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
وفي احاديث الرسول الكريم محمد على الله عليه وسلم ورد الحب كثيرا :
(اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك)
والصوفيون يعتبرون اعمالهم تقربهم الى محبه الله تعالى . لذا اصبح الحب الصوفي حبا صادقا تتعلق الروح فيه بالحضرة الالهية بصدق واخلاص ومنها ظهر تأثر الشعراء الصوفيون بشعرا ء الحب العذري فتمثلوا ببعض الفاظهم ومواجيدهم وتغنوا بالذات الالهية لاحظ قول رابعة العدوية حين تقول :
أحبك حبين حب الهو ى
وحبـــــاً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوي
فشغلي بذكرك عمن سواكا
ومن علامات الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه ينجلي الصوفي لربه حتى كانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى .وقد تحققت عبوديته لحبيبه ووصل الى اعلى المقامات وهو مقام الاحسان وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء فيه وقد اتخذ الفناء في الشعر الصوفي في بعض الاحيان ما يفصح عن كيفية هذا المحب وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها .
ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم وتوكيد الاتصال الالهي الذي يشعر به اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظمى
التي تحاول التقرب منها دائما ومن هنا يتبين ان الحب الالهي سرعظيم ان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند شــعر اء الصوفية فيه حالة من التكتم والسر وعدم البوح بما يجده في قلبه وملزم بتحمل ما يجده من صبابة ولوعة وشوق .
والسكر والصحو من اظهر الاحوال الصوفية واخصها وقد اختلف المشايخ ايها افضل واليـــــق بالصوفي لذا فاضت الاقوال المأ ثورة بالتعبير عن الفناء والغيبة والسكر وما الى ذلك مما يشير الى ان الصوفي كان فــــــــي اغلب احواله ماخوذا مشغولا عن نفسه وعن كل ما سوى الله بالله وحده . فالسكر الصوفي هو تلك النشوة العارمة التـــــي تفيض بها نفس الصوفي من فيوضات روحانية وقد امتلأت بحب الحبيب حتى غدت قريبة كل القرب منه . فالسكر الصوفي ليس شرابا او خمرا يدير الراس او يثقل الحواس فيضرب غشا وة علي القلب بل هو احساس يوقظ النفس وينعش الوجدان ويجلو عين البصيرة - في نظر الصوفية- كل غشاوة تلحقها . فتفتح امام القلب افاقا للروح في هــــــــــذه العوالم الجذابة الشائقة بحيث تستولي تجليات الحبيب على قلب الصوفي فلا يشهد ولا يشاهد سوى الحق سبحانه وتعالــــى لان حضور الحبيب في القلب هو محور لشعوره بذاته وبما حوله وقد يصل الى درجة صفاء الوجد وبهذا يحل والوجود الشهــودي محل الوجود الوجودي ونتيجة لذلك ولهذه الدرجة من الحب الالهي وما يشعر به الصوفي العارف تجاه خالقه وما يحـــس به من شعور ازاء جمال من يحب والمنزه عن الجمال الدنيوى فظهرت حالات النشوة والتي هي حالات السكر المشابه فـــــي آثاره الى حد بعيد حالات السكر الخمري وهذه الحالة علامة الصدق في الحب في ذلك يقول الشيخ عمر السهروردي :
المحــــــب شرفه ان تلحقه سكرات المحبة فان لم يكن ذلك لم يكن حبه حقيقة -
ومن هنا نجد في الشعر الصوفي الخمريات الالهية فتنبعث من روح الشاعر وقلبه وعواطفه لاحظ قول الشاعر عبد القادر الكيلاني يقول فيه :
حد يثها من قديم العهد في اذنـي
فخلني من حديث الحادث الفانــــي
قديمة مزجت روحي بها ودمـــي
وهي الاتي لم تزل روحي وريحانـــي
انا النديم الذي تم السرور بـــــــه
من كان يعشق رب الجا ن يهواني
وتعشق الراح مني حين اشربهـــا
ويسكر السكر مني حين يغشانــــي
فهو تعبير مبدع حاذق وصورة فنية جميلة لحالة السكر الالهي فالراح هي التي تعشقه والسكر هو الذي به يسكـــــــــر وخمرته ليس من هذه الخمور الدنيوية وليست نشوته نشوتهم فهي نشوة ازلية ابدية يعني بها التحدث بذكر الحبيب - الله تعالى - في السر الخفي الذي رادف السر والنور المحمدي وفيها يتشوق الشيخ قدس سره في مجال اخر الى الذا ت العلية وحبيبه الذى يراه في كؤوس الخمر الا لهية يقول:-
سقاني حبيبي من شراب ذوي المجد
فاسكرني حقا فغبت على وجدي
وحالة السكر هذه ربما لا تكون الا عند اصحاب المواجيد فهي حالة متأ تية من النظر الى الحق تعالى وفيه بعين القلب مستأنسا بالمشاهـــــدة والجمال الالهي في ظل النشوة العظيمة العارمة التي يشعر بها وقد تسمى هذه الحالة (الشطح )وهي حالة فيض وجد فـــاض بقوته وهاج لشدته وغليانه وغلبته فانثال فيضا رابيا . والشطح عند الصوفية من الحركة أي انه حركة اسرار الواجدين – فالصوفي عندما يقوى وجده ولم يطق حمل ما يرد على قلبه من سطوة انوار الحقائق الالهية فيظهر او يسطع ذلك على لسانه بعبارات مستغربة على مفهوم سامعها الا اذا كان من العارفين متبحرا في العلوم الصوفية واستطيع تمثيل حالة الفيض بدلو ملىء بالما ء ووضع تحت سيل يصب فيه فكلما كان السيل قويا كان الفيض مثله وهذه حالة لا يستطيع ادراك قوتها وكنهها ا لا من دخل فيها واحسها بصدق فهي حادثة جراء هيمان ووجد يتصوره الصوفي ان همته تعلو على جميع الهمم وان الله تعالى منزه عن الكيفية والمثلية –
(( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ))- سورة الشورى الاية \11
فهذه الحالة تمثل حالتي الصحو و السكر اساسها نكران الذات لدى الصوفي تنبع من هجره ملذات الحياة والانشغال بذكر الله مما يشــــع من روحه سناءا وصفاء من الكدر والانانية ويجعلها تفيض بالمحبة الخالصة الصافية في سمو من الاخلاق امتثالا للحديث القدســـــــي:
( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء –)
ومن علامات الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه ينجلي الصوفي لربه حتى كانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى .وقد تحققت عبوديته لحبيبه ووصل الى اعلى المقامات وهو مقام الاحسان وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء في حبه وقد اتخذ الفناء في الشعر الصوفي في بعض الاحيان ما يفصح عن كيفية هذا المحب وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها .
ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم وتوكيد الاتصـال الالهـي الذي يشعر بـه الصـوفي اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظيمـة التي بحاول التقرب منها دائما . ومن هنا يتبين ان في الحب الالهي سر عظيم فان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند شعر اء الصوفية حالة يكتنفها التكتم والسر وعدم البوح بما يجده في قلبه وملزم بتحمل ما يجده من صبابة ولوعة وشوق فهو اذن من الصابرين .
و الشعر الزهدي او الديني - والشعر الصوفي رافد من روافده الفذة - اتسم بالشكوى من الحياة او الدنيا وطبع بالحنين الى الاخرة وما فيها من الحياة المترفة في الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين لذا فالشاعر الصوفي نلحظ المنهجية فيه و اضحة حتى ان كانت الحياة التي يحياها بعيدة عن شظف العيش ومسبباتها فان اتجاهه الديني وطريقته الصوفية تجعلانه يحن الى خالقه هاجرا كل ما في هذه الدنيا الفانية شاكيا اليه تعالى بعد البعد والفراق لانه هو في ذاته يمثل الشكوى وهي فن شعري قديم قدم الشعر ذاته تعود اصوله الى ما قبل الاسلام وقد عرف الشعر العربي الوانا من من شعر الشكوى منها الشكوى من الحياة والشكوى من الناس والشكوى من الحاكمين ومن الزمن ومن ومن...
فالشكوى غرض من الاغـراض التي وجدتها في هذا النوع من الشعر كثير وفيه وخاصة الشكوى لله تعالى والتوجه له في كل الامور والاستغاثة به والتعلق بر حمته فالشاعر يبث شكواه عند الضيق والحرج لخالقه تعالى فهو ميسر لكل عسير يقول احدهم :
اذا ضاق حالي اشتكيت لخالقي
قدير على تيسير كل عسير
فما بين اطباق الجفون وحلهــا
ا ا نجبار كسير وانفكاك اســـير
لقد ابدع الشعراء الصوفيون في تصوير القدرة الالهية :–
(انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ) –
لذا جاء الشعر الصوفي يموج بكلمات الحب والشوق ويجعل منها نشيدا جميلا فيزيد في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين في الرجاء والاستعطاف فاحبه الناس وتمثل به الاحبة والعاشقون .واقول فيه :
شغفت بمن لا مقلتي انتشت به
وقد لا تراه العين مادمت في عمري
تعالى عن الانظار سيماء قادر
بعيـــــد قريب من محبيه بالفكر
وفيه المنى اني لنوره عاشق
ونور الشموس الزهر من نوره تجري
لقد زاد بي وجدي كبحر بعمقه
وغرقى قلوب العاشقين في البحر
لاحظ كتابي ( المختار من شعراء التصوف وعيون الشعر الصوفي ) طبع ونشر دار دجلة ناشرون وموزعون عمان – الارد ن
.
امير البيــــــان العربي
د. فالح نصيف الكيـلاني
العراق – ديالى - بلدروز
*****************************
بقلم : د. فالح الكيـــــــلاني
من المعلوم لدينا ان الشعر الصوفي هو امتداد لشعر الزهد الذي ظهر في بدايات العصر الاموي فقد ا نحدر شعر الزهد والشعر الصوفي في نهر واحد ثم افترقا قريبا من بعضهما ثم يلتقيان في مصب واحد . فشعراء الزهد كانت قصا ئدهم واشعارهم في التقرب الى الله تعالى طمعا في الجنة والجزاء الحسن ومن هنا كان شعرا ملئ بألفاظ التوسل و الرجاء و المناجاة والتحذير من النار وملذات الحياة الدنيا وشهواتها والتذكير بالاخرة والمعاد والحساب يوم القيامة او في الحياة الاخرة وما يعزز الرغبة والرهبة وهاجس الخوف من العقاب والعذاب .
اما الشعراء الصوفيون فقد نبعت اشعارهم وقصائدهم من هواجس الحب والوجد والشوق والوله والعشق والود الخالص لخالقهم فهو الحبيب الذي عشقوه وذابت ارواحهم في حبه وفي كيفية الوصول اليه لذا اختاروا الالفاظ الغزلية وكلمات الحب الخالص في التعبير عن مكنون انفسهم وافكارهم وما يداخلها من حب وشوق الى الله تعالى . وشتان بين الخوف والرهبة وبين الحب والشوق فالشاعر الصوفي محب عاشق واله من حيث ان الصوفية في جوهرها وذاتها ضرب من ضروب الحب والوله والفنا ء بالحبيب واليه والوصول اليه .
والاسلوب الشعرى هو بنا ء القصيدة من حيث الشكل والمضمون حسا مضمونا وفنا وتخيلا وتصورا واحاسيس ووجدان وعواطف وصورا شعرية وبلاغة وموسيقى ونحوا وبلاغة في كل ما يتطلبه البناء الشعرى للقصيدة وداخل فيها ابتداءا من مطلعها الى خاتمتها .
والقصائد الصوفية امتازت بين الطول والقصر فهناك مقطوعات نظمت في بيتين او ثلاثة وقصائد بين عشرات الابيات الى جانب مطولات كانت قمة في الالق و الرقي الشعري وان السمة الجامعة لهذه القصائد او المقطوعات انها في ذاتها في التصوف والحب الالهي . واللغة الشعرية التي استعملها الشعراء الصوفيون قد اشتملت على الغزل العذرى وما فيه من الفاظ في الود والحب والشوق والوجد والوله والفناء في داخل المحب وما تعتمل في نفسه منها ازاء من تهواه نفسه وقد اضافوا اليها احدى طرق التعبير الصوفي ماثلة في التلويح او الرمز الشعرى الذى يومئ او يستثير به لها . ومن خلال هذا الطريق استطاع الشاعر الصوفي التعبير عما يخالجه ويجول بخاطره من عبارات دون الاكتراث بما حوله ومن العناية الشعرية وجودة الصياغة وحسن اختيار الالفاظ حيث كان دقيقا في اختيار الالفاظ الشعرية في ظل الرمز في استعمال الالفاظ السهلة وانتقاء الكلمات الانيقة التي تظهرما يتمتع به الشاعر من قوة والهام في الاختيار والتعبير والشاعرية الفذة بالفاظ سهلة مأ لوفة يلبسها ثوبا جديدا قشيبا يتلون بالوان وهج القصيدة واحاسيسها فتأتي بين الرقة والعذوبة وربما الخطابية ايضا.
اما الموسيقى الشعرية فانها تنبع من احساس الشاعر وما يتأجج في نفسه من احوال ومواجيد وقد ارتبط بالموسيقى مظهران اساسيان احدهما يتمم الاخر وهما الاوزان والقوافي:
ففي مجال الاوزان الشعرية - والوزن هو قالب موسيقي يعتمده اسلوب الشعر العربي اوهو مصطلح الايقاع واللحن الحادث من تجمع اصوات الحروف وتجاوبها بنغمية معينة مع بعضها تنسيقا واداءا من خلال مقدرة الشاعر على الصياغة وانتقا ء الشاعر لها - فنلاحظ الاوزان ذات النغمات الطويلة والمؤثرة في المتلقي لذا جاء ت هذه القصائد تسبح في بحار الطويل والبسيط والكامل والوافر.
اما القوافي فانها تنطوي على تقدير الاتصال بين ابيات القصيدة الواحدة وتبرز اهميتها من خلال الاتصال والتناسق مع الاوزان الشعرية والانسجام بينهما بحيث نجد في الشعرالصوفي معظم قوافيه منسجمة مع الوزن بحيث تشكل جرسا موسيقيا عذبا متالقا متصاعدا متفاعلا مع العواطف المتلقية حتى تصل الى الانبهار في بعضها.
اما فى موضوع الفنون الشعرية فاقول ان الصوفي ولد في احضان حركة الزهد الاسلامي وتطور من خلالها . والشعر الصوفي ولد في رحم التيار العام للشعر الديني في ا لاسلام وترعرع فيه وقد عبر هذا الشعر الصوفي بأمانة عن مختلف النوازع الصوفية كالاعراض عن الدنيا والزهد فيها والاخلاد الى القناعة والرضا بفضل الله تعالى والصبر عند الشدائد والنوازل والشكر لنعم الله تعالى والتوكل عليه في السراء والضراء وفي مقامات الصوفية وحقيقتها نلحظ نهوض القلب في طلب الحق عز وجل والمقام عندهم مقام العبد بين يدي الله تعالى فيما يأتيـه من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع اليه تعالى . مع فرض الاتيان بكل التكاليف الشرعية والتأكيد على . اما الصورة الفنيــة فهي اللمحة او الحالة التي يسجلها الشاعر وما يتمثل به من احساسيس ومدارك للوصول الى ما تسمو اليه شاعريته ويروم تسجيله بحالة انصع وافضل – والصورة الشعرية قمة خيال الشاعر- فهي بحر يسبح فيه وسماء يعرج فيها وارض يتنزه عليها وفيها.
اتجه الشعر الصوفي وجهة متميزة قد اختلفت عن مسالك الفخر المعروف فلم نجد فيه مديحا للملوك والامراء والاشخاص ولم يقصد فيه الى التباهي والتفاخر والتعظيم بما يمتلكه الصوفي او بما كان له من ماثر الاجــــــــداد والامجاد وانما فخر ينبع من عقيدته ومنزلته الدينية وما تفرضه عليه الحدود الدينية التي وصل اليها في العبادة ومن خلالها وفي حب الله تعالى ومن الصور الفنية الجميلة في شعره اعتماد اسلوب التشبيه بحيث يشبه الشاعر الصوفي المحسوسات ببعضها فهو يشبه محسوسا باخر محسوس مثله او معنوي ينبثق من محسوس مثله .
ويعتبر الحب الالهي حجر الزاوية في الرؤية الصوفية وقيل هو الذى اخرج الكون من . والارادة فمحبة الحق تعالى للعبد ارادته لانعام مخصوص عليه وهي حالة تلاحظ في قلبه بلطف من العبارة وقد تحمله هذه الحالة على التعظيم له وايثار رضاه تعالى وقلة الصبر عنه وللاهتياج اليه وعدم الاقرار من دونه مع وجود الا ستيناس بدوام ذكره في قلبه .
لقد وردت كلمة الحب في القران الكريم في عدة مواضع مما يدل على انه عاطفة صافية من الله تعالى نحو عبده غرسها فيه واخرى صاعدة من العبد نحو ربه حالة متبادلة بين العبد وربه فالمحبة منه اليه اودع بذورها قلوب محبيه وان الروح فيض منه تعالى وهبة منه اليهم فالحب تعبير عن وفاء الروح لخالقها وليس جميع الارواح قادرة على الوفاء بالحب عن منة الله اليها ,لذا اصبح اهل المحبة مخصوصين بهذه النعمة اصطفاهم ربهم عن سائر خلقه وقد تصل درجة المحبة فيهم الى حد الوجد فتكون مكاشفات من الحق تعالى تثير الزفير المرهق والشهيق المؤرق والبكاء والانين والصعقة والصيحة وربما تصل الى الصراخ ويكون ذلك اذا انقطعت الاسباب وخلص الذكر وحي القلب ورق وصفى وغرست فيه الموعظة والذكر فانبتت واورقت واثمرت وحل الذكر من المناجاة في محل قريب وخوطب الصوفي فسمع الخطاب باذن واعية وقلب شاهد وسر طاهر فشاهد ما كان فيه ان التصوف بني على الحب الصادق العفيف فهو سمة بارزة للتصوف التزمه الصوفيون ايمانا بقدسيته حيث ورد كما اشرنا انفا في المصحف الشريف:
( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
وفي احاديث الرسول الكريم محمد على الله عليه وسلم ورد الحب كثيرا :
(اللهم اني اسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني الى حبك)
والصوفيون يعتبرون اعمالهم تقربهم الى محبه الله تعالى . لذا اصبح الحب الصوفي حبا صادقا تتعلق الروح فيه بالحضرة الالهية بصدق واخلاص ومنها ظهر تأثر الشعراء الصوفيون بشعرا ء الحب العذري فتمثلوا ببعض الفاظهم ومواجيدهم وتغنوا بالذات الالهية لاحظ قول رابعة العدوية حين تقول :
أحبك حبين حب الهو ى
وحبـــــاً لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حب الهوي
فشغلي بذكرك عمن سواكا
ومن علامات الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه ينجلي الصوفي لربه حتى كانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى .وقد تحققت عبوديته لحبيبه ووصل الى اعلى المقامات وهو مقام الاحسان وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء فيه وقد اتخذ الفناء في الشعر الصوفي في بعض الاحيان ما يفصح عن كيفية هذا المحب وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها .
ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم وتوكيد الاتصال الالهي الذي يشعر به اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظمى
التي تحاول التقرب منها دائما ومن هنا يتبين ان الحب الالهي سرعظيم ان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند شــعر اء الصوفية فيه حالة من التكتم والسر وعدم البوح بما يجده في قلبه وملزم بتحمل ما يجده من صبابة ولوعة وشوق .
والسكر والصحو من اظهر الاحوال الصوفية واخصها وقد اختلف المشايخ ايها افضل واليـــــق بالصوفي لذا فاضت الاقوال المأ ثورة بالتعبير عن الفناء والغيبة والسكر وما الى ذلك مما يشير الى ان الصوفي كان فــــــــي اغلب احواله ماخوذا مشغولا عن نفسه وعن كل ما سوى الله بالله وحده . فالسكر الصوفي هو تلك النشوة العارمة التـــــي تفيض بها نفس الصوفي من فيوضات روحانية وقد امتلأت بحب الحبيب حتى غدت قريبة كل القرب منه . فالسكر الصوفي ليس شرابا او خمرا يدير الراس او يثقل الحواس فيضرب غشا وة علي القلب بل هو احساس يوقظ النفس وينعش الوجدان ويجلو عين البصيرة - في نظر الصوفية- كل غشاوة تلحقها . فتفتح امام القلب افاقا للروح في هــــــــــذه العوالم الجذابة الشائقة بحيث تستولي تجليات الحبيب على قلب الصوفي فلا يشهد ولا يشاهد سوى الحق سبحانه وتعالــــى لان حضور الحبيب في القلب هو محور لشعوره بذاته وبما حوله وقد يصل الى درجة صفاء الوجد وبهذا يحل والوجود الشهــودي محل الوجود الوجودي ونتيجة لذلك ولهذه الدرجة من الحب الالهي وما يشعر به الصوفي العارف تجاه خالقه وما يحـــس به من شعور ازاء جمال من يحب والمنزه عن الجمال الدنيوى فظهرت حالات النشوة والتي هي حالات السكر المشابه فـــــي آثاره الى حد بعيد حالات السكر الخمري وهذه الحالة علامة الصدق في الحب في ذلك يقول الشيخ عمر السهروردي :
المحــــــب شرفه ان تلحقه سكرات المحبة فان لم يكن ذلك لم يكن حبه حقيقة -
ومن هنا نجد في الشعر الصوفي الخمريات الالهية فتنبعث من روح الشاعر وقلبه وعواطفه لاحظ قول الشاعر عبد القادر الكيلاني يقول فيه :
حد يثها من قديم العهد في اذنـي
فخلني من حديث الحادث الفانــــي
قديمة مزجت روحي بها ودمـــي
وهي الاتي لم تزل روحي وريحانـــي
انا النديم الذي تم السرور بـــــــه
من كان يعشق رب الجا ن يهواني
وتعشق الراح مني حين اشربهـــا
ويسكر السكر مني حين يغشانــــي
فهو تعبير مبدع حاذق وصورة فنية جميلة لحالة السكر الالهي فالراح هي التي تعشقه والسكر هو الذي به يسكـــــــــر وخمرته ليس من هذه الخمور الدنيوية وليست نشوته نشوتهم فهي نشوة ازلية ابدية يعني بها التحدث بذكر الحبيب - الله تعالى - في السر الخفي الذي رادف السر والنور المحمدي وفيها يتشوق الشيخ قدس سره في مجال اخر الى الذا ت العلية وحبيبه الذى يراه في كؤوس الخمر الا لهية يقول:-
سقاني حبيبي من شراب ذوي المجد
فاسكرني حقا فغبت على وجدي
وحالة السكر هذه ربما لا تكون الا عند اصحاب المواجيد فهي حالة متأ تية من النظر الى الحق تعالى وفيه بعين القلب مستأنسا بالمشاهـــــدة والجمال الالهي في ظل النشوة العظيمة العارمة التي يشعر بها وقد تسمى هذه الحالة (الشطح )وهي حالة فيض وجد فـــاض بقوته وهاج لشدته وغليانه وغلبته فانثال فيضا رابيا . والشطح عند الصوفية من الحركة أي انه حركة اسرار الواجدين – فالصوفي عندما يقوى وجده ولم يطق حمل ما يرد على قلبه من سطوة انوار الحقائق الالهية فيظهر او يسطع ذلك على لسانه بعبارات مستغربة على مفهوم سامعها الا اذا كان من العارفين متبحرا في العلوم الصوفية واستطيع تمثيل حالة الفيض بدلو ملىء بالما ء ووضع تحت سيل يصب فيه فكلما كان السيل قويا كان الفيض مثله وهذه حالة لا يستطيع ادراك قوتها وكنهها ا لا من دخل فيها واحسها بصدق فهي حادثة جراء هيمان ووجد يتصوره الصوفي ان همته تعلو على جميع الهمم وان الله تعالى منزه عن الكيفية والمثلية –
(( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير ))- سورة الشورى الاية \11
فهذه الحالة تمثل حالتي الصحو و السكر اساسها نكران الذات لدى الصوفي تنبع من هجره ملذات الحياة والانشغال بذكر الله مما يشــــع من روحه سناءا وصفاء من الكدر والانانية ويجعلها تفيض بالمحبة الخالصة الصافية في سمو من الاخلاق امتثالا للحديث القدســـــــي:
( المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء –)
ومن علامات الحب الالهي الانس وهو اقرار المشاهدة لجمال الحضرة الالهية في القلب وهذا جما ل الجلال وفيه ينجلي الصوفي لربه حتى كانه في حضرة التقريب مستأنسا بوجوده مع الحق تعالى .وقد تحققت عبوديته لحبيبه ووصل الى اعلى المقامات وهو مقام الاحسان وهنا ليس للصبر مع العبد اختيار ولا ارادة بل يصل الى درجة الفناء في حبه وقد اتخذ الفناء في الشعر الصوفي في بعض الاحيان ما يفصح عن كيفية هذا المحب وتمكينه في هذا الحب منه من افناء ذاته واتحادهما في موضوعاتهما بتشويق ازلي في توكيد الذات واثباتها .
ان ذكر الله تعالى والدوام عليه في ثنايا هذا الحب العظيم وتوكيد الاتصـال الالهـي الذي يشعر بـه الصـوفي اتجاه من يحب ليشير الى المنزلة العظيمـة التي بحاول التقرب منها دائما . ومن هنا يتبين ان في الحب الالهي سر عظيم فان افصح عنه عوقب صاحبه بالموت واتهم بالكفر والعصيان وعلى هذا فان الحب الالهي عند شعر اء الصوفية حالة يكتنفها التكتم والسر وعدم البوح بما يجده في قلبه وملزم بتحمل ما يجده من صبابة ولوعة وشوق فهو اذن من الصابرين .
و الشعر الزهدي او الديني - والشعر الصوفي رافد من روافده الفذة - اتسم بالشكوى من الحياة او الدنيا وطبع بالحنين الى الاخرة وما فيها من الحياة المترفة في الجنة التي وعد الله تعالى بها عباده المتقين لذا فالشاعر الصوفي نلحظ المنهجية فيه و اضحة حتى ان كانت الحياة التي يحياها بعيدة عن شظف العيش ومسبباتها فان اتجاهه الديني وطريقته الصوفية تجعلانه يحن الى خالقه هاجرا كل ما في هذه الدنيا الفانية شاكيا اليه تعالى بعد البعد والفراق لانه هو في ذاته يمثل الشكوى وهي فن شعري قديم قدم الشعر ذاته تعود اصوله الى ما قبل الاسلام وقد عرف الشعر العربي الوانا من من شعر الشكوى منها الشكوى من الحياة والشكوى من الناس والشكوى من الحاكمين ومن الزمن ومن ومن...
فالشكوى غرض من الاغـراض التي وجدتها في هذا النوع من الشعر كثير وفيه وخاصة الشكوى لله تعالى والتوجه له في كل الامور والاستغاثة به والتعلق بر حمته فالشاعر يبث شكواه عند الضيق والحرج لخالقه تعالى فهو ميسر لكل عسير يقول احدهم :
اذا ضاق حالي اشتكيت لخالقي
قدير على تيسير كل عسير
فما بين اطباق الجفون وحلهــا
ا ا نجبار كسير وانفكاك اســـير
لقد ابدع الشعراء الصوفيون في تصوير القدرة الالهية :–
(انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون ) –
لذا جاء الشعر الصوفي يموج بكلمات الحب والشوق ويجعل منها نشيدا جميلا فيزيد في مكانته الفنية عن ترنيمات المحبين في الرجاء والاستعطاف فاحبه الناس وتمثل به الاحبة والعاشقون .واقول فيه :
شغفت بمن لا مقلتي انتشت به
وقد لا تراه العين مادمت في عمري
تعالى عن الانظار سيماء قادر
بعيـــــد قريب من محبيه بالفكر
وفيه المنى اني لنوره عاشق
ونور الشموس الزهر من نوره تجري
لقد زاد بي وجدي كبحر بعمقه
وغرقى قلوب العاشقين في البحر
لاحظ كتابي ( المختار من شعراء التصوف وعيون الشعر الصوفي ) طبع ونشر دار دجلة ناشرون وموزعون عمان – الارد ن
.
امير البيــــــان العربي
د. فالح نصيف الكيـلاني
العراق – ديالى - بلدروز
*****************************